خلال أحد سباقات عدو الـ 300 متر حواجز، استعجل العدّاء تانجويه بيبيوت لحظة الاحتفال بالفوز بالمركز الأول، وبدأ بتحية الجمهور، ولم ينتبه إلى أن هناك لحظة متبقية يمكنها تغيير النتيجة. كان العدّاء فيرون سايمون خلفه مباشرة، واستغل لحظة انشغال تانجويه بالثقة المفرطة والاحتفال العاجل، ليتجاوزه بالفعل ويقتنص المركز الأول. كل هذا المشهد بدايةً من الاحتفال العاجل حتى اختطاف الفوز لم يتجاوز الجزء من الثانية.
في مشهد احتفال آخر -غير مكتمل- كانت المتسابقة ليندسي جاكوبيليس في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2006 على وشك الحصول على الميدالية الذهبية ضمن منافسات التزلج على الجليد، لكنها فضّلت الاحتفال قبل انتهاء المنافسة والتعبير عن فرحتها بحركة بهلوانية، فسقطت على ظهرها، وحصلت على الميدالية الفضية.
وفي السياق نفسه، وخلال سباق للدراجات، تعجّل المتسابق التشيكي آدم توبالي الاحتفال بتحقيقه المركز الأول قبل أن يدرك وجود جولة أخيرة متبقية، بالتالي حصل على المركز الثاني.
وهناك مشهد مشهور في مباريات كرة القدم، عندما نفّذ أحد اللاعبين ركلة جزاء، لكن الكرة اصطدمت في القائم وارتفعت عالياً، فسارع الحارس إلى الاحتفال ظناً منه أنها أصبحت خارج الشباك من دون أن ينتبه لسقوط الكرة وتدحرجها إلى داخل المرمى.
وعلى مستوى الشركات، أُسست شركة بولارويد (Polaroid) المتخصصة في مجال صناعة الكاميرات الفورية، عام 1937، وفي عام 1972 أطلقت أحد منتجاتها وحققت نجاحاً باهراً، وفي أواخر التسعينيات أصبحت رائدة في سوق الكاميرات الفوتوغرافية، وانشغلت بهذه الريادة كثيراً لدرجة منعتها من إدراك دخول المنافسين الجدد، والتطورات التكنولوجية التي سهلت الطريق على الراغبين في المنافسة، والنتيجة، أعلنت الشركة إفلاسها عام 2001، وبِيعَت العلامة التجارية الخاصة بها.
قصة أخرى تكشف لنا ما تحمله لحظة الانتصار المبكر بالنجاح من مخاطر، وهي قصة منصة ماي سبيس (My Space)، التي تمكنت في إحدى الفترات من الهيمنة على سوق وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن المنافسين، ووصلت بها الثقة والاطمئنان لما حققته من صعود سريع لقيمتها التجارية إلى رفض عرض مارك زوكربيرغ بشراء فيسبوك لمنصة ماي سبيس مقابل 75 مليون دولار، لكنها لم تنجح في المنافسة لاحقاً، وتلاشت فرص الشراكة المعروضة سابقاً، ولو فكرت في التفاوض وقتها فلا يمكن تصور أي الأمرين أفضل: أن تتفاوض وأنت قادر على تحقيق الأرباح، أم تتفاوض وأنت على وشك الخسارة؟
وقعت كل من بولارويد وماي سبيس تحت تأثير النعامة، وركزتا على النقاط الإيجابية والثقة المفرطة دون أن تُدركا حجم الخطر الحقيقي من المنافسين، ليصبح مصيرهما الاندثار والفشل.
ماذا نستفيد من القصص السابقة؟ قبل أن تقرر الاحتفاء بأي نجاح تحققه في حياتك المهنية، تأمل في النقاط الآتية:
الإيجابية معنى يُبنى بالعمل، ومنطقية التوقعات
يُفترض أن يساعدك الشعور المستمر بالإيجابية على العمل والمحاولة بجدية أكبر، ولكن التحدي يكمن في انحياز الإيجابية، فرؤية كل ما هو إيجابي فقط والانحياز له أحياناً والإفراط فيه يعرضنا لمفاجآت -غير سارة- مبنية على توقعاتنا، لا على الواقع، كما أن تقنين التفاؤل يجعلنا أكثر منطقية في تقبّل النتائج فيما لو كانت غير مناسبة، ويجعلنا أكثر جرأة وجدية في العمل على الهدف المطلوب، وهنا نجد أحياناً الاحتفال يكون على مستوى المتوقع من المستهدف، لا على مستوى الواقع المتحقق، فنقيم احتفالات كبرى على مخرجات أقل!
احتفل بالمستقبل لا بالماضي
المبالغة بالاحتفال بهدف مبكر في مباراة لكرة قدم قد لا يكون احتفالاً ناضجاً، وعلى هذه الفكرة أهداف الحياة في بدايات الحياة المهنية، هل يمكن القول هنا:
النجاح إحدى أهم أدوات التعريف بنقاط القوة لديك، فاحتفل بمعرفة طرق الفوز أكثر من الفوز نفسه.
لا تنتزع أسباب الاحتفال
إن المبالغة في الاحتفاء بالمنجزات المهنية، يولد شعور استحقاق قد لا يكون منطقياً، فعندما نستدعي المهام الاعتيادية ونمنحها قيمة أكبر لتصبح صالحة للاحتفال، نكون قد وجهنا الواقع بما يتناسب مع معتقداتنا وتوقعاتنا وهو انحيار تأكيدي يُدخِل الموظف في منطقة يصعب ضبطها لاحقاً.
احتفل بمعرفة طرق النجاح، أكثر من النجاح نفسه
"ترقب زوالاً إذا قيل تم"، فالاحتفال المبالغ به بمنجراتك المهنية، قد يكون مؤشراً ضمنياً عن انتهاء رحلتك ووقوعك تحت تأثير دانينغ كروجر، فعندما تبالغ في تقدير ذاتك وتنحاز إلى الثقة المفرطة في مهاراتك وإمكاناتك في العمل؛ ستوهم نفسك بالنجاح وتميل إلى الاحتفاء بأشياء لا تسهم في تطوير حياتك المهنية بصورة فعلية.
تذكّر أن هناك دائماً لحظة حاسمة يجب أن تدركها قبل أن تستعجل الاحتفال بمنجزاتك المهنية، وكما يقول أرسطو: "يسهل خداع الشباب لأنهم يستعجلون الأمل"، ووصف عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي خطر النجاح بأنه "مقبرة المبدع".