أشعر من خلال عملي مع الشركات، أن العديد من المدراء يرغبون في توفير ظروف عمل مرنة لموظفيهم تسمح لهم بقضاء وقت أكبر مع عائلاتهم. بيد أن سياسات الموارد البشرية ومتطلبات عملهم على المدى القصير، تجعل العديد من هؤلاء المدراء لا يعرفون كيفية التعامل مع هذه الطلبات، ناهيك عن المبادرة من تلقاء أنفسهم إلى تقديم الاقتراحات أو توفير الإمكانيات لموظفيهم.
إليكم بعض الإرشادات التي يمكن أن تساعد المدراء ذوي النوايا الحسنة الراغبين في توفير المزيد من المرونة:
ركزوا على المطلوب، وليس على الكيفية أو الزمن
تتيح تقنيات المعلومات المتوفرة هذه الأيام أداء الكثير من الأعمال في أماكن أخرى غير المكتب وحتى خارج أوقات العمل الرسمي التقليدية. ويصح هذا الأمر تحديداً في العمل في قطاع المعرفة. لكن الكثير من المدراء يؤمنون بأن موظفيهم يجب أن يكونوا على رأس عملهم في المكتب ليكونوا في أقصى درجات الإنتاجية. صحيح أن العمل في المكتب مهم، سواء للاجتماعات الرسمية أو للتعاون غير الرسمي، إلا أن الحقيقة تظل في أن العاملين في قطاع المعرفة يستطيعون إنجاز 30% على الأقل من عملهم انطلاقاً من المنزل (أو من أماكن أخرى) وفي أوقات عمل غير تقليدية. فمن خلال الإنترنت والهواتف الذكية والبرامج المفيدة مثل "جوجل دوكس" (Google Docs)، أو "فري كونفيرنس كول" (FreeConference Call.com)، أو "جوين دوت مي" (join.me)، بوسع العاملين التعاون بفاعلية عن بعد مع استمرار إمكانية تواصل الزبائن والإدارة معهم.
حسّن طرقك التي تستخدمها لقياس الأداء
يحتاج المدراء الراغبون في ضمان قدر أكبر من الارتياح تجاه الموظفين الذين يعملون بمرونة أكبر، إلى تحسين الطرق التي يتبعونها لقياس الأداء. فعندما لا يُحسنون التعامل الجيد مع مخرجات العمل، فإنهم يعتمدون على الانطباعات المعمّمة حول عمل الموظفين، بل والأسوأ أنهم يتكلون على انطباعاتهم عن الموظفين أنفسهم.
يكمن السر الرئيسي في المضي أبعد من تلك الاستمارات التي يخشاها الجميع والتي تُملأ كل عام، وجعل تقييم الأداء أكثر استمرارية وأكثر تمثيلاً للواقع اليومي. فالموظفون يتعيّن عليهم تقديم تقارير منتظمة حول التقدم المحرز، مع أي ترتيبات خاصة مرنة تتوقف على التزامهم بمستويات الأداء المطلوبة. كما أن الجلسات الدورية بين المشرف والموظف يجب أن تركز على تحديد الأهداف وتقديم الإرشادات المساعدة بالقدر نفسه الذي تركز فيه على مراجعة الإنجازات. نعلم جميعاً أن المدراء في غاية الانشغال، غير أن هناك أشياء قليلة فقط تستحق وقتك أكثر من إيجاد نظام يسمح لك بتقييم الأداء بطريقة عادلة.
فوّض صلاحياتك، وكن صديقاً مرشداً، ودع الموظفين يكسبون ثقتك
أحد الاستثمارات العظيمة الأخرى التي تؤتي أُكلها على المدى البعيد هو قضاء وقت أكبر في تطوير الموظفين إلى الدرجة التي تسمح لهم بالعمل بدرجة أكبر من الاستقلالية على المديين المتوسط والطويل. فد يبدو تقديم النصح والإرشاد والآراء وتوفير الموارد التي تساعد الموظفين على عدم الحضور إلى المكتب أموراً مخالفة للحدس وغير منطقية، وهي بالتأكيد تعني المزيد من العمل، على الأقل لفترة من الزمن. غير أنها كفيلة بزيادة الإنتاجية وتمتين الثقة المتبادلة وهما مكسبات عظيمان لا يجب التفريط فيهما.
كن للموظفين نموذجاً يحتذى في الجمع بين متطلبات العمل والحياة العائلية
أخيراً، بوسعك مساعدة الموظفين الذين يبذلون جهداً كبيراً ليحافظوا على التوازن بين متطلبات العمل والحياة العائلية من خلال تقديم نموذج لهم حول كيفية تحقيق ذلك. حاول أن يكون ذكرك لنشاطاتك العائلية في العمل جزءاً من روتين ذلك العمل، واسأل موظفيك عن نشاطاتهم العائلية أيضاً. فمع مرور الوقت، يمكن لهذه الأحاديث أن تغير الثقافة السائدة في مكان العمل لديكم من شكلها التقليدي القائم على إخفاء المرء لشؤونه العائلية، إلى شكل يشعر فيه الموظف أن كل ما يمثله يحظى بالتقدير والاحترام وأن الحاجات العائلية هي أمر مشروع تماماً.
معظم سياسات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات الكبيرة مصممة لتبسيط عملية إدارة الموظفين. لكن في بعض الأحيان، في مسعى منها للتركيز على المخاطر وتحاشي الإساءات الأسوأ، تثني هذه السياسات المشرفين عن تطبيق أكثر الأشياء بديهية. من خلال منح المشرفين للموظفين قدراً أكبر من إمكانية التحكم بالجزء المتعلق "بالعمل" في حياتهم، سيتمكن المشرفون من مساعدة الموظفين على تحقيق التوازن الذي يحتاجونه لتلبية التزامات العمل والعائلة على حد سواء. فعلى المدى القصير، يمكن لهذه السياسات الحفاظ على الأداء، وقد تساعد أيضاً في تحسين الأداء وتعزيزه. أما على المدى الطويل، فإنها قادرة على اجتذاب أفضل المهارات والاحتفاظ بها، وهنا نعني تحديداً الموظفين المحترفين الذين يبذلون قصارى جهدهم ويؤدون أفضل أعمالهم عندما يعلمون أن هناك من يقدّرهم لأنهم أشخاص لديهم حياة كاملة.