مراجعة أرقام الميزانية، اجتماع أولياء الأمور مع المدرسين يوم الأربعاء، تعديل مستند النظرة التسويقية العامة، إنهاء طلبات المخيم الصيفي، إبداء الرأي بشأن مقابلة المرشحين للموارد البشرية، شراء البقالة فقد نفذ من عندنا كل شيء، البدء في صياغة التوقعات الفصلية، الاتصال بمصلّح السقف، تنظيم الجلسة الاستراتيجية للفريق، تنظيم الجدول الزمني لحقن الانفلونزا للأطفال، الرجوع إلى منير ومروان لمناقشة خطة تكنولوجيا المعلومات، تدريس تامر ليستعد لاختبار الرياضيات غداً ...
إذا كان لديك أطفال بالإضافة إلى عملك، فعلى الأرجح أنّ قائمة المهام التي تنوي تنفيذها ستكون على النحو الموضح أعلاه على الدوام (وهي تمتد أكثر فأكثر)، ويزداد طول هذه القائمة باستمرار، فهي تحتوي على الإنجازات الواجبة التي تمتد إلى ما لا نهاية. وليس من المستغرب أن تُظهر الأبحاث أنّ معظم الآباء العاملين يشعرون بالإجهاد، والتعب، وضغط الواجبات، ومن المتوقع تماماً أنك عندما تنظر إلى المستقبل، تشعر بإرباك شديد.
بصفتك شخصاً مسؤولاً وعاملاً مجداً، فإنك تعرف كيفية الكفاح بإخلاص وإنجاز ما هو مطلوب منك. ومنذ أن أصبحت والداً، لا بدّ أنك جربت استراتيجيات مختلفة للحفاظ على وتيرة حركة أسرع من أي وقت مضى: لا بدّ أنك سجلت لائحة الأمور التي عليك القيام بها على هاتفك الذكي، وأعدت تنظيم قسم المهام في بريدك الإلكتروني، مخصصاً باستمرار المزيد من الوقت لإنهاء عملك كل مساء، منظفاً الطابور الذي لا نهاية له من رسائل البريد الإلكتروني غير المقروءة، ما يجعل عدد ساعات نومك أقل تدريجياً كل ليلة.
ومع ذلك ما تزال مسكوناً بالشعور المزعج بعدم إنجاز ما يكفي من العمل، والتعثر في مكان ما من مسيرتك اليومية، وإعطاء الأشياء التي تهم حقاً اهتماماً قليلاً، والخوف من أنّ الأمور ستخرج عن سيطرتك في أية لحظة.
لا تكمن المشكلة في برنامجك التنظيمي أو أخلاقيات العمل لديك، بل في كيفية ضبط العقول البشرية. فمن الطبيعي أن تشعر بالإرباك، مع الكم الهائل مما عليك إنجازه والكثير من الواجبات الملقاة على عاتقك.
ولكن إليك الخبر السار: هناك تقنيات بسيطة وفعالة لترويض الشعور بالارتباك، إنها أشياء يمكن لأي أب أو أم القيام بها للموازنة بين الأولاد والعمل، ابتداء من اليوم، بحيث يشعر المرء بمزيد من الكفاءة والهدوء والتحكم والبدء في تقليص قائمة المهام بشكل دائم. إليك في ما يلي أربع من أنفع التقنيات في هذا المجال.
لتكن النتيجة المرجوة واضحة في ذهنك
تتمتع المؤسسات ذات الإدارة الجيدة، كما هو الحال بالنسبة للمدراء الجيدين فيها، برؤية واضحة ومقنعة للمستقبل. لديها بعض الأهداف الاستراتيجية. وهي تضع أهدافاً للإيرادات سنوياً. إنهم يعرفون النتائج التي ستسمح لهم بأن يقولوا "لقد نجحنا". عندما يمتلكون وضوح الرؤية بالنسبة للهدف المرجو، تجد أنهم يتمتعون بالثقة في قراراتهم ويستمدون حافزاً مما قد يواجهونه في المستقبل.
هل يتناسب وضعك كأب عامل أو أم عاملة مع هذه الصورة التي رسمناها؟
ينصبّ تركيز معظمنا كآباء عاملين على مجرد الوصول إلى بر الأمان بالنسبة لليوم الذي نحن فيه، وهي مهمة شاقة في الواقع. ومع ذلك، فإنّ هذا التصميم الشديد على التمسك بقائمة المهام التي يجب إنجازها على مستوى اليوم الحالي يجعل التوفيق بين الأبوة أو الأمومة ومتطلبات العمل مسبباً لمزيد من الإرباك وعدم الراحة. إذ أنك ملك لقائمة المهام التي يجب إنجازها بدلاً من أن تكون سيداً لهذه القائمة. أن تُمضي 18 عاماً (أو ربما أكثر) في محاولة التوفيق العبثية بين الأبوة أو الأمومة ومسؤوليات الأسرة من جهة أولى، والشعور باستمرار بأنك "لديك عدد لا ينتهي من الأشياء التي يجب أن تقوم بها اليوم" من ناحية أخرى، سيؤدي بك إلى حالة من استنزاف القوة والإرهاق.
يمكنك قلب هذه المعادلة من خلال تحديد النتيجة الإيجابية على المدى البعيد لكونك والد عامل، عن طريق تحديد صورة محددة للنجاح في المستقبل. عندما تدرك أنّ هدفك هو "أن أكون نائب رئيس هذه المؤسسة، في حين أقوم بتربية أطفالي بطريقة صحية ليصبحوا راشدين مستقلين مالياً" ستحصل على شعور من التصميم الذاتي والثقة والدافع. لقد اتخذت القرار بنفسك. في هذه الحالة يصبح الهدف أمراً قابلاً للتحقيق، ويمكنك التركيز على المهام التي تخدم هذا الهدف على المدى البعيد. حتى في أكثر الأيام ازدحاماً أو في أسوأ الأيام، ستبقى محافظاً على هدفك الذي تراه كنقطة ثابتة في الأفق وتسعى نحوها، وستعرفها تماماً عندما تصل إليها.
كي نكون واضحين: ليس هناك "صيغة سحرية للآباء والأمهات العاملين"، إذ يختلف تعريف النجاح من شخص لآخر وهذا بالطبع أمر منطقي تماماً. من الصحيح أن تقول "إنّ هدفي هو قيادة هذه المؤسسة في منصب الرئيس التنفيذي، في حين أقوم بتربية أطفالي بالتعاون مع زوجتي ليتمتعوا بصحة وأخلاق عالية"، كما أنه من الصحيح أيضاً أن تقول "هدفي هو أن أصبح ناجحاً مالياً بما فيه الكفاية لتغطية كامل الرسوم الجامعية لأولادي، في حين لا أضيع أبداً اللحظات العائلية الثمينة عندما نجتمع حول طاولة العشاء معاً". عن طريق تحديد هدفك الشخصي الإيجابي ضمن إطار مستقبلي يشمل ما تريده من حياتك المهنية وما تريده لأطفالك، فإنك تنأى بنفسك بعيداً عن الشعور بأنك مشغول بما يفوق طاقتك، وتقترب من الراحة النفسية التي يتمتع بها شخص يسيطر على مجريات حياته.
استثمر وقتك وفقاً لذلك
يتمتع الآباء والأمهات العاملون الذين لديهم رؤية واضحة لما يعملون من أجله، بقدرة أكبر على تنظيف مفكرتهم من الالتزامات التي لا تتفق مع هدفهم المستقبلي، ما يجعلهم ينفقون وقتهم وطاقتهم على الأشياء الهامة حقاً، والتي توفر الارتياح الحقيقي.
إذا كان هدفك هو "أن أصبح شريكاً في هذه المؤسسة، وأن أصبح معروفاً بأني قائد رائد في مجتمعي المهني المحلي، وأن أنجح في تربية أطفالي ليصبحوا ناضجين ويتمتعوا بتربية جيدة بحيث يحافظون على اتصالهم بتراثهم الثقافي "، فمن المهم أن تمضي إلى مسافة أبعد في تركيزك على عملك، وحضور المؤتمرات الصناعية في مدينتك، وأخذ أطفالك إلى المدرسة. ولكن في هذه الحالة لن تهتم لتمثيل مؤسستك في مؤتمر دولي أو لحضور كافة مباريات كرة قدم، لأنها لا تتماشى مع هدفك.
من خلال وضوح رؤيتك كوالد عامل، حاول قضاء 10 دقائق كل يوم جمعة في "تدقيق تقويمك المستقبلي": اطلع على قائمة المهام المتوفرة في بريدك الإلكتروني في ما يتعلق بما يجب إنجازه خلال الأسبوع المقبل، وحدد العناصر التي لا تتناسب مع أهدافك، والتزم برفض 5 في المئة منها. من خلال جعل هذا الأمر عادة لديك، ستتمكن خلال هذا العام من اكتساب مدة كبيرة من وقتك، ما سيعزز شعورك بالارتياح والسيطرة.
احتفظ بقائمة "المهام المنفذة"
في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وصف عالم النفس الروسي بلوما زيغارنيك ما أصبح منذ ذلك الحين يعرف باسم تأثير زيغارنيك، الذي ينص على أنّ الناس يتذكرون، ويركّزون على المهام غير المكتملة أو التي تمت مقاطعتها أكثر بكثير من تلك التي اكتملت بنجاح. هذا هو السبب في أنّ استماعك لبضع ثوان من أغنية على الراديو يمكن أن يجعل الأغنية تتردد في ذهنك طوال اليوم، في محاولة لتذكّر كيف تنتهي الأغنية، ولهذا السبب أيضاً تنهي العديد من البرامج التلفزيونية حلقاتها بشكل غير حاسم، لتتركك مسكوناً بهاجس الرغبة في معرفة كيفية حل العقدة منتظراً الحلقة التالية.
المهام غير المكتملة كفيلة بتعذيبنا: فهي تشغل كل المساحة الفكرية لدينا وتخلق ضجيجاً عاطفياً هائلاً مصحوباً بتوتر شديد، فعندما لا نحصل على نهايات محكمة، نقع فريسة القلق. وبالنسبة لأي من الوالدين العاملين، تشكل جميع العناصر ذات النهايات المفتوحة لدينا، سواء في المنزل أو في العمل، حملاً ثقيلاً من القلق. ولكن بغض النظر عن كيفية وشكل احتفاظك بقائمة مهامك الضرورية، فلن تساعدك على تخفيف هذا التوتر. بل على النقيض من ذلك: إنها تغذيه أكثر.
يكمن الحل السحري لهذه المشكلة في الاحتفاظ بقائمة موجزة، غير رسمية من الأشياء التي أنجزتها بشكل مكتمل (بدلاً من البنود غير المكتملة)، سواء في العمل أو المنزل. اكتب المشاريع التي أنهيتها هذا العام، والمشاكل التي وجدت حلاً لها، والانتصارات التي حققتها، مهما كان معنى "الفوز" بالنسبة لك. (تجاوزنا أرقامنا الفصلية. وجدت معلم علوم لابنتك. استقطبنا حساب شركة فارما. نجحت في حضور مباراة البيسبول لابنك الأسبوع الماضي). ثم استعرض هذه القائمة وذكّر نفسك بمدى إنجازاتك، كم أنتجت وأنجزت، على كلّ من الصعيدين.
يشير العملاء والمتدربون لدي إلى أنّ إمضاء ولو حتى دقيقة واحدة في مراجعة قائمة الأمور المنجزة، يساعدهم على الشعور براحة أكثر بكثير وبإرباك أقل. وعلى حد تعبير أحد عملائي، "يجعلني ذلك أشعر وكأنني أفوز".
لتكن مراجعة هذه القائمة عادة لديك. ارم عنك بعضاً من ذلك الضجيج الذي يضرب رأسك باستمرار بشأن قائمة "ما يجب إنجازه"، من خلال الهدوء الواثق الذي تمنحك إياه قائمة "الأمور التي تم إنجازها بالفعل"، وستجد نفسك أكثر هدوءاً وسعادة.
رتّب حصولك على متنفس للطاقة بانتظام
باعتبارك والداً عاملاً، لا يتوانى تيار الأمور الواجبة التنفيذ عن جذبك باستمرار دون هوادة، ولكن يمكنك اختيار أخذ قسط من الراحة لفترة وجيزة.
خلال اليومين المقبلين، تنحّ جانباً عن الضغوط لمدة 20 دقيقة، حاول إطفاء كل الأجهزة، وضع قائمة مهامك جانباً، ولا تفعل شيئا "منتجاً" على الإطلاق. ليكن عملك خلال هذه المدة ببساطة قضاء بعض الوقت في النشاط الذي تستمتع به مع عائلتك. قد يكون تناول العشاء معاً، أو ممارسة رقصة هوكي - بوكي مع طفلك، أو ممارسة الهرولة مع ابنك المراهق. إنك شخص ذو طاقة عالية في مهنة عالية الطاقة، ولكن خلال هذه الـ20 دقيقة، لتكن الطاقة خارج الحساب.
حتى خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن، ستجد أنّ حدّة إجهادك قد انخفضت، ليرتفع شعورك القائل "لقد فعلت شيئاً إيجابياً لنفسي ولعائلتي". والأهم من ذلك، خلال يوم مشحون جداً، ستستعيد شعورك بالتماسك: إذ أنك اتخذت قراراً إيجابياً للقيام بذلك، ونفذته وفقاً لشروطك الخاصة.
هناك سبب يجعل الكثير من الثقافات الكبرى تتبنى فكرة إجازة آخر الأسبوع، ويجعل الكثير من الأشخاص الناجحين جداً يتمتعون بعادة الاستمتاع بالإجازات بانتظام: إنها عادة تُجدي نفعاً. إذ أن تمضية بعض الوقت في الانسحاب من العالم والتوقف عن العمل يسلط انتباهنا على أنفسنا، ما يجعلنا أكثر مرونة وإنتاجية. بالنسبة للوالدين العاملين، قد يكون من الصعب إيجاد وقت لمرونة ذات مغزى، وفترات أطول من الاستراحة. ولكن حتى بالنسبة للأشخاص الأكثر انشغالاً، في المهن الأكثر تطلباً وضغطاً من حيث الوقت، يستطيع المرء أن يجد 20 دقيقة.
أن تكون عاملاً وأباً في الوقت نفسه، هو أمر متعب حتماً، إذ لا بدّ للشخص من أن يحسن القيام بوظيفتين شاقّتين في عالم يتطلب منا اليقظة والتحفيز باستمرار. وكما هي الحال في أية وظيفة "شاقة"، لابدّ من وجود درجة معينة من المعاناة والتوتر وفقدان الثقة بالنفس (أي الإرهاق العام). ولكن كلما أمكنك رسم مسارك الخاص، واتخاذ ما يتماشى معه من القرارات الإيجابية، والشعور بالثقة في أدائك، ومنح نفسك بعض المتعة على طول الطريق، ستجد نفسك وحياتك المهنية وعائلتك أفضل حالاً، سواء هذا العام أو خلال الأعوام التالية.