يعتبر استعمال الأدوات الرقمية للدردشة والتعاون مع الزملاء هو القاعدة في الكثير من أماكن العمل حتى للتعامل مع الزملاء الذين تجلس بالقرب منهم. وتعد الأدوات الرقمية مثل سكايب (Skype) وسلاك (Slack) والبريد الإلكتروني التقليدي مريحة ومغرية بعض الشيء.
وبينما يمكن أن يكون التعاون الرقمي مفيداً وجذاباً فإننا نعلم جميعاً أنه قد يتحول إلى نعمة تحمل في طيها نقمة. ويمكن للنهج الاستراتيجي الخاص بإدارة الشبكات الرقمية والتعاون الرقمي على مستوى الشركات أن يساعدنا في فهم أفضل لأنواع التواصل الرقمي الأكثر إنتاجية للموظفين والشركات.
تولد الأدوات الرقمية البيانات بشكل أساسي، وتعمل بعض الشركات حالياً على خلق الجيل القادم من المنتجات المتضمِنة للتحليلات حول الشبكات التي تتيحها. (للعلم فقط: يشمل هذا مايكروسوفت، التي اشترت شركتِي السابقة، فولو متريكس (VoloMetrix) للمساعدة في تحقيق ذلك في أنظمة الأعمال الأساسية مثل البريد الإلكتروني).
قبل الاستحواذ على شركتنا، قضينا سنوات من العمل مع المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبيرة لمساعدتهم على تحديد أنماط طرق التواصل الرقمي بين الناس وفهمها. وتُظهر البيانات المستخلصة من الأمثلة الواقعية التالية أن البريد الإلكتروني وغيره من الأدوات تعتبر مؤثرة بشكل مدهش في الأداء الأساسي للأفراد والشركات بثلاث طرق مثيرة للاهتمام.
الشبكات المتينة يمكن أن تتوقع الأداء. قارنت شركة برامج ناجحة وعالية النمو بيانات عام كامل في شبكة الرسائل الإلكترونية المجهولة التي تخص موظفين في مختلف المناصب، بحثاً عن تقييمات الأداء العالي مقابل الأداء المتدني. وهيمنت الشبكات ذات الأداء الأفضل على نسبة 36% من الشبكات الداخلية (تلك الشبكات التي تتواصل مرة كل أسبوعين على الأقل برسائل المجموعات الصغيرة) محققة "روابط متينة" مقارنة مع شبكات الأداء المتوسط، بينما حصلت شبكات الأداء المتدني على أقل من 6% من الشبكات الداخلية الأصغر مقارنة مع المعدل. لقد ساعد حجم وقوة شبكات التواصل بين الناس في التنبؤ بالتغيرات في الأداء عاماً بعد آخر بشكل أفضل من المدراء. إذ يبدو أن المشاركة المكثفة في العمل عبر الإنترنت حفزت بشكل مستقل أداء الموظفين.
وقد لاحظنا أيضاً هذا النمط في أقسام المبيعات في المؤسسات التي توجه تعاملاتها التجارية مع الشركات التي عملنا معها. ففي إحدى شركات البرامج لاحظنا أن نخبة مندوبي المبيعات تفوقوا في الاتصال الرقمي على غيرهم بتواصلهم مع عشرة زملاء إضافيين في المتوسط، وكانت الشبكات الداخلية أوسع بنسبة 25% من شبكات الأداء المتدني. في الواقع، أظهرت نماذج التنبؤ بأداء المبيعات التي تستعمل بيانات المخطط الاجتماعي (في شكل بنية شبكات الموظفين) أن عمليات التواصل الداخلي أكثر أهمية حتى من عمليات التواصل الخارجي.
الشبكات الواسعة يمكن أن تتوقع المؤهلات. تمتلك بعض الشركات برامج للتواصل مصممة لتطوير المسار المهني للموظفين الشباب الذين يمتلكون مؤهلات عالية. وتوجه هذه البرامج الموارد الخاصة بتطور واستبقاء الموظفين الذين تم اعتبارهم مؤهلين ليصبحوا قادة في المستقبل.
عندما قامت شركة خدمات عامة كبيرة بدراسة شبكات مئات من هؤلاء الموظفين ذوي التأهيل العالي، أظهرت البيانات أنهم كانوا الأكثر اتصالاً بالإنترنت مقارنة حتى مع غيرهم من أصحاب الأداء العالي في الشركة. وكانت شبكات ذوي التأهيل العالي أوسع بنسبة 52% مقارنة بالمعدل العام، بينما كانت هناك فعلاً مجموعة فرعية من المشاركين في هذه الدراسة حجم شبكاتهم دون المعدل. وقال المدراء إن المجموعة الأقل اتصالاً بالإنترنت تمثل الموظفين الذين يمتلكون مهارات أو أفكاراً عظيمة، لكنهم يفتقدون الانفتاح والذكاء العاطفي المطلوب لتحويل كفاءاتهم إلى تأثير. لقد كانت هناك فرصة لمساعدة هؤلاء الأشخاص على اكتساب جمهور أوسع، وخصوصاً من "العملاء" المتصلين جيداً بالإنترنت الذين يمكنهم وضع أفكارهم في دائرة الضوء.
لكن العبرة ليست بالحجم. فهل يجب تشجيع الجميع ببساطة على توسيع شبكاتهم الرقمية ما أمكن؟ ربما ينبغي ذلك لو كانت الروابط متكافئة، لكن الأمر ليس كذلك. فبعض الشبكات التي تضم العدد نفسه من الروابط، تكون أكثر فاعلية من غيرها إذا شملت أشخاصاً مؤثرين جداً. وقد أخذت شركة الأجهزة والمعدات الكبيرة التي نعمل معها تحليلاتها إلى نقطة أبعد مما فعلته أغلب الشركات من أجل التحقيق في تركيبة وجودة شبكة مندوبي المبيعات. ووجدت أن مشاركة بعض موظفي المبيعات أدى إلى مضاعفة تحسن حجم الصفقات مع الزبائن عشر مرات. واكتشفت أيضاً أن بعض موظفي المبيعات هم مجرد "وسطاء" في تحقيق أدوار أخرى ولا يُظهرون بوضوح توقعات القيادة المنوطة بهم.
يعد اكتشاف هذه الأنماط والأفكار خطوة أولية مناسبة. لكن ما الذي تستطيع المؤسسات فعله بعد الاطلاع على البيانات حول الشبكات والأداء؟ تعتبر المناهج الخاصة متنوعة بقدر تنوع الشركات، لكنها تنقسم عموماً إلى صنفين: نهج الوعي أو نهج التنبؤ. تقوم القيادة في نهج الوعي بحملات تواصل حول أهمية الشبكات، وتوفير الأدوات لتحليلات الشبكات أو إدارتها، وضمان وصول الرسالة للموظفين وتفاعلهم معها. ويحظى هذا النهج دائماً بالقبول الجيد، ويمكنه أن يستعمل بالموازاة مع النهج الثاني أي التنبؤ بنتائج الشركة. ويعتبر نهج التنبؤ أقل شيوعاً إذ لا تدمجه إلا فئة قليلة من عمليات الإدارة في يومنا هذا، لكن الأمور في طور التغير. فشركات المبيعات تحتل الصدارة اليوم في استعمال معايير الشبكات للتنبؤ بما يمكن أن يحصل مستقبلاً والتنبؤ على وجه الخصوص بالصفقات التي ينبغي عقدها.
لقد أصبح للبيانات الرقمية واسعة الانتشار التي تهم السلوك البشري القدرة على إعادة تشكيل أماكن العمل وجعلها أفضل خلال السنوات القليلة المقبلة. وكما تُظهر الأمثلة المعنية من الشركات المذكورة فإن التواصل الرقمي الذي يُنظر إليه كعبء قد يتحول إلى نعمة للموظفين والمؤسسات. ولكن من أجل تأهيل مهاراتنا البشرية الفريدة، مثل بناء العلاقات وتدريب بعضنا البعض للقيام بما هو أفضل، يجب استخدام كل الرؤى الثاقبة بشكل مدروس مع مراعاة عنصري التكنولوجيا والإنسان على حد سواء. وتعد الخلاصة التالية في الواقع أكبر الحلول المستفيدة من عناصر هندسة المكاتب المفتوحة التي يجهلها الموظفون: يمكنك بناء المكاتب، لكن جهودك لن تستطيع جعل الروابط بناءة وفعالة أكثر، في ظل غياب البيانات حول كيفية عمل الموظفين وتواصلهم.