نظراً إلى التقلبات التي أحدثها فيروس "كوفيد-19" (Covid-19)، طلبت العديد من الشركات والجامعات من موظفيها العمل عن بُعد. وفي حين أن ما يقرب من ربع القوى العاملة في الولايات المتحدة تعمل بالفعل من المنزل جزء من الوقت على الأقل، إلا أن السياسات الجديدة أدت إلى عمل العديد من الموظفين ومدرائهم خارج أماكن العمل التقليدية وانفصالهم عن بعضهم البعض لأول مرة.
من المفضل دائماً وضع سياسات واضحة وبرامج تدريبية للعمل عن بُعد مسبقاً، إلا أنه في أوقات الأزمات أو في أي ظروف تستلزم إحداث تغييرات سريعة قد لا يكون هذا المستوى من الاستعداد ممكناً. لحسن الحظ، هناك خطوات محددة مستندة إلى بحوث يمكن للمدراء اتخاذها دون بذل جهد كبير لتحسين مستوى اندماج الموظفين العاملين عن بُعد وإنتاجيتهم، حتى وإن لم يتوفر سوى القليل من الوقت للاستعداد.
التحديات المشتركة التي تواجه العاملين عن بُعد
يحتاج المدراء في البداية إلى فهم العوامل التي يمكن أن تجعل العمل عن بُعد أمراً شاقاً. فالموظفون ذوو الأداء المهني العالي قد يتراجع أداؤهم الوظيفي ومستوى اندماجهم في العمل عندما يبدؤون في العمل عن بُعد، لاسيما في ظل غياب الإعداد والتدريب. تشتمل التحديات الملازمة للعمل عن بُعد على ما يلي:
غياب الإشراف وجهاً لوجه:
غالباً ما يعرب كل من المدراء والموظفين عن شواغلهم إزاء عدم التفاعل معاً وجهاً لوجه. فالمشرفون قلقون من ألا يعمل الموظفون بجد أو بكفاءة (على الرغم من أن البحوث تؤكد ما هو خلاف ذلك، على الأقل في بعض أنواع الوظائف). وعلى الجانب الآخر، يكافح العديد من الموظفين بسبب ضعف إمكانية الحصول على دعم إداري وقلة التواصل. ففي بعض الحالات يشعر الموظفون أن المدراء العاملين عن بُعد لا يعلمون شيئاً عن احتياجاتهم، وبالتالي فإنهم لا يقدمون لهم الدعم ولا يساعدونهم على إتمام مهامهم.
ضعف الوصول إلى المعلومات:
غالباً ما يتفاجأ العاملون حديثو العهد بالعمل عن بُعد من الوقت والجهد الإضافيين اللازمين للحصول على معلومة من زملائهم. فحتى الحصول على إجابة عن ما يبدو أنه سؤال بسيط يمكن أن يشكل عقبة كبيرة أمام الموظف الذي يعمل من المنزل.
تمتد هذه الظاهرة إلى ما هو أبعد من العمل المتعلق بالمهام، فهي تتعلق أيضاً بالتحديات الشخصية التي يمكن أن تظهر فيما بين زملاء العمل الذين يعملون عن بُعد. فقد وجدت البحوث أن الافتقار إلى "تبادل المعارف" فيما بين العاملين عن بُعد يمكن أن يؤثر سلباً على افتراض حسن النية بين الموظفين في المواقف الصعبة. على سبيل المثال، إذا كنت تعلم أن زميلك في المكتب يمر بيوم عصيب، ستعتبر أن رسالة البريد الإلكتروني فظة الأسلوب هي نتاج طبيعي لما يمر به من قلق وتوتر. ولكن إذا تلقيت هذه الرسالة من زميلك الذي يعمل عن بُعد، دون معرفة ظروفه الحالية، من المرجح أن تعتبرها إهانة أو على الأقل ستنظر إلى زميلك على أنه لا يتحلى بقدر كبير من المهنية.
العزلة الاجتماعية:
يعد الشعور بالوحدة من بين الشكاوى الأكثر شيوعاً لدى العاملين عن بُعد، نظراً إلى أن الموظفين يفتقدون التفاعل الاجتماعي غير الرسمي في مكان العمل. يُعتقد أن المنفتحين قد يعانون من العزلة بشكل أكبر على المدى القصير، خاصة إذا لم تتوفر لهم الفرص للتواصل مع زملائهم في مجتمع العاملين عن بُعد. وعلى مدى فترة أطول من الزمن يمكن للعزلة أن تتسبب في شعور الموظفين بأنهم أقل "انتماءً" إلى مؤسستهم، بل وحتى يمكن أن تتسبب في عزمهم على ترك العمل.
المشتتات التي يتعرض لها العاملون من المنزل:
نرى غالباً في الصور التي تمثل العمل عن بُعد أحد الوالدين يحمل طفلاً ويكتب على كمبيوتر محمول ويجلس على أريكة أو على أرضية غرفة المعيشة. في الواقع، تُعد مثل هذه الصور تمثيلاً سيئاً للعمل الافتراضي الفعال. عادة ما نحث أصحاب العمل على ضمان أن يكون للعاملين عن بُعد مكان مخصص للعمل مع توفُّر رعاية كافية لأطفالهم قبل السماح لهم بالعمل من المنزل. ولكن عند التحول المفاجئ إلى العمل الافتراضي، من المرجح بدرجة كبيرة أن يجاهد الموظفون للعمل في مكان دون المستوى الأمثل و(في حالة إغلاق المدارس والحضانات) ربما يضطرون إلى تحمل مسؤوليات رعاية الأبناء غير المتوقعة. حتى في الظروف العادية، متطلبات العائلة والمنزل يمكن أن تؤثر على العمل عن بُعد، لذا ينبغي للمدراء أن يتوقعوا أن تكون هذه المشتتات أكبر حجماً في حالة العمل من المنزل غير المخطط له.
كيف يمكن للمدراء التعامل مع الموظفين العاملين عن بُعد
بقدر ما يمكن للعمل عن بُعد أن يكون محفوفاً بالتحديات، هناك أيضاً بعض الأشياء السريعة وغير المكلفة نسبياً التي يمكن للمدراء فعلها لتيسير عملية الانتقال إلى العمل عن بُعد. الإجراءات التي يمكنك اتخاذها اليوم تشمل:
تواصل مع الفريق يومياً بصفة منتظمة:
العديد من المدراء الناجحين الذين يعملون عن بُعد يجرون مكالمة يومياً مع موظفيهم العاملين عن بُعد. قد تكون هذه المكالمات في شكل سلسلة من المكالمات الهاتفية الفردية إذا كان موظفوك يعملون بشكل مستقل عن بعضهم البعض، أو في شكل مكالمة جماعية تضم أعضاء الفريق إذا كان العمل يغلب عليه الطابع التعاوني بقدر كبير. ما يهم هو أن تُجرى تلك المكالمات بصفة منتظمة ومتوقعة، وأن يعلم الموظفون أن بإمكانهم استشارتك خلالها وأنك ستستمع إلى شواغلهم وتساؤلاتهم.
وفّر خيارات تكنولوجية عديدة ومختلفة للتواصل:
فالتواصل عبر البريد الإلكتروني وحده لا يكفي. يستفيد العاملون عن بُعد من "كثرة" وسائل التواصل التكنولوجية، مثل عقد الاجتماعات عبر الفيديو، ما يمنحهم الفرصة لرؤية الإشارات البصرية التي كانوا سيرونها إذا كانوا يجتمعون معاً وجهاً لوجه. كما أن عقد الاجتماعات عبر الفيديو له فوائد عديدة خاصة للمجموعات الصغيرة، فالإشارات البصرية تسمح "بتبادل المعارف" بشكل أكبر فيما بين الزملاء وتساعد أيضاً على تقليل الشعور بالعزلة. كما أن الاجتماع عبر الفيديو يفيد خاصة عند إجراء المحادثات الصعبة أو الحساسة، لأنه يضفي طابعاً شخصياً أكبر من التواصل كتابة أو عبر الصوت فقط.
ولكن في ظروف أخرى يُعد التعاون السريع أكثر أهمية من التواصل المرئي. يمكنك في مثل هذه الأحوال استخدام الوسائل التي تتيح التواصل الفردي عبر الهاتف المحمول (مثل تطبيق "سلاك" Slack وتطبيق "زوم" Zoom وبرنامج "مايكروسوفت تيمز" Microsoft Teams، وغيرها) التي يمكن الاستعانة بها في المحادثات البسيطة والأقل رسمية وفي الاتصالات العاجلة.
ثم ضع قواعد لاستخدامها:
يصبح العمل عن بُعد أكثر فاعلية وإرضاءً عندما يضع المدراء لفرقهم توقعات ذات صلة بوتيرة التواصل ووسائله وتوقيته المثالي. يمكن أن تقول على سبيل المثال "سنتواصل عبر الفيديو في اجتماعات المتابعة اليومية، وعبر الرسائل الفورية في الأمور العاجلة فقط". وأيضاً أعلِم الموظفين بالوسيلة الأفضل والوقت الأمثل الذي يمكنهم التواصل معك فيه أثناء يوم العمل، إن كان في استطاعتك ذلك (يمكن أن تقول مثلاً "عادة ما أكون متاحاً لإجراء المكالمات أو المحادثات ذات الصلة بموضوع محدد في وقت متأخر من اليوم، ولكن إن كان هناك أمر طارئ في وقت مبكر من اليوم يمكنكم إرسال رسالة نصية"). وأخيراً، راقب الاتصالات التي تُجرى فيما بين أعضاء الفريق (بالقدر المناسب)، لضمان أنهم يتبادلون المعلومات حسب الحاجة.
نوصي بأن يحدد المدراء "قواعد العمل" هذه مع الموظفين في أسرع وقت ممكن، ويُفضل أن يتم ذلك في أول اجتماع للمتابعة عبر الإنترنت. في حين أن بعض الخيارات ذات الصلة بتوقعات محددة ربما تكون أفضل من غيرها، إلا أن العامل الأهم هو أن يكون لدى الموظفين جميعهم التوقعات نفسها حول سُبل التواصل.
أتح فرصاً للتفاعل الاجتماعي عن بُعد:
من أهم الخطوات التي يتعين على المدير اتخاذها هي إيجاد طرق يمكن بها للموظفين التفاعل معاً اجتماعياً (أي إجراء محادثات غير رسمية حول موضوعات غير متعلقة بالعمل) أثناء العمل عن بُعد. وينطبق هذا على جميع العاملين عن بُعد ولكنه ينطبق بوجه خاص على العاملين الذين انتقلوا إلى العمل خارج مقر الشركة على نحو مفاجئ.
تتمثل أسهل الطرق المستخدمة لبناء تفاعلات اجتماعية بسيطة في ترك بعض الوقت في بداية مكالمات الفريق فقط للتحدث في الأمور غير المتعلقة بالعمل (كأن تقول على سبيل المثال "سنقضي الدقائق القليلة الأولى في تبادل أطراف الحديث، إذن أخبروني كيف كانت عطلتكم الأسبوعية؟"). وتتضمن الخيارات الأخرى، تنظيم حفلات افتراضية لتناول البيتزا (حيثما تصل البيتزا إلى جميع أعضاء الفريق في منازلهم أثناء إجرائهم اجتماع عبر الفيديو)، أو عقد حفلات مكتبية افتراضية (حيثما يمكن إرسال "صناديق هدايا" إلى أعضاء الفريق مسبقاً لفتحها والاستمتاع بمحتوياتها في وقت متزامن). وفي حين أن هذه الأنواع من الفاعليات قد تبدو مصطنعة أو إلزامية، إلا أن المدراء الخبراء في العمل عن بُعد (والعاملين أنفسهم) أفادوا بأن تلك الفاعليات الافتراضية تساعد على تقليل الشعور بالعزلة وتعزيز الشعور بالانتماء.
قدِّم التشجيع والدعم العاطفي:
خاصة عند الانتقال المفاجئ إلى العمل عن بُعد، من المهم أن يقر المدراء بالقلق الذي يشعر به الموظفون وأن يستمعوا إلى مخاوفهم وشواغلهم وأن يتعاطفوا مع معاناتهم. إذا كان من الواضح أن الموظف حديث العهد بالعمل عن بُعد يواجه صعوبة ولكنه لا يعرب عن توتره أو قلقه، اسأله عن حاله. فحتى السؤال العام مثل "كيف حالك مع تجربة العمل عن بُعد حتى الآن؟" يمكن أن تحصل من خلاله على معلومات هامة لم تكن لتحصل عليها لولا طرحه. وبمجرد أن تطرح هذا السؤال، احرص على الاستماع بعناية للإجابة، وكررها للموظف بإيجاز لتتأكد أن ما فهمته صحيحاً. واجعل شواغل الموظف أو مخاوفه (وليس مخاوفك) محور الحديث.
تشير البحوث حول الذكاء العاطفي والعدوى العاطفية إلى أن الموظفين يلجؤون إلى مدرائهم للحصول عن إشارات حول كيفية الاستجابة للتغيرات المفاجئة أو الأزمات. وإذا أعرب المدير عن قلقه أو قلة حيلته، سيكون لهذا ما يسميه دانيال غولمان أثر "سلبي غير مباشر" على الموظفين. لذا يتبع القادة الفعالون نهجاً ذا شقين بأن يقروا بالقلق والتوتر الذي ربما يشعر به الموظفون في الظروف العصيبة مع التأكيد في الوقت نفسه على ثقتهم في فرقهم باستخدام عبارات من قبيل: "سننجح في التغلب على هذا الوضع" أو "هذا الوضع صعب ولكني أثق في أننا سنتمكن من التعامل معه" أو "لنبحث عن طرق يمكننا من خلالها الاستفادة من مواطن قوتنا أثناء هذه الأزمة". بتقديم هذا الدعم، من المرجح بدرجة أكبر أن يواجه الموظفون هذا التحدي بتركيز وشعور بالهدف.
وبدورنا نوجه هذا التشجيع للمدراء الذين يعملون عن بُعد لأول مرة: ستنجحون في ذلك. يُرجى إخبارنا في التعليقات بنصائحكم المستقاة من إدارة موظفيكم عن بُعد.