ما هي الوتيرة المناسبة لنمو شركتك؟

15 دقيقة

بما كان النمو أكثر موضوع يحظى باهتمام القيادات العليا، وهذا لأسباب وجيهة؛ إذ يُعد النمو، سواءً في الإيرادات أو الأرباح، المعيار الأساسي الذي نقيس به القدرة التنافسية للشركات وصحتها المالية، كما يؤثر في تقييم جودة الإدارة وحجم تعويضاتها. ويلاحق المحللون والمستثمرون وأعضاء مجالس الإدارة الرؤساء التنفيذيين بالأسئلة حول فرص النمو، سعياً لاستشراف اتجاهات أسعار الأسهم. وتستقطب الشركات الأسرع نمواً الموظفين، لأنها تتيح لهم فرصاً أفضل للترقي ورواتب أعلى وأماناً وظيفياً أكبر، كما يفضل الموردون الشركات الأسرع نمواً؛ لأن التعامل معها يعزز فرص نموهم أيضاً. وإذا أتيحت الفرصة لمسؤولي الشركات وأصحاب المصلحة، فسيفضل معظمهم النمو السريع على النمو البطيء.

يسعى معظم الشركات إلى النمو المربح المستدام، لكنه يظل هدفاً يجد الكثير منها صعوبة في تحقيقه؛ فقد أثبتت الأبحاث التجريبية التي أجريتها مع آخرين حول أنماط النمو الطويلة الأجل في الشركات الأميركية أن معظمها يسجل نمواً طفيفاً عند احتساب التضخم. على سبيل المثال، أجريتُ تحليلاً شمل 10,897 شركة أميركية مساهمة بين عامي 1976 و2019، بالتعاون مع زميلتي الباحثة، كاثرين بينر، وبعد تقسيم هذه الشركات إلى 4 أرباع حسب الأداء، توصلنا إلى أن الشركات الواقعة ضمن أعلى ربع سجلت نمواً سنوياً بلغ %11.8 في المتوسط بعد احتساب أثر التضخم، في حين أن الشركات الواقعة ضمن الأرباع الثلاثة الأخرى لم تحقق سوى نمو طفيف أو لم تنمُ على الإطلاق (%0.3 و%0.03 و-%0.5 على التوالي). ولم تتمكن غالبية الشركات الواقعة ضمن الربع الأعلى من الحفاظ على أدائها المتميز من حيث النمو لأكثر من بضع سنوات. تجدر الإشارة هنا إلى أن تحقيق النمو المربح المستدام صعب ولكنه ليس مستحيلاً؛ فقد لاحظنا من خلال تحليلنا أن نحو %15 فقط من الشركات التي كانت تقع ضمن الربع الأعلى من حيث النمو عام 1985 تمكَّنت من الحفاظ على مركزها ضمن هذا الربع طيلة مدة لا تقل عن 30 عاماً.

فكرة المقال باختصار

يسعى معظم الشركات إلى النمو المربح المستدام، لكنه يظل هدفاً يجد الكثير منها صعوبة في تحقيقه؛ فقد أثبتت الأبحاث التجريبية أن معظمها يسجل نمواً طفيفاً عند احتساب التضخم.

على الرغم من إسهام العوامل الخارجية في تفاقم مشكلات النمو، فإنها ترتبط بعوامل داخلية في الكثير من الشركات، حيث يعتمد الكثير منها على ردود الفعل وانتهاز الفرص السانحة.

كي تتمكن الشركات من تحقيق نمو مربح ومستدام على المدى البعيد، عليها أن تتبنى استراتيجية تعالج 3 قرارات رئيسية: السرعة المطلوبة للنمو (المعدل المستهدف) والوجهة التي يجب البحث فيها عن مصادر جديدة للطلب (الاتجاه) والطريقة التي ستعتمدها لحشد الموارد اللازمة للنمو (الأسلوب).

حاولتُ خلال العقدين الماضيين فهم أسباب نجاح بعض الشركات في الحفاظ على النمو، وما يمكن لكبار القادة فعله لمواجهة التحديات المؤسسية المرتبطة به. بالإضافة إلى التحليل الإحصائي الكمي لعينات واسعة من الشركات الأميركية طيلة عقود من الزمن، أجريتُ دراسات حالة لأكثر من 20 شركة في مختلف القطاعات، مثل أشباه الموصلات والبرمجيات والرعاية الصحية وعلوم الحياة والمطاعم وشركات الطيران والسلع الفاخرة والملابس والفنادق وصناعة السيارات، كما استخلصتُ رؤى إضافية من خبرتي في تقديم الاستشارات للشركات (وعضويتي في مجالس إدارتها) التي تراوحت أحجامها بين شركات ناشئة وكبرى الشركات في العالم.

وتبيّن لي أن المبررات المعتادة لبطء النمو أو محدوديته، مثل قوى السوق والتغيرات التكنولوجية مثل الإبداعات المزعزِعة، لها دورٌ في هذه الظاهرة، بيد أن مشكلات النمو ترتبط بعوامل داخلية في الكثير من الشركات. على وجه التحديد، يعتمد النمو في الشركات على ردود الفعل وانتهاز الفرص السانحة؛ فعندما يزدهر الطلب في السوق، تُسارِع الشركات إلى تكثيف جهود تعيين الموظفين الجدد وضخ الموارد في تطوير قدرات موظفيها القدامى وتعزيز هيكلها التنظيمي دون التفكير في العواقب، مثل قدرة أنظمتها التشغيلية وعملياتها على استيعاب هذه التوسعات وأثر النمو السريع على ثقافتها المؤسسية وإمكانية استقطاب الكفاءات اللازمة لتحقيقه، والمخاطر المرتبطة بتراجع الطلب لاحقاً. في أثناء سعي الشركات الحثيث لتحقيق النمو، قد تدمر العوامل التي أسهمت في نجاحها أساساً، مثل قدرتها على الابتكار أو مرونتها أو خدمة العملاء المتميزة أو ثقافتها الفريدة. وعندما يتباطأ الطلب، قد تدفعها الضغوط للحفاظ على معدلات النمو التاريخية إلى تبنِّي حلول إصلاحية عاجلة، مثل إجراء عمليات استحواذ مكلفة أو تقليص ميزانيات البحث والتطوير والقدرات الاستراتيجية والتدريب. ولا تؤدي الأضرار الناجمة عن هذه الخطوات سوى إلى تفاقم مشكلات النمو.

الإمكانات العالية للطلب لا تؤدي إلى نمو مربح ما لم تكن المؤسسة تمتلك القدرات اللازمة لتلبية ذلك الطلب أو تستطيع تطويرها.

يتطلب الحفاظ على نمو مربح تحقيق توازن دقيق بين السعي لاغتنام الفرص السوقية (الطلب) وبناء الإمكانات والقدرات اللازمة للاستفادة منها (العرض). كي تتمكن الشركات من إدارة هذا التوازن بفعالية، عليها أن تتبنى استراتيجية نمو تعالج بوضوح 3 قرارات مترابطة: السرعة المطلوبة للنمو (المعدل المستهدف) والوجهة التي يجب البحث فيها عن مصادر جديدة للطلب (الاتجاه) والطريقة التي ستعتمدها لحشد الموارد المالية والبشرية والمؤسسية اللازمة للنمو (الأسلوب).

ينطوي كل من هذه القرارات على مفاضلات يجب أخذها في الاعتبار بما يتماشى مع الاستراتيجية العامة للشركة وإمكاناتها وثقافتها وظروف السوق الخارجية (انظر العمود الجانبي ”مخاطر استراتيجية النمو غير المتكاملة”). يوضح إطار ”المعدل-الاتجاه-الأسلوب” (RDM) الذي أتبنَّاه الترابط الحاسم بين القرارات التي يُتخَذ كلٌّ منها غالباً بمعزل عن الآخر. وباستخدام هذا الإطار لتوضيح المفاضلات، يمكن للشركات وضع استراتيجية نمو متوازنة.

المعدل: ما هي وتيرة النمو المناسبة؟

تبدو الإجابة عن هذا السؤال بديهية: بأسرع ما يمكن. لكن تبنّي منظور استراتيجي يعني أن تختار الشركات معدل نمو يعكس قدرتها على اغتنام الفرص بفعالية؛ فالنمو خيار استراتيجي تترتب عليه آثار تمتد إلى عمليات الشركة التشغيلية ونظامها المالي واستراتيجيتها في إدارة الموارد البشرية وتصميمها التنظيمي ونموذج عملها وثقافتها المؤسسية.

فيما يخص النظام المالي، يُعرَّف معدل النمو المستدام بأنه الحد الأقصى لنمو الشركة دون اللجوء إلى بيع الأسهم أو الاستدانة، لكن المواهب والخبرة المؤسسية والقدرات التشغيلية وأنظمة الإدارة، بل والثقافة المؤسسية، هي أيضاً موارد ضرورية لإنتاج السلع والخدمات، وقد تتحول إلى عوائق تعرقل النمو. ويحرص الرئيس التنفيذي للشؤون المالية على عدم تجاوز الشركة لمعدل نمو يفوق إمكاناتها المالية. ومن المؤسف أن الرؤساء التنفيذيين والمسؤولين عن الإدارات الأخرى لا يتبعون النهج المنضبط ذاته في أغلب الأحيان عند التعامل مع الموارد غير المالية، على الرغم من أنها تمثل معظم قيمة الشركة. على سبيل المثال، قد تقلل الشركات التي تنمو بسرعة من أهمية الفجوات بين قدرات موظفيها وإمكانات إدارتها وعملياتها التشغيلية من جهة، وبين المتطلبات اللازمة لتلبية الطلب من جهة أخرى، معتبرةً إياها مجرد ”تحديات نمو” مؤقتة. قد يؤدي هذا النهج إلى الوقوع في حلقة مفرغة؛ فقد تؤدي الفجوات في القدرات الأساسية إلى مشكلات في الجودة والتشغيل، ما يشكل عبئاً إضافياً يستنزف الموارد المحدودة أساساً. ونظراً لعدم توفر الوقت الكافي لتصميم أنظمة مناسبة لاستيعاب النمو، تحاول الشركات غالباً ”سد الفجوة” عبر التوظيف المكثف والإنفاق الكبير على البنية التحتية واتخاذ تدابير مؤقتة أخرى، ما قد يؤدي إلى إصابة الموظفين بالاحتراق الوظيفي وارتفاع معدل دورانهم، وهو أمرٌ شائع الحدوث بالمناسبة في هذه الحالات. تجد هذه الشركات نفسها أمام خليط غير منسجم من الأنظمة غير الفعالة وبنية تحتية غير متماسكة وقوى عاملة مستنزَفة وسمعة متدهورة في السوق، ويتحول ما يُسمى بتحديات النمو إلى مشكلة دائمة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة بيلوتون (Peloton) التي استجابت للارتفاع الكبير في الطلب على دراجاتها المخصصة للتمارين الرياضية وأجهزة المشي خلال جائحة كوفيد19- من خلال بذل جهود حثيثة لتوسيع قدرتها التصنيعية وتوزيعها. أدى هذا التوسع إلى تجاوز قدرات سلسلة التوريد الخاصة بالشركة، ما سبّب مشكلات تتعلق بالجودة وخدمة العملاء، ما أدى بدوره إلى سحب منتجات الشركة من الأسواق مرتين. ومع تراجع الطلب الناجم عن تفشي الجائحة، وجدت الشركة نفسها مثقلة بهيكل تكاليف متضخم.

قد تكون الاستراتيجية الأنسب لكثير من الشركات هي رفض النمو بمعدلات أسرع، مهما بدت الفرص مغرية على المدى المنظور. وتشكِّل سلسلة مطاعم بالز سادن سيرفس (Pal’s Sudden Service) التي تضم 31 فرعاً في جنوب شرق الولايات المتحدة، والتي درستُها بالتعاون مع فرانشيسكا جينو وبرادلي ستاتس، مثالاً لشركة تبنّت نهجاً منظماً جداً في النمو؛ فمنذ تأسيس سلسلة مطاعم بالز عام 1956، حرصت على تجنُّب التوسع السريع في الفروع الذي ينتهجه العديد من سلاسل الوجبات السريعة. ومنذ عام 1985، عندما افتتحت فرعها الثالث، أضافت في المتوسط أقل من مطعم جديد سنوياً، ولم تفتتح أكثر من مطعم واحد في أي عام، وعلى الرغم من ذلك، تفخر بالز بامتلاكها واحداً من أعلى معدلات الإيرادات لكل قدم مربع في القطاع، حيث تحقق 2,500 دولار مقابل 650 دولاراً فقط لسلاسل البرغر المعتادة. ونظراً لأهمية اقتصادات الحجم في هذا القطاع، فإن الأداء المالي المميز لهذه السلسلة يثير الدهشة.

يعتمد نجاحها بصورة أساسية على نظامها التشغيلي المصمم وفق مبادئ التصنيع الرشيق؛ إذ خضعت كل خطوة لدراسة تفصيلة ودقة متناهية، بدءاً من مكان وضع الكاتشب على قطعة لحم البرغر وصولاً إلى قياس الفتحة في خبز شطائر الهوت دوغ، كما تقتصر قائمة طعام الشركة على عدد قليل من الأصناف الأساسية، مثل الشطائر التي تشمل البرغر والهوت دوغ، والبطاطا المقلية ومشروبات الحليب المخفوق (ميلك شيك).

ونظراً لنموذجها التشغيلي المربح والدقيق والطلب الهائل على منتجاتها في الولايات المتحدة، قد يبدو التوسع الكبير والمربح خطوة منطقية، لكن قيادة السلسلة تدرك أن ثمة عنصراً مميزاً في نموذجها يقيّد سرعة نموها؛ ألا وهو التزامها الصارم بالجودة. تسجّل سلسلة مطاعم بالز معدل أخطاء منخفضاً جداً في الطلبات يبلغ خطأ واحداً لكل 3,600 طلب مقارنةً بخطأ واحد لكل 15 طلباً في القطاع. يتيح لها هذا المستوى من الجودة تقليل التكاليف الناجمة عن هدر الطعام، وهو أمر بالغ الأهمية في قطاع يحقق هوامش ربحية منخفضة، كما يمنحها واحداً من أسرع معدلات تجهيز الطلبات وتسليمها في القطاع. وبما أن أخطاء الطلبات في نظام الطلب من السيارة تؤدي إلى تأخير لكل عميل في الطابور، يتيح نظام بالز خدمة عدد أكبر من العملاء خلال ساعات الذروة، ما ينعكس مباشرة على زيادة الإيرادات.

لكنّ التركيز على الجودة يستلزم أيضاً استثماراً كبيراً في الموارد، وخصوصاً في مجال التدريب المكثف وإرساء الثقافة الملائمة بين أفراد القوى العاملة. ويتلقى العاملون في سلسلة مطاعم بالز تدريباً مكثفاً لأسابيع على كل عملية، ولا يُسمح لهم بإعداد المنتجات للعملاء إلا بعد النجاح في اختبار الاعتماد. ويجب عليهم اجتياز اختبار الاعتماد على نحو دوري لضمان بقاء مهاراتهم في المستوى المطلوب. يشرف على إدارة فروع سلسلة مطاعم بالز ”مشغِّلون مالكون” (ليسوا مالكين بالمعنى الحرفي، وإنما تعتمد تعويضات كلٍّ منهم بالكامل على أرباح الفرع الذي يديره). وتؤمن بالز بأن هؤلاء المدراء عنصر أساسي في ترسيخ ثقافة الجودة وفي تدريب أصحاب المواهب وتطوير أدائهم، ومن هنا يخضع المرشحون للإدارة إلى فحص دقيق، ويلتحق المختارون منهم ببرنامج الشركة لتطوير القدرات القيادية، بغض النظر عن خبرتهم السابقة في القطاع. ولا يُسمح للمرشح عادة بإدارة الفرع إلا بعد مرور 3 أعوام. وتعتمد استراتيجية نمو الشركة على توافر مدراء الفروع؛ فعندما يكون لدى بالز مرشح جاهز، تفتتح فرعاً جديداً.

لاحظ الفرق بين نهج بالز في النمو ونهج معظم الشركات الأخرى؛ إذ لا تعتمد بالز في تحديد أهداف نموها على حجم السوق المحتمل أو العوائد المالية المستهدفة. وتُحدد بدلاً من ذلك وتيرة نموها وفقاً لقدرتها على تطوير المورد الأساسي الذي يمثل عائق النمو لديها، وهو مدراء الفروع في هذه الحالة. لا شك في أن هذا النهج أدى إلى تباطؤ نمو عدد الفروع والإيرادات، لكنه كان عاملاً حاسماً في الحفاظ على النموذج التشغيلي الفريد للشركة وأدائها المالي المتميز.

اكتشفتُ من خلال أبحاثي أن غالبية الشركات تربط إمكانات النمو بالعوامل ذات الصلة بالطلب، مثل التوجهات الخارجية والحصة السوقية، ومقاييس أخرى، مثل حجم السوق المستهدف. لا جدال في أهمية هذه العوامل، لكنها تغطي جانباً واحداً فقط من المعادلة؛ إذ تمثل القيود ذات الصلة بالعرض دوراً مهماً أيضاً؛ فالإمكانات العالية للطلب لا تؤدي إلى نمو مربح ما لم تكن المؤسسة تمتلك القدرات اللازمة لتلبية ذلك الطلب أو تستطيع تطويرها. وبالتالي، فتبنّي منظور استراتيجي للنمو يستلزم تحليل معدل النمو المستدام للشركة (مع مراعاة مختلف الموارد، لا المال فقط)، ثم دراسة المفاضلات المترتبة على سرعة النمو أو بطئه. على سبيل المثال، قد تكون هناك أسباب استراتيجية وجيهة للنمو بوتيرة أسرع (مثل الدخول إلى سوق معينة للتمتع بميزة السبق أو الآثار المترتبة على وجود الشبكات)، لكن يجب دراسة تسريع النمو بعناية في ضوء الأضرار المحتملة التي قد تترتب عليه.

اتجاه النمو: التوسع في الحجم أم النطاق أم التنويع؟

بما أن الطلب هو العامل الأساسي للنمو، فاختيار الفرص السوقية التي تجب متابعتها يمثل عنصراً أساسياً في الاستراتيجية العامة للنمو؛ إذ تسعى شركات محدَّدة إلى تحقيق النمو من خلال التوسع في أسواقها الأساسية، بينما تسعى شركات أخرى إلى توسيع نطاقها عبر تقديم منتجات وخدمات مكملة، بينما يختار البعض الآخر التنويع في قطاعات تبدو غير مترابطة. لطالما كان تحديد أكثر الاستراتيجيات ربحية على المدى البعيد موضوعاً مثيراً للجدل، وتُشير أبحاثي إلى عدم وجود حل قطعي أو مباشر لهذه المسألة.

 

والآن لنعد إلى تحليل نحو 11,000 شركة خلال الفترة من 1976 إلى 2019. شملت قائمة الشركات الأسرع نمواً على المدى الطويل شركات، مثل وول مارت (Walmart) ويو بي إس (UPS) وساوث ويست إيرلاينز (Southwest Airlines) وبابليكس (Publix)، التي نمت من خلال التوسع في أسواقها الأساسية أو تكرار نموذجها في أسواق جغرافية جديدة أو إضافة خدمات مساندة تتماشى على نحو وثيق مع عملياتها الأساسية، بينما اتبعت شركات أخرى، مثل داناهر (Danaher) وجونسون آند جونسون (التي قدمت لها خدمات استشارية في السابق) وبيركشر هاثاواي، نهجاً معاكساً من خلال تبني استراتيجيات التنويع.

كيف تحدد الشركات المسار الذي يجب أن تسلكه في سعيها لتحقيق النمو؟ قد يبدو أن اتخاذ هذا القرار يعتمد ببساطة على العثور على الأسواق الناشئة وغير المشبعة والاستفادة من إمكانات نموها السريع. وعلى الرغم من أهمية آليات السوق، هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار. على سبيل المثال، خلال الفترة من 1980 إلى 2019، بلغ متوسط معدل النمو السنوي المركَّب لسوق السفر الداخلي في الولايات المتحدة (من حيث ”أميال المسافرين المدفوعة”، أي عدد الأميال التي قطعها الركاب الذين دفعوا المال نظير رحلاتهم) نسبة متواضعة قدرها %5.3، في حين حققت شركة ساوث ويست إيرلاينز معدلاً سنوياً مركَّباً قوياً للنمو بلغ %15.3. حققت الشركة هذا المعدل من خلال تطوير قدرات تشغيلية فريدة (مثل سرعة تجهيز الطائرات للرحلات التالية)، ما مكّنها من تقديم خدمة النقل المباشر بكفاءة على مسارات لم تكن الشركات المنافسة التقليدية تهتم بها أو كانت تقدمها من خلال نظام النقل عبر المحاور المركزية، وهو نظام غير ملائم.

وقد لاحظتُ أنَّ توزيع معدلات النمو غير متكافئ إلى حدٍّ كبير حتى في القطاعات ذات النمو المرتفع، حيث يستحوذ عدد قليل من الشركات على الحصة الأكبر من نمو القطاع. ولك أن تنظر مثلاً إلى قطاع أشباه الموصلات؛ إذ حققت أكبر 10 شركات في هذا القطاع بين عامي 2015 و2020 نمواً بمعدل سنوي مركَّب بلغ %9.2 في المتوسط. ولكن عند استثناء الشركتين الأسرع نمواً خلال هذه الفترة، وهما إنفيديا (Nvidia) بمعدل نمو سنوي مركَّب بلغ %27 وشركة تايوان سيمي كونداكتور (Taiwan Semiconductor) بمعدل %12.3، انخفض المتوسط إلى %6.5. حققت شركة إنفيديا نموها السريع بفضل قدراتها في تصميم وحدات معالجة الرسومات (GPUs) عالية الأداء، التي ساعدتها في الاستحواذ على %61 من سوق الرقائق الإلكترونية السريعة النمو؛ إذ تُستخدَم منتجاتها في تشغيل تطبيقات تعلّم الآلة وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فيما تأتي شركة إنتل في المرتبة التالية بحصة تبلغ %16. لا يقدّم سوق رقائق الذكاء الاصطناعي إمكانات نمو كبيرة إلا للشركات التي تمتلك قدرات بحثية وتطويرية تؤهلها للمنافسة، في حين لا ترى فيه الشركات الأخرى فرصة مغرية.

السؤال الأساسي الذي يجب أن تطرحه الشركات هو: في أي الأسواق تمنحنا قدراتنا ومواردنا الفريدة، مثل العلامة التجارية والعلاقات مع العملاء والسمعة وغيرها، ميزة تنافسية؟ ترتبط الاستراتيجية القائمة على التوسع بتطوير قدرات متقدمة تتناسب مع كل سوق على حدة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركات الأدوية؛ إذ تستند قدرتها على النمو إلى تفوقها العلمي في اكتشاف الأدوية وخبرتها في تطوير العلاجات وإتمام إجراءات الموافقات القانونية، إضافةً إلى قدرتها على الوصول إلى شبكات الجهات الممولة. وعلى الرغم من أهمية هذه القدرات لنمو المنتجات الدوائية القائم على التوسُّع، فليس من الممكن تطبيقها بسهولة في قطاعات أخرى، ومنها قطاعا الأجهزة الطبية والتشخيص اللذان يتبعان مسارات تنظيمية مختلفة وآليات مغايرة للوصول إلى السوق.

مخاطر استراتيجية النمو غير المتكاملة

تجسد سلسلة مطاعم بي غود (B.good)، التي تأسست عام 2004 وتقدم خدمات الوجبات السريعة، مثالاً تحذيرياً على أهمية اتخاذ قرارات متكاملة بشأن معدل النمو واتجاهه وأسلوبه عند صياغة استراتيجية النمو. وفقاً لدراسة حالة أعدها فرانشيسكا جينو وبول غرين جونيور وبرادلي ستاتس، تتميز سلسلة بي غود بعرض قيمة مبتكر؛ إذ تعتمد في إعداد شطائر البرغر وسائر وجباتها السريعة على مكوّنات طازجة ومحلية، خلافاً لمعظم الشركات الأخرى في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، تعزز الشركة ثقافة ”الأسرة الواحدة” بين الموظفين والعملاء، حيث حرص المؤسسون على التعرف إلى العديد من الموظفين والتواصل معهم في المناسبات الخاصة أو خلال الظروف الصعبة. وكانت الشركة تحث موظفي الخطوط الأمامية على استقبال العملاء بأسمائهم وترشيح أفراد من عائلاتهم للعمل في الشركة.

أدى عرض القيمة المقترحة الذي تقدمه سلسلة مطاعم بي غود وتركيزها على ثقافتها المؤسسية إلى تحديات على المستويين التشغيلي والتنظيمي؛ فقد أدى التركيز على مبدأ ”مكوّنات طازجة ومحلية” والنموذج الثقافي الفريد إلى تصعيب التوسع الجغرافي وعملية منح حقوق الامتياز التجاري التي تتطلب توحيد المعايير وتقليص سيطرة الشركة على قرارات الموارد البشرية.

على مدار الأعوام الثمانية الأولى منذ تأسيس بي غود، اتبعت الشركة استراتيجية نمو تتوافق مع استراتيجيتها؛ فلم تفتتح سوى 8 مطاعم، جميعها ضمن نطاق مدينة بوسطن، وكانت مملوكة بالكامل للشركة. لقد كانت لديها استراتيجية نمو متماسكة تتوافق مع عرض القيمة الأساسي الذي تقدمه.

لكن الشركة غيّرت استراتيجية نموها بعد ذلك، وبدأت افتتاح الفروع بوتيرة متسارعة، وهو قرار يتعلق بمعدل النمو. وبحلول عام 2019، كانت الشركة تدير 69 مطعماً في الولايات المتحدة بمناطق الشمال الشرقي والجنوب والغرب الأوسط، بالإضافة إلى كندا، وهو قرار يتعلق باتجاه النمو. ولتمويل هذا التوسع، بدأت بيع حقوق الامتياز، وهو خيار يتعلق بأسلوب النمو؛ وبحلول عام 2019، كان %20 من فروعها يعمل بنظام حق الامتياز التجاري.

عقب هذا التغيير في استراتيجية النمو، واجهت الشركة صعوبات؛ ففي كل مرة كانت تتوسع إلى منطقة جديدة، كان عليها إنشاء قاعدة جديدة من الموردين للالتزام بشعارها الذي يؤكد فكرة استخدام مكوّنات طازجة ومحلية. وكانت عملية اختيار كل جهة ترغب في الحصول على حق امتياز تستغرق وقتاً طويلاً لضمان توافقها مع فلسفة المؤسسين. وكان على قادة الشركة أن يدركوا أنهم أمام خيار استراتيجي: إما مواءمة استراتيجية النمو مع قيمها الأساسية، وهو ما يعني إبطاء النمو والحد من التوسع الجغرافي وتقليص الاعتماد على منح حقوق الامتياز التجاري، وإما تعديل قيمها وثقافتها لتسريع النمو وتعزيز التوسع جغرافي وزيادة الاعتماد على حقوق الامتياز التجاري. حاولت الشركة الجمع بين الخيارين، لكن هذا الحل أثبت فشله الذريع. وبحلول عام 2023، تقلّصت فروع الشركة إلى 13 فرعاً فقط، يقع 11 منها في المنطقة الحضرية التابعة لمدينة بوسطن، بينما يقع فرع واحد في ولاية مين وآخر في ولاية نيوهامبشير.

على النقيض من ذلك، تتطلب استراتيجيات التوسع الناجحة تطوير قدرات وموارد أوسع وأكثر شمولية يمكن استثمارها عبر مختلف القطاعات والأسواق؛ إذ يعتمد التوسع في بعض القطاعات على قوة العلامة التجارية. ولك أن تنظر مثلاً إلى دور العلامة التجارية البارز في نمو شركة نايكي (Nike) الهائل طيلة العقود الماضية، إذ تحولت من شركة متخصصة في تصنيع أحذية الجري إلى قوة كبرى في قطاع صناعة الملابس والمعدات الرياضية. في حالات أخرى، تتيح الأصول التكنولوجية الشاملة والقدرات المتقدمة فرص الدخول إلى مجالات جديدة. خلال دراستنا لأنماط التنويع في أكثر من 28,000 شركة بين عامي 1975 و2004، حلّلتُ بالتعاون مع زميلتي دومينيكا راندل أنماط الاستشهاد ببراءات الاختراع لفهم مدى قابلية تطبيق القدرات التكنولوجية للشركات في مختلف الأسواق. وأثبت تحليلنا أن الشركات التي تمتلك أصولاً تكنولوجية متعددة الاستخدامات يمكن تطبيقها في عدة قطاعات، كانت أكثر إقبالاً على اعتماد استراتيجيات التنويع.

أسلوب النمو: ما هي الطريقة المثلى للنمو؟

يتطلب النمو دائماً توافر موارد جديدة، مثل رأس المال والكفاءات البشرية والعلامة التجارية وقنوات التوزيع، وغير ذلك، لكنّ ثمة طرقاً مختلفة يمكن للشركات اعتمادها للحصول على هذه الموارد، ويتمثل أحد أهم القرارات التقليدية التي يواجهها المدراء في الاختيار بين التركيز على النمو العضوي أو النمو عبر الاستحواذ. على الشركات أيضاً تحديد كيفية تمويل النمو، ومدى الحاجة إلى التكامل العمودي أو الشراكة مع شركات أخرى، فضلاً عن الاختيار بين التوسع عبر حقوق الامتياز أو من خلال العمليات التشغيلية المملوكة لها.

لا بد من الاختيار بين البدائل الاستراتيجية للحصول على أي مورد يعزز النمو، سواء كان المال أو الكفاءات أو العلامة التجارية أو الوصول إلى القدرات وما إلى ذلك. تستلزم تنمية الموارد ذاتياً وقتاً أطول، ما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو، لكنها تضمن غالباً انسجام هذه الموارد وتكاملها مع عرض القيمة الفريد الذي تقدمه الشركة. من ناحية أخرى، قد توفر الشراكة والاستعانة بجهات خارجية مساراً أسرع للنمو، لا سيما بالنسبة للشركات الناشئة التي تسعى إلى طرح منتجاتها في السوق، لكنها قد تعني التنازل عن السيطرة على أنشطة حيوية لعرض القيمة الذي تقدمه.

ترتبط القرارات المحدِّدة لأسلوب النمو ارتباطاً وثيقاً بالخيارات المتعلقة بمعدل النمو واتجاهه. ومن أبرز الأمثلة على ذلك حالة شركة فيرجن غروب (Virgin Group) التي درستها مع زميلتي إلينا كورسي؛ إذ ترتكز استراتيجية نمو الشركة على دخول أسواق وقطاعات جديدة يمكن لعلامة فيرجن أن تعزز استقطاب العملاء فيها. ويؤمن مدراء الشركة أن علامة فيرجن التجارية، إلى جانب الأساليب المبتكرة في تقديم خدمة عملاء عالية الجودة، هي المورد الأساسي للشركة. ويعتمد معدل نمو فيرجن إلى حدٍّ كبير على سرعة تحقيق العلامة التجارية للأرباح في الأسواق الجديدة.

اعتمدت شركة فيرجن غروب، بصفتها شركة خاصة، بصورة متزايدة على ترخيص علامتها التجارية لتعزيز النمو. ولتمويل عمليات الاستحواذ والتوسع في أسواق جديدة، تلجأ إلى التخلي عن بعض أعمالها الحالية. في مثل هذه الحالات، تعقد فيرجن غروب عادة اتفاقية ترخيص مع الجهة المستحوِذة لمنحها حق استخدام علامتها التجارية. ونتيجة لاعتماد فيرجن غروب المكثَّف على ترخيص علامتها التجارية، أصبحت أهم أصولها، وهي علامة فيرجن التجارية، تخضع بصورة متزايدة لسيطرة جهات لا تمتلك فيها حصة الأغلبية، ولا تملك سوى قدر محدود من التحكم فيها. يترتب على ذلك مخاطر تهدد العلامة التجارية حتى مع الرقابة الصارمة والبنود التعاقدية المشددة. وعلى الرغم من ندرة النزاعات بين فيرجن غروب والجهات الحاصلة على تراخيصها، فقد وقعت نزاعات من هذا النوع فعلياً. يتيح لنا تحليل استراتيجية شركة نمو فيرجن غروب من منظور العلاقة بين معدل النمو واتجاهه وأسلوبه فهم المفاضلات التي أجرتها الشركة؛ إذ يتيح أسلوب النمو القائم على منح التراخيص تنويعاً أوسع ونمواً أسرع، لكنه ينطوي على مخاطر تؤثر في قيمة العلامة التجارية. وثمة نهج أقل خطورة يتمثّل في تقليل الاعتماد على منح التراخيص (مثل حصر استخدام علامة فيرجن التجارية في الشركات التي تمتلك فيها الشركة حصة الأغلبية)، لكن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى تقليل التنويع وإبطاء النمو.

ما هي الصفات التي يتحلى بها واضع استراتيجيات النمو البارع؟

مع سعي الشركات للإجابة عن السؤال المحوري حول سرعة النمو، فإنها تحتاج إلى قادة يدركون القرارات الأساسية التي يجب اتخاذها والمفاضلات التي تنطوي عليها. يدرك واضع استراتيجيات النمو الناجح القيود غير المالية التي تؤثر في معدل النمو المستدام لشركته، مثل الأنظمة والعمليات ورأس المال البشري والثقافة المؤسسية؛ إذ يدرك أن النمو بوتيرة أسرع من الإمكانات المتاحة قد يكون ممكناً على المدى المنظور، لكنه قد يلحق ضرراً دائماً بسمعة شركته وثقافتها على المدى البعيد. ولا يقع واضع استراتيجيات النمو الناجح في مزلق الاعتقاد بأن بإمكانه تحقيق نمو سريع الآن وتدارك الأخطاء لاحقاً؛ إذ يدرك أن النمو المدروس والمستدام يؤدي إلى نتائج مالية أفضل بكثير من النمو السريع والمفاجئ خلال فترة قصيرة. لكن واضع استراتيجيات النمو الناجح لا يقتصر على تفادي المزالق وقبول التنازلات، بل يستبق الأحداث ويسعى إلى تعزيز الموارد التي تحد من النمو على المدى المنظور، ويركز على التراكم المستمر للموارد والإمكانات الجديدة التي تفتح آفاق النمو المستقبلي، سواء من خلال التوسع في الأسواق الأساسية أو دخول أسواق جديدة؛ إذ ينظر إلى الاستثمار في التدريب والعمليات والأنظمة والتكنولوجيا والثقافة المؤسسية على أنه وسيلة لتجاوز معوقات النمو وزيادة معدل النمو المستدام للشركة، كما يمتلك القدرة على قيادة التغيير التنظيمي بثقة وكفاءة. وأخيراً، يولي اهتماماً كبيراً برأس المال البشري، ويدرك أن جودة العنصر البشري ومهاراته وعقليته هي أهم الموارد التي تؤثر في إمكانات نمو الشركة.

يدرك واضع استراتيجيات النمو الناجح أن تحقيق نمو مربح ومستدام لن يكون سهلاً أبداً، لكنه سيكون مستحيلاً دون امتلاك رأس المال البشري المناسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي