إليكم هذه القصص التي تتحدث عن مشكلة النساء الأكبر سناً والخروج من العمل. سوزان* امرأة في عقدها السابع قضت سنوات طويلة تعمل في مجال التأمين. وبعد سنوات من مراجعات الأداء التي تصف أخلاقيات عملها الممتازة، انقلب الحظ ضدها بمجرد أن بدأت تعمل تحت قيادة امرأة تصغرها بعشرين عاماً. شعرت سوزان تحت قيادة مديرتها الجديدة أنها مدفوعة دفعاً نحو الفشل؛ إذ كُلفت بعملاء أكثر وخضعت لمعايير أعلى بكثير من زملائها الأصغر سناً. ثم أصدرت مديرتها تقييماً رسمياً للأداء وصفها بالفشل في تأدية واجباتها. وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن تحظى سوزان بمهلة 90 يوماً كي تحسِّن أداءها، فقد فصلتها مديرتها من العمل بعد بضعة أيام. قاضت سوزان شركتها لاحقاً بتهمة التمييز العمري.
مريم* أستاذة في علم الاجتماع بلغت الثانية والسبعين من عمرها، وتتمتع بمؤهلات علمية رفيعة وعديد من الجوائز التعليمية وسجل حافل بالإنجازات، بما في ذلك 3 فترات بصفتها رئيسة القسم. إلا أن مشوارها المهني الزاخر وصل إلى منتهاه عندما عينت الجامعة عميداً يصغرها سناً بكثير، فحرمها من التمويل اللازم لتعيين ما تحتاجه من أساتذة متفرغين، واتهمها بسوء الإدارة، هذا غير أنه كان يحابي زملاءها الأصغر سناً. وفي النهاية أخبرها العميد أنه لن يوافق على مد فترة خدمتها فصلاً دراسياً آخر كرئيسة للقسم. رفعت مريم دعوى قضائية ضد الجامعة بتهمة التمييز العمري، وقد تمت تسويتها فيما بعد.
في عمر الرابعة والستين، كانت جيهان* تعمل نادلة في مطعم محلي منذ أكثر من 10 سنوات. إلا أن المطعم عُرض للبيع، وأخبر المشترون جيهان أنها أكبر من أن تستطيع العمل نادلة، وسخروا من سنها ونوعها أمام بقية العاملين ورواد المطعم قبل إتمام صفقة البيع. لم يبقوا عليها، وعينوا بدلاً منها عاملات يصغرنها بكثير. رفعت جيهان لاحقاً دعوى قضائية تتهمهم فيها بالتمييز العمري والجنسي.
النساء الأكبر سناً والخروج من العمل
تمثل سوزان ومريم وجيهان خلفيات ومناصب متنوعة، إلا أن القاسم المشترك بين قصصهن يتجسد في فكرة شائعة ومتجاهلة في أغلب الأوقات، وهي أن النساء الأكبر سناً يتعرضن للاستغناء عنهن في أماكن العمل. على مدار خمس سنوات، جبت أرجاء الولايات المتحدة لإلقاء محاضرات وإجراء دراسات حول قيادة المرأة وتقدم مسيرتها المهنية وتعرضها للتحيز في مكان العمل. وقد شاركَت مئات النساء ممن بلغن عقدهن السادس والسابع قصصهن حول تعرضهن لتخفيض الدرجة الوظيفية وخسارة عملهن وعدم قدرتهن على إيجاد عمل آخر؛ وهي كلها نتائج يرجعنها بصفة أساسية إلى عمرهن وجنسهن. غالباً ما تتمتع هؤلاء النسوة بتاريخ حافل من النجاحات المهنية، ومع ذلك يتعرضن لانتقال مسؤوليات عملهن إلى من يصغرنهن سناً، وتنخفض رواتبهن لأسباب غير مفهومة، كما يتوقف حراكهن الوظيفي بسبب ميل أماكن العمل إلى تقدير الشباب على الخبرة.
يعتقد كثير من النساء اللاتي يشعرن بتعرضهن للتمييز بسبب عمرهن أن الحل الوحيد المتاح أمامهن هو مقاضاة شركاتهن، إلا أن هذا الطريق مفروش بخيبة الأمل إذا اخترن أن يسلكنه. فعلى الرغم من أن القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات الأميركية تحظر التمييز العمري، فإن قرار المحكمة العليا الصادر عام 2009 صعَّب أمر الفوز كثيراً على المدعيات عن طريق نقل عبء إثبات التهمة في هذه القضايا إليهن. وهذا يوقِع النساء المتقدمات في العمر اللاتي يسعين إلى تغيير وظائفهن أو معاودة دخول سوق العمل بين نارين.
بالنسبة لكثير من النساء اللاتي تحدثت معهن، نشأت هذه التحديات في الوقت الذي تحررن فيه من المسؤوليات الأسرية التي كانت تعرقل تقدم مسيرتهن المهنية في أيام الشباب. فخلال فترة تربيتهن لأبنائهن، كن معرضات لافتراضات حول احتمالية تدخُّل التزاماتهن الأسرية مع مسؤولياتهن نحو العمل. وبعدما كبر أبناؤهن، هرعن مجدداً إلى سوق العمل ليجدن أن مسيرتهن المهنية قد انتهت بسبب التحيز ضد النساء المسنات في العمل.
ويبدو أن هذه الملاحظة تدعمها البحوث. فقد كشفت دراسة صدرت في خريف 2015 على يد خبراء الاقتصاد بـ "جامعة كاليفورنيا إرفاين"، و"جامعة تولين" عن "أدلة قوية على التمييز العمري خلال عملية التوظيف بحق النساء الأكبر سناً". تُظهِر البيانات أن النساء الأكبر سناً يواجهن مشقة أكبر في إيجاد عمل مقارنة بالرجال الأكبر سناً.
أعدَّ واضعو الدراسة 40 ألف طلب وظيفة لباحثين وهميين عن العمل وقدموها كاستجابة لعدة إعلانات توظيف متنوعة عبر الإنترنت. وقد اختلقوا سيراً ذاتية لمتقدمين كبار في السن (تتراوح أعمارهم بين 64 و66)، ومتقدمين متوسطي العمر (بين 49 و51)، ومتقدمين يافعين (بين 29 و31). بعد تحليل ردود الشركات على هذه الطلبات الزائفة، توصل الباحثون بالدليل القاطع إلى أن النساء الأكبر سناً يواجهن صعوبة أكبر في إيجاد عمل. على سبيل المثال: أفاد باحثو الدراسة أن معدل الردود على المتقدمات للعمل في مجال المبيعات من النساء متوسطي العمر كان أقل من نظيره بالنسبة للمتقدمات اليافعات، في حين أن معدل الردود على المتقدمين من الرجال متوسطي العمر واليافعين كان متشابهاً.
التمييز العمري في بيئة العمل
اقترح واضعو الدراسة نظريتين محتملتين لتفسير معاناة النساء الأكبر سناً من التمييز العمري أكثر من الرجال الأكبر سناً: النظرية الأولى هي أن قوانين التمييز العمري لا تتعامل بفاعلية مع موقف النساء الأكبر سناً اللاتي يواجهن التمييز العمري والتمييز من حيث النوع، أما الاحتمال الثاني فيشير إلى تركيز المجتمع على الهيئة الجسدية للمرأة، وهي نظرة لا يبدو أنها تؤثر على الرجال بالقدر نفسه. على سبيل المثال: يبدو أثر هذا واضحاً في مجال السينما، حيث تنتقد ممثلات مثل كاثرين زيتا جونز وكيم كاترال فقر الصناعة لأدوار تصلح للنساء اللاتي بلغن عقدهن الخامس أو تخطينه.
لردح طويل من الزمن، نوقشت هذه العلاقة بين التمييز العمري والجنسي في الحكايات المتداولة سراً والدعاوى القضائية المرفوعة بعيداً عن الأضواء. صحيح أن هذه الدراسة تعد خطوة عظيمة لإثارة الموضوع، إلا أن اللافت أن عدد الأبحاث التي تتناول هذا الشأن محدود للغاية. لكي نواجه التمييز العمري والجنسي ونجتثه من جذوره، سنحتاج مزيداً من الأبحاث في المستقبل تحلل المشكلة وتقدم مقترحات لحلها، كما سيتعين على الشركات أن تراجع نفسها وتكون على استعداد لإجراء التغييرات اللازمة.
واحد من بين كل 3 أميركيين بلغ الخمسين عاماً أو تخطاها، وبحلول عام 2030 سيكون هناك واحد من بين كل 5 قد بلغ الـ 65 أو تخطاها. مع استمرار تمتع النساء بأعمار أطول من الرجال، فعلى الأرجح ستتزايد احتياجاتهن من الرعاية الصحية، وترتفع احتمالات ترمُّلهن، وتقل السنوات التي يقضينها في سوق العمل لجمع مدخرات تقاعدهن وما يكفي من مدفوعات التأمين الاجتماعي.
يتعين على المدراء الاعتراف بمشكلة النساء الأكبر سناً والخروج من العمل وبهذه التحيزات تحديداً ضد النساء ومن ثم اقتلاعها من جذورها لضمان وجود قوة عاملة تضم مختلف الأجيال من أجل المواهب التي يمكن أن يفيدوا بها. لاستثمار النساء الأكبر سناً بنفس قدر استثمار الشابات اليافعات، فإننا بحاجة إلى أماكن عمل توفر فرصاً متكافئة للنساء من جميع الأعمار.