تدرك معظم الشركات أن التبني المكثف للتقنيات الرقمية يكتسب أهمية متزايدة في رفع قدرة هذه الشركات على المنافسة. ويبين بحثنا أن أول 10% من الشركات في مجموعة المتبنين الأوائل للتقنيات الرقمية حققت نمواً يعادل ضعف النمو الذي حققته آخر 25% من هذه الشركات؛ وأنها تستخدم أنظمة السحابة الإلكترونية في تمكين تبني التقنيات الرقمية، وليس الأنظمة التقليدية. ونتوقع أن يتسارع هذا التوجه أكثر بين الشركات الرائدة في القطاعات على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. ومن المتوقع أن تكون النقلة النوعية القادمة في مجال الذكاء الاصطناعي تتعلق باللغة.
على سبيل المقارنة، فإن العديد من الشركات في آخر المجموعة ووسطها تستخف كثيراً بموارد السحابة الإلكترونية التي سوف تحتاج إليها من أجل استخدام أو دعم أو تدريب الجيل الجديد من التطبيقات الذكية التي تبشر بها ابتكارات ثورية كبيرة مثل الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص (جي بي تي-3) أو (GPT-3)، وهي أحدث تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP).
ستكون النقلة النوعية القادمة في الذكاء الاصطناعي متعلقة باللغة
في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، تم إنتاج ابتكارات ثورية في التقنيات القائمة على الرؤية الحاسوبية، بدءاً من البحث الدقيق القائم على الصور وصولاً إلى أنظمة الرؤية الحاسوبية لتحليل الصور الطبية أو لتحري الأجزاء المعيبة في التصنيع والتجميع، وقد استفضنا في وصف كل ذلك في كتابنا وبحثنا. تشير تقنيات الجيل الثالث من المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص التي طورتها شركة "أوبن أيه آي" (OpenAI) إلى أن العقد الثالث من القرن سيشهد تقدماً هائلاً في مهمات الذكاء الاصطناعي القائمة على اللغة. تستخدم نماذج معالجة اللغة السابقة القواعد التي تمت كتابة شفرتها البرمجية يدوياً (لأجل بناء الجمل والتحليل النحوي)، والأساليب الإحصائية، إلى جانب الشبكات العصبية الاصطناعية التي ازداد استخدامها على مدى العقد الماضي، من أجل معالجة اللغة. إذ يمكن للشبكات العصبية الاصطناعية أن تتعلم من البيانات الأولية، ما يقلل بدرجة كبيرة حاجتها إلى التوصيف الروتيني للبيانات أو هندسة السمات. لكن تقنيات المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص تتعمق في التعلم أكثر نظراً لاعتمادها على المحول، وهو آلية انتباه تتعلم العلاقات السياقية بين الكلمات في النص. أتيح لبعض الباحثين استخدام الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص من خلال نسخة تجريبية خاصة، وتمكنوا من حثها على إنتاج قصص قصيرة وأغان ونشرات صحفية وكتيبات إرشادية تقنية ونصوص بأساليب كتّاب معينين، ونوتة موسيقية لآلة الغيتار، وحتى شفرة برمجية للكمبيوتر.
لا يزال الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص بحاجة إلى مزيد من التطوير. وتشمل عيوبه الكثيرة توليد استجابة غير منطقية أو متحيزة في بعض الأحيان، والإجابة عن أسئلة بسيطة بصورة خاطئة، وتوليد محتوى منطقي ولكنه زائف. حتى أن أحد قادة شركة "أوبن أيه آي" حذّر من المبالغة في إثارة الصخب حول الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص. على الرغم من أن كل ذلك يشير إلى أن هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، ثمة أدلة حقيقية على أننا مقبلون على مرحلة جديدة من الذكاء الاصطناعي.
الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص هو أحد المحولات الكثيرة الجديدة اليوم. وتعمل شركات "مايكروسوفت" و"جوجل" و"علي بابا" و"فيسبوك" جميعها على إنشاء نسخها الخاصة من هذه التقنية. يتم تدريب هذه الأدوات في السحابة الإلكترونية، ويمكن الوصول إليها حصراً من خلال واجهة برمجة تطبيقات السحابة الإلكترونية (Cloud API). والشركات التي ترغب في حشد قوة الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي ستنقل أعباء عمل الحاسب من الخدمات التقليدية إلى خدمات الذكاء الاصطناعي القائم على السحابة الإلكترونية، مثل الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص.
ستجعل تطبيقات الجيل التالي الابتكار ممكناً في المؤسسة بأكملها.
ستمكننا خدمات الذكاء الاصطناعي القائم على السحابة الإلكترونية هذه من تطوير فئة جديدة من تطبيقات المؤسسات، وستكون قادرة على الابتكار (أو التوليد كما في تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص) أكثر من أي شيء عرفناه من قبل. إذ ستجعل عملية تركيب الكلمات والمعاني المقصودة والمعلومات في اللغة أقل كلفة، ما سيزيد فاعلية كثير من أنشطة المؤسسات ويحفز الابتكار والنمو الذي نراه لدى الشركات التي كانت الأولى في تبني التقنية.
في بحثنا الذي أجريناه على أكثر من 50 عينة عن تجارب إثبات فاعلية الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص فيما يخص المؤسسات، تشير النتائج إلى أن تطبيقات المؤسسات الرائدة المستقبلية ستندرج ضمن ما لا يقل عن ثلاث فئات شاملة ترتبط جميعها بفهم اللغة، وهي التأليف وكتابة الشفرة البرمجية، والتعليل المنطقي بحسب الاختصاص.
ويمكن أن يملك الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص قدرة مذهلة على كتابة نص ذي معنى بناء على بضع علامات بسيطة، أو حتى جمل مفردة. مثلاً، قام واحد ممن يختبرون النسخة التجريبية من الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص باستخدام التقنية لإنتاج مقالة مقنعة حول العملة الإلكترونية "بيتكوين". ومن بين العينات التي قمنا بتحليلها، كانت هناك تطبيقات لتطوير مدونات صوتية (بودكاست) جديدة، وتوليد حملات الرسائل الإلكترونية والإعلانات، واقتراح طرق لإجراء اجتماعات مجلس الإدارة، والإجابة بذكاء عن أسئلة كانت تحير أنظمة اللغة السابقة.
وبناء على العلامات التي يضعها البشر، يمكن للجيل الثالث من تقنية المحول المدرَّب لتوليد النصوص كتابة شفرة برمجية، أي كتابة التعليمات لأجهزة الكمبيوتر أو الأنظمة. كما يمكنها تحويل لغة طبيعية إلى لغة برمجة، إذ يمكنك استخدام لغة طبيعية، كالإنجليزية أو الإسبانية أو الألمانية أو أي لغة أخرى لوصف ما تريد من الشفرة البرمجية فعله، كتطوير موقع إلكتروني داخلي أو خاص بالتعامل مع العملاء مثلاً، فتقوم تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص بكتابة البرنامج.
تشير القدرة على التفكير بالمحتوى والإجراءات والمعارف في مجال علمي أو تقني إلى مجالات خصبة محتملة أخرى لاستخدام الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص. يمكن لهذه التقنية، على سبيل المثال، الإجابة عن أسئلة في الكيمياء. ففي إحدى العينات، تمكنت من وضع توقع دقيق لخمسة من أصل ستة تفاعلات احتراق كيميائي. ويمكنها رسم المخططات البيانية بصورة آلية بناء على وصف لفظي، ما يخفف كثيراً من الجهد المبذول في تنفيذ بعض الأعمال، كإنشاء عرض تقديمي مثلاً. كما أنشأ واحد ممن يختبرون النسخة التجريبية روبوتاً للجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص يتيح لمن لا يتمتع بمهارات المحاسبة صياغة بيانات مالية. ويمكن لتطبيق آخر الإجابة عن سؤال طبي صعب، ومناقشة الآليات الحيوية الأساسية، حيث وصف الباحث للتطبيق مجموعة أعراض تنفسية لدى فتى في العاشرة من العمر، وذكر له أنه تم تشخيص حالة الطفل بأنها مرض انسدادي وبدأ بتناول الدواء، ثم طلب الباحث منه تحديد المستقبِل البروتيني الذي سيعمل الدواء عليه. فحدد البرنامج المستقبل بصورة صحيحة، وعلل ذلك بأن الفتى كان مصاباً بالربو، وأن الربو يعالَج عادة بموسعات الشعب الهوائية التي تعمل على هذا المستقبِل.
تشير إمكانية التعليل المنطقي العام هذه في التأليف وكتابة الشفرة البرمجية والعلوم إلى أن استخدام المحولات القائمة على السحابة الإلكترونية قد يصبح نهجاً شاملاً قابلاً للتطبيق على عدة اختصاصات كعلوم الإدارة وعلوم البيانات وعلوم الفيزياء وعلوم الحياة. عدا عن ذلك، في الوظائف غير التقنية، سيؤدي اندماج السحابة الإلكترونية مع الجيل الثالث من المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص إلى تخفيض الحواجز التي تحول دون توسيع الابتكارات الرقمية. وسيتمكن الموظفون غير التقنيين من استخدام اللغة الطبيعية المحكية بدلاً من لغات البرمجة من أجل بناء تطبيقات وحلول للعملاء.
الوظائف التي سيعاد تصورها ستزيد الإنتاجية
في ضوء هذه التغيرات المقبلة، ستحتاج الشركات إلى إعادة التفكير بالموارد البشرية لديها، إلى جانب موارد الذكاء الاصطناعي. يمكنها البدء بتحليل مجموعة المهمات في الأدوار الحالية، والكشف عن المهمات المحددة التي يمكن للذكاء الاصطناعي دعمها، وإطلاق العنان للموظفين التقنيين وغير التقنيين على حد سواء كي يتمكنوا من الابتكار على نحو أسرع. استخدمنا شبكة المعلومات المهنية (Occupational Information Network - O*NET) القائمة على أحد معايير حكومة الولايات المتحدة المستخدمة في تصنيف الموظفين إلى فئات مهنية، وحللنا بواسطتها 73 فئة وظيفية في 16 مجموعة مهنية، وتوصلنا إلى أن كل المجموعات ستتأثر بالجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص. وعند التعمق في فئات الوظائف، وجدنا أنه من الممكن دعم 51 فئة أو استكمالها بواسطة الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص في مهمة واحدة على الأقل، كما يمكن أن تستخدم 30 فئة هذه التقنية من أجل استكمال مهمتين أو أكثر.
يمكن الاعتماد على التشغيل الآلي في إنجاز بعض المهام، إلا أن تحليلنا يبين أن الفرص الأكبر ستكون حول تعزيز الإنتاجية والإبداع البشريين وتوسيعهما. مثلاً، سيجد أخصائيو الاتصالات أن أغلبية مهماتهم التي تتضمن توليد النصوص الروتينية قد أصبحت آلية، في حين سيتم تعزيز سبل التواصل الأكثر أهمية، مثل نصوص الإعلانات والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال قدرة الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص على المساعدة في تطوير مسارات التفكير. وقد يستخدم العلماء في الشركات الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص من أجل توليد رسوم بيانية تمد زملاءهم بالمعلومات اللازمة عن خط الإمداد الخاص بتطوير المنتج. وفي هذه الأثناء، ومن أجل زيادة عمليات البحث والاختبار الأساسية، يمكن للعلماء استشارة الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص من أجل تلخيص نتائج مجموعة معينة من الدراسات العلمية. الاحتمالات في الاختصاصات والقطاعات المختلفة أكثر مما تتسع له مخيلة الموظفين فيها.
لا تتخلف عن الركب
الآن هو وقت الاستعداد. لن يعمل الجيل التالي من تطبيقات الشركات على الأنظمة التقليدية، وسيتعين على الشركات استخدام السحابة الإلكترونية أكثر مما تفعل اليوم. ولن يجدي الانتظار لرؤية النتائج. تطرح شركة "أوبن أيه آي" في الأول من أكتوبر/تشرين الأول تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص كخدمة، ما يجعل واجهة برمجة التطبيقات متاحة للمستخدمين التجريبيين. ستتمكن الشركات الرائدة من تبني الجيل الثالث من تقنية المحول المدرب مسبقاً لتوليد النصوص، وتكييفها أيضاً في غضون أشهر، كي تتمكن من معرفة المجالات التي ستكون التقنية فيها ناجحة تماماً أو فاشلة تماماً. وستكون سباقة في إعادة تصور الوظائف وتناول قضايا الخصوصية والأمان والمسؤولية الاجتماعية التي تحيط بالذكاء الاصطناعي عموماً. وعلى مدى العامين المقبلين، يمكننا أن نتوقع رؤيتها تنتج جميع أشكال التطبيقات، وتقتنص فرصاً للابتكار ستزيد المتخلفين عن الركب بعداً.