لماذا يجب اختبار صحة النصائح المهنية الشائعة؟

6 دقائق
النصائح المهنية الشائعة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: على الرغم من أن الكثير جداً من النصائح المهنية الشائعة يقدم بحسن نية، فهذه النصائح غالباً غير مبنية على أي دليل مثبت، كما أنها تأخذ شكل القصص أو تكون مكررة حدّ الابتذال أو متناقضة أو قديمة. لدينا اليوم قدر أكبر من الأدلة الواضحة على ما يشكل نصيحة جيدة فيما يتعلق بالعقليات التي يجب على الإنسان تبنيها في تعامله مع حياته المهنية. ووفقاً للأدلة، فإن بعض هذه النصائح قوي وفعال، وبعضها مفيد في أفضل الأحوال، في حين أن بعضها الآخر سيئ تماماً. يحلل المؤلفان النصائح الأربع الأكثر انتشاراً ويحددان ما يرتبط منها بالنجاح المهني الموضوعي والنجاح المهني الشخصي ونتائج عمل الموظفين.

 

تكثر النصائح المهنية الشائعة حول طرق النجاح المهني في عصرنا هذا، لا سيما في أثناء الفترة الحالية التي ننتقل فيها إلى طرق عمل جديدة (أو قديمة). كيف ستميز النصيحة التي تستحق الأخذ بها حقاً، سواء كنت في بداية مسيرتك المهنية، أو تتساءل عما إذا كان الوقت مناسباً للانتقال إلى شركة جديدة أو قطاع جديد؟

بعد عقود من البحث حول طرق النجاح المهني المعاصر، حدد الباحثون النصائح الأربع الأكثر انتشاراً التي تعتبر ضرورية لصنع حياة مهنية ناجحة. لمعرفة مدى فائدة كل نصيحة في الواقع، أجرينا تحليل ميتا (التجميعي) على جميع الدراسات الميدانية المتاحة منذ عام 2006، التي فحصت طرق ارتباط كل نصيحة بالنتائج المهنية المختلفة على ما يصل مجمله إلى 175 عينة مستقلة تضمّ أكثر من 63,000 موظف حول العالم في مختلف المراحل المهنية والمهن. أتاح لنا هذا التحليل تمييز أنماط شاملة على مستوى المجموعات لكل نصيحة، وتحديد النصائح التي يرجّح أن تعود بأعلى فائدة والتي يجب التعامل معها بحذر. قمنا بذلك عن طريق تحليل طرق ارتباط كل واحدة من النصائح الأربع بما يلي:

  • النجاح المهني الموضوعي (أي: الأجر والمكانة والترقيات)
  • النجاح المهني الشخصي (أي: الرضا الوظيفي والرفاهة)
  • نتائج عمل الموظف (أي: الرضا الوظيفي والالتزام المؤسسي ونوايا تغيير الوظائف والانسحاب والأداء الوظيفي)

مجموعة من النصائح المهنية الشائعة

نذكر فيما يلي النصائح الأربع الأكثر شيوعاً وما تقوله البيانات حول فائدتها لتحقيق النجاح في الوظائف المعاصرة.

تحمّل المسؤولية الكاملة عن حياتك المهنية

تتطلب هذه النصيحة تبني عقلية التوجيه الذاتي؛ أي تحمّل الموظف المسؤولية الكاملة عن مساره المهني وتطوره بدلاً من الاعتماد بصورة أساسية على صاحب العمل. بمقارنة هذه النصيحة بالنصائح الثلاث الأخرى وجدنا أنها تتمتع بأكبر تأثير إيجابي عموماً، كما توصلنا إلى أنها تعود بفوائد شاملة بالنسبة لجميع النتائج التي أخذناها في عين الاعتبار، إذ إن من يتبنى عقلية التوجيه الذاتي تكون احتمالات تحقيقه نجاحاً مهنياً موضوعياً وشخصياً في آن معاً أكبر مقارنة بمن لا يتبناها.

إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يتمتع الأشخاص الذين يحملون مسؤولية حياتهم المهنية بالكامل بروح معنوية أعلى في وظيفتهم الحالية (يتمتعون بدرجة أعلى من الرضا الوظيفي والالتزام المؤسسي) وتكون تقييمات أدائهم الوظيفي أفضل ويتبعون سلوكات انسحاب أقلّ (مثل نوايا تغيير الوظيفة). وبالتالي، فإن النصيحة القائلة بأنه عليك تطوير مجموعات مهاراتك على نحو استباقي وتحمّل المسؤولية عن نفسك تعود بالفائدة على الموظف وصاحب العمل على حد سواء أكثر من النصائح الثلاث الأخرى.

ما نوصي به: يفترض الشخص الذي يفتقر إلى عقلية التوجيه الذاتي أن طرفاً آخر، مثل صاحب العمل الحالي، سيهتم بتطوره المهني. على الرغم من احتمال نجاح هذه النصيحة في الماضي، فهي لم تعد كذلك اليوم؛ يعود ذلك جزئياً إلى ضرورة تكيف الشركات بسرعة مع التقنيات المتغيرة والمنافسة المتزايدة نتيجة للعولمة، وبالتالي يجب أن يستمر الموظفون بالعمل على اكتساب المعارف والمهارات الجديدة التي تطلبها مؤسسات القرن الحادي والعشرين.

لذا نوصيك بأن تحمل مسؤولية تطوير نفسك عن طريق السعي الاستباقي للعثور على فرص تدريب من أجل زيادة مخزونك من المعارف والمهارات والقدرات وتعزيزها، يمكنك القيام بذلك عن طريق حضور الدورات التدريبية المتعلقة بمجالك المهني. كما أنه نظراً لقدرة هذه العقلية على رفع المعنويات وتحسين الأداء وخفض نسب الانسحاب، يمكن القول إن تعزيز نموك يصب في صالح شركتك أيضاً. يكمن السر في أن تعمل على نحو استباقي فيما يتعلق بالتعلم المستمر والتطوير المهني، اتبع النصيحة التي قدمها إيلون ماسك لموظفيه: “فكر باستمرار في الطرق التي يمكنك اتباعها للقيام بالعمل على نحو أفضل وتحدي نفسك” كي تحقق تحسناً.

أقم شبكة معارف خارج مؤسستك ومجال عملك

يتطلب البحث عن علاقات مهنية خارج مؤسستك أو قطاعك تبني العقلية “غير المحدودة”. في حين أن من يتبنى هذه العقلية يتمتع بقدر أكبر من النجاح المهني الموضوعي والشخصي، فمن المرجح أن ينسحب من الشركة التي يعمل فيها حالياً، ما قد يولد آثاراً سلبية على صورته لدى الشركات الأخرى التي تفكر في تعيينه. عموماً، على الرغم من أن العقلية غير المحدودة مفيدة لنجاحك المهني، فإن فائدتها أقلّ بكثير من فائدة عقلية التوجيه الذاتي؛ أي إن آثارها المفيدة على معظم النتائج المهنية أضعف نسبياً من آثار عقلية التوجيه الذاتي.

ما نوصي به: فكر في بناء شبكة اجتماعية أوسع خارج نطاق وحدات العمل المنعزلة في إدارتك أو مؤسستك أو قطاعك. يمكنك القيام بذلك عن طريق دعوة أشخاص من خارج المجموعة التي تعمل معها مباشرة لتناول الغداء أو القيام بعمل تطوعي في مجتمعك أو ممارسة هوايات لا تتعلق بالعمل أو حضور مناسبات أو مؤتمرات خارج نطاق شبكة معارفك المقربة أو مجال خبرتك. قدم الرئيس التنفيذي السابق لشركة “جوجل” إريك شميت هذه النصيحة بقوله: “أقبل على لقاء أصدقاء جدد”. ومع ذلك عند اختيار النصيحة التي يجب أن تحظى بالأولوية، نوصي بأن تركز انتباهك أولاً على تبني عقلية التوجيه الذاتي لأنك ستجني منها عائداً أكبر على استخدام طاقتك.

أحد النصائح المهنية الشائعة أيضاً هي: اتبع شغفك

يعني العمل بناء على القيم أن يقوم الشخص بتحركات مهنية تستند في المقام الأول إلى قيمه الشخصية الراسخة ويتعامل مع حياته المهنية من باب “اتباع الشغف” فقط. في الفترة التي نشهد فيها “الاستقالة الكبرى” يبحث كثير من الموظفين عن وظائف تتوافق مع قيمهم أولاً وقبل كل شيء. ومع ذلك تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى ضرورة التعامل مع هذه النصيحة بحذر، إذ إنها تحقق على الأرجح أرباحاً تدريجية أصغر مما يعتقده من يستثمرون في إنشاء “حياة ذات مغزى”. تبين النتائج أن هذه العقلية ليست مهمة حقاً، فعلاقتها بالنجاح الموضوعي لا تختلف إحصائياً عن الصفر وعلاقتها بالنجاح الذاتي هي الأضعف نسبياً.

ما نوصي به: توخّ الحذر عندما تعمل من باب اتباع الشغف فقط. يتبنى الكثير من الأشخاص هذه العقلية ويتوقعون أن يقوموا بمقايضة استراتيجية؛ فهم يستبدلون جاذبية المال والمكانة بتأمين سعادة أكبر. ومع ذلك، من الممكن أن يبالغوا في تقدير هذه المقايضة، ما يحدث عادة هو أن من يتبنون هذه العقلية لا تزداد سعادتهم إلا بنسبة ضئيلة. لذا، بدلاً من التركيز على الشغف فقط يجب أن تدرك أن أي وظيفة تتطلب الكفاءة إلى جانب المغزى. نوصي بأخذ نصيحة مؤسِّسة شركة “ذا ميوز”، كاثرين مينشيو، التي تقول إنه في حين “لدى كل منا فرصة العثور على عمل يتماشى مع شغفه… فإن فكرة ’الوظيفة المثالية‘ ما هي إلا أسطورة”.

كن مستعداً للقفز إلى فرصة العمل التالية

الشخص الذي يتبنى عقلية التنقل هو الذي يبحث باستمرار عن فرص للقيام بخطوته المهنية التالية وتغيير وظيفته بغضّ النظر عن جودة وظيفته الحالية. تبين النتائج أن تبني هذه العقلية لا يؤدي إلى تحقيق نجاح مهني موضوعي أكبر وأنه يضرّ بالنجاح الوظيفي الشخصي دائماً. كما أن الموظفين الذين يتبنون هذه العقلية يعانون من معنويات متدنية وأداء ضعيف وتزداد احتمالات أن يتركوا وظائفهم الحالية، فيعتبرهم أصحاب العمل مكلفين وغير مقنعين.

وبالتالي، على الرغم من أن البحث عن الفرصة التالية قد يبدو مغرياً لا سيما في الوقت الحالي، فإن الاستعداد للانتقال في أي لحظة هو نصيحة سيئة باختصار تضرّ بالنجاح في الوظائف الحالية والمستقبلية. في الواقع، إن الآثار السلبية التي توقعها عقلية التنقل على النجاح المهني الشخصي تساوي قوتها نحو ثلث قوة التأثير الإيجابي الذي توقعه عقلية التوجيه الذاتي عليه. كما أن الأثر الضار لتبني عقلية التنقل يكاد يساوي مجموع الآثار الإيجابية التي توقعها كافة العقليات الأخرى على رفاهة الإنسان النفسية.

ما نوصي به: لا تكن شديد الحرص على التنقل من وظيفة إلى أخرى، بل ركز على التميز في وظيفتك الحالية. يؤدي تبني عقلية التنقل إلى اعتبار أن ما لا تملكه أفضل مما لديك واكتساب سمعة بأنه من غير الممكن الاعتماد عليك، قد تنطبق هذه النتائج على سياق الاستقالة الكبرى، وهي الفترة التي يبحث فيها الموظفون لا سيما أبناء جيلي زد والألفية عن وظائف جديدة ويتركون وظائفهم الحالية بصورة نشطة وجماعية. بما أن العلاقة بين عقلية التنقل والاستقالة الكبرى لم تتوضح بعد، هذا إن وجدت، نوصي بالتفكير بحذر في الآثار التي قد يوقعها تبني مثل هذه العقلية على نتائج الحياة المهنية المستقبلية.

على الرغم من أن الكثير جداً من النصائح المهنية الشائعة يقدم بحسن نية، فهذه النصائح غالباً غير مبنية على أي دليل مثبت، كما أنها تأخذ شكل القصص أو تكون مكررة حدّ الابتذال أو متناقضة أو قديمة. لذلك عندما تسمع نصيحة مهنية أو تقدمها، لا تنس أن النصائح ليست صحيحة كلها، ونصيحتنا لك فيما يتعلق برحلتك المهنية هي: احمل مسؤولية تطوير نفسك ووسع أفقك، ولا تكن صعب الإرضاء في اختيار وجهتك ولا تتحمس أكثر مما يجب للقفز إلى المحطة التالية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .