ماذا تفعل عندما يقحم زميلك في العمل حديثاً سياسياً وأنت لا ترغب؟

6 دقائق
الحد من النقاشات السياسية في مكان العمل

ملخص: لطالما كانت النقاشات التي تدور حول الموضوعات السياسية أمراً صعباً، لكنها أصبحت اليوم أكثر صعوبة من أي وقت مضى. وقد ينتابك شعور بأن النقاشات السياسية أصبحت أمراً لا مفر منه، حتى في أماكن العمل. فإذا كان لديك زميل يثير نقاشات سياسية في مكان العمل، خذ نفساً عميقاً، ثم استبدل إطلاق الأحكام بالفضول، وضع في اعتبارك وضع حدود تنقل النقاش بينكما إلى الوقت والمكان المناسبين، فهذا يزيد من احتمالية إقامة حوار متوازن بينكما، ثم حاول استبدال اليقين بالتواضع. صحيح أن هذا الأسلوب ليس سهلاً دائماً، إلا أنه سيزيد من احتمالية إجراء محادثة هادفة بينكما.

 

لطالما كانت النقاشات حول المواضيع السياسية في مكان العمل صعبة، لكنها أصبحت اليوم أكثر صعوبة من أي وقت مضى. في الماضي، كان الهدف من النقاش هو تفادي التصعيد، لكن اليوم، غالباً ما يكون النقاش محموماً منذ بدايته، والأصعب هو الشعور بعدم القدرة على تفاديه، وخصوصاً إذا اندلع أمامك من دون سابق إنذار.

على سبيل المثال، افترض أنك تجري اجتماعاً عبر منصة "زووم" تناقش فيه التعجيل بموعد تسليم أحد المشاريع، فيقول زميلك "نضال" فجأة: "هدفنا من المشروع هو طرح منتج لا لقاح". علماً أن هذا هو رابع تعليق مبطن بالسياسة يدلي به في هذا الاجتماع، ومن الواضح أن الآخرين يشعرون أنه لا يرمي دعابات فحسب، بل يحاول أن يفرض آراءه. إذن، ماذا ستفعل؟

لا أحد يرغب بالخوض في نقاش محموم مع زملائه، وخصوصاً على منصة "زووم" أو عبر الهاتف. لحسن الحظ، هناك طرق للتعمق في هذه المواضيع تؤدي إلى حوار صحي، وتترك لك مجالاً للخروج من النقاش إذا بدا لك أنه لن يكون صحياً. توصلت إلى أنه من الممكن أن تتحدث صراحة عن مواضيع مثيرة للجدل أكثر بكثير مما نعتقد عادة، بشرط أن تتوفر ثلاثة عناصر في النقاش، وهي الفضول، والحدود، والتواضع.

منذ سنوات في مدينة لندن، أوقفت سيارة أجرة لكي أذهب من مطار "غاتويك" (Gatwick) إلى الفندق الذي سأنزل فيه، وكانت الرحلة ستستغرق 45 دقيقة. بعد أن أعلمت السائق عن وجهتي، استدار لينظر إليّ مباشرة وقال: "تتكلم بلكنة أميركية. هل أنت أميركي؟"

فأجبت: "أجل".

اتسعت عيناه ومد رأسه باتجاهي، وصرخ بعنف شديد شاتماً الرئيس الأميركي.

كان الوقت متأخراً، وكنت متعباً. فقيّمت استعدادي للدخول في نقاش محموم، وعندما فكرت بتجاهل التعليق قلت لنفسي: "يجب أن أكون قادراً على فعل ذلك. يجب أن أكون قادراً على التحدث إلى شخص يحمل وجهة نظر راسخة حتى وإن لم أتفق معه تماماً".

فقلت له: "هل أفهم أنك لست مهتماً بالإكرامية؟" قلتها وأنا أبتسم ناظراً إلى عينيه في المرآة،

فرسم ابتسامة عريضة على وجهه، لكنها تلاشت سريعاً، وكرر الشتيمة مرة ثانية، ثم انتقل إلى سرد قائمة اتهامات طويلة للسياسة الأميركية الخارجية. وكلما استمر في الكلام أكثر، ازداد صوته ارتفاعاً ووجهه احمراراً. ثم توقف فترة كافيه ليتنفس، وكان من الواضح أن 45 دقيقة لن تكون كافية ليقول كل ما لديه.

ولأجل المفارقة، كان هدفي من زيارة مدينة لندن هو إلقاء محاضرة حول كتاب شاركت في تأليفه مؤخراً حول المحادثات الخطيرة من الناحيتين السياسية والعاطفية. لذا، شعرت بواجب خاص يفرض عليّ أن أطبق ما كنت سأعظ به، فعزمت على تحويل النقاش الذي سيستمر طوال 40 دقيقة إلى حوار ذي مغزى.

كيف تتجاوز المحادثات الخطيرة من الناحيتين السياسية والعاطفية؟

ونجحت في ذلك على نحو لافت للنظر. بالطبع، كنت أعرف أني لن أرى هذا السائق مجدداً بعد أن أصل إلى الفندق، لكني مع ذلك كنت مهتماً بإجراء حوار متحضر وبنّاء. وفي المرة القادمة، عندما تجد نفسك قد أُقحمت في نقاش مع شخص يحمل وجهات نظر سياسية راسخة، سواء كان غريباً أو زميلاً لك من قسم آخر، احرص على أن تدخل النقاش مع العناصر الثلاثة التالية:

الفضول 

نميل عادة عندما يبدأ أحدهم نقاشاً بقوة إلى التزام الصمت أو الانفعال بشدة. فنصمت في الحالة الأولى ونتظاهر بالاهتمام في حين نغلي مع الأحكام التي نطلقها في داخلنا بهدوء؛ أو نقاتل في الحالة الثانية للحصول على مساحتنا ونتحدث بدرجة من اليقين المستفز مثل الطرف الآخر أو أكثر منه. وفي كلتا الحالتين سيحتدّ النقاش أكثر من دون التوصل إلى نتيجة مفيدة.

يبدأ تحويل النزاع إلى حوار من خلال الفضول، فهو فضيلة يجب أن نمارسها كي ننقلها إلى الآخرين. من المذهل أن ترى كيف يهدأ النزاع بسرعة عندما تبدأ بالاستفهام بصدق عن وجهة نظر الطرف الآخر، الذي غالباً ما يجد نفسه مرغماً على التعامل معك بالمثل بعد أن أصغيت إليه.

مثلاً، عندما تنهي الاجتماع عبر منصة "زووم"، يمكنك أن تدعو زميلك "نضال" للبقاء متصلاً لوهلة، ثم قل شيئاً مثل: "نضال، لقد أدليت بتعليقات بدت تعبيراً عن وجهة نظرك السياسية أربع مرات في الاجتماع. إذا كنت ترغب في التحدث عن هذه الأمور، فأنا كلي آذان صاغية".

ليس بالضرورة أن تتخلى عن وجهة نظرك كي تبدي الفضول، كل ما عليك فعله هو أن تضعها جانباً. لا تقلق، يمكنك العودة إليها ما أن ينتهي النقاش. لكن إذا ناقشت وجهة نظر الطرف الآخر وأنت متمسك بوجهة نظرك فلن تعطي أياً منهما حقها. ويجب ألا تعتبر أنك أشبعت فضولك إلا عندما ترى صورة متكاملة عن وجهة نظر الشخص الآخر، أي أن تعرف التفسير المنطقي للرأي الذي يتمسك به نظراً لخبراته ووجهة نظره ومعلوماته.

الحدود 

تكمن مشكلة تعليقات نضال المرتجلة في أثناء الاجتماع في حقيقة أنه كان يحول اجتماع العمل إلى منبر سياسي. وعندما تدعوه إلى النقاش، يجب أن تطلب منه أن يحترم حدود الاجتماع. فلنفرض أنه أبدى رغبة في مشاركة آرائه معك، يجب عليك أولاً أن تقول: "نضال، هل يمكنني أن أطلب منك عدم الإدلاء بهذا النوع من التعليقات في اجتماعاتك مستقبلاً؟ فالاجتماعات ليست الوقت أو المكان المناسب لها. هل هذا واضح؟".

كما أن وضع الحدود في بداية النقاش مفيد إذا كنت تخشى أن ينحرف عن مساره، ويجب أن تهيئ الجو المناسب له قبل البدء في طرح الآراء. اطلب موافقة الطرف الآخر على الحدود، أو القواعد الأساسية التي ستبقي الحوار متحضراً ومتوازناً، وغالباً سيوافق الطرف الآخر على القواعد البسيطة للحوار المتحضر حتى وإن كان ممن يختلفون بشدة مع سياسات معينة. إذا حصلت على موافقته قبل أن ينفعل، فعلى الأرجح أنه سيمارس الرقابة الذاتية بطريقة تبقي الحوار صحياً. وإذا لم تحصل على موافقته، فاحرص على وضع حدود بشأن طريقة تعاملك مع مخالفة أي من الطرفين قوانين الطرف الآخر.

فيما يلي، الطريقة التي اتبعتها لتهيئة الجو المناسب للنقاش مع سائق سيارة الأجرة. لم أنتظر أن يتوقف عن الكلام، لأني لم أشعر أنه سيتوقف قريباً، بل قمت بالتربيت على مسند مقعده كي أقاطعه، وقدمت له اقتراحاً.

قلت له: "أنا مهتم جداً بسماع آرائك. وقد أتفق معك في بعضها وأخالفك في البعض الآخر، لكني أريد أن أحصل على وقت مساوٍ لأتحدث فيه عن رأيي. هل يمكننا أن نتفق على أن تتحدث أنت في الدقائق العشر الأولى، ثم أتحدث أنا في الدقائق العشر التالية؟ وإذا شعر أي منا بغضب شديد تجاه الآخر، سنوقف النقاش ونكمل طريقنا إلى الفندق بصمت. وإذا سار النقاش على نحو جيد، سنكون قد ازددنا ذكاء عند نهايته. اتفقنا؟"

فأغرق في الضحك ثم استدار لينظر إلي وقال: "أجل، اتفقنا".

التواضع 

إذا دخلت إلى النقاش مع تمتعك بالفضول، ستخرج منه أذكى في كل مرة، لكن بشرط أن تُدخل معك العنصر الثالث، أي التواضع.

من النادر ألا تجد ما يبهرك ويعلمك ويحسّنك في تجارب الآخرين عندما تستفهم عنها بصدق. والحقيقة المؤلمة هي أننا لا نشكّل كثيراً من أهم قناعاتنا التي نتمسك بها من العدم، وسواء كنا مسلمين أو مسيحيين، محافظين أو ليبراليين، نفضل "كوكاكولا" أو "بيبسي"، فإن تأثير المجموعات التي ننتمي إليها في تشكيل أفكارنا هو أكبر من تأثير الحقائق التي ندقق فيها.

عندما نصغي للآخرين بإمعان، نشعر بالتواضع وقت أن ندرك مدى هشاشة الأساس الذي بنيت عليه قناعاتنا الخاصة. وعندما يحدث ذلك، يجب أن نمتلك النزاهة الكافية للتخلي عن هذه النقاط الهشة. وكلما أظهرت مجالات أكثر للاتفاق مع الطرف الآخر، وخاصة تلك التي تتطلب التخلي عن "الحقائق" التي كنت تتمسك بها سابقاً، ازداد احتمال أن يشعر الطرف الآخر بالأمان ليفعل الأمر ذاته.

بعد 10 دقائق من رحلتي في سيارة الأجرة، وجدت نفسي كارهاً لمقاطعة السائق كي أتحدث بدوري، فقد كنت مدهوشاً بالرؤى التي اكتسبتها من النظر إلى السياسة الخارجية لبلادي من وجهة نظر شخص يبعد عنها مسافة 12 ألف كيلومتر، لدرجة أني لم أرغب في أن يتوقف السائق عن الكلام. لا أعلم إن كانت نظرة صديقي سائق سيارة الأجرة إلى العالم قد تغيرت بعد انتهاء رحلتنا، لكن نظرتي أنا تغيرت بالتأكيد. هذا لا يعني أن آرائي تغيرت بدرجة كبيرة، وإنما أُثريت على نحو أسعدني.

وستشعر بالمثل مع نضال إذا كنت متواضعاً بصدق. لا تدخل الحوار بهدف إطلاق الأحكام، بل بهدف فهم عالم نضال أكثر. وإذا قمت بذلك على نحو جيد، ستبدأ برؤية سبب توصله إلى قناعته بالنظر إلى معلوماته وتجاربه. اعلم أن مشاعر السخرية هي دليل على الدافع الذي يتمثل برغبة تغيير رأي الآخر، لا التعلم منه.

في المرة القادمة، عندما تشعر بالهلع إذا ما بدا أحد زملائك عازماً على إثارة قضايا سياسية في أثناء نقاش في مكان العمل، تنفس؛ ثم استبدل إطلاق الأحكام بالفضول؛ وفكر بوضع حدود تنقل الحوار إلى مكانه وزمانه المناسبين، وتزيد احتمال أن يكون الحوار متوازناً، وتتيح مخرجاً منه إن استدعت الحاجة؛ واستبدل اليقين بالتواضع. ربما لن تتمكن هذه الممارسات من إحلال السلام في العالم على الفور، لكنها بالتأكيد ستزيد من احتمال إجراء حوارات ذات مغزى في العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي