ما الذي يمكن أن يتعلمه قادة الأعمال من النجمة العالمية تايلور سويفت؟

13 دقيقة
تايلور سويفت
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: مهدي أفشكو)

هل سمعت بمصطلح "سويفتي"؟ إنه الاسم الذي يُطلق على المعجبين المخلصين لتايلور سويفت، النجمة التي استطاعت أن تأسر قلوب الملايين حول العالم، إذ يتابعها نحو نصف مليار إنسان، معظمهم من المراهقين، وينتمون إلى معجبيها الذين يُطلق عليهم "سويفتيز 88 مليون شخص"، ليس فقط بسبب أغانيها بل بسبب حضورها وتأثيرها الطاغيَين أيضاً. لم تعد تايلور مجرد مُغنية، بل تحولت إلى ظاهرة ثقافية عالمية، إذ وصل شهرتها ونفوذها إلى حد أن تُعتبر جولاتها الغنائية محركاً اقتصادياً لبعض الولايات الأميركية، بل حتى عاملاً مؤثراً في الانتخابات والقرارات السياسية. فهل يمكن أن تكون شخصية بهذا التأثير مجرد فنانة؟ في الحقيقة، كما يراها مؤلف كتاب "لا شيء يشبه هذا: العبقرية الاستراتيجية لتايلور سويفت" (There's Nothing Like This: The Strategic Genius of Taylor Swift)، كيفن إيفرز، فإن سويفت ليست فقط فنانة موهوبة، بل هي أيضاً قائدة ورائدة أعمال من الطراز الرفيع.

اعتمدت تايلور على تجربتها عندما كانت مراهقة لتكتشف أن جمهور المراهقين كان محيطاً أزرق أو منطقة مهملة من قِبل صناع الإبداع، فقررت أن تكتب بنفسها وتلحن أغاني تخاطب جمهوراً لم يهتم به أحد من قبلها. وفي هذا الكتاب، يكشف إيفرز كيف بنت تايلور سويفت نجاحها الاستثنائي من خلال قرارات استراتيجية مدروسة، إذ بدأت من توقيع عقدها الأول في سن المراهقة مع شركة تسجيلات صغيرة، مخاطِبة جمهوراً مهملاً في عالم موسيقى الكانتري، لتشق طريقها بسرعة نحو النجومية. لم تتوقف عند ذلك، بل كانت شجاعة بما يكفي لتُعيد ابتكار نفسها مراراً، منتقلة من الكانتري إلى البوب في تحول لم يكن مجرد تغيير فني، بل استراتيجية توسّع محسوبة.

ويذهب الكتاب إلى أبعد من الموسيقى، ليستعرض كيف استعادت تايلور حقوق ألبوماتها بإعادة تسجيلها، في خطوة غير مسبوقة سلطت الضوء على قضايا حقوق الفنانين. كما يشرح كيف استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي بذكاء فائق لبناء علاقة مباشرة مع جمهورها، لتصبح مثالاً يُحتذى به في التفاعل الرقمي. حتى في أحلك لحظاتها، مثل الحملة الإعلامية التي واجهتها عام 2016 بسبب اتهامات من طليق النجمة كيم كارداشيان، أظهرت تايلور مرونة فريدة فصمتت واختفت عن الساحة لأشهر، ثم عادت أقوى مما كانت عليه.

كل هذه التحركات لم تكن عشوائية، بل تنمُّ عن عقل استراتيجي يُفكر بعين الفنان ورؤية رائد الأعمال. ولهذا، فإن سويفت، كما يصورها إيفرز، ليست مجرد رمز من رموز البوب، بل دراسة حالة ملهمة في الذكاء، والقيادة، والسيطرة على السرد الإعلامي في عالم لا يرحم.

وتعالوا نتعرف على 7 دروس يمكننا استخلاصها من تايلور سويفت بوصفها رائدة أعمال وقيادية، كما ذكرها الكاتب في الكتاب وفي مقابلة مع بودكاست هارفارد بزنس ريفيو، وكيف يمكن للقادة ومؤسسي الأعمال الاستفادة منها:

1. الهوس بالجمهور: قاعدة النجاح الأولى

يرى الكاتب إيفرز أن أول ما يميّز تايلور هو فهمها العميق لجمهورها. يقول: "هي تعرف أن النجومية لا تُصنع ذاتياً، بل يصنعها الجمهور. لذا، تسعى دائماً لتجاوز توقعاتهم". وخلال جولتها الشهيرة جولة العصور "إيراس" (Eras Tour)، قدّمت عروضاً مدتها ثلاث ساعات ونصف، خصصت فيها فقرات لكل ألبوم أصدرته، لتمنح كل معجب لحظته الخاصة. وكما يفعل جيف بيزوس مع عملائه في أمازون، تبني تايلور نجاحها من خلال الاستماع إلى المعجبين غير السعيدين، أولئك الذين يريدون دوماً المزيد.

كيف يمكن للقادة أن يطبّقوا هذه القاعدة؟ اجعل العميل أو الموظف محور كل قرار. اسأل نفسك باستمرار: هل أضفت له قيمة إضافية؟ هل تجاوزت توقعاته؟ التواصل المباشر والمستمر مع جمهورك (داخلياً وخارجياً) هو أساس الابتكار المستمر.

2. التحول الذكي: كيف تبني جمهوراً جديداً دون أن تخسر القديم؟

عندما انتقلت تايلور من موسيقى الكانتري الريفية إلى البوب، لم تتخلَّ عن جمهورها القديم، بل أطلقت نسخاً مختلفة من أغانيها تستهدف المحطات المختلفة. هذه الاستراتيجية، التي يصفها إيفرز بـ "التوسع الذكي"، تشبه تماماً ما تفعله الشركات التي تدخل أسواقاً جديدة دون أن تتخلى عن قواعدها الراسخة.

يذكر الكاتب كيفن إيفرز، أن سبب انتقالها إلى موسيقى البوب هو أنها فكرت كرائدة أعمال، ولم تكتفِ بمنتج واحد قد ينتهي زمنه أو يملّه الجمهور. لقد كان التجديد هاجسها. ويقول: "لطالما راودها خوفٌ من تراجع شعبيتها". وهذا ما صرّح به الموسيقي الراحل إلفيس بريسلي أيضاً، حينما قال: "أخشى أن ينطفئ النور بنفس السرعة التي انطفأ بها". وأعربت سويفت أيضاً عن أن أحد أكبر مخاوفها هو أن تبقى أغانيها متشابهة، وأن يشعر جمهورها بأنها لا تنمو.

يقول إيفرز: "اتبعت تايلور استراتيجية توسّع مجاورة (Classic Adjacency Strategy)، إذ دخلت سوق البوب دون أن تغلق الباب على جمهور الكانتري، فأبقت جذورها حية حتى في أثناء التوسع".

كيف يطبّقها القادة؟ عند دخول سوق جديدة أو طرح منتج جديد، لا تُهمل جمهورك القديم أو موظفيك المخضرمين. حافظ على الهوية الأساسية للمؤسسة، وادمج التوسع التدريجي ببناء الثقة.

3. بناء المجتمعات: أكثر من مجرد جمهور

جمهور تايلور يبدو مجتمعاً متكاملاً على أرض الواقع، يسافر ويقطع المسافات لحضور حفلاتها، إضافة إلى أنه مجتمع رقمي نابض على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول إيفرز إنها تتقن بناء التفاعل من خلال "الإشارات الغامضة" والرموز التي تُثير التكهنات، ما يجعل كل تفاعل معها أشبه بلعبة تشويقية، وهو ما يزيد من الارتباط العاطفي. هذا النموذج من "التشويق المنظم" يمكن للشركات أن تتعلم منه كثيراً في بناء علاماتها.

يعلّق إيفرز: "جمهورها يشبه المجتمعات التي تناقش الجرائم الحقيقية على منصة ريديت، فهو مليء بالتكهنات والتفاعل، وكل ما تفعله يحمل دلالة، وهذا ما يولّد تفاعلاً لا يتوقف".

كيف يطبّقها القادة؟ لا تبنِ جمهوراً فقط، بل مجتمعاً من الأنصار. استخدم أدوات التواصل الاجتماعي والفعاليات التفاعلية لإشراك الجمهور في القصة والمستقبل. ضَع رموزاً وإشارات تربطهم بك وتُشعل فضولهم.

4. الابتكار المستمر: لا مكان للراحة

في لحظة كان يمكن أن تكتفي فيها تايلور بنجاحها، اختارت أن تغيّر استراتيجيتها تماماً. أطلقت 4 ألبومات جديدة، وأعادت تسجيل ألبوماتها السابقة في خطوة وصفها البعض بـ "الجنون الذكي". لكنها فعلت ذلك دفاعاً عن حقوقها الفنية، ونجحت، لأن جمهورها وثق بها ووقف معها. وهنا تظهر قوة العلامة الشخصية حين تُبنى على أصالة ومبدأ.

يوضح إيفرز: "بدلاً من الالتزام بإيقاع إصدار كل سنتين، أصبحت أكثر إنتاجاً من أي وقت مضى؛ أربعة ألبومات أصلية وأربع نسخ معاد تسجيلها خلال خمس سنوات. إنها تستخدم نموذج شركات المحتوى الكبرى مثل مارفل وستار وورز في إبقاء جمهورها مشغولاً ومتفاعلاً".

كيف يطبّقها القادة؟ لا تنتظر أن يطلب السوق التغيير. راقب السلوكيات الجديدة للمستهلكين، وكن استباقياً في تطوير منتجاتك وخدماتك. فكّر بإيقاع سريع واستثمر في التكرار المدروس والمحتوى المتجدد.

5. القلق المنتج: خوف ذكي يدفع إلى التجديد

يشير إيفرز إلى مفهوم "القلق المنتِج" الذي يمنع التراخي، حتى في أوقات النجاح. يقول: "أكبر مخاوف تايلور هو أن تصبح ألبوماتها متشابهة، أو أن يشعر جمهورها بأنها لم تتطور". ولهذا، كانت قراراتها الجريئة في التحوّل الموسيقي دائماً نابعة من شعور داخلي بضرورة التغيير قبل أن تفرضه السوق.

يشرح إيفرز: "تايلور مدفوعة دائماً بالخوف من أن يملَّ جمهورها أو أن يتراجع تأثيرها، لذلك تُقرر التغيير وهي في قمة النجاح، لا بعد التراجع. وهذا بالضبط ما يميّز القادة الذين يتوقعون التغيير قبل أن يُفرض عليهم".

كيف يطبّقها القادة؟ تذكّر أن النجاح قد يخلق شعوراً زائفاً بالأمان، وهذا ما يُذكرنا بمقولة القيادي التاريخي لشركة إنتل آندي غروف: "النجاح يُولّد الرضا، والرضا يُولّد الفشل". اعمل على اختبار نقاط ضعفك وأعِد تقييم استراتيجيتك باستمرار، حتى عندما تكون الأمور في أفضل حال.

6. القيادة المتواضعة: أنت لا تنجح وحدك

وعلى الرغم من نجوميتها، لا تُنكر سويفت فضل فريقها. بل إنها منحت مكافآت تجاوزت 100 ألف دولار لكل سائق شاحنة عمل في جولتها. ويصفها إيفرز بأنها "الرئيسة التنفيذية لشركتها الشخصية"؛ تدير التفاصيل، وتراقب الجودة، وتحتفظ بولاء فريقها منذ سنوات.

يقول إيفرز: "على الرغم من أنها الشخصية المحورية في كل شيء، فإن تواضعها واضح؛ من توزيع المكافآت السخية على فريق عملها، إلى إشراك عائلتها وفريقها منذ بداياتها. إنها تدير مشروعها كعائلة صغيرة بإحساس كبير بالولاء والالتزام".

كيف يطبّقها القادة؟ اعترف بدور الآخرين وشارك النجاحات. اجعل التقدير والمكافأة ثقافة، وكن قريباً من فريقك على المستوى الإنساني. التواضع ليس ضعفاً، بل هو من أقوى أدوات القيادة.

7. كن صانعاً لا تابعاً

عندما خسرت حقوق ملكية تسجيلاتها القديمة، لم تكتفِ بالشكوى، بل أعادت تسجيل أغانيها بصوت جديد، وطلبت من جمهورها دعم الإصدارات الجديدة. والنتيجة؟ تصدّرت جميع ألبوماتها الجديدة قوائم الأغاني. إنها معركة بين من يملك الأشياء ومن يصنعها، وكما يقول إيفرز: "المبتكرون يربحون عندما يكون الجمهور إلى جانبهم".

يؤكد إيفرز: "عندما اختارت إعادة تسجيل أعمالها لحماية حقوقها، كانت تعرف أن جمهورها سيدعمها. لقد حوّلت معركة السيطرة على الإبداع إلى لحظة تمكين، وأثبتت أن من يملكون الجمهور يملكون القرار".

كيف يطبّقها القادة؟ كن المبادر في صياغة مصيرك المهني والمؤسسي. لا تنتظر الإنصاف من البيئة أو السوق، بل اصنع حلولك بنفسك، وابنِ علاقات عميقة مع جمهورك تمنحك دعماً غير مشروط وقت التحدي.

لا تنتظر أن ينصفك السوق، اصنع نجاحك

لقد فازت تايلور سويفت بعدد هائل من جوائز الغرامي، وتجاوزت أرقام المبيعات والبث على المنصات الرقمية، ثم أطلقت جولة حفلات في الملاعب استمرت عامين، لتصبح الأنجح والأعلى دخلاً في التاريخ. وفي سن الخامسة والثلاثين، تُعد الآن على الأرجح أشهر امرأة على هذا الكوكب. مثل هذا الصعود لا يتحقق فقط بالموهبة، بل يتطلب فهماً عميقاً للأعمال، ورؤية واضحة، وعقلية ابتكارية، وتعاوناً ذكياً، وتسويقاً بارعاً.

الكاتب والمحرر في هارفارد بزنس ريفيو، كيفن إيفرز، غاص عميقاً في أسرار نجاح سويفت، وأكد أن هناك دروساً كثيرة يمكن لقادة الشركات، بل لأي شخص يسعى للتطور المهني، أن يستخلصها من هذه المسيرة. وكما قال في مقابلة معه في بودكاست آيديا كاست: "إذا أردت أن تنجح في عملك، فتعلّم من تايلور: استمر في الإنتاج، لا تتوقف، وابقَ منتبهاً دائماً حتى وأنت في قمة النجاح".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي