ما الذي يمكن للمدراء فعله من أجل إبقاء النساء في قطاع الهندسة؟

6 دقائق
طرق لإبقاء النساء في قطاع الهندسة

يواجه الاحتفاظ في قطاع الهندسة مشكلة جدية متعلقة بالجنس. فعلى الرغم من الجهود المبذولة في تشجيع المرأة على دراسة الهندسة، نجد أنّ 40% من المهندسات ذوات المهارات العالية يغادرن المجال. لقد أجريت دراسات كثيرة بشأن سبب مغادرة النساء في قطاع الهندسة، ولكننا نريد اليوم أن نفهم بصورة أفضل ما يشجع بعض هؤلاء النساء على البقاء فما هي أفضل الطرق لإبقاء النساء في قطاع الهندسة؟

في العام 2014، أجرينا مقابلات مع 34 مهندسة في شركتين من شركات مجموعة إف تي أس أي (FTSE) (مجموعة مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم) المئة في المملكة المتحدة. كانت حينها 10 مهندسات منهنّ في بداية مسيرتهنّ المهنية و19 في منتصفها و5 مهندسات في أواخر مسيرتهنّ المهنية. وكانت نسبة تزيد عن 80% منهنّ حائزات على شهادات جامعية، و43% لديهنّ أبناء. أما الشركتين اللتين كنّ يعملن لديهما فهما شركة للنفط والطاقة ومواد التشحيم والبيتروكيماويات، ولنسمها بي أي تي (PET)، والأخرى هي إحدى أكبر موردي الغاز ومحركات الديزل، ولنسمها تي تي دي (TTD).

اقرأ أيضاً: 6 أمور تتشاركها النساء الناجحات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات

كانت نسبة النساء في القوى العاملة من المهندسين في شركة (PET) تبلغ 12%، بينما بلغت نسبتهنّ في شركة (TTD) ما يقارب 9%. وعلى الرغم من أنّ كلتا الشركتين لديهما ثقافة ذكورية عنيدة، إلا أنهما التزمتا بزيادة أعداد النساء بين مهندسيها. جرّبت الشركتان مجموعة متنوعة من المبادرات، مثل أنظمة الحصص القائمة على أساس الجنس من أجل المناصب العليا، وخيارات عمل مرنة ومجموعات نسائية للموظفات. وعلى الرغم من هذه الجهود، أبلغ كبار المدراء والموارد البشرية في الشركتين عن استمرار مغادرة واحدة من كل ثلاثة مهندسات.

نصائح لإبقاء النساء في قطاع الهندسة

في المقابلات الفردية العميقة مع المهندسات، قمنا باستكشاف سبب وكيفية بقاء بعض النساء في قطاع ما، رغم مغادرة عدد كبير من النساء له عادة. واتفقنّ جميعهنّ على أنّهن تمكنّ من الصمود على الرغم مما يشكله مجال الهندسة من تحديات للمرأة، وأشرنّ إلى أنّ مساعدة الآخرين لهنّ كانت أمراً جوهرياً في نجاحهنّ، وبالأخص في المراحل الأولى من مسيرتهنّ المهنية. ومن أهم أشكال المساعدة التي اتضحت لنا هي:

مهمات موسعة

ركّزت المهندسات اللاتي قابلناهنّ على أهمية تكليفهنّ بمهمات موسّعة تتجاوز مستوى مهاراتهنّ. غالباً ما يتم وصف هذه المهمات على أنها دعوة من المدراء أو الزملاء أصحاب الرتب الأعلى للعمل بدلاً عنهم أو استلام مجالات جديدة أكثر صعوبة من العمل. ووضحت لنا مهندسة نفط في شركة (PET)، ولنسمها ميساء، ذلك بقولها:

"عندما أوكل إلي هذا التحدي، لم أعلم كيف سأقوم به. لم أعتقد أنني سأتمكن من القيام بالعمل الذي طلب مني لأنه من ضمن الأعمال التي يقوم بها مديري عادة. ولكنه قال لي: ’ميساء، اذهبي واستمتعي بالعمل. لا يمكنك ارتكاب أي خطأ. حاولي فقط، وستنجحين‘. كانت هذه كلماته التي قالها لي. لذلك، نفذت العمل وأدركت أنني قادرة على القيام به فعلاً. لقد عزز ثقتي بنفسي وأصبحت الآن أرى أنني قادرة على تنفيذ أعمال من مستوى أعلى".

اقرأ أيضاً: بحث: النساء تفوز بجوائز العلوم إلا أنّ الرجال يفوزون بالأعرق من بينها

كانت ميساء شديدة الثقة من عدم قدرتها على تولي مسؤوليات من مستوى أعلى، ولكن بعد أن حلّت محلّ مديرها أدركت أنها قادرة عليها بامتياز. كان شعور الثقة الجديد هذا تجربة محورية تسببت في تغيير نظرتها لمستقبلها في الهندسة.

لم تساعد المسؤوليات الصعبة عالية المستوى النساء على تنمية ثقتهنّ في إمكانياتهنّ فحسب، بل عززت شبكات تواصلهنّ الاجتماعية وصورهنّ ضمن المؤسسة أيضاً. فترسخ وجود النساء ضمن مجتمع المهندسين بقوة أكثر. تعتبر الثقة بالنفس سمة جوهرية خاصة، وهي ضرورية جداً لاستمرار المهندسات. ويشير بحثنا إلى أنها تتشكل من كلّ خبرة اجتماعية يعيشها الفرد في مكان العمل. إذن، يجب بناء الثقة.

التقييم الشخصي البنّاء

لم تكن لدى الكثير من النساء اللاتي قابلناهنّ رؤية واضحة في بداية عملهن في الهندسة عن كيفية تولي مهام معينة، وعما إن كنّ ينفذن العمل بصورة صحيحة. كما أنّ مجال التخصص كان مبهماً غالباً بالنسبة لهن، وذلك تحديداً بسبب الأفكار النمطية بشأن عدم تساوي كفاءة المرأة مع كفاءة الرجل تقنياً.

قالت المهندسات اللاتي قابلناهنّ أنّ التقييمات الشخصية المفصلة ساعدتهنّ على التغلب على هذه الشكوك. وتحدّثن عن تلقي هذه التقييمات من مدراء الخطوط الذين بنظرهنّ بذلوا جهداً إضافياً ليشرحوا لهنّ نقاط القوة والضعف في أدائهنّ والاعتراف بأنهنّ أحسنّ صنعاً، إلى جانب تقديم الإرشاد لتحقيق المزيد من التطور. ولكن القلّة من المهندسات تحدثن عن تلقي التقييم على أنه عملية تقييم إدارية مفروضة من الناحية التنظيمية. بل وصفت معظمهنّ هذه التقييمات على أنها مرتجلة بناء على الأشخاص الذين كنّ محظوظات (أو قليلات الحظّ) بالعمل لأجلهم.

تشرح لنا مهندسة عمليات في شركة (PET)، ولنسمها رانيا، قائلة:

"لم تكن لديّ أية فكرة عما أفعله، كان الأمر أشبه بكابوس. كان خط العمل الذي أوكل إليّ مقعداً بحقّ ولم أعتقد أنني سأتمكن من الاستمرار هناك. كانت المحادثات التي أجريتها مع مدير الخط صريحة للغاية، إذ كان يقول لي: ’أنت قادرة تقنياً على هذه النقطة، ولكنك غير قادرة على تلك‘، وعندئذ تمكنت من النظر إلى الحقائق المجردة بشأن النسبة بين النقطتين. تكلمنا عن الدعم الذي يمكن (ولا يمكن) تقديمه للمساعدة على تخطي بعض هذه الفجوات، وكمية ما يجب عليّ تعلمه ومدى السرعة التي يتوجب عليّ تعلمها. وقارناها ببعض الأشياء التي نفذتها سابقاً، وبالتالي وجدنا أنني سأنجح. من الجيد حقاً أن تحظي بمن يقول لك: ’لقد قمت بذلك بصورة جيدة جداً، عملك التقني هناك كان رائعاً، ولكنك لم توضحيه بطريقة تساعد مستمعيك على فهمه‘. لقد منحني التقييم الصريح الثقة بالنفس التي أشعر بها اليوم ومعرفة ما أنا قادرة على فعله ومحاولة تدبر أموري عندما أجد نفسي في موقف صعب".

لم يؤدّ التقييم الذي تلقته رانيا إلى تغيير طريقة شعورها حيال إمكاناتها الهندسية فحسب، بل شجعها على مواجهة تحديات جديدة أيضاً، وترسيخ مركزها في المجال بصورة أعمق. بدأت رانيا ببناء ثقتها بقدراتها التقنية وشعورها بالانتماء لقطاع الهندسة عن طريق التفكير مع مديرها بشأن فجوات معارفها واحتياجات التعلم لديها.

بيئة صغيرة شاملة

ربطت مهندسات كثيرات قدرتهنّ على البقاء في القطاع بمجموعة العمل الشاملة التي عملن ضمنها بصورة مباشرة. وتحديداً، الاهتمام والدعم الذي حصلن عليه من مدرائهنّ وزملائهنّ. شرحت لنا مهندسة خزانات في شركة (PET)، ولنسمها أمل، عما تعرضت إليه من إساءات أثناء عملها في البحر وكيف ساعدها دعم زملائها في الفريق على التعامل مع هذا الوضع غير المريح، فقالت:

"لاحظ أحد زملائي أنني كنت شديدة الاستياء من شخص معين وأتعامل معه ببرود وسألني عن السبب. فأخبرته أنه تصرف معي بصورة غير لائقة أبداً فقال لي: ’يجب عليك الإبلاغ عن كل هذه الأمور وسأدعمك‘. وعندئذ أبلغت عن الأمر، ولكن حقيقة أنّ زملائي كانوا يدعمونني ويقفون إلى جانبي ساعدتني على البقاء. لقد أثر ذلك بي كثيراً".

لو لم يدعمها زملاؤها لالتزمت أمل الصمت وانتهى بها الأمر بمغادرة الشركة. وعلى الرغم من أنها شعرت بالاستياء في البداية إلا أنها في النهاية شعرت بالتقدير.

يبدو أنّ اهتمام الزملاء في المجموعة ودعمهم يعملان كمضاد للثقافات التنظيمية العدائية، ويمكّنان النساء من الشعور بالراحة حيال الواقع. ومع أنّ مدراء الخطوط والزملاء لا يمكنهم تغيير ثقافة المؤسسة بأكملها، إلا أنهم قدّموا الدعم الذي مكّن النساء من الصمود ضمن ظروف المؤسسات التي لا ترحب بهنّ. وكان الدعم العاطفي الذي قدمه زملاء المهندسات لهنّ خلال الأوقات الصعبة أكثر من مجرد علاج قصير الأمد، إذ سبب تغييراً جوهرياً في شعورهنّ تجاه المؤسسة.

نماذج يحتذى بها تمثل توازن العمل والعائلة

تحدثت النساء اللاتي قابلناهنّ عن قلقهنّ من عدم توافق عملهنّ في الهندسة مع الإنجاب. وهذا القلق تجذّر لديهنّ عندما دخلن القطاع وأدركن أنهنّ سيحتجن للسفر كثيراً ورأين الرجال يعملون لساعات طويلة ويمسكون معظم المناصب العليا. إلا أنني قابلت بعضاً من النساء في مناصب عليا في المؤسسة ويتمتعنّ بقدر عال من الاحترام، وكنّ مثالاً على كيفية دمج مسؤوليات العمل والأمومة معاً.

ومع أنه من النادر أن نرى امرأة في أحد المناصب الإدارية العليا في هذه المؤسسات، تحدثت المهندسات الجديدات عن امرأتين تشغلان منصبين رفيعي المستوى في شركة (PET) وثالثة في منصب إداري عال في شركة (TTD). كان لدى ثلاثتهنّ أولاد، وعلّمن المهندسات الشابات أنه بإمكانهنّ الإنجاب والعمل في الهندسة، وساعدنهنّ في رؤية مستقبلهن في المهنة. قالت لنا مهندسة خزانات اسمها وردة ما يلي:

"عمل مديري بقيادة امرأة لديها ابنة، وكان الفريق الذي يعمل في إحدى أكبر الوحدات في بحر الشمال يعمل بقيادة امرأة أيضاً، وهي تعمل أربعة أيام في الأسبوع وتحظى باحترام كبير كمهندسة ولها دور يكاد يكون مقتصراً عليها في الهندسة في قسم معين. بدا أنّ النساء يعملن بذات مستوى كفاءة الرجال في المؤسسة، لذلك هناك أمل لي. في البداية لم أكن أعتقد أنّ هناك أيّ أمل، وبالأخص إن رغبت بالإنجاب. ولكن الآن يبدو الأمر طبيعياً أن أبني مسيرتي المهنية هنا".

لم تكن النساء اللواتي لم يجدن قدوة يحتذينّ بها واثقات من قدرتهنّ على الاستمرار بالعمل. ولم يكنّ واثقات مما يمكن أن يفعلنه في حال قررنّ الإنجاب.

بناء رؤية عن العمل في قطاع الهندسة

تشير نتائجنا إلى أنّ المساعدة المناسبة تلعب دوراً هاماً في الاحتفاظ بالمهندسات. فقد غيرت المساعدة التي قدّمها الآخرون نظرة هؤلاء النسوة تجاه كفاءاتهنّ وإمكاناتهنّ في القيادة وإحساسهنّ بالانتماء والقدرة على دمج العمل مع حياتهنّ الخاصة. لقد تمكنت هؤلاء النساء من رؤية أنفسهنّ كمهندسات.

نأمل أن تتمكن هذه الدراسة من إيصال رسالة إلى مدراء الخطوط، مفادها أنّ تقديم العون للأشخاص وتسهيل علاقات التعاون والمساعدة ضمن فريق العمل هو أمر يستطيعون التحكم به بصورة كبيرة. يجب على المدراء الذين يقولون: "أودّ المساعدة حقاً ولكنها ليست معركتي". التفكير بالأمر مجدداً. فهم قادرون على فعل الكثير، يمكنهم الحرص على تقديم تقييم شخصي بنّاء بانتظام، وبالأخص في بداية المسيرة المهنية للشخص. ويمكنهم تشجيع الموظفين لمحاولة نيل مناصب قيادية وتولي مهمات فيها تحديات جديدة. ويمكنهم جعل الزملاء يشعرون بأنهم يحظون بالتقدير والدعم. كما يمكنهم أيضاً تقديم العون بطريقة تنمي الاستقلالية. بالإضافة إلى أنهم يستطيعون تقديم الدوافع والمعارف والفرص لأفراد الفريق كي يساعدوا بعضهم البعض.

حتى لو كانت الثقافة التنظيمية العامة لا تتقبل المرأة، يمكن للزملاء والمدراء الذين يشكلون البيئة المحيطة بها مباشرة أن يؤثروا بها ويحسّنوا نسبة الاحتفاظ. تكمن الخطوة الأولى في تمكين الموظفين من رؤية إمكانية تغيير مؤسساتهم، والبحث عن أفضل الطرق لإبقاء النساء في قطاع الهندسة وفي القطاعات الأخرى أيضاً.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي