ملخص: قد يكون للوصول غير المتكافئ إلى البيانات والاستثمار التكنولوجي وأدوات الأتمتة أثر ضار على معنويات الموظفين وأداء الأعمال. لكن يمكن للشركات أن تبدأ في معالجة تلك التفاوتات التكنولوجية من خلال منح الأولوية لمجالات النمو التي تتطلب عائداً سريعاً، على سبيل المثال أقسام البحث والتطوير في الشركات المتخصصة بعلوم الحياة أو نظم إدارة علاقات العملاء في شركات السلع الاستهلاكية، وأن تتجه إلى تطوير بقية المجالات بعد ذلك. وتتمثل إحدى الخطوات الأولية في تقييم مدى شمولية أنظمة البيانات الحالية داخل المؤسسة ونطاق تلك الأنظمة. ولا بدّ أن تضمن الشركات أيضاً أن تكون أنظمتها متوائمة مع قدرات الأعمال وأن تجمع الاستثمارات أصحاب المصلحة من جميع أنحاء المؤسسة. وإلى جانب تلك التغييرات المؤسسية الرسمية، يمكن للشركات تكوين فرق متعددة التخصصات من المهندسين وخبراء الأعمال، كما يمكنها اعتماد ممارسات تطوير مرنة تضمن عدم إقصاء الخبراء المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات عن أنشطة الأعمال المهمة، والعكس صحيح. وكلما أسرعت المؤسسات في معالجة تلك التفاوتات الداخلية وإمكانية الوصول إلى الموارد التكنولوجية، تمكنت من التغلب على الفروق الخارجية التي تقوّض قدرتها التنافسية.
الأغنياء يزدادون غنى والآخرون يقضون حياتهم في اللحاق بهم. تصف تلك العبارة فجوة تحقيق الابتكار بين الشركات التي تمتلك موارد ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات والأتمتة والنظم المؤسسية المتطورة والشركات التي لا تمتلك تلك الموارد. لكن لا تنطوي المشكلة الحقيقية بالنسبة للشركات التي تواجه صعوبة في مواكبة التطور على قدرتها على تحديد الفوارق بينها وبين منافساتها، بل تنطوي على التفاوتات التكنولوجية الخفية داخل مؤسساتها التي تزيد من مشكلة عدم المساواة في الوصول إلى الموارد التكنولوجية من قبل المواهب والوصول إلى أدوات الأتمتة ومبادرات صقل المهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يعيق قدرة تلك الشركات التنافسية في النهاية.
وأورد فيما يلي 3 فوارق من أكثر الفوارق الداخلية شيوعاً وأهم خطوات تصويبها:
الوصول غير المتكافئ إلى البيانات
شهدنا في عملنا والبحث الذي أجريناه العديد من المواقف التي يمتلك البشر والأنظمة فيها وصولاً غير متساو إلى البيانات. على سبيل المثال، يعتمد ثلثا الشركات على مزيج دون المستوى الأمثل من النظم المؤسسية القائمة على السحابة والأنظمة الداخلية. لكن لا يمكن لتلك الأنظمة الممتدة والمجزأة دعم أهداف العمل، وذلك لانتشار بيانات تلك الأنظمة ضمن صوامع منعزلة. على سبيل المثال، كان لدى إحدى الجهات التنظيمية الحكومية أكثر من 10,000 مركز من مراكز البيانات الداخلية المنفصلة، وكان الموظفون في أقسام مثل الإدارة والعمليات والسياسات والتحليل العلمي لا يصلون إلى البيانات بشكل متكافئ ولديهم قدرة محدودة على مشاركة البيانات بين تلك الأقسام لتنسيق أعمالهم.
ووجدت شركات أخرى أن الوصول غير المتكافئ إلى البيانات يمنعها من خلق ثقافة مستندة إلى البيانات تدعم عملية صناعة القرار ونشرها على نطاق واسع، وهو ما قد يُسفر عن ثغرات عديدة سببها "أميّة البيانات" في المؤسسة. على سبيل المثال، عندما رغبت إحدى كبرى شركات الطاقة الأوروبية تطوير قدرات البيانات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي على مستوى المؤسسة، أدركت حاجتها إلى إشراك موظفيها في جلسات تعليم مكثفة على مستوى الشركة أولاً للوصول بجميع الموظفين في مختلف الأقسام إلى مستوى واحد يمكّنهم من فهم طبيعة تلك الفرصة.
تطور الشركات الرائدة بيئة عمل تضم خدمات وأنظمة مخصصة تدعم قدرات العمل. فبدلاً من حجب البيانات أو جعلها متاحة على دفعات فقط بعد معالجتها، أصبحت البيانات تنتقل بشكل آني وعلى نطاق واسع في جميع أقسام المؤسسة لتمكين عمليات اتخاذ القرار في مجال الأعمال استناداً إلى البيانات. وبدلاً من استخدام تقنية السحابة في مختلف أقسام المؤسسة، فإنها تُستخدم مكان البنية التحتية القديمة المُكلفة فقط، وهو ما يوفر بنية تحتية مرنة وقابلة للتطوير هدفها تحقيق السرعة وزيادة الإنتاجية ودفع الابتكار.
تأمّل شركة ألعاب متعددة الجنسيات تعمل في قطاع يتطور بشكل أسرع من معظم القطاعات الأخرى، حيث لا يبتكر المنافسون الألعاب فحسب، بل يعملون على تطوير تجارب رقمية أيضاً. أدركت الشركة الحاجة إلى مواكبة وتيرة تلك السرعة وعملت على تمكين كل قسم من إدارة عمليات التصميم والإنتاج والتوزيع من أجل تطوير العمل بشكل سريع ومنسّق مع التحكم في التكاليف. وبدلاً من استخدام منتجات متفرقة لإدارة البيانات، أتاحت الشركة الوصول إلى البيانات من خلال نظام يدمج تقنية تعلم الآلة في السحابة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالعمل. واستغرقت الشركة نصف الوقت الذي كانت تخصصه سابقاً لإجراء التحليلات الرئيسة من خلال توفير تحليلات "الخدمة الذاتية" لموظفي الشركة بحيث لم يعودوا بحاجة إلى متخصصين في البيانات لمساعدتهم. كما أسفرت أتمتة عمليات التحقق من جودة البيانات عن تقليل احتياجات الدعم المتعلقة بجودة البيانات بنسبة 80%. ويمكن للموظفين في جميع أنحاء الشركة اليوم استخدام النظام بثقة لاتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بالأمور المالية والتصميم والتطوير.
قوة استثمار غير متكافئة في التكنولوجيا
تمتلك بعض الفرق في العديد من المؤسسات صلاحيات للاستثمار في التكنولوجيا لتنفيذ أهداف أعمالها، في حين تفتقر فرق أخرى إلى تلك الصلاحيات، وهو ما يجعل أعضاءها يشعرون أنهم محرومون من حقوقهم. على سبيل المثال، غالباً ما تركز الفرق العاملة في قسم تكنولوجيا المعلومات على "الحفاظ على مواصلة أعمالها" بدلاً من إيجاد حلول مبتكرة لمشكلات الأعمال. في الوقت نفسه، يأتي أكثر من 60% من الاستثمار في التقنيات من أقسام خارج قسم تكنولوجيا المعلومات، كقسمي التسويق أو العمليات. وبما أن قسم تكنولوجيا المعلومات لا يُدرك وجود مثل تلك "الأنظمة الموازية"، تظهر أولويات غير متطابقة بين قدرات العمل وقسم التكنولوجيا الذي يتبنى عقلية الصومعة.
وما يزيد المشكلة تعقيداً هو أن أعضاء فرق قسم تكنولوجيا المعلومات غير مدرّبين على وجود الأنظمة الموازية تلك، وهو ما يعيق قدرتهم على دعم تلك الأنظمة أو تطويرها. وكما ذكرت إحدى الشركات، أسفر عدم الترابط عن شعور فريق تكنولوجيا المعلومات بالحرمان. وبالمثل، تزايد شعور أعضاء فريق تحليلات البيانات التابعين إلى قسم تطوير الاستراتيجية في الشركة بعدم قدرتهم على تقديم رؤى استراتيجية ثاقبة بعد أن طلبت أقسام أخرى من الشركة منهم أداء مهام تحليلية منفصلة، وهو ما جعلهم يشعرون بالإرهاق وعانوا من معدل دوران وظيفي مرتفع.
في المقابل، نلاحظ في المؤسسات المتوائمة وجود أنظمة قادرة على تنظيم قدرات الأعمال بوضوح؛ كما نلاحظ توافق مختلف أصحاب المصلحة نتيجة دعم عمليات الاستثمار في قسم تكنولوجيا المعلومات، بدلاً من الاعتماد على الأنظمة الموازية وترك بعض المجموعات منعزلة. على سبيل المثال، كشفت إدارة أحد المستشفيات في الولايات المتحدة عن لجوء فرق إدارية مختلفة إلى تطوير أدوات مخصصة للتحليلات المحوسبة تحقق نفس مؤشرات الأداء الرئيسة للرعاية الصحية (KPIs) دون التماس أي مدخلات من الأطباء. على سبيل المثال، استخلصت الفرق مختلف أدوات التحليلات المخصصة لتحديد تكلفة جراحة استبدال مفصل الركبة للمرضى من مجموعات مختلفة من البيانات. نتيجة لذلك، لم يمتلك الأطباء رؤى شاملة حول أفضل الممارسات المتبعة في نظام المستشفى، ومع ذلك كان يُطلب منهم المساعدة في تحسين الجودة وخفض تكلفة الرعاية. وهو ما دفع الأطباء إلى التشكيك في مدى شمولية أي نموذج تحليلي يرونه وموضوعيته.
ولمعالجة تلك المشكلة، قامت إدارة المستشفى بدمج جميع البيانات في أداة واحدة قائمة على السحابة وعينت طبيباً للإشراف على المهمة. وهو ما مكّن الأطباء ومحللي الأعمال والإداريين من تكوين وجهة نظر موضوعية واحدة للمرضى الموزعين في مختلف المناطق والمستشفيات. ومع وصول جميع أصحاب المصلحة إلى اتفاق حول مؤشرات الأداء الرئيسة وأفضل الممارسات، خفضت إدارة المستشفى التكاليف بالنسبة للمرضى والمستشفى على حد سواء. على سبيل المثال، تم تخفيض تكلفة استبدال مفصل الركبة للمرضى بما يقرب من 300 دولار. بشكل عام، خفض النظام تكلفة الرعاية بمقدار 20 مليون دولار في العام الأول وحده.
وصول غير متكافئ إلى الأتمتة والذكاء الاصطناعي
نلاحظ في العديد من الشركات تزايد الفجوة بين الفرق التي تتمتع بسهولة الوصول إلى الأتمتة وأدوات الذكاء الاصطناعي والفرق التي لا تحظى بذلك الوصول، وهو ما جعل أعضاء الفرق الأخيرة في وضع غير موات من حيث الإنتاجية وتطوير مهارات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، كان فريقان في إحدى شركات النقل يطوران منتجات مماثلة. تمكن الفريق "أ" من أتمتة مهمة مشروع واحدة فقط، في حين تمكن الفريق "ب" من أتمتة أكثر من 30 مهمة، وهو ما أسفر عن تباين أوقات التسليم وقاد إلى نتائج مختلفة بشكل كبير.
لذلك، لا بدّ لك أن تضع الفروق بين مطوري البرمجيات في الاعتبار، فقد يقضي البعض منهم 60% من يومهم في أداء مهام الأتمتة، في حين يمكن للآخرين الذين يستفيدون من أدوات الذكاء الاصطناعي تنفيذ مهام كتابة الشيفرات البرمجية بشكل أسرع، وهو ما يجعلهم أكثر خبرة في التعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وأقل عرضة لارتكاب الأخطاء. وازدادت تلك الفجوة مع ازدياد توقعات الزبائن وتسارع وتيرة التغيير، إذ لم يعد السوق يتحمل أوقات التسليم البطيئة للمشاريع الهندسية اليوم، بل أصبح يتطلب ممارسات هندسية حديثة مع قدرات تصميم وتقييم وتعلم سريعة لا تستطيع الشركات التي لا تمتلك أنظمة الأتمتة مجاراتها.
لا يحل نشر عمليات الأتمتة على نطاق واسع المشكلة تماماً، بل لا بدّ من وضع نهج منظم واسع النطاق. على سبيل المثال، وصلت إحدى شركات البرمجيات إلى مفترق طرق في عام 2016، وذلك بعد أن أصبح قسم تكنولوجيا المعلومات فيها يضم مجموعة من المؤسسات. وكان مالكو الشركة يفتقرون إلى الشفافية ولا يملكون أي توقعات مشتركة مع قسم تكنولوجيا المعلومات. ونظراً لتبني الشركة أنظمة برمجية قديمة على مدى عقود، كانت تنفق 80% من الميزانية المخصصة لتكنولوجيا المعلومات على إصلاح أنظمتها القديمة و20% فقط على عمليات الابتكار للمستقبل.
وبدلاً من أتمتة مزيد من الأنشطة، شرعت الشركة في إعادة ابتكار شاملة تهدف إلى تجاوز سرعة منافساتها من الشركات الأصلية وقدرة تلك الشركات على الابتكار، واعتمدت نموذجاً هندسياً عمودياً حديثاً يعمل فيه خبراء الأعمال والمهندسون متعددو التخصصات في فرق متكاملة مع وضع ممارسات تطوير مرنة. ونقلت 100% من عملياتها القائمة على تكنولوجيا المعلومات إلى السحابة، وهو ما مكنها من إتاحة أدوات الأتمتة لأي شخص تقريباً وأي فريق يمكنه الاستفادة منها.
والأهم من ذلك هو أن الشركة تمكّنت من تحقيق النجاح من خلال التمويل الذاتي بدلاً من تخصيص استثمارات إضافية. لقد أنفقت الشركة في الماضي معظم ميزانيتها المخصصة لتكنولوجيا المعلومات في محاولة للحفاظ على أعمالها، مثل معظم المؤسسات. إلا أن مهمة إعادة الابتكار التي نفّذتها على مدار عدة سنوات أتاحت لها تغيير ذلك النهج، وهو ما أدى إلى قلب منحنى الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات وتحرير رأس المال بشكل مطرد لتمكين الجميع من الابتكار على نطاق واسع، وليس فقط القلة المحظوظة من الموظفين. وتنفق الشركة اليوم 40% فقط من ميزانيتها المخصصة لتكنولوجيا المعلومات على تكاليف التقنيات الثابتة وتخصص 60% منها لعمليات الابتكار. كما جرى خفض الوقت اللازم لطرح ميزات جديدة في السوق بنسبة 83%. علاوة على ذلك، عندما تفشّت جائحة "كوفيد-19"، كانت الشركة في وضع جيد أتاح لها التغلب على الأزمة والخروج منها بوضع أقوى.
استعادة التوازن
قد يكون للوصول غير المتكافئ إلى البيانات والاستثمار التكنولوجي وأدوات الأتمتة أثر ضار على معنويات الموظفين وأداء الأعمال. لكن يمكن للشركات أن تبدأ في معالجة تلك التفاوتات التكنولوجية من خلال منح الأولوية لمجالات النمو التي تتطلب عائداً سريعاً، على سبيل المثال أقسام البحث والتطوير في الشركات المتخصصة بعلوم الحياة أو نظم إدارة علاقات العملاء في شركات السلع الاستهلاكية، وأن تتجه إلى تطوير بقية المجالات بعد ذلك. وتتمثل إحدى الخطوات الأولية في تقييم مدى شمولية أنظمة البيانات الحالية داخل المؤسسة ونطاق تلك الأنظمة. ولا بدّ أن تضمن الشركات أيضاً أن تكون أنظمتها متوائمة مع قدرات الأعمال وأن تجمع الاستثمارات أصحاب المصلحة من جميع أنحاء المؤسسة. وإلى جانب تلك التغييرات المؤسسية الرسمية، يمكن للشركات تكوين فرق متعددة التخصصات من المهندسين وخبراء الأعمال، كما يمكنها اعتماد ممارسات تطوير مرنة تضمن عدم إقصاء الخبراء المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات عن أنشطة الأعمال المهمة، والعكس صحيح. وكلما أسرعت المؤسسات في معالجة تلك التفاوتات الداخلية وإمكانية الوصول إلى الموارد التكنولوجية، تمكنت من التغلب على الفروق الخارجية التي تقوّض قدرتها التنافسية.