في كل يوم هناك ما يذكرنا بمدى صعوبة حرب استقطاب المواهب. فلا يكفي جذب أفضل الموظفين إلى الشركة فحسب، بل عليك الاحتفاظ بهم، وتشجيع الموظفين للنظر في عروض العمل. لقد أصبح هذا الأمر تحدياً أكبر مع زيادة التنقل بين الوظائف. إذ كشف أحد استطلاعات الرأي أن 64% من الموظفين، و75% من الذين تقل أعمارهم عن 34 عاماً، يعتقدون أن تبديل الوظائف بشكل متكرر سيفيدهم في حياتهم المهنية.
إذاً، لماذا أشجع بنشاط حتى أفضل الموظفين لدي لتتبع عروض الوظائف الخارجية؟ الإجابة بسيطة، وإن لم تكن بديهية: فهذا يساعد على نجاح الأعمال.
أهمية تشجيع الموظفين للنظر في عروض العمل الأخرى
في وظيفتي الأخيرة، بوصفي أحد كبار المدراء في شركة هبسبوت (HubSpot)، وبوصفي الآن رئيس قسم التسويق في شركة جي2 كراود (G2 Crowd)، لم أكن أشجع الموظفين لديّ على البحث في مكان عمل آخر فحسب، بل أخبرتهم أيضاً أنني أبحث عن وظائف جديدة محتملة لنفسي كذلك. ومن المفارقات أن كل هذا يساعدني إيجابياً، وفي كثير من الأحيان، أتمكن من الحفاظ على موظفين رائعين. وإليكم الأسباب:
الموظفون يريدون التطور، وليس مجرد الكلام
توضح شركة غالوب (Gallup)، إن الموظفين في هذه الأيام، وخصوصاً جيل الألفية منهم، "يريدون للوظائف أن تكون فرصة للتطور". وأن 87% من جيل الألفية و69% من غيرهم يقيّمون "فرص نمو وتطور الحياة المهنية أو الوظيفية" على أنها مهمة، لكن العديد من الشركات تفشل من هذه الناحية. وفي استطلاع للرأي قامت به شركة غالوب، أجاب أقل من نصف الأشخاص من جيل الألفية الذين شملهم الاستطلاع بـ "أوافق بشدة" على أنه كان لديهم فرص للتعلم والنمو في العام السابق، وقال الثلث فقط إن أحدث تجربة تعليمية لديهم كانت استثماراً جيداً في وقتهم.
اقرأ أيضاً: كيف تقرر قبول عرض عمل ما أو رفضه؟
لذلك، بينما تَعِدُ كل شركة تقريباً بتطوير موظفيها، غالباً ما يكون ذلك مجرد كلام، والأمر متروك للمدراء لضمان التزام شركاتهم بوعود التطوير المهني. وكما كتبت المديرة التنفيذية مونيك فالكور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، إن "العامل المزدوج من المدير والموظف هو حجر الأساس الجديد للتعلم والتطوير في الشركات".
عندما أُوضح لموظفيّ أنني أريدهم أن يأخذوا جميع الخيارات المتاحة لهم في عين الاعتبار، فإنهم يرون أنني ملتزم بصدق بمساعدتهم على التعلم والتطور، ويعلمون أنه ليس مجرد كلام؛ بل إن تطورهم يهمني بالفعل. فعلى سبيل المثال، إذا كنت أعتقد أنهم قد وصلوا إلى قمة منحنى التعلم في فريقي، ولا يمكنني تحديد طريقة لمساعدتهم على التطور، فسوف أساند جهودهم في الحصول على وظيفة في مكان آخر.
اقرأ أيضاً: بعد التقدم لوظيفة جديدة... هل يتعين عليك النظر في العرض المضاد المقدم من مديرك الحالي؟
لقد وجد بحث أنه غالباً ما يستقيل الموظفون بسبب مدرائهم وليس بسبب الشركة التي يعملون بها، فهُم يبقون في وظائفهم من أجل مدير يؤمنون به، أي ذاك المدير الذي يريد مساعدتهم في تحقيق أهدافهم. فقد كان لديّ موظفون يقولون لي إنهم اختاروا المجيء إلى العمل من أجلي، واختاروا البقاء فيه بسبب هذا الإلتزام.
الانفتاح يسمح للمحادثات بالازدهار
من خلال تشجيع موظفيّ على التفكير في الاحتمالات الخارجية ومشاركة قصصي معهم، فإني أعزز بذلك ثقافة الإنفتاح في تواصلنا. وعندما يحصلون على عروض عمل خارجية، فإن هذا التواصل يُحدِث فرقاً كبيراً.
وكما كتب مؤسس لينكد إن، ريد هوفمان، في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، غالباً ما يشعر الموظفون أنهم لا يستطيعون التحدث بصدق مع مدرائهم حول أهدافهم المهنية، وذلك "بسبب الإعتقاد المنطقي الذي يقول أنّ القيام بذلك أمر محفوف بالمخاطر ويضع حداً لحياتهم المهنية، خاصة إذا كانت طموحات الموظف لا تتوافق تماماً مع وجهات نظر المدير الحالية وخطته المستقبلية للعمل". لذا فهم لا يشاركون المعلومات حول عروض العمل الخارجية حتى يقطعوا شوطاً كبيراً مع صاحب العمل الجديد المحتمل.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: هل يجب عليّ البقاء في شركتي أو قبول عرض شركة جديدة؟
فمن خلال إظهار دعمي لفريقي في كلتا الحالتين، أنشئ بذلك ثقافة يشعر فيها الموظفون بالارتياح لمشاركة جميع خطواتهم المهنية معي، حيث يمنحني هذا الحوار المفتوح الوقت والفرصة للعثور على طريقة للاحتفاظ بهم. في كثير من الأحيان، هناك شيء يمكنني القيام به، مثل أن أجلب لهم خبرة جديدة أو مشروع جديد أو منحهم المزيد من المسؤوليات أو التفاوض على علاوة. لقد تبين لي أن معظم الموظفين لا يدركون مدى المرونة التي تتمتع بها الشركة عندما يتعلق الأمر بإيجاد طريقة للاحتفاظ بالمواهب عالية الأداء.
من شأن هذه العملية أن تشعرهم بالاحترام ايضاً. ووجد كلّ من كريستين بوراث وتوني شوارتز في استطلاع للرأي أنّ نصف الموظفين لا يشعرون بالاحترام من قبل رؤسائهم، أما أولئك الذين يشعرون بالاحترام هم أكثر احتمالية للبقاء.
هناك فوائد لمغادرتهم
قد تكون هذه أكثر نقطة غير متوقعة على الإطلاق. ولكن عندما يقرر الموظفون الرائعون المغادرة بعلاقة جيدة، يمكن أن يكون هناك جانب إيجابي للشركة، حيث سيكون الموظفون في وضع قوي في الخارج للتحدث بصدق عن تجاربهم. فإذا تركوا شركتنا وهم يشعرون بالرضا عنا، فسوف يتحدثون بإيجابية عن الشركة، وفي حال شعروا بالرضا عني، فسوف يشجعون الأشخاص الرائعين على المجيء إلى العمل من أجلي.
هذا هو السبب، بمجرد أن يتضح أنه لا يمكن الاحتفاظ بهم، فأنا أقدم المشورة لمساعدتهم على التفاوض حول أفضل صفقة يمكن أن يحصلوا عليها عند صاحب العمل الجديد. إنّ كل موظف فريد من نوعه، لذلك صحيح أنه ليس كل شخص يمكن استبداله بالكامل، ولكن عندما يغادر شخص ما، فإنها فرصة بالنسبة إليّ لإحضار شخص آخر يتمتع بنقاط قوة وأشياء جديدة لتقديمها للفريق.
هم أكثر احتمالية للعودة
ليس بالضرورة أن ينجح كل مشروع. فبعض الموظفين يغادرون ليجربوا حظهم في شركات ناشئة، التي لديها نسبة فشل عالية. بينما يعمل الآخرون في شركات جديدة ليكتشفو أن الوظيفة ليست كما كانوا يتوقعون، أو أن ثقافة الشركة ليست مناسبة لهم. لذلك قد يبحث هؤلاء الموظفون الرائعون عن العمل مجدداً يوماً ما – وتريد أن تكون أنت على رأس قائمتهم.
لقد لاحظت مجلة هارفارد بزنس ريفيو أن عدد هؤلاء الذين يُطلَقُ عليهم اسم الموظفين العائدين في ارتفاع، ويمثلون مصدر مواهب ذا قيمة متزايدة. لذا فإن حفلة وداع لموظف ما قد تتحول إلى "حفلة وداع مؤقتة". فإذا كان بإمكانك مساعدتهم على الشعور بأن مكان العمل الذي يتركونه هو بمثابة "المنزل"، فقد يعودون يوماً ما.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: هل يجب عليّ إيجاد عرض وظيفي آخر بهدف الحصول على علاوة في الشركة التي أعمل بها؟
بالطبع ، لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع للتعامل مع علاقات الموظفين، حيث تختلف أساليب الناس ومواطن راحتهم من ناحية التواصل. وللشركات استراتيجيات توظيف وتعيين مختلفة تعتمد على ثقافات شركاتهم. وبغض النظر عما أفعله، سيختار بعض الموظفين أن يكونوا أكثر سريّة وأن يحافظوا على فرصهم الخارجية طي الكتمان، ولا بأس في ذلك، فطالما أوضحت لهم أن بابي مفتوح، وأننا لن نسعى لاحتجازهم هنا بالرغم من حاجتنا إليهم، فنحن نبني بذلك ثقافة تمكين الموظفين.
وفي نهاية الحديث عن تشجيع الموظفين للنظر في عروض العمل، بغض النظر عن المكان الذي سيصلون إليه بعد ذلك، إن أصبحوا مدراء توظيف، فأريد منهم أن يكونوا قد تعلموا دروساً قيمة حول إعطاء موظفيهم الحرية والتشجيع نفسهما. وهذه هي الطريقة التي نبني بها ثقافات عمل أقوى.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: ماذا أفعل إذا قدم لي مديري عرضاً مضاداً كي لا أغادر العمل؟