لعل أهمية أقسام الموارد البشرية وفعاليتها باتت من المواضيع التي يحتدم النقاش حولها في عالم الأعمال. هناك من يهاجم أقسام الموارد البشرية ويتهمها بالضعف، والاعتماد على ردود الفعل في شراكات الأعمال، وأنها لا تُحسن البحث عن المهارات والكفاءات المناسبة ولا تنجح في تطويرها. في حين يشكو آخرون من إجراءات تضييع الوقت في هذه الأقسام وعمليات التواصل غير الكافية.
ولا أدافع هنا عن دور أقسام الموارد البشرية أو تقديم إرشادات تتعلق بتغيير تلك العمليات غير الفعالة فيها. لكنني افترض أنا وزملائي بأن كراهية قسم الموارد البشرية ربما ينعكس سلباً على الشركة، وأوضح كيف أن لهذا القسم دوراً مهماً في مساعدة المؤسسة على الاستخدام الأمثل لرأسمالها البشري. إذ إن رأس المال البشري، هو المورد الذي يصعب تحصيله في العالم اليوم، ويمكن قياسه بثلاثة مقاييس:
- الوقت: أي الساعات التي يمضيها الموظف في العمل
- المهارة: أي القدرات والكفاءات والإبداع لدى الموظف
- الطاقة: أي مستوى المشاركة والشغف والتركيز لدى الموظف
هذه العوامل مجتمعة والتفاعلات التي بينها، توضح كيف يتحول رأس المال البشري إلى إنتاجية وقيمة اقتصادية.
وبمساعدة "وحدة إيكونوميست إنتلجنس يونيت" (Economist Intelligence Unit)، والتي تُعتبر الذراع البحثي في مجلة "ذي إيكونومست"، انطلقنا لقياس مدى فعالية الشركات في الاستفادة من رأس المال البشري. حيث توصل بحثنا إلى أن أفضل الشركات -أي أفضل 25% من الشركات في دراستنا- حصّلت قدرة إنتاجية أكبر بنسبة 40% مقارنة ببقية الشركات. ففي الشركات الأفضل تتضاعف هذه المنفعة مع الزمن، ما يتيح لها بناء تفوق إنتاجي ضخم تمتاز به عن المنافسين.
وحين تتعمق أكثر في البحث الذي أجريناه، سترى الجوانب والأسباب التي تجعل دور قسم الموارد البشرية بالغ الأهمية في مساعدة الشركات الحديثة على التوقف عن تضييع هذه الموارد الثمينة في زمن يصعب تحقيق الإنتاجية فيه.
لنبدأ بمسألة الوقت. لقد توصلنا إلى ضياع 21% من قوة الشركات الإنتاجية عبر عمليات تواصل فيها إهدار للوقت. في حين تسعى أفضل الشركات للحد من هذه الخسائر بنسبة 50%. إذ تعود أسباب خسائر الإنتاج المتعلقة بالوقت إلى أسباب هيكلية وأخرى سلوكية.
وعلى المستوى الهيكلي، يؤدي قسم الموارد البشرية دوراً في مساعدة قادة الأعمال على تطوير تصاميم تنظيمية فعالة، تعالج كافة العناصر الهيكلية التي تربط العمليات الروتينية التي تهدر الوقت ضمن النماذج التشغيلية، بما في ذلك شكل المؤسسات وتنظيمها الهرمي والعمليات والأنظمة. أما فيما يخص جوانب تضييع الوقت المرتبطة بالسلوكيات أو الثقافة عموماً، فيتم معالجتها من خلال إعادة نظر الشركات في العمليات المعتمدة لاتخاذ القرار، وأسس الحوكمة، والقيم، وأنظمة التقييم والمراجعة، وكيفية تعزيز السلوكيات ومكافأتها أو معالجتها والتخلص منها. كما أنه باعتبار قسم الموارد البشرية شريكاً في التصميم، فبوسعه المساعدة في تسليط الضوء على العوامل المسؤولة عن تضييع الوقت، أو ما هو معروف باسم "المعيقات التنظيمية". ومع أنه لا يسع أقسام الموارد البشرية حل هذه المشكلة وحدها، إلا أنه يجدر بها تقديم نفسها على أنها جهة معنية وشريك أساسي يسعى للحفاظ على الوقت الثمين.
أما القضية الثانية فهي المهارة، حيث تبيّن أن أفضل الشركات تحقق زيادة في الإنتاجية بنسبة 29% بفضل ما لديها من كفاءات. وكانت نسبة الموظفين المتميزين الذين يسهمون أكثر من سواهم في تحقيق استراتيجية الشركة ضمن أفضل 25% من الشركات في قائمتنا حوالي 16%. بينما كان المعدل ضمن الشركات الأخرى في القائمة نسبته 14%. أي أن الفرق ليس بالكبير. ولكن الأمر الأكثر أهمية من حجم المهارات في الشركة هو مقدار فعالية الشركة في الاعتماد عليها، وتنظيمها وفق أدوار حساسة في مجال العمل، وضمن المبادرات المرتبطة بالمهام على مستوى الشركة. فالمهارات التي تكون ضمن فريق منسجم وبقيادة الشخص المناسب الذي يعرف كيف يستفيد على أفضل نحو من جهود فرق العمل، تتمكن من مضاعفة القوة الإنتاجية. وعلى الرغم من القناعة المؤكدة بقدرة قسم الموارد البشرية على تحديد أفضل المهارات وتطويرها. فإننا نرى أن الصعيد الأول والأفضل الذي يمكن لقسم الموارد البشرية أن يعزز فيه دوره هو الحرص على وضع المهارات المناسبة في الفريق المناسب، وبقيادة الشخصية المناسبة لضمان الاستفادة منها على الشكل الأمثل.
وأخيراً نأتي إلى جانب الطاقة، إذ كانت طاقة الموظفين أو عزيمتهم على العمل أكبر مصدر للمقدرة الإنتاجية في الشركات متوسطة الأداء، ويشير بحثتنا إلى أن الموظفين الأكثر طاقة وحماسة كانوا أكثر إنتاجية بمقدار ضعفين مقارنة بالموظفين الأقل إنتاجية، كما أنهم أكثر بنسبة 50% مقارنة بالموظفين المنهمكين في العمل.
عموماً، يمكن القول إنه عند الحديث عن مسألة الاندماج فإن الشركات لا تطمح إلى تحقيق الكثير. وبما أن الطريق نحو منح الموظفين الإلهام يتطلب العديد من العناصر، فإن قسم الموارد البشرية يستطيع اتخاذ ثلاثة إجراءات فورية تضمن تحقيق فرق ملموس:
- التخلص الممنهج من جميع العوامل التي تسرق الوقت من الموظفين وتصعّب عليهم أداء أعمالهم.
- إعادة تعريف طرق العمل، وبناء بيئة عمل توازن مدروس بين أهداف المساءلة والاستقلالية من أجل تعزيز الأداء
- مساعدة الموظفين على إيجاد رابط بين مهامهم التي يفعلونها، ومعرفة رسالة الشركة الخلاقة المرتكزة على العملاء، التي يتبناها القادة الرواد ويعتمدونها. ونعتقد أن القيادة الملهمة في متناول كافة المدراء ونرى أيضاً أنها مهارة يمكن تعلمها وتطويرها.
بناءً على ما سبق، تلعب أقسام الموارد البشرية دوراً حاسماً في إطلاق العنان لطاقات الشركة. لكنه يلزمها لتحقيق ذلك إعادة تعريف نفسها، وتعديل تموضعها ووجهتها إذا أرادت أن تمتلك الأثر في تحسين أداء الأعمال، وزيادة العائدات على الاستثمارات في رأس المال البشري.