فقد الكثير من القادة اليوم تواصلهم مع الموظفين العاملين تحت قيادتهم. تُقدّر مؤسسة إيدلمان أنّ واحداً من بين كل ثلاثة موظفين لا يثق برئيسه في العمل على الرغم من كل الملايين التي تنفق كل عام لتطوير القيادة. يكمن جزء من المشكلة في أنّ طريقتنا الأساسية لتطوير القادة تُناقض نوع القيادة الذي نحتاجه.
إنّ الأغلبية الساحقة من برامج القيادة مقرر يُدرّس في صفوف، أساسه منطقي، ويركز على الأفراد. وتفيد هذه الدورات في إخراج المشاركين من أجواء عملهم اليومي كي يحصلوا على إلهام من مدرسين خبراء، وينكبّوا على دراسة الحالات، ويحصلوا على تقييم، ثم يعودوا إلى العمل مسلّحين بآخر ما توصل له الفكر في عالم القيادة (إضافة بالطبع لحصولهم على شارة يضيفونها لسيرتهم الذاتية). لكن دراسة بعد أخرى، ومن ضمنها دراستي، تخبرنا أنّ الصفات التي يحتاجها العالم في القادة اليوم هي الذكاء العاطفي البديهي والديناميكي والتعاوني والمرتكز على ما تحتاجه المؤسسة.
هذا التباين بين الشكل الحالي لتطوير القيادة وبين ما يحتاجه فعلاً القادة ضخم وشاسع. كيف يمكن ردم هذه الهوّة؟
بحثت خلال 16 سنة الماضية في الكيفية التي يخلق فيها القادة التغيير، وعملت في مجال تغيير القيادة لخمس وعشرين سنة في مؤسسات متعددة الجنسيات. تكوّن لدي خلال تلك الفترة تقدير لأربع عوامل أرى أنها في قلب التطوير الجيد والعملي للقيادة:
اجعلها تجريبية
يخبرنا علم الأعصاب أننا نتعلم أكثر (ونحتفظ بما نتعلمه على شكل تغيير في السلوك) عندما يتم تنشيط الدارات العاطفية في دماغنا. إذ تُنشط التجربة العميقة التي تعاش هذه الدارات، فهي تحثنا على ملاحظة الأشياء في البيئة وفي ما يجري داخلنا. إذا بدأ تطوير القيادة من العقل، سيبقى القادة عالقين في رؤوسهم. لأن التخلص من العادة ليس سهلاً. لكن بالتجربة، وبالتجربة الفريدة تحديداً، يمكن لعقلنا الإرادي أن يصبح أكثر تفاعلاً بينما نتخذ قرارات دقيقة حول سلوكنا.
هذا يعني عملياً تجهيز ما أسميه "المخبر الحي" لتطوير المواهب. تخلّص من كل جداول التدريب المخطط لها مسبقاً، وكل المحتوى والمحاضرات والتدريبات التي تطالبك بالتفكير بعالمك وبكيفية قيادتك له. استبدلها جميعها بالتحول إلى بناء تجارب للمشاركين يوجهونها هم بأنفسهم لتُحاكي بدقة السياقات التي سيمارسون القيادة فيها. بمثل هذه التجارب تصبح التجاذبات (المزعجة أحياناً) بين أفراد المجموعة في الصف هي مضمار التدريب. ومن هذه التجارب محاكيات الأعمال أو حوارات المجموعة غير المخطط لها، كما أنني استخدمت أيضاً تجارب تتحدى المشاركين أن ينظّموا بأنفسهم زيارات خارج شركاتهم إلى مؤسسات شريكة معهم ومهمة لمستقبلهم. يمكن مثلاً لمورد للطاقة الخالية من الكربون زيارة مؤسسة بيئية غير ربحية. ستعمل كل هذه كحوافز تجريبية قوية للتعلم والتغيير.
أثّر في "كينونة" المشاركين وليس فقط في "عملهم"
من خلال بحث أجريناه، وجدنا أنا ومالكولم هيغز وروجر بيليس أنّ على القادة تحسين جودة لعبتهم الداخلية (أو قدرتهم على التأقلم وتنظيم حالاتهم العاطفية والعقلية) قبل أن يكون لديهم أي أمل في تطوير لعبتهم الخارجية (أو ما يريدون فعلاً تحقيقه). يعود السبب في هذا إلى أنه من الصعب جداً على القادة الخوض في نقاشات جريئة حول واقع سيء قبل أن يكونوا قادرين على السيطرة على قلقهم من فقدان شعبيتهم، وأن يبنوا مقدرات منهجية تجعلهم ينظرون للمنغصّات على أنها تحوليّة وليست تعطيلية.
حتى يتمكّن التطوير القيادي من التأثير في المقدرات على المستوى الوجودي، يجب أن توفر تجربة التعليم سكينة ومساحة للتأمل الإرادي غير المعوق. كما أنّ تعليم الناس باستخدام الأدوات والنماذج ليس أبداً كالأخذ بيدهم ليصبحوا قادة. وقد وجدت من تجربتي العملية أنّ توفير تجارب للمشاركين مثل ممارسة التيقظ في الطبيعة، والاستماع للزملاء بينما يشاركون قصصاً من حياتهم ضمن مجموعة، وانتدابهم لمهام غير اعتيادية مثل النقش على الحجارة يُمكّن القادة من الولوج إلى عالمهم الداخلي ليكون أداة فعّالة تغذي مهارات حيوية مثل الغاية وإدراك الذات والإحساس بالآخرين والضبط الصارم للانتباه.
تبدو مثل هذه الأساليب بعيدة ملايين الأميال عن أسلوب الطبشورة والكتابة الذي بُني عليه تطوير القيادة خلال القرن الماضي. لكن تطوير المقدرات الداخلية بذلك الأسلوب التقليدي لا يجدي نفعاً.
ضع التطوير في سياقه المنهجي الأوسع
في مقال بعنوان "لماذا تفشل دورات تدريب القادة – وما الحل" يتحدث بإقناع مايكل بير ومانجوس فينستورم وديريك شرادر عن الحاجة للاهتمام بالنهج التنظيمي باعتباره وسيلة للتغيير قبل أن ترسل الشركات قادتها إلى برامج تدريبية للتفكير والتصرف بشكل مختلف. لقد شاهدت كثيراً من القادة يحضرون دورات تروّج لعقليات وطرق معينة في العمل ليعودوا إلى مكان عملهم ويجدوا أنّ الشركة (وخاصة القيادة العليا) لا تزال عالقة في الروتين القديم، في حالة أشبه ما تكون بمتلازمة "العالم الموازي".
لدي سبب آخر للتحيز للاهتمام بالنهج التنظيمي، وهو استغلال تجربة تطوير القيادة كفرصة للولوج إلى ذلك النهج وتحويله برمته. إذ أدرت مؤخراً برنامج تغيير على مدى ثلاثة أعوام حضر فيه أكبر 360 قائداً من إحدى الشركات (بما فيهم مجلس الإدارة) برنامجاً لتطوير القيادة في شكل 10 دفعات من المشاركين، في كل منها 36 قائداً. لأن الصناعة التي تعمل فيها هذه الشركة تتسم بعدم اليقين، كان من المستحيل على الإدارة العليا تحديد الشكل الذي ستكون عليه استراتيجية الشركة على المدى الطويل ونموذجها التنظيمي. كان الرئيس التنفيذي مدركاً أنّ كل ما بإمكانه فعله في هذا السياق الديناميكي هو بناء مقدرات جديدة للمرونة والتغيير في المؤسسة. لهذا كانت كل دفعة من المشاركين تنضم للبرنامج في مرحلة مختلفة من رحلة التغيير في الشركة، وقد استخدمنا في كل مرحلة أسلوب تجربة التطوير التي تطرقنا لها سابقاً ليس فقط بغرض التدريب الشخصي لكن لتكون أيضاً دافعاً لاستحضار تلك القوى المحركة المتغيرة في منهج الشركة والتعامل معها كلما ظهرت – لمساعدتهم على عبور "منحنى التغيير".
يعني هذا بالطبع أنّ كل دفعة من المتدربين كان لها برنامج مختلف جداً، ما أوجب الرمي بعيداً بكل تصاميم الدورات المحضرة مسبقاً، وكان علينا كهيئة تدريس أن نستمر في تكييف البرنامج مع السياق المتغيّر.
استعن بمدرب يمارس دوره كدليل أكثر منه كخبير
أخيراً، عليك الانتباه لمهارات وصفات الأشخاص الذين سيقودون هذه البرامج. في المثال السابق، وجدنا أنّ أي مزود لم يستطع توفير تدريب شامل كفاية. واحتجنا إلى هيئة تدريسية ليس لديها من الأنا ما يجعلها متشبثة بمنهج قيادي معين أو مدرسة في التفكير، وتستطيع التعامل بمهارة مع القوى المحركة الحية في المجموعة بما يخلق أماناً نفسياً للمشاركين في الصف لاتخاذ مخاطرات شخصية وتجاوز التقييدات الاجتماعية. أردنا أن يكون كل عضو في الهيئة التدريسية أقرب لدليل الشيرباس (ٍSherpas)، أشخاص قادرون على تحمل جزء من العبء لقيادة المشاركين للوصول بهم إلى قمتهم الشخصية والتنظيمية.
لم يتطلب هذا فقط توظيف مجموعة من الأفراد يتمتعون بهذا النوع من المهارات التوجيهية لكن أيضاً تطوير أنفسنا باستمرار كفريق تدريسي متمكّن. احتجنا أن نعمل مع مقرر دراسي متغير دوماً ومع مجموعة من المتدربين تصب جام غضبها على الهيئة التدريسية بسبب التغيير المستمر، وبسبب انعكاسه على البرنامج.
لا ريب أنّ التعامل مع هذه العوامل الأربعة كان تحدياً ضخماً. سواء كنت قائداً في شركة أو كلية أعمال، أو رئيس برنامج للتطوير القيادي والتنظيمي، أو مديراً كبيراً للأعمال ترعى برامج التطوير القيادي وتهتم بها، خذ نظرة طويلة وقوية على الطريقة التي تمارس بها التطوير القيادي حالياً. فثمن القيادة الفاشلة باهظ جداً لتجاهل ما تقوم به لتطويرها.