ملخص: تشهد جميع القطاعات ظاهرة محيرة، وهي فشل الشخص بعد أن يحقق نجاحاً مهماً أو أكثر من نجاح. كشف المؤلفون عن أسباب هذه الظاهرة في بحثهم الذي تضمن إجراء تحليل لشبكة التواصل الاجتماعي لقادة المشاريع في قطاع صناعة ألعاب الفيديو. واقترحوا خطوات يمكن أن تتخذها الشركات لضمان عدم انطفاء الموظف النجم.
إذا كان عليك تحديد أهم أسباب تحول بعض المشاريع إلى فشل ذريع، فعلى الأرجح أنك لن تُدرج بينها "وضع ثقة أكبر من اللازم في القائد صاحب سجل الإنجازات". لكننا توصلنا في بحثنا إلى أن المدراء ذوي المراكز الأعلى في الشركة يواجهون أكبر مخاطر الوقوع في فشل ذريع، وحددنا بعض أسباب ذلك وبعض التدابير التي يمكن اتباعها لتخفيض احتمالات حدوث الفشل.
إن وضع ثقة مفرطة في أصحاب المواهب الذين يحظون بترويج مبالغ فيه هو أمر مألوف في مدينة هوليوود. خذ مثلاً، فيلم الغرب الأميركي الطموح "بوابة السماء" (Heaven’s Gate)،الذي كان من أكثر الأفلام المرتقبة في عام 1981 لأنه من إخراج الشاب مايكل تشيمينو، مخرج فيلم "صائد الغزلان" (The Deer Hunter)، الحائز على جوائز "أوسكار"عن أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل ممثل مساعد في عام 1978.
توقع الجمهور من هذا المخرج السينمائي الشاب الصاعد تحقيق إنجاز عظيم، لكن تشيمينو صنع كارثة. لقد كلفت صناعة الفيلم الذي تصل مدته إلى قرابة 4 ساعات مبلغ 44 مليون دولار، لكن أرباح شباك التذاكر لم تبلغ أكثر من 3.5 ملايين دولار. كما أنه لم يحز على إعجاب النقاد، وهو حتى الآن بعد مضي 3 عقود لا يزال يصنف على أنه أسوأ فيلم صنع على الإطلاق. ووصفته صحيفة "الغارديان" بأنه "فيلم بشع بدرجة تفوق العقل".
لا تسير الأمور على هذا النحو عادة، فغالباً ما ينتقل الإنسان من موقف قوي إلى موقف قوي آخر. هناك أعتقاد ديني لدى البعض بأن من يملك شيئاً سيُمنح المزيد منه، فالغني سيزداد غنى والقوي سيزداد قوة والسعيد سيزداد سعادة. وهذا حدث مراراً وتكراراً حتى خارج السياق الديني، حتى إن عالم الاجتماع روبرت ميرتون أطلق عليها اسم "تأثير متّى" (Matthew effect).
في مختلف المجالات، بدءاً من القاعات الدراسية وصولاً إلى سوق الأسهم، يبدو أن "تأثير متّى" هو القاعدة، وأن الفشل على طريقة تشيمينو هو الاستثناء. في صناعة الأفلام وتصميم ألعاب الفيديو وغيرها من العمل القائم على المشاريع، يؤدي النجاح المبكر إلى جذب الانتباه نحو صانعه فيزداد الطلب عليه وينسب إليه مزيد من الإنجازات، ما يؤدي بدوره إلى نجاح آخر يولد قدرة أكبر على الوصول إلى الموارد والمواهب، ويقود في نهاية المطاف إلى تحقيق نجاح آخر.
لكن هذا لا يحدث دائماً، وهو ما رأيناه في حالة مايكل تشيمينو.
"تأثير متّى" مقابل فشل مايكل
إلى جانب الحظ، ما الذي يمنع تحول "تأثير متى" إلى فشل مايكل؟
لمعرفة الجواب، أجرينا تحليلاً لشبكة التواصل الاجتماعي لقادة المشاريع الذين يديرون مشاريع تطوير المنتجات الابتكارية في قطاع صناعة ألعاب الفيديو، ووضعنا خريطة للروابط بين كل موظف والقائد الذي يعمل معه والمشروع الذي يعملان عليه. اخترنا هذا النهج لأن الشبكات الاجتماعية تشير إلى مكانة الشخص ورفعة مقامه بحسب ما أكده خبراء القطاع. الموظف النجم هو شخص يحظى بالإعجاب ويرغب الجميع في العمل معه والتعلم منه بسبب النجاح الذي حققه في مراحل مبكرة. مثلاً، عندما تدخل إلى قاعة الاجتماعات وترغب في تمييز أهم شخص فيها على الفور، فيمكنك البحث عن الشخص الذي تحيط به أكبر مجموعة من الناس. وعندما تعثر عليه ستقول لنفسك على الفور: "لا بد أن هذا الشخص يعرف الكثير". وإذا رأيت أن عدة أشخاص يرغبون في الحصول على نصيحة من ذاك الشخص أو العمل معه، فهذه إشارة إلى مكانته وكفاءته.
بهدف إجراء تحليل الشبكة الاجتماعية هذا، رجعنا إلى قائمة من أكبر شركات صناعة ألعاب الفيديو واستخدمنا معلومات عن 4,741 مشروعاً من مشاريعها. جمعنا هذه المعلومات من قاعدة بيانات قطاع صناعة ألعاب الفيديو "موبي غيمز.كوم" (Mobygames.com)، وهي تشبه إلى حدّ ما قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت. استعنا بقاعدة البيانات هذه لمعرفة الشخص الذي يعمل معه الموظفون في شركة معينة والأشخاص الذين عمل معهم هذا الشخص، فأتاح لنا ذلك التعرف على مدراء المشاريع الذين يملكون شبكات اجتماعية ممتدة، وبالتالي يمكن اعتبار أنهم يتمتعون بمكانة أعلى ممن لديهم شبكات أصغر.
أجرينا هذا البحث على 18 شركة، وأنشأنا شبكة تابعة طولية منفصلة لكل شركة على حدة. وبالنسبة لآخر عينة من المشاريع، درسنا كيف أثرت مكانة قائد المشروع بمرور الوقت في قدرته على تنفيذ مشروع لاقى قبولاً إيجابياً لدى النقاد والمستهلكين.
بينت نتائج بحثنا أن فوائد مكانة قائد المشروع تشكل منحنى على شكل حرف (U) مقلوب، فشعبيتك تزيد احتمالات نجاحك إلى حدّ ما لأنها تسهّل عملية اختيار المشاريع، واجتذاب المواهب، وجمع الموارد، لكن ثمة دليل على ما يسمى "لعنة الرابح". وإذا كنت تتمتع بشعبية كبيرة جداً، فقد تنزلق إلى حيز "فشل مايكل"؛ المنحدر الزلق الذي تزداد فيه احتمالات الفشل الذريع. لا يزال النجاح الباهر ممكناً، لكن في الحالات الأكثر تطرفاً تكون احتمالات فشلك أعلى مما كانت عليه في بداية مسيرتك المهنية.
وأحد الأسباب المحتملة هو أن العرض الذي يقدمه الموظف النجم لم يخضع للتدقيق الذي خضعت له عروضه الأولى، ما يزيد احتمالات مرور فكرة سيئة. وقد لا يكون السبب الآخر هو أن الموظف النجم قد ارتكب خطأ معيناً، وإنما أن الطلب الكبير جداً على "موهبته" يدفعه إلى بذل جهد هائل في الكثير من الأعمال إلى أن يفقد القدرة على التركيز على مشروع بعينه. أخبرنا أحد خبراء القطاع، وهو رئيس تنفيذي في شركة لتطوير ألعاب الفيديو، أن مكانته المرموقة تسبب له صعوبة في التركيز، يقول:
"يمكنني بالتأكيد ملاحظة أنه كلما ارتفعت مكانتي أكثر، انخفضت إنتاجيتي.. وتغيرت عتبة قدرتي على الانتباه. لاحظت أني أفوّت الإشارات عندما لا يتحدث الآخرون بوضوح شديد... إلى أن يقول أحدهم صراحة إنه يحتاج إلى مساعدة! في السابق، كان لدي وقت أكبر لمعالجة المعلومات، ولكنني الآن أرى المشكلة فقط عندما يصرخ أحدهم لتنبيهي إليها".
تفادي الانهيار
بناء على ملاحظاتنا وخبراتنا الشخصية والمقابلات التي أجريناها مع الخبراء في المجال، نوصي بتطبيق الإجراءات الآتية لمنع ثقافتك من إعداد النجوم للفشل.
حافظ على الطابع الرسمي لعملية تقديم العرض ووضع الميزانية
عادة، يُعطى من له صلة بأصحاب النفوذ فائدة الشك، ما يزيد احتمالات ارتكابه خطأ. وفرض مزيد من المعايير الرسمية سيجعل عملية اختيار المشاريع موضوعية أكثر. يمكن إضفاء الطابع الرسمي عن طريق زيادة التوثيق والتشديد على تقديم تقييمات مكتوبة واضحة، إلى جانب أنه كلما تعددت تخصصات أعضاء لجنة مراجعة المشروع، أصبحت عملية التقييم موضوعية أكثر. ومن الأسباب الأخرى التي تجعل فرق المراجعة متعددة التخصصات مفيدة، أنه كلما ازدادت المسافة بين مواقع أفرادها ضمن الشبكة التنظيمية الداخلية في الشركة، قلت احتمالات أن يكون الشخص صاحب المشروع على صلة بجميعهم، لأن هذه الصلة تزيد التحيز في عملية التقييم بدرجة كبيرة.
فكر في إخفاء هوية أصحاب العروض المقدمة
يُستخدم نظام مراجعة الأقران مزدوجة التعمية بنجاح كبير في السياق الأكاديمي منذ قرون، وإدخال نظام مشابه إلى شركتك سيزيد التركيز على جودة العروض نفسها ويقلل من التأثير السلبي المحتمل للنفوذ الاجتماعي في قرارات اختيار المشاريع.
لا تبالغ في الاحتفاء بالنجم
يستفيد قائد المشاريع كثيراً من الشهرة والتقدير اللذين يحظى بهما نتيجة لإنجازاته في بداية مسيرته المهنية قبل أن يكتسب مكانة مهمة في الشركة، لكن عندما تصبح له مكانة مرموقة جداً يمكن أن يؤدي تمجيده إلى آثار عكسية، وهذا ما تبين من بحثنا. لن يشكل الاحتفال البسيط أي مشكلة ما دام النجم لا يسرق الأضواء من أنداده الأقلّ شهرة. مثلاً، عندما يرتبط نجم بإنجاز عظيم قد يكون من الجيد التركيز على دور فريق المشروع بأكمله بدلاً من التركيز على شخص واحد في الرسالة الإخبارية التي تنشرها الشركة أو في المناسبات الاجتماعية التي تنظمها.
احرص على عدم تحميل الموظف النجم أكثر من طاقته
يجب أن تتوصل إلى طريقة لإبقاء تركيزه موجهاً نحو مشروع واحد، وإذا لم يكن بالإمكان تخفيف عبء العمل عن كاهله، فاحرص على تقديم الدعم له كي يتمكن من تفويض مزيد من المهام "لنجوم واعدين لم يكتشفوا بعد" لا يحملون نفس القدر من أعباء العمل. عين مساعداً له كي تحدّ من العوامل التي تشتت انتباهه. مثلاً، عين موظفاً لتقديم خدمات السكرتاريا للقائد النجم، صحيح أن هذا الإجراء يعتبر من الطراز القديم لكنه يساعد في تخفيف العبء النفسي عن القائد. كما يمكن تخفيف العبء عن النجم بزيادة فاعلية تواصله مع الآخرين، فكثيراً ما يسعى الموظفون للتواصل معه طلباً للمساعدة أو النصيحة لكن المشكلات والمسائل التي تحتاج إلى خبراته تتكرر دوماً. لذلك يمكن للشركات تشجيع الموظف صاحب المكانة المرموقة على تدوين معارفه كي يبحث الآخرون خلالها عن أجوبة لأسئلتهم في قاعدة بيانات "الأسئلة التي تطرح باستمرار" قبل أن يأخذوا من وقته الثمين.
أنشئ بيئة تسمح للموظفين بل تلزمهم بتوجيه الانتقادات البناءة فيما بينهم
على الرغم من أن الموظفين قد يخشون تقديم ملاحظات للقائد صاحب المكانة المرموقة، فإن هذا القائد لا يتلقى انتقادات كثيرة لسبب أدق هو صعوبة فهم الموظفين لحدود مساهماته. وإنشاء مناخ يتيح تقبل النقد البناء بل ويطالب به، سيدفع الموظفين إلى التفكير بأسلوب نقدي في عمل زميلهم الذي يحظى باحترام كبير.
ماذا لو كنت أنت الموظف النجم النجم؟ اختر مشاريعك بعناية واحذر من انصياع الجميع لرغباتك، والأهم هو أن تتمسك بأفراد الفريق الذين لا يخشون إخبارك الحقيقة، والزملاء الذين يمكنك الاعتماد عليهم لقول "عذراً، لكن فكرتك البراقة هذه ليست فعالة".