لماذا ينبغي الكف عن انتظار الحكومات لسد فجوة المهارات؟

4 دقائق

انتُخب دونالد ترامب بناء على وعده "جعل أميركا عظيمة مجدداً". إلا أنّ أميركا كانت عظيمة بالفعل بالنسبة للبعض. على سبيل المثال، كانت أميركا مناسبة للمستثمرين، حيث سجل مؤشر داو جونز الصناعي ارتفاعاً قياسياً قبل انتخاب ترامب، ليرتفع أكثر منذ انتخابه. لكن لم تكن البلاد عظيمة بالنسبة للعمال، الذين شهدت أجورهم ثباتاً أو تراجعاً على امتداد 15 إلى 20 عاماً مضت. يجب أن تعود أميركا مكاناً رائعاً للعمل مجدداً، ولن يحدث هذا إلا إذا قمنا بالتوفيق بين مصالح العمال والمستثمرين بحيث تركّز الشركات على رفاه العمال لتحقيق نتائج مالية أفضل.

هناك العديد من التفسيرات لازدياد عدم المساواة وجمود الأجور، لكن وجدت الدراسات أنّ ما يُسمى "علاوة المهارة" (التي تتمثل بأجر أعلى للعاملين الأكثر مهارة) كانت عاملاً هاماً بزيادة التفاوت في الأجور، وكانت التكنولوجيا هي سبب ارتفاع تلك العلاوة. وتلعب الشركات دوراً في التصدي لهذا التحدي، ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الأداء.

يكتسي هذا الأمر طابعاً ملحاً لأننا نعتقد أنّ دور التكنولوجيا في سوق العمل سيزداد أهمية ووضوحاً نظراً لأن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يؤثران على أصحاب الوظائف الإدارية لمن يسمّون "ذوي الياقات البيضاء" بنفس الطريقة التي تؤثر بها الروبوتات على وظائف العمال أو "ذوي الياقات الزرقاء". على سبيل المثال، نتوقع ارتفاع استخدام شركات الخدمات المهنية، مثل المحاسبة والمحاماة والاستشارات نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيداً لإجراء عمليات التدقيق، وتحليل المعايير القانونية، وتقديم خدمات الاستشارات الإدارية. وسيؤدي هذا إلى ظهور المزيد من المؤسسات أو الشركات المسطحة ذات التنظيم الأفقي وشركات "مثقلة بالمناصب العليا" (top-heavy organizations) التي تزداد فيها نسبة الشركاء إلى الأعضاء بشكل كبير. وبالمثل، نتوقع أن يتقلص عدد الموظفين الذين يتولون وظائفاً داعمة وعمليات المساندة في المكاتب الخلفية بشكل كبير في العقود القليلة القادمة، إذ سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على أداء مثل هذه المهام.

ظهرت بالفعل أمثلة على هذه الظاهرة: يطور أكبر صندوق تحوط في العالم خوارزمية قادرة على اتخاذ قرارات التوظيف والإقالة. ويمكن أن يكون للنجاح في تصميم مثل هذه الكفاءة الخوارزمية أثراً كبيراً على عدد الموظفين في وظائف الموارد البشرية، ولكن أيضاً في وظائف أُخرى، مثل المبيعات.
وعلى الرغم من إيلاء اهتمام كبير (وعن صواب) لدور الحكومة في توفير الموارد التعليمية والمهارات لمواطنيها، فإننا نعتقد أنه سيكون من الصعب وقف تزايد مستويات التفاوت والقلق الاقتصادي دون أن تضطلع الشركات بدور أكبر وتتحمل المزيد من المسؤولية فيما يتعلق بالتدريب، وتنمية وصقل مهارات الموظفين. وأظهر تحليلنا أنّ مؤسسات القطاع الخاص اليوم تمتلك رأس المال البشري والمالي اللازم لتحقيق نتائج أكبر بكثير مما يمكن لأي حكومة أن تفعل، فقد سددت أكبر 500 شركة في العالم أكثر من 700 مليار دولار من الضرائب، وباعت منتجات وخدمات بما يزيد عن 22 تريليون دولار، بينما تتجاوز الأصول التي تُسيطر عليها 100 تريليون دولار، وأنفقت أكثر من 1.6 تريليون دولار و400 مليار دولار على رأس المال ونفقات البحث والتطوير على التوالي.

يمكن، ويتعين على صانعي السياسات بذل المزيد من الجهد للمواءمة بين حوافز الشركات والعمال. على سبيل المثال، عن طريق توفير حوافز ضريبية لمشاريع تقاسم الأرباح أو مزايا صحية، أو توظيف موظفين جدد، أو ربط ممارسات مكان العمل ببرامج المشتريات والتمويل الحكومية. ولكن تحتاج الشركات أيضاً إلى التعرف على الطرق التي تتفق فيها هذه المصالح بالفعل.

تستطيع الشركات التي تركز على رفاه الموظف وتحديداً على مهارات الموظفين جني العديد من الفوائد. فهي من جهة، سيكون لديها ميزة تنافسية في البيئة السياسية التي دخلناها. وستكون أكثر قدرة على تجنب العصا، ولجوء الرئيس الأميركي دونالد ترامب علناً إلى إحراج الشركات على ممارساتها المتصلة بالوظائف الأميركية مجرد مثال على ذلك. تُعتبر شركات "جنرال موتورز"، و"بوينغ"، و"لوكهيد مارتن"، و"فورد" هي أولى الشركات التي ستختبر العالم الذي سنعيش فيه.

ولكن لربما الأهم من ذلك: أنّ الشركات التي تستثمر في العمال ستحظى بفرص لتحسين إنتاجيتها ومنتجاتها أو خدماتها. فقد ظهرت بالفعل مخططات أولية لهذا التغيير. وكمثال على ذلك، لننظر إلى شركات صناعة السيارات في مساعيها للانتقال إلى عالم يحد من انبعاثات الكربون وإنتاج السيارات الكهربائية. ففي حين يحتوي محرك الاحتراق الداخلي على الآلاف من القطع، يحتوي محرك سيارات "تسلا" الكهربائية على بضع عشرات، تحتاج كل منها إلى مهارات هندسية مختلفة. ولهذا السبب أعلنت "فولكس فاغن" مؤخراً أنها ستعيد تدريب 7,000 مهندس في مجال التكنولوجيا الكهربائية. يُعتبر هذا تصرفاً ذكياً، وذلك أنّ "فولكس فاغن"، كحال شركات السيارات الأُخرى، عليها تلبية حصص السيارات الكهربائية وفقاً لتشريعات الاتحاد الأوروبي والتشريعات الوطنية. أو لننظر على سبيل المثال لشركات المحاسبة الرائدة، مثل "كيه بي إم جي" (KPMG) التي تقوم بتطوير برامج تدريبية للمحاسبين القانونيين المعتمدين لتحسين فهمهم نماذج وتقنيات البيانات الضخمة (big data). وستتيح تقنيات البيانات الضخمة لشركة "كيه بي إم جي" إجراء عمليات تدقيق أفضل وتحقيق نتائج أفضل لها ولعملائها. أو دعونا نلق نظرة على شركات تكنولوجيا المعلومات مثل "تاتا للاستشارات" و"إنفوسيس" (Infosys) التي تقوم بتدريب مئات الآلاف من الأفراد في مجال الخدمات الرقمية والتفكير التصميمي (design thinking) لتلبية مطالب العملاء الجديدة. كما تسير شركة "آي بي أم" على نفس المنوال في صقل مهارات الاستشاريين الخاصين بالشركة في مجالات الحوسبة السحابية، والتكنولوجيا الجوالة، ووسائل التواصل الاجتماعي. وتقدم شركات الاتصالات مثل "آي تي أند تي" اليوم التدريب في مجال علوم البيانات والشبكات الرقمية.

تدرك كل مبادرة من هذه المبادرات أهمية التوفيق بين مصالح العمال والشركات. إذ تحتاج الشركات إلى قوى عاملة ماهرة، وفي حال عانى سوق العمل نقصاً في مهارات رقمية معينة، لا تستطيع هذه الشركات الاعتماد على موظفين خارجيين للحصول على القدرات التي تحتاجها. يصب زيادة الاستثمار بإعادة صقل المهارات في مصلحة الشركات أولاً وأخيراً وسيعود الأمر كذلك بالفائدة على العمال بشكل أجور أعلى وفرص عمل طويلة الأجل.

ولكن ينبغي على الشركات توخي الحذر في كيفية الانتقال بالقوى العاملة إلى اكتساب مجموعة جديدة من المهارات. عندما يتطلب إنجاز مهمة ما مهارات جديدة، تسود حالة من القلق والغموض والارتباك. ولكن فرق الإدارة التي تشرح بوضوح هدف المؤسسة ستحقق أفضل النتائج من موظفيها. وكما أوضح بحث أجراه أحدنا، فإنّ المؤسسات التي تنمي لدى موظفيها شعوراً قوياً بالهدف والغاية وتنجح إدارتها في شرح التوقعات والرؤية المؤسسية بوضوح، تفوقت في الأداء على مثيلاتها في القطاع نفسه بنسبة 6% سنوياً على أساس معدل المخاطر.

أخيراً، يتعين على الشركات بذل جهود للاستثمار بالموظفين بعناية، فهو أمر لابد من تطبيقه. كما تلعب الحكومة دوراً، إلا أنه لا يمكن للشركات ترك هذه المهمة برمتها على عاتق القطاع العام. في الواقع، سيكون من الحماقة الحكم على أساس الربح فحسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي