في شهر سبتمبر/أيلول أثناء الإشراف على لجنة للرؤساء التنفيذيين في مؤتمر في العاصمة واشنطن، طرح أحدهم سؤالاً عما إذا كان البيان الأخير لاجتماع المائدة المستديرة للأعمال حول أهداف الشركات قادر على إقناع قادة الشركات بتحسين جودة العمل بالنسبة للموظفين العاملين بالساعة، فقال أعضاء اللجنة إن الرؤساء التنفيذيين يركزون بالفعل على جودة الوظائف في الخطوط الأمامية، أكثر مما يفترضه الناس بكثير.
ولكن بالنظر إلى الحقائق، من الصعب تصديق ذلك. إذ يعمل ثلث الموظفين الأميركيين في وظائف يقل متوسط الأجر فيها عن 15 دولاراً في الساعة (أو 31,200 دولار سنوياً بمعدل عمل 40 ساعة في الأسبوع). ويحصل أكثر من نصف الموظفين في قطاع التجزئة والخدمات الغذائية على إشعار بجدول أعمالهم قبل فترة لا تصل إلى الأسبوع. ومع ذلك، بينت خبرتنا الواسعة مع كبار المسؤولين التنفيذيين أن كثيراً منهم يعتقدون بصدق أنهم يفعلون كل ما بوسعهم لأجل موظفي الخطوط الأمامية، وبالتالي فهم لا يعانون من مشكلة الوظائف السيئة. ولكن ذلك غير صحيح. كيف يمكن أن يكون قادة الشركات الذين يعتمدون على البيانات مضلَلين؟
1. يقارنون موظفيهم بغيرهم من ذوي الأداء الضعيف. يسارع قادة الشركات الذين تحدثنا إليهم إلى الإشارة إلى أنهم "يدفعون الأجور وفقاً للسوق". (إلا أن مدراء الخط الأمامي يقولون بنفس السرعة إن شركاتهم لا تدفع أجوراً كافية لموظفي الخطوط الأمامية). غالباً ما يكون لدى الشركات الكبرى قسم كامل مخصص لتحديد معدلات الأجور وفقاً لمعايير المنافسين والتغيرات الإقليمية في تكاليف المعيشة. ولكن لا ينبغي أن يكون الهدف هو مواكبة الأداء المتوسط في بحر من الرداءة، وهو ما تمثله صناعة الخدمات في الولايات المتحدة فيما يتعلق بجودة العمل في الخطوط الأمامية. عوضاً عن ذلك، إذا قام تجار التجزئة بقياس الأجور مقارنة بمتاجر "كوستكو" (Costco)، التي تدفع أكثر قليلاً من 23 دولاراً في الساعة (مقارنة بمتوسط الأجور في المتاجر الذي يبلغ 11.30 دولاراً)، أو إذا قيمت شركات الرعاية الصحية الأجور مقارنة بمؤسسة "كيسر برماننت" (Kaiser Permanente)، التي تقول شركة "باي سكيل" (Payscale) إنها تدفع لمساعدي التمريض المعتمدين قرابة 20 دولاراً في الساعة (مقارنة بمتوسط يبلغ 13.72 دولاراً في القطاع)، فسيدرك القادة تقصيرهم.
2. لا ينظرون إلى البيانات (الصحيحة). عادة ما يهتم المسؤولون التنفيذيون بأرقام العمالة الكلية كالإنفاق الكلي للأجور ومتوسط نمو الأجور مثلاً، ولكن لا يهتمون بما يعنيه نموذج العمل بالنسبة للعمال الأفراد، ويصدمون عندما نخبرهم أن 50% من عمالهم يعملون أقل من 15 ساعة أسبوعياً أو أن غالبية الموظفين بدوام كامل يجنون أقل من 30 ألف دولار في السنة، أو أن أقل من ثلث الموظفين بدوام كامل يتقاضون أجراً كافياً لمعيشتهم (جميع الأمثلة حقيقية مأخوذة من عملنا). كما تقوم شركات كثيرة بتتبع المقاييس، كاندماج الموظفين وتفاعلهم، والتي قد تشكل صورة مضللة عن جودة الوظيفة. على الرغم من أنه يمكن أن تكون الاستبانات بشأن اندماج الموظفين مفيدة في تقييم التوجهات السنوية، إلا أنها لا تعطي صورة حقيقية عن جودة الوظائف. عملنا مع شركة تفخر بحصولها على شهادة باعتبارها مكاناً رائعاً للعمل، ولكن في نفس الوقت، بلغ معدل دوران موظفين لديها حوالي 60%، والسبب الرئيس لذلك هو الأجور المنخفضة والجداول غير المستقرة التي يتم تسليمها قبل 72 ساعة فقط. وبذلك، أدرك الموظفون أن الشركة لا تقدم وظائف جيدة.
3. بعيدون. لا يغفل المسؤولون التنفيذيون عن البيانات فحسب، بل وعن حقيقة حياة موظفيهم اليومية أيضاً. وعندما ننظر إلى تفاصيل نفقات المعيشة الأساسية للموظفين عن طريق حساب الأجور المعيشية، غالباً ما يصدم المسؤولون التنفيذيون بأن الموظف الذي يجني ما يعتبرونه "أجراً جيداً"، 15 دولاراً في الساعة مثلاً، يعاني من عدم كفاية هذا الأجر شهرياً. ويشعر هؤلاء التنفيذيون بالخزي عندما نخبرهم عن مدى الصعوبة التي يواجهها موظفوهم في تدبر أمورهم، كموظفة متفانية صاحبة أداء عال في شركة لرعاية كبار السن اضطرت لتأجيل عملية جراحية ناتجة عن إصابة عمل لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف التوقف عن العمل لأسبوعين أو ثلاثة (وليس لديها أيام كافية للإجازة المرضية).
4. يخلطون الثقافة وبعض الامتيازات وتقدير الموظف مع الوظائف الجيدة. نظراً لعدم دراية المسؤولين التنفيذيين بمدى صعوبة الأمور بالنسبة لموظفيهم، فمن السهل عليهم أن يتوصلوا إلى أن "الثقافة القوية" و"تقدير الموظف" المتكرر و"المزايا الرائعة" غير الكافية، مثل برامج الرفاهية، تزيد من جودة الوظيفة. قال الرئيس التنفيذي لشركة رعاية صحية لواحدة منا: "لا يمكنني فهم الأمر. فأنا أهتم كثيراً بموظفينا، ونحن نفعل الكثير لإظهار تقديرنا لهم، لكنهم يرحلون رغم ذلك". كان فخوراً بأن الشركة احتفلت بإنجازات التوظيف الرئيسية لجميع الموظفين وعرضت بعض برامج التخفيض. هذا عظيم، ولكن ما زال كثير من موظفي الخطوط الأمامية لديه مضطرين للعمل في وظيفتين لتغطية نفقاتهم، وكان عليهم التوفيق بين الوظيفة الثانية وساعات العمل الأسبوعية غير المنتظمة في شركته. كما تعتقد بعض الشركات أن تشجيع الموظفين على "أن يكونوا على طبيعتهم" في العمل هو طريقة لتقديم وظائف جيدة، كأن يرتدوا ما يريدون مثلاً وما إلى ذلك. قد يتمتع تعبير الموظف عن تميزه الشخصي بأهمية كبيرة له، ولكنه لا يسمن ولا يغني من جوع.
ولكن لحسن الحظ، فإن حل هذه المشكلات واضح ومباشر، وهو ما يجيده المسؤولون التنفيذيون وفرقهم بالفعل: إجراء التحليلات الدقيقة. يجب عليهم تقييم وظائف الخطوط الأمامية بدرجة عالية من الدقة وبالمقارنة مع الجوانب الأخرى للأعمال. وسيتطلب ذلك ما يلي: أ) النظر إلى مقاييس جديدة، كنسبة الموظفين بدوام كامل الذين يتقاضون أجوراً معيشية كافية. ب) إيلاء أهمية أقل بكثير للمقارنة بالمنافسين الذين يدفعون أجوراً أقل. ج) الاطلاع على التحديات اليومية التي يواجهها الموظفون، وأفضل طريقة لذلك هي قضاء الوقت معهم (كما فعل مارك بيرتوليني، الرئيس التنفيذي لشركة "أتنا" (Aetna)، وفريقه التنفيذي في عام 2015). وأخيراً، سيتطلب الأمر من المسؤولين التنفيذيين الصدق مع أنفسهم وعدم الخلط بين أهدافهم (أو ثقافتهم) وممارساتهم.
لسوء الحظ، هناك مشكلة أعمق وحلها أصعب، وهي معتقدات بعض المسؤولين التنفيذيين حول قيمة الوظائف الساعية والموظفين العاملين بالساعة. خذ مثلاً التعليقات التالية، التي أدلى بها مسؤولون تنفيذيون كبار (ومنهم رئيسين تنفيذيين) لأربع شركات من مجموعة فورتشن 500:
- "بعض الوظائف ليس لها مساهمة تذكر، ولذلك لا يمكن دفع أجور مرتفعة لها".
- "نحن ندفع بالفعل أجراً أعلى من المتوسط للموظفين الذين يتمتعون بمهارات محدودة".
- "يوجد حد لما يمكنك تقديمه لوظيفة مثل (موظف الصندوق)".
- "موظفو متاجر التجزئة هم مجرد طلاب جامعيين لا يحتاجون إلى تحقيق الاستقرار في العمل". (ملاحظة، لقد أخطأت المسؤولة التنفيذية صاحبة هذا التعليق، إذ يبلغ متوسط عمر موظفي متاجر التجزئة 37 عاماً، ولكن هذا الخطأ شائع جداً).
يصدق قادة الشركات هؤلاء الخرافة الضارة التي تقول إن هناك وظائف لا يمكن لها أن تكون جيدة جداً. إذ يتيح لهم هذا الاعتقاد النظر إلى ممارسات التوظيف التي يبدو ضعفها جلياً، وادعاء أنهم يفعلون كل ما في وسعهم بصدق، على الرغم من أن هذا ليس صحيحاً.
لذلك، على الرغم من أنه يجب علينا تشجيع قادة الشركات على تقييم جودة الوظائف بعناية أكبر، إلا أنه من الصعب تصديق أننا سنحقق تقدماً يذكر قبل أن تتغير هذه العقليات بشأن الموظفين والعمل الذي يقومون به. وسيكون إجراء محادثات صادقة مع الرؤساء التنفيذيين مكاناً جيداً للبدء.