ملخص: تخطط أكثر من نصف الشركات لتجربة مساحات عمل جديدة مع انتقالها إلى النموذج الهجين. مؤلفا هذا المقال هما مهندسان معماريان وخبيران في تصميم أثاث المكاتب يعملان مع أكبر المؤسسات في العالم، ويقترحان أن يأخذ القادة في حسبانهم أساليب التصميم الأربعة التالية عند التفكير في الاستراتيجية الهجينة التي ستطبقها شركاتهم. أولاً، احرص على مشابكة التجربة المادية مع التجربة الرقمية لضمان العدالة والاندماج والراحة. ثانياً، اقلب المساحات المفتوحة والمغلقة. ستعقد الاجتماعات على الأرجح في مساحات مفتوحة لها حدود متحركة، في حين سيكون العمل الفردي في حجرات أو مقصورات مغلقة. ثالثاً، انتقل من مساحة العمل الثابتة إلى مساحة العمل المرنة، ربما كان بالإمكان تحويل مقهى الشركة إلى مساحة للاجتماعات الهجينة. وأخيراً، تذكر أن العمل التعاوني يتطلب عملين فرديين أيضاً. يجب أن يتمكن الموظفون من الانتقال بسهولة بين العمل الجماعي والعمل الفردي من دون الحاجة إلى الانتقال من مكان إلى آخر ضمن مبنى الشركة أو التعرض للعرقلة بسبب التكنولوجيا المعقدة.
خلقت الجائحة العالمية تحديات وفرصاً جديدة في جميع القطاعات تقريباً. ومع عودة حركة الاقتصاد ستكون المنافسة شديدة، وسيكون الفائزون فيها هم الذين يفهمون احتياجات عملائهم بوضوح، ويتعاونون في سبيل التوصل إلى عدة حلول، ويصنعون نماذج أولية تجريبية، ويكررون تجاربهم، ويدخلون أفكاراً جديدة إلى السوق. ولن يكون بالإمكان القيام بهذه الأمور إلا عندما يجتمع الموظفون في مكان العمل العصري الجديد.
تشير جميع الدلائل إلى أن مستقبل العمل يتمثل في النموذج الهجين؛ يفضل 52% من الموظفين في الولايات المتحدة مزيجاً يجمع بين العمل من المنزل والمكتب ويقولون إن ذلك يؤثر إيجاباً في قدرتهم على الإبداع وحلّ المشكلات وبناء العلاقات. كما تخبرنا الأبحاث العالمية أن 72% من قادة الشركات يخططون لتطبيق نموذج هجين، و13% فقط يقولون إنهم يتوقعون تخفيض مساحات عقارات مكان العمل في العام المقبل، ما يشير إلى أن المؤسسات ستستمر بالاستفادة من أماكن العمل في مستقبل العمل الهجين.
لكن سيكون من الصعب تطبيق النموذج الهجين على النحو الصحيح، فعملية تحديد الموظفين الذين سيعملون في المكتب وعدد الأيام التي سيعملون فيها من المكتب معقدة وتختلف بين مؤسسة وأخرى، وإذا لم تُعدّ على النحو الصحيح، فستهدد الثقافة والعمل التعاوني والابتكار. وعلى العكس، فإن مكان العمل الهجين المصمم على نحو متقن سيصبح نقطة جذب تجمع الموظفين وتساعدهم في إنجاز العمل على نحو أفضل من أي وقت مضى.
تعرف المؤسسات التي ستفوز في المنافسة أن أماكن العمل التي تركز في تصميمها على موظفيها إلى جانب مرونة المؤسسة ستساعدها في التقدم والتعلم والحفاظ على قدرتها التنافسية. للبدء، تعتزم نسبة تزيد على 50% من الشركات في الولايات المتحدة تجربة مساحات عمل جديدة كجزء من خطة عودة موظفيها إلى المكاتب هذا العام، وذلك عن طريق إعادة تصميم مقهى الشركة مثلاً وتحويله إلى مساحة عمل تعاوني واجتماعي تتمتع بطاقة عالية وتدعم أنماط العمل الهجين الجديدة على نحو أفضل.
وبصفتنا مهندسَين معماريين وخبيرَين في تصميم أثاث المكاتب نعمل مع أكبر المؤسسات في العالم، نقترح أن يأخذ القادة في حسبانهم أساليب التصميم الأربعة التالية عند التفكير في النموذج الهجين والاستراتيجية الهجينة التي ستطبقها شركاتهم.
احرص على مشابكة التجربة المادية مع التجربة الرقمية
على اعتبارنا قادة لفرق عالمية، فنحن نعلم أنه من الصعب جَسر الفجوة بين المشاركين الحاضرين شخصياً والمشاركين عن بعد، والعمل الهجين يعني أن جزءاً من أفراد الفريق سيعملون عن بعد حتماً بغضّ النظر عن قدرة الفريق على تنسيق عمله في أيام العمل من المكتب، وقد يشعر الزملاء العاملون عن بعد بالإحباط وعدم القدرة على المشاركة بنفس قدر مشاركة زملائهم، ما يؤدي إلى إضعاف اندماجهم في العمل. هذا ينطبق على العمل الإبداعي والابتكاري، مثل جلسات توليد الأفكار التي تستعين غالباً بسبورة بيضاء تناظرية أو غيرها من المنتجات المادية التي يصعب على الموظفين الحاضرين عبر اتصال الفيديو خوض تجربتها بصورة كاملة.
والحلّ هو دمج الحيز المادي مع التكنولوجيا بأخذ 3 مبادئ في الحسبان، وهي العدالة والاندماج والراحة.
مثلاً، تضم غالبية غرف الاجتماعات اليوم طاولة مستطيلة وشاشة عند نهايتها، ويجلس الحاضرون حول الطاولة في حين تظهر صور المشاركين عبر اتصال الفيديو على الشاشة في شبكة مربعات صغيرة، مثل أي شاشة تعرض محتوى مشترك.
تتمثل إحدى الطرق لضمان عدالة أكبر في عرض صورة كل مشارك عن بعد على شاشة خاصة به، ووضع هذه الشاشات على عربات متحركة يسهل نقلها بين الحاضرين. وبذلك يمكن لأفراد الفريق مرافقة المشاركين عن بعد إلى جلسة جانبية أو تغير مواقعهم على الطاولة، وتتوفر عدة برامج تتيح فصل المشاركين والمحتوى على الشاشة إلى شاشات منفصلة.
يجب أن يتمتع كل مشارك بخطوط رؤية واضحة لزملائه وللمحتوى كي يتمكن من الاندماج في الاجتماع بصورة كاملة. ويعني تصميم مكان العمل بناء على اندماج الموظفين في حيز العمل الرقمي المادي، التفكير في الإضاءة والكاميرات وأنظمة الصوت والمحتوى، تماماً مثل مخرجي الأفلام. تتمثل بعض الحلول التي نراها في استخدام طاولات يمكن توجيهها أو نقلها، وتركيب معدات إضافية للإضاءة، ومكبرات الصوت والمايكروفون داخل الغرفة، وسبّورات وشاشات سهلة التحريك.
كما تخبرنا الأبحاث أن مزيداً من الموظفين سينضمون إلى الاجتماعات عبر أجهزتهم الخاصة إلى جانب التكنولوجيا المستخدمة في قاعة الاجتماعات. وسيسهم تأمين عدد وافر من مآخذ الطاقة والسبورات البيضاء ومجموعة متنوعة من الحلول البرمجية في توفير تجربة عمل تعاوني هجين أكثر سهولة وسلاسة للموظفين.
اقلب المساحات المغلقة والمفتوحة
آن الأوان لإعادة النظر في مساحة العمل المفتوحة. على مدى عقود من الزمن ازداد الانتقال من مساحات العمل الفردية إلى المساحات المفتوحة بدرجة كبيرة، في حين استمر عقد الاجتماعات في قاعات مغلقة. ومع عودة الموظفين إلى المكاتب ستتغير هذه المساحات من جديد إذ سيزداد عقد الاجتماعات في مساحات مفتوحة لها حدود متحركة، وستخصص مساحات مغلقة مثل الحجرات أو المقصورات للعمل الفردي الذي يحتاج إلى التركيز.
تتمتع مساحات العمل التعاوني المفتوحة أصلاً بمرونة أكبر لأنها لا تحتاج إلى ميزات ثابتة في تصميمها، ولذلك يمكن تحويلها وتغييرها مع ظهور أنماط العمل الجديدة. كما يتبع الموظفون عادة أساليب مرنة في عمليات الابتكار وحل المشكلات والبناء المشترك، خذ مثلاً اجتماعات الوقوف السريعة التي تحتاج إلى محتوى مرئي ثابت، يمكن عقدها في مساحات مفتوحة تتميز بأثاث مرن وتكنولوجيا سهلة الاستخدام وغيرها من عناصر التصميم.
في حين أنه يجب إغلاق مساحات العمل الفردية أكثر من أجل ضمان حصول الموظفين على مستويات مختلفة من الخصوصية المرئية والصوتية التي اعتادوا عليها في عملهم من المنزل. ستجرى الاتصالات عبر الفيديو من كل مكان، ولذلك ستوفر المساحات المغلقة (واستخدام الشاشات، واللوحات، والحجيرات) أماكن تساعد الموظفين على التركيز وتحدّ من عوامل تشتيت الانتباه.
انتقل من الثابت إلى المرن
أنشئت الأبنية بهدف الدوام، في حين أن وتيرة سير الأعمال والتغيير تتسارع باستمرار. يمكننا ملاحظة الخلاف حول ضرورة تسريع إنشاء مساحات العمل المنبثقة أو الإبطاء فيه وكذلك نشر نماذج مساحات التعاون مع الآخرين في العمل مع المطالبة بشروط إيجار أقصر أمداً، إذ تتساءل غالبية الشركات التي تملك عقارات عن المساحة التي تحتاج إليها.
يحلّ المستقبل الهجين المشكلة بتوفير مكان عمل أكثر مرونة يمكن تكييفه مع احتياجات العمل المتغيرة، وهذا سيسرع الابتكار ويساعد في تقدم ثقافة المؤسسة وضمان تحسين العقارات باستمرار. في شركة "ستيل كيس" (Steelcase)، عملنا على تحسين الحّيز الذي نعمل ضمنه من خلال تصميم مساحة مفتوحة تدعم الاجتماعات الهجينة في الصباح وتتحول إلى مقهى في وقت استراحة الغداء وتعقد فيها الاجتماعات العامة بعد الظهيرة، ويمكن تأجيرها للمناسبات المسائية أيضاً.
حقق التوازن بين العمل الفردي والعمل الجماعي
دفعتنا الجائحة إلى إعادة النظر في الغاية والمعنى في المكتب، وتوصل كثير من القادة إلى قناعة بأن المكتب هو مكان للعمل التعاوني. يبين البحث الذي أجراه معهد "جينسلير للأبحاث" (Gensler’s Research Institute) في أوج انتشار الجائحة، أن الموظفين العاملين من المنزل بدوام كامل شهدوا انخفاضاً وسطياً بنسبة 37% في وقت العمل التعاوني. لذلك، فالقادة محقون في تركيزهم على تعزيز العمل التعاوني، ويبين بحث شركة "ستيل كيس" أن ثلثي القادة تقريباً يرغبون في زيادة المساحات المخصصة للعمل التعاوني بشكليه الشخصي والنموذج الهجين.
لكن العمل التعاوني ليس مجرد عمل جماعي، بل يتطلب العزلة أيضاً في الحقيقة، فالعمل التعاوني الفعال شبيه بالمد والجزر، إذ يجتمع عدد من الموظفين للعمل معاً كفريق ثم يتفرقون ليركز كلّ منهم على عمله بمفرده ويدرس أفكاره ويتابع مهامه الموكلة إليه. يمكن أن يؤدي العمل الجماعي لوقت أطول من اللازم وعدم منح الوقت الكافي للتركيز بصورة فردية إلى الانجرار في تفكير القطيع، ولذلك من الضروري أن يحقق تصميم مساحة العمل توازناً بين متطلبات العمل الجماعي ومتطلبات العمل الفردي في آن معاً.
لم نتمكن من معرفة ما إذا كان العمل من المنزل منتجاً أكثر أم لا، لكن على مدى العام الماضي أبلغ الموظفون عن ارتفاع مستويات إنتاجيتهم عندما تتيح لهم بيئة المنزل العمل من دون مقاطعة. لذا، يجب أن نؤمّن أماكن للعمل تتمتع بدرجة مناسبة من الخصوصية في المكاتب أيضاً، ويجب أن يتمكن الموظفون من الانتقال بسهولة بين العمل التعاوني والعمل الفردي دون الحاجة إلى الانتقال من مكان إلى آخر ضمن مبنى الشركة أو التعرض للعرقلة بسبب التكنولوجيا المعقدة.
يجب أن تؤمّن المكاتب التي سنعود إليها للموظفين تجربة أفضل من تجربتهم في العمل من المنزل، وهذا يعني منحهم المزيج المناسب من المساحات المخصصة لأنواع العمل الذي يجب عليهم إنجازه (أي اعتماد النموذج الهجين). ستجازف المؤسسات التي تختار الانتظار لرؤية ما سيحدث مع مرور الوقت بإحباط موظفيها الذين سيجدون أن المكاتب القديمة لا تدعم الطرق الجديدة التي سيعملون وفقها، ما سيعرض ميزة العمل الجماعي التنافسية للخطر. أما المؤسسات التي تسعى إلى التقدم وتنشئ أماكن عمل تتمتع بقابلية التكيف والمرونة والازدهار، فستجذب أصحاب أفضل المواهب وتتمكن من استبقائهم وستستفيد من الابتكار والنمو. سيشكل المكتب المستقبلي ميزة تنافسية للمؤسسات التي تستفيد من هذه اللحظة من التاريخ. عندما نعود إلى المكاتب لن تكون كسابق عهدها، وهذا أمر جيد.