كيف تسهم المنتجات الذكية المتّصلة بالانترنت في التحوّلات الحاصلة في الشركات؟

39 دقيقة

يُسهمُ التطوّر الحاصل الآن في المنتجات والذي بات يحوّلها إلى أجهزة ذكية متّصلة الإنترنت – وجعلها بصورة متزايدة جزءاً لا يتجزّأ من أنظمة أوسع، في حدوث تغيّر جذري في شكل الشركات وفي المنافسة.

لقد أصبحت أجهزة الترموستات (المتخصّصة بضبط درجات الحرارة) تتحكّم بمجموعة متنامية من الأجهزة المنزلية، كما أنّها ترسل البيانات إلى الجهات التي صنعتها. كما أنّ الآلات الصناعية الذكية المرتبطة بشبكات حاسوبية أصبحت تنسّق العمل من تلقاء ذاتها وتحاول إنجازه بصورة مثالية، في حين أنّ السيارات أضحت تبثّ البيانات المتعلّقة بتشغيلها، وموقعها، وبيئتها إلى الشركات الصانعة لها وتتلقّى النسخ المحدّثة من البرمجيات الحاسوبية التي تعزّز أداءها أو تساعد في الكشف عن المشاكل قبل حصولها. فالمنتجات تستمرّ في الارتقاء حتّى بعد دخولها قيد الخدمة بفترة طويلة. وبالتالي، فإنّ العلاقة القائمة بينّ أي شركة ومنتجاتها – وكذلك علاقتها بزبائنها – أخذت تصبح علاقة مستمرّة ومفتوحة على كلّ الاحتمالات.

في مقالتنا السابقة التي نُشرت في مجلّة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "كيف تُسهمُ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في حصول تحوّلات في عملية المنافسة" (عدد نوفمبر (تشرين الثاني) 2014)، درسنا التأثيرات التي تقع خارج الشركة، حيث راجعنا بالتفصيل كيف تؤثّر المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت على المنافسة، وعلى الهيكلية الناظمة للقطاع المعني، وعلى حدود هذا القطاع، وعلى الاستراتيجية. أمّا في هذه المقالة، فسوف نستكشف تأثيراتها الداخلية، وتحديداً كيف تسهم طبيعة المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في تغيير عمل كل قسم وظيفي تقريباً من الأقسام الوظيفيّة الموجودة في أيّ شركة للصناعات التحويلية. فالأقسام الوظيفيّة الأساسية – مثل تطوير المنتجات، والمعلوماتية، والتصنيع، والقسم اللوجستي، والتسويق، والمبيعات، وخدمة ما بعد البيع – أخذت تخضع لإعادة التعريف، في حين أنّ كثافة التنسيق بينها في تزايد. وثمّة أقسام وظيفيّة جديدة بالكامل تظهر إلى حيّز الوجود، بما في ذلك الأقسام الوظيفيّة المعنية بإدارة هذه الكميات الهائلة من البيانات التي باتت متوفّرة الآن. وهذا كلّه يترك تبعات أساسية على الهيكل التنظيمي الكلاسيكي لشركات الصناعات التحويلية. ولعلّ التغيير الحاصل حالياً هو أهم تغيير يطال شركات الصناعات التحويلية منذ عصر الثورة الصناعية الثانية، التي حدثت قبل أكثر من قرن.

قدرات المُنْتَج الجديد

إذا أردنا أن نستوعب بالكامل التغييرات التي تتسبّب بها المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في طريقة عمل الشركات، يجب علينا أوّلاً أن نفهم مكوّناتها، والتقنيات التي تستخدمها، وقدراتها التي تُعتبرُ جزءاً أساسياً لا يتجزّأ منها – وهو أمر تطرّقنا إليه في مقالتنا السابقة. وفيما يلي نقدّم ملخّصاً لها:

تتشارك جميع المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، من الأجهزة المنزلية إلى المعدّات الصناعية، بثلاثة مكوّنات أساسية هي: المكوّنات "المادية" (مثل الأجزاء الميكانيكية والكهربائية)؛ والمكوّنات "الذكية" (أجهزة الاستشعار، والمعالجات المتناهية الصغر، ومخازن البيانات، وأجهزة التحكّم، والبرمجيات، ونظام التشغيل المدمج، والواجهة الرقمية للمستخدم)؛ والمكوّنات "الخاصة بالاتصال بالإنترنت" (المنافذ، والهوائيات، والبروتوكولات، والشبكات التي تمكّن من حصول التواصل بين المُنْتَج والسحابة الخاصّة به والتي تعمل على خوادم بعيدة وتحتوي على نظام التشغيل الخارجي للمنتج).

تحتاج الأجهزة الذكية المتّصلة بالإنترنت إلى بنية تحتية تكنولوجية داعمة جديدة بالكامل. وتوفّر هذه "الحزمة التكنولوجية" بوّابة لتبادل البيانات بين المُنتَج والمُستخدِم، وهي تضمن التكامل بين البيانات الواردة من أنظمة الشركة، والمصادر الخارجية، والمنتجات الأخرى ذات الصلة. كما أنّ الحزمة التكنولوجية هي بمثابة منصّة لتخزين البيانات وتحليلها، وهي تدير التطبيقات، وتحمي عملية الوصول إلى المنتجات، وكذلك البيانات الواردة منها وإليها.

توفّر هذه البنية التحتية للمنتجَ قدرات جديدة استثنائية. أولاً، بوسع المنتجات "رصد" ظروفها وبيئتها، وإرسال تقارير حولها، والمساعدة في تقديم استنتاجات لم تكن متوفّرة من قبل حول أدائها واستخدامها.

ثانياً، يمكن للمستخدم "ضبط" العمليات المعقّدة للمنتج بواسطة عدد كبير من الخيارات المتاحة عن بعد. وهذا الأمر يمنح المستخدمين قدرة غير مسبوقة على تعديل وظيفة المنتجات، وأدائها، وواجهاتها وكذلك تشغيلها ضمن بيئات خطرة أو في بيئات يَصعُبُ الوصول إليها.

ثالثاً، يوفّرُ هذا المزيج من قدرة المنتج ذاته على رصد البيانات والقدرة على التحكّم به عن بعد فرصاً جديدة "لضمان الوصول إلى الأداء الأمثل". ويمكنُ للخوارزميات أن تدخل تحسيناً جوهرياً على أداء المنتج، واستخداماته المفيدة، وزمن تشغليه، وعلى الكيفية التي يمكن بها للمنتجات أن تعمل مع منتجات أخرى متّصلة بها ضمن أنظمة أوسع، مثل الأبنية الذكية والمزارع الذكية. رابعاً، يسمحُ هذا الجمع بين رصد البيانات، والتحكّم عن بعد، والخوارزميات التي تضمن الأداء الأمثل بالوصول إلى حالة "الاستقلال الذاتي". أي يمكن للمنتجات أن تتعلّم، وأن تتكيّف مع البيئة ومع خيارات المستخدم، وأن تخدّم نفسها بنفسها، وبأن تشغّل نفسها بنفسها.

إعادة صياغة شكل

شركة الصناعات التحويليّة بحلّة جديدة

لكي تُنتج شركات الصناعات التحويلية منتجات وتسلّمها إلى زبائنها، فإنّها تنجز مجموعة واسعة من الأنشطة، التي تحصل عادة ضمن مجموعة قياسية من الوحدات الوظيفية مثل: الأبحاث والتطوير (أو الهندسة)، والمعلوماتية، والتصنيع، والشؤون اللوجستية، والمبيعات، وخدمة ما بعد البيع (الصيانة)، والموارد البشرية، والمشتريات، والمالية. لكنّ قدرات المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تغيّر كلّ نشاط من الأنشطة في سلسلة القيمة هذه. وأحد العناصر الجوهرية في عملية إعادة صياغة شكل سلسل القيمة هذه هو البيانات.

المصدر الجديد للبيانات (The New Data Resource). قبل أن تصبح المنتجات ذكية ومتّصلة بالإنترنت، كانت البيانات تتولّد بصورة أساسية من العمليات الداخلية ومن العمليات التي تحصل في أجزاء سلسة القيمة – معالجة الطلبيات، والتعاملات مع المورّدين، وعمليات المبيعات، والزيارات إلى قسم خدمة الزبائن، وهكذا دواليك. وكانت الشركات تكمّل هذه البيانات بمعلومات تُجمع من خلال الاستطلاعات والمسوح، والأبحاث، وغير ذلك من المصادر الخارجية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، كانت الشركات تتعرّف على المعلومات التي تخصّ الزبائن والطلب والتكاليف – لكنّها كانت تحصل على معلومات أقلّ حول حسن أداء المنتجات لوظائفها. وكانت المسؤولية عن تحديد البيانات الضرورية وتحليلها تتوزّع عادة بطريقة لامركزية بين الأقسام الوظيفية المختلفة في الشركة، وكان يجري التعامل معها ضمن وحدات منعزلة عن بعضها البعض. ورغم أنّ الأقسام الوظيفية كانت تبادل البيانات فيما بينها (فبيانات المبيعات، على سبيل المثال، قد تُستخدم لإدارة مخزونات قطع الغيار)، إلا أنّ هذا الأمر كان يجري على نطاق محدود، وعلى شكل نوبات تتمّ بين الفترة والأخرى.

أمّا الآن، وللمرّة الأولى، فقد باتت هذه المصادر التقليدية للبيانات تُدَعَّم وتُكمَّل بمصدر آخر، ألا وهو المنتج نفسه. فالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت قادرة على توليد قراءات آنية تُعتبرُ غير مسبوقة في تنوّعها وحجمها. وقد أصبحت البيانات الآن تحظى بذات الأهمية التي يحظى بها الموظفون والتكنولوجيا ورأس المال بوصفها أحد أهم ممتلكات الشركة، وفي العديد من المؤسسات أخذت البيانات ربما تصبح الممتلكات الأهم دون منازع.

تُعتبرُ هذه البيانات المأخوذة من المنتج قيّمة بحدّ ذاتها، ومع ذلك فإنّ قيمتها تزداد زيادة هائلة عندما يجري ضمّها إلى البيانات الأخرى، مثل السجل السابق للصيانة، ومواقع المخزونات، وأسعار السلع، وأنماط الحركة. فضمن مزرعة، على سبيل المثال، يمكن الجمع بين البيانات المأخوذة من أجهزة استشعار الرطوبة، والتنبؤات الجويّة من أجل ضمان الأداء المثالي لأجهزة الرّي والتقليل من استعمال المياه. وفي حالة أسطول من المركبات، فإنّ المعلومات المتعلّقة باحتياجات كل مركبة من الصيانة وموقعها يسمح لأقسام الصيانة بطلب قطع الغيار، وتحديد مواعيد الصيانة، وزيادة كفاءة عمليات الإصلاح. كما أنّ البيانات الخاصّة بحالة كفالة المنتج تصبح أكثر أهمية عندما تضاف إلى البيانات المتعلّقة باستعمال المنتج وأدائه. فعلى سبيل المثال، المعرفة المسبقة بأنّ استعمال الزبون المكثّف للمنتج سيقود على الأرجح إلى عطل في المنتج يحصل قبل الأوان ويكون مشمولاً بالكفالة يمكن أن تقود إلى إجراء صيانة استباقية قد تنفي الحاجة لاحقاً إلى عمليات إصلاح مكلفة.

تحليل البيانات الضخمة (Data Analytics). بما أنّ القدرة على تحقيق الاستفادة القصوى من البيانات تصبح مصدراً رئيساً للميزة التنافسية، فإنّ إدارة البيانات، وحوكمتها، وضمان أمنها أخذت تصبح واحدة من الوظائف الأساسية في أيّ شركة. وصحيح أنّ القراءات الفردية التي تأتي من أجهزة الاستشعار تُعتبرُ قيّمة بحدّ ذاتها، إلا أنّ الشركات قادرة غالباً على استنتاج خلاصات ثاقبة وقويّة من خلال تحديد وجود أنماط في آلاف القراءات المأخوذة من أجهزة عديدة مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، يمكن للمعلومات الواردة من أجهزة استشعار إفرادية، مثل درجة حرارة محرّك السيّارة، وموقع دواسة المخنق، واحتراق الوقود، أن تكشف عن مدى علاقة أداء السيّارة بمواصفاتها الهندسية. وبالتالي، فإنّ ربط مزيج من القراءات بحصول مشاكل يمكن أن يكون مفيداً، وحتى عندما يكون من الصعب استقراء السبب الجذري لمشكلة ما، فإنّ الأنماط المكتشفة قد تساعد في اتخاذ بعض الإجراءات. كما يمكن للبيانات الواردة من أجهزة استشعار تقيس الحرارة والتهوية، على سبيل المثال، أن تتنبّأ بعطل محتمل قبل حصوله بأيّام أو أسابيع. ويُعتبرُ التقاط هذه التفاصيل هو مجال عمل تحليل البيانات الضخمة، حيث يعتمد هذا النوع من التحليل على الجمع بين الرياضيات، وعلوم الكمبيوتر، وتقنيات تحليل الأعمال.

توظّف عملية تحليل البيانات الضخمة مجموعة من التقنيات الجديدة بغرض فهم هذه الأنماط. لكنّ واحداً من التحدّيات يتمثّل في أنّ البيانات الصادرة عن المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت وما يرتبط بها من بيانات داخلية وخارجية غالباً ما تكون غير منظّمة. وقد تكون متوفّرة بأشكال كثيرة، مثل قراءات أجهزة الاستشعار، والمواقع، ودرجات الحرارة، والمبيعات، والسجل السابق للكفالة. وبالتالي فإنّ المقاربات التقليدية المستعملة في تجميع البيانات وتحليلها، مثل برامج جداول البيانات (Spreadsheets) وجداول قواعد البيانات لا تُعتبرُ مناسبة للتعامل مع مجموعة واسعة من أشكال البيانات. والحلّ الذي بدأ ينشأ لهذه المشكلة هو ما يُسمّى مجازاً "بحيرة البيانات" أو (Data Lake)، وهي عبارة عن مخزن يُمكنُ أن توضع فيه جداول من البيانات المتفاوتة وفق أشكالها الأصلية. ومن هناك، من الممكن دراسة البيانات باستعمال مجموعة من الأدوات الجديدة المخصّصة لتحليل البيانات الضخمة. وتتوزّع هذه الأدوات على أربع فئات هي: الوصفية، والتشخيصية، والتنبئية، والإرشادية.

وبما أّنّ الشركات ترغب في فهم البيانات الغنية المجمّعة من المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت فهماً أفضل، فقد بدأت باستخدام أداة تدعى "التوأم الرقمي" (Digital Twin). وكان أوّل من طرح تصوّراً للتوأم الرقمي هو وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) في أمريكا، بوصفه نموذجاً ثلاثي الأبعاد ومطابقاً لمنتج فعلي بحيث يكونُ مصمّماً بتقنية الواقع الافتراضي. ومع توارد البيانات، يتطوّر التوأم ليعكس كيف جرى تغيير المنتج الفعلي واستعماله، والظروف البيئية التي تعرّض لها. ويسمح التوأم الرقمي، وهو نموذج افتراضي مستنسخ عن المنتج الفعلي للشركة، برؤية حالة المنتج ووضعه رغم أنّه قد يكون على بعد آلاف الأميال. كما يمكن للتوائم الرقمية أن توفّر خلاصات جديدة حول كيفية تحسين تصميم المنتج وتصنيعه وتشغيله وصيانته.

إدخال التحوّلات على سلسلة القيمة

إنّ البيانات الجديدة القويّة التي باتت متوفّرة للشركات، إلى جانب القدرات التي تتمتّع بها المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت وتصاميمها الجديدة تسهم في إعادة هيكلة الأقسام الوظيفية التقليدية لأي شركة، وفي بعض الأحيان تكون عمليّة إعادة الهيكلة هذه جذرية. وقد شمل هذا التحوّل في بداية الأمر عملية تطوير المنتج، لكنّه أخذ ينتشر ليشمل كلّ أجزاء سلسلة القيمة. ومع انتشار هذا التحوّل، فإنّ حدود الأقسام الوظيفية باتت تتغيّر، وثمّة أقسام وظيفية جديدة تنشأ.

تطوير المنتج (Product Development). تحتاج المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت إلى إعادة نظر جذرية بتصاميمها. فعلى المستوى الأساسي البحت، يحصل تحوّل في عملية تطوير المنتج من التركيز على الهندسة الميكانيكية إلى حدّ كبير، إلى التركيز على هندسة نظم حقيقية تعتمد على عدد من الفروع العلمية في الوقت ذاته. فقد أصبحت المنتجات عبارة عن أنظمة معقّدة تحتوي على برمجيات وقد تضمّ السحابة التي ترتبط بها ذات القدر من البرمجيات أو حتّى برمجيات أكثر. لذلك نرى بأنّ فِرَقَ التصميم تشهد تحوّلاً يتمثّل في الانتقال من

هيمنة غالبية من المهندسين الميكانيكيين إلى هيمنة غالبية من مهندسي البرمجيات. وقد أخذت بعض شركات الصناعات التحويلية، مثل جي إي (GE) وإيرباص (Airbus)، وداناهير (Danaher) تنشئ مكاتب لها في المراكز المشهورة بهندسة البرمجيات مثل بوسطن ووادي السيليكون.

كما أنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تستدعي تطبيق مبادئ في تصميم المنتج تختلف اختلافاً جذرياً عمّا هو سائد تقليدياً:

إمكانية تغيير المنتج بتكلفة منخفضة (Low-cost variability). في حالة المنتجات التقليدية، تُعتبرُ قابلية تغيير المنتج مكلفة لأنّها تحتاج إلى تغيير في الأجزاء المادّية. لكنّ البرمجيات المستخدمة في المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تجعل إمكانية تغيير المنتج أرخص بكثير. فعلى سبيل المثال، اعتادت شركة جون ديري (John Deere) على تصنيع نسخ متعدّدة من المحرّكات، تعمل كلّ منها بقوّى متفاوتة من حيث عدد الأحصنة. وقد باتت الشركة الآن قادرة على تغيير عدد أحصنة المحرّك العادي باستخدام البرمجيات فقط. وعلى المنوال ذاته، يمكن للواجهات الرقمية التي يستعملها المستخدمون أن تحلّ مكان الأزرار، ممّا يسهّل ويرخّص إمكانية تعديل منتج معيّن، من خلال تغيير خيارات التحكّم مثلاً. وقد باتت تلبية احتياجات الزبون المتعلّقة بإمكانية تغيير المنتج باستعمال البرمجيات، وليس الأجزاء الماديّة الصلبة، واحداً من الخصائص الأساسية للتصميم الجديد.

كما أنّ قابلية تغيير المنتج ليست مطلوبة بين صفوف مختلف شرائح الزبائن فقط، وإنّما في المناطق الجغرافية المختلفة أيضاً. فالبرمجيات باتت تسهّل إمكانية تصميم المنتج بحسب المواصفات المحلية واللغات المختلفة للبلدان. غير أنّ القوانين المحلية الخاصّة بمعايير البيانات، والتي باتت تظهر مؤخراً، مثل القوانين التي تحكم نقل البيانات عبر الحدود الوطنية، تستدعي مضاعفة البنية التحتية أو التطبيقات الخاصّة بتخزين البيانات. وقد باتت هذه القوانين تقود إلى حصول فروق جديدة بين البلدان والمناطق، وفي بعض الأحيان يكون ذلك لأسباب سياسية.

تصاميم دائمة التجدّد (Evergreen design). في النموذج القديم، كانت المنتجات تُصمّمُ على شكل أجيال متمايزة. فالمنتج الجديد كان يضمّ مجموعة كاملة من التحسينات المرغوبة، ومن ثمّ كان يجري إصلاح التصميم حتى ظهور الجيل التالي. غير أنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت يمكن تحديثها بصورة متواصلة عبر البرمجيات، وغالباً ما تتمّ هذه العملية عن بعد. كما يمكن إدخال تعديلات طفيفة على المنتجات لكي تلبّي احتياجات الزبائن الجدد، أو لكي تحلّ المشاكل المتعلّقة بالأداء. فعلى سبيل المثال، بات بالإمكان رصد أداء الآلات الصناعية لشركة أيه بي بي روبوتيكس (ABB Robotics) عن بعد، وإدخال تعديلات على هذا الأداء من قبل المستخدمين النهائيين أثناء عمل هذه الآلات. وبوسع الشركات إصدار مزايا جديدة قابلة للتعديل والتطوير في أي لحظة بوصفها مزايا غير نهائية يمكن تحسينها كلّما دعت الضرورة. وفي الآونة الأخيرة، بدأت شركة تيسلا (Tesla) بوضع نظام "السائق الآلي" في سيّاراتها، وذلك بهدف تعزيز قدرات النظام مع مرور الوقت من خلال التحديث البرمجيات عن بعد.

واجهات الاستخدام الجديدة والواقع المعزّز (New user interfaces and augmented reality). يمكن وضع الواجهة الرقمية للمستخدم والخاصّة بمنتج ذكي متّصل بالإنترنت ضمن تطبيق في حاسب لوحي أو هاتف ذكي، وهذا الأمر يسهّل إمكانية تشغيل المنتج عن بعد، كما أنّه ينفي الحاجة إلى وجود أجهزة ضبط أو تحكّم في المنتج ذاته. وكما قلنا من قبل، فإنّ تنفيذ هذه الواجهات أقل تكلفة، وهي قابلة للتعديل بسهولة أكبر مقارنة بأجهزة التحكّم الملموسة، كما أنّها تعطي الشخص المشغّل قدرة أكبر على التحرّك.

لقد بدأت بعض المنتجات بإدراج تكنولوجيا جديدة قويّة كجزء من واجهات التحكّم تدعى "الواقع المُعزَّز" (Augmented Reality). فمن خلال هاتف ذكي أو حاسب لوحي موجّه نحو المنتج، أو عبر نظارات ذكية، يمكن لتطبيقات الواقع المُعزّز أن تدخل إلى السحابة الخاصّة بالمنتج وخلق طبقة رقمية إضافية للمنتج. وتحتوي هذه الطبقة الرقميّة الإضافية على معلومات متعلّقة بالرصد والتشغيل والصيانة تجعل دعم المنتج أو صيانته أكثر كفاءة. وتُعتبرُ عملية بناء هذه الواجهات الرقمية القويّة فرعاً جديداً أساسياً من فروع التصميم.

الإدارة المتواصلة للجودة (Ongoing quality management). لطالما كانت عملية الاختبار التي تحاول تقليد الظروف التي سيَسْتَعْمِلُ الزبائن المنتج فيها جزءاً من تطوير ذلك المنتج. ويهدف الاختبار إلى ضمان التزام المزايا الجديدة المطروحة بمواصفاتها، وضمان التقليل من حالات استعمال الكفالة والضمانة إلى الحدّ الأدنى. لكنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تمضي بعملية إدارة الجودة عدّة خطوات إضافية، حيث تُمكِّنُ من الرصد المستمرّ لبيانات الأداء أثناء حصول هذا الأداء في العالم الواقعي، وتسمح للشركات بتحديد مشاكل التصميم التي فشل الاختبار المسبق في الكشف عنها، ومن ثمّ معالجتها. ففي العام 2013، على سبيل المثال، حدث ثقب في بطاريّات سيّارتين من طراز تيسلا من النموذج (S) واندلعت فيهما النيران بعد أن اصطدم السائقان بأجسام معدنيّة في الطريق. ولم تكن ظروف الطريق والسرعات التي تقود إلى حصول هذه الثقوب قد استعملت في عملية المحاكاة خلال الاختبار، لكن تيسلا تمكّنت من إصلاحها. ثمّ قامت الشركة بإرسال التحديثات إلى البرمجيات الموجودة في جميع المركبات، بحيث تؤدّي على رفع جهاز التعليق في هذه السيّارات ضمن تلك الظروف، الأمر الذي قلّل بشكل كبير من فرص حصول المزيد من هذه الثقوب.

الصيانة من خلال الاتصال بالإنترنت (Connected service). تحتاج تصاميم المنتج هذه الأيّام إلى الاستعانة بأدوات إضافية، وإلى قدرات في مجال جمع البيانات، وإلى مزايا برمجية تشخيصية ترصد صحّة المنتج وأداءه، وتحذّر مسؤولي الصيانة في حال حصول أعطال. وبما أنّ البرمجيات تزيد من القدرات الوظيفية للمنتجات، فإنّ هذه المنتجات يمكن أن تُصمَّم بطريقة تسمح بإجراء المزيد من الصيانة عن بعد.

دعم النماذج التجارية الجديدة (Support for new business models). تسمح المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت للشركات بالانتقال من نموذج تجاري يعتمد على التركيز على بيع المنتجات إلى الزبائن دون الاهتمام ببناء علاقة طويلة الأجل معهم، إلى نموذج تجاري جديد يتحوّل المنتج فيه ليُصبح بمثابة خدمة. لكنّ هذا التحوّل يترك بعض التبعات على التصميم. فعندما يُقدّمُ المنتج إلى الزبون بوصفه خدمة، فإنّ المسؤولية عن صيانة هذا المنتج والتكلفة المرتبطة بها تظلّ على عاتق الجهة الصانعة، وهذا الأمر يمكن أن يغيّر العديد من معايير التصميم. ويصحّ هذا الأمر تحديداً عندما تتشارك مجموعة من الزبائن منتجاً واحداً – كما هو الحال مع شركة سموف (Smoove)، وهي خدمة لتشارك الدراجات الهوائية في فرنسا. فقد صمّمت سموف درّاجاتها الهوائية الذكية المتّصلة بالإنترنت بحيث تضمّ ناقل حركة بلا سلاسل، وإطارات مقاومة للثقوب، ومفاتيح حماية من السرقة بهدف تحسين متانة الدرّاجات الهوائية وحمايتها من السرقة.

كما يجب على المنتجات المقدّمة إلى الزبائن بوصفها خدمات أن تجمع أيضاً بيانات الاستخدام من أجل تقاضي الرسوم المناسبة من الزبائن. وهذا الأمر يستدعي التفكير بوضوح بأنواع أجهزة الاستشعار التي يجب استعمالها وأين سيكون موقعها، وما هي البيانات التي ستُجمع، ومتى سوف تُحلل. فعندما تطوّرت شركة زيروكس (Xerox) من بيع أجهزة التصوير الناسخة إلى تقاضي الرسوم مقابل كل وثيقة تنسخها، أضافت أجهزة استشعار إلى جهاز المسح الضوئي، وإلى الجزء الذي يجمع الأوراق المصوّرة بعد خروجها من الآلة، وإلى خرطوش الحبر في آلة التصوير الناسخة من أجل ضمان دقّة الفواتير وتسهيل عملية بيع المنتجات الاستهلاكية ذات الصلة مثل الورق وخرطوش الحبر.

إمكانية تشغيل المنتج كجزء من نظام أوسع (System interoperability). عندما تصبح المنتجات عبارة عن مكوّنات في أنظمة أوسع، تتضاعف فرص تحسين التصميم ليعطي نتائج مثالية. فمن خلال التصميم المشترك، يمكن للشركات وفي الوقت ذاته أن تطوّر مكوّنات مادية وبرمجيات حاسوبية تدخل في تكوين عائلة من المنتجات، بما في ذلك المنتجات التابعة لشركات أخرى. ولنأخذ على سبيل المثال جهاز الترموستات الذي طوّرته شركة نيست لابز (Nest Labs) والذي يعتمد على التعلّم الذاتي. فهذا الجهاز كان قد صُمِّم بحيث يضمّ واجهة لبرمجة التطبيق تسمح بتبادل المعلومات مع المنتجات الأخرى، مثل القفل الذكي الذي صمّمته كيفو (Kevo). فعندما يدخل مالك المنزل إلى بيته، فإنّ قفل كيفو يرسل هذه المعلومة إلى ترموستات نيست، الذي يقوم بدوره بتعديل درجة الحرارة ليضعها عند المستوى الذي يفضّله صاحب البيت.

التصنيع (Manufacturing). تخلق الأجهزة الذكية المتّصلة بالإنترنت ظروفاً وشروطاً وفرصاً جديدة في مجال الإنتاج. وقد تقود حتّى إلى حصول انتقال في عملية التجميع النهائي، الذي قد يجري في الموقع لدى الزبون، بحيث تكون الخطوة الأخيرة هي تحميل البرمجيات في المنتج وتهيئتها. لكنّ هناك أمراً أكثر راديكالية يحصل حالياً، ألا وهو أنّ عملية التصنيع الآن باتت تتجاوز مجرّد إنتاج الجهاز الفعلي، لأنّ أداء المنتج الذكي المتّصل بالإنترنت لوظيفته المطلوبة منه يحتاج إلى نظام يعتمد على الحوسبة السحابية لتشغيله طوال فترة حياته.

المصانع الذكية (Smart factories). أسهمت القدرات الجديدة التي أصبحت تتمتّع بها الآلات الذكية المتّصلة بالإنترنت في تغيير شكل العمليات الجارية في معامل شركات الصناعات التحويلية بحدّ ذاتها، حيث تزايدت فرص وصل الآلات معاً لتعمل ضمن أنظمة مترابطة. ففي مبادرات جديدة، مثل (Industrie 4.0) في ألمانيا و"التصنيع الذكي" (Smart Manufacturing) في الولايات المتّحدة الأمريكية، تقوم الآلات المتّصلة ببعضها شبكياً بأتمتة عملية الإنتاج بالكامل لتضمن أقصى قدر من الأداء المثالي. فعلى سبيل المثال، يمكن لآلة إنتاجية معيّنة أن تكتشف وجود خلل قد يكون خطيراً، فتقوم بوقف المعدّات الأخرى التي يمكن أن تتضرّر نتيجة لذلك، وأن توجّه موظفي الصيانة لحلّ المشكلة.

تستخدم مبادرة "المصانع الفائقة الذكاء" (Brilliant Factories) التي تطبّقها شركة جنرال إلكتريك (GE) أجهزة الاستشعار (التي جرى تركيبها على المعدّات الحالية أو التي صُمِّمت لتوضع على المعدّات الجديدة) بهدف بث المعلومات إلى مخزن تجميع البيانات، بحيث يمكن تحليلها من أجل استنتاج الخلاصات التي تسمح بتخفيض أزمنة إيقاف الآلات عن العمل وبتحسين كفاءتها. وفي أحد المعامل، أسهمت هذه المقاربة في مضاعفة إنتاج وحدات خالية من أيّ عيوب.

المكوّنات المُبسّطة (Simplified components). غالباً ما يتراجع تعقيد المكوّنات المادية للمنتجات مع حصول انتقال في وظائفها من الأجزاء الميكانيكية إلى البرمجيات الحاسوبية. ويقود هذا التحوّل إلى التخلّص من بعض المكوّنات المادّية، إضافة إلى إلغاء المراحل الإنتاجية المطلوبة لصنع هذه المكوّنات وتجميعها. فقد قامت شركة ويثينغز (Withings)، على سبيل المثال، بتصغير حجم جهاز مراقبة ضغط الدم الذي تصنعه إلى مجرّد قيد يوضع في المعصم وجهاز استشعار، في حين أزالت شاشة العرض واستبدلتها بتطبيق قادر على تتبّع ضغط الدم وإرسال آخر الأرقام المحدّثة إلى المعنيّين الطبّيين. وعلى المنوال ذاته، أخذت الشركات الصانعة للطائرات، والسيّارات، والقوارب تنتقل إلى استعمال "القُمْرَات الزجاجية"، التي توضع فيها شاشة عرض واحد تضمّ عدداً كبيراً من أجهزة القياس التي يمكن تغيير طريقة عرضها. ولكن مع تراجع تعقيد المكوّنات المادّية للمنتجات، فإنّ كمّية وتسهم هذه العملية في تحقيق وفورات الحجم (Economies of Scale) وفي التقليل من المخزونات. لا بل أنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تمضي خطوة أبعد من ذلك. فالبرمجيات الموجودة في المنتج أو في السحابة يمكن أن تحمّل أو أن تُهيئ بعد أن مغادرة المنتج للمصنع بفترة طويلة، حيث يمكن لمختصّ تقني من الشركة أو حتى للزبون نفسه أن يقوم بهذه العملية. كما بات من الممكن إضافة تطبيقات جديدة أو إضافة لوحات مفاتيح تعمل باللمس وبلغات مختلفة. ويمكن للتغييرات المدخلة على تصميم المنتج أن تضاف في اللحظة الأخيرة حتى بعد تسليم المنتج.

التشغيل المتواصل للمنتج (Continuous product operations). حتى هذه اللحظة، كانت عملية التصنيع هي عبارة عن عملية متمايزة تنتهي حالما يُشحن المنتج. لكنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت لا يمكنها أن تعمل دون حزمة تكنولوجية تعتمد على الحوسبة السحابية. ومن الناحية العملية، تُعتبرُ هذه الحزمة أحد مكوّنات المنتج – وهو مكوّن يجب على الشركة الصانعة أن تشغّله وأن تحسّنه طوال دورة حياة المنتج. وبهذا المعنى، فإنّ عملية التصنيع تصبح عملية دائمة.

الأمور اللوجستية (Logistics). تعود الجذور الأولى للمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت إلى الأمور اللوجستية، والتي تشمل نقل مستلزمات العملية الإنتاجية ومخرجاتها وتسليم المنتجات. وكانت تقنية تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو التي تعرف اختصاراً باللغة الإنكليزية باسم (RFID) قد دخلت إلى الاستعمال التجاري في تسعينيات القرن الماضي، حيث أسهمت وبشكل كبير في تحسين قدرة الشركات على تعقّب مسار شحناتها. وكان واحد من مؤسسي أحد مراكز الأبحاث المتخصّصة بتقنية تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)" هو من وضع مصطلح "إنترنت الأشياء" (Internet of Things). أمّا المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، فهي تأخذ عملية التعقّب والتتّبع هذه إلى مستوى جديد تماماً. فقد بات من الممكن إجراء هذه العملية بشكل متواصل، وأينما كانت المنتجات، دون الحاجة إلى جهاز ماسح ضوئي (سكانر)، وهي توفّر معلومات غنية لا تقتصر على الموقع الحالي للمنتجات، وإنما تشمل تاريخ حركتها، ووضعها (مثل درجة حرارتها أو تعرّضها للضغوط)، وبيئتها المحيطة بها.

نحن نؤمن بأنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت سوف تنقل الوظيفة اللوجستية في نهاية المطاف إلى مراحل جديدة بالكامل. فعلى سبيل المثال، نجد أنّ هناك تحوّلاً أخذ يطرأ حالياً على إدارة الأساطيل الكبيرة من المركبات التي تنتقل إلى مسافات بعيدة، وذلك نتيجة للقدرة على مراقبة موقع كل مركبة ووظيفتها، وتفقّد حركة المرور المحلية في المنطقة التي هي فيها، الأمر الذي يعطي السائقين القدرة على اختيار جدول زمني مثالي لتسليم البضاعة. كما أنّ الطائرات دون طيّار والقادرة على نقل الرزم البريدية مباشرة إلى عتبة باب الزبون – وهي تقنية تخضع للاختبار حالياً في شركات أمازون وغوغل ودي إتش إل – يمكن أنّ تشعل ثورة في عملية تسليم العديد من المنتجات.

 التسويق والمبيعات (Marketing and Sales). إنّ القدرة على الاتصال الدائم بالمنتج وتعقّب كيفية استخدامه تؤدّي إلى حصول تحوّل في علاقة الشركة بزبائنها، بحيث ينتقل التركيز من وظيفة المبيعات – وهي في غالب الأحيان عبارة عن صفقة تتمّ لمرّة واحدة – إلى كيفية منح أكبر قيمة للزبون من المنتج مع مرور الوقت. وهذا الأمر يفتح المجال أمام ظروف وفرص جديدة هامّة لوظيفتي التسويق والمبيعات.

طرق جديدة لتقسيم السوق إلى شرائح وتصميم المنتجات (New ways to segment and customize) حسب رغبات الزبائن. ترسم البيانات التي تعطيها المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت صورة أدق وأوضح بكثير حول استخدامات المنتج. فهي تُظهرُ، على سبيل المثال، الميزات التي يفضّلها الزبائن أو التي لا يعرفون كيف يستخدمونها. ومن خلال المقارنة بين أنماط الاستخدام، يمكن للشركات أن تتوصّل إلى تقسيم أدق لشرائح الزبائن في السوق – أي بحسب القطاعات، والمناطق الجغرافية، والأقسام المؤسسية، بل وحتّى وفقاً لصفات أدق من ذلك بكثير. ويمكن للمعنيّين بقسم التسويق أن يستفيدوا من هذه المعلومات الأدق لتصميم عروض خاصّة أو تقديم رزم لخدمة ما بعد البيع تكون مصمّمة وفقاً لاحتياجات شرائح معيّنة في السوق، ووضع استراتيجيات أكثر تعقيداً لعمليات التسعير تضمن حصول تطابق أفضل بين السعر والقيمة في كل شريحة سوقية، أو حتّى في حالة كل زبون على حدة.

شكل جديد للعلاقات مع الزبائن (New customer relationships). بما أنّ هناك تحوّلاً جارياً في التركيز يقوم على الاستمرار في تقديم القيمة إلى الزبون، فإنّ المنتج يصبح هو الوسيلة لتقديم تلك القيمة، عوضاً عن أن يكون هو الغاية النهائية. وبما أنّ الشركة الصانعة تظلّ على اتصال مع الزبائن عبر المنتج، فإنّها بذلك تمتلك أساساً جديداً للحوار المباشر والمتواصل مع هؤلاء الزبائن. وقد بدأت الشركات تنظر إلى المنتج بوصفه نافذة إلى احتياجات الزبائن ومعرفة كيفية إرضائهم، عوضاً عن الاعتماد على الزبائن لكي تتعرّف على احتياجات المنتج وأدائه.

تصنع شركة "أول ترافيك سولوشنز" (All Traffic Solutions)، على سبيل المثال، إشارات ضوئية مرورية ذكية متّصلة بالإنترنت تقيس سرعة حركة المرور وحجمها. وتسمح هذه الإشارات بتجميع كمّ كبير من البيانات المتقدّمة الخاصّة بأنماط الحركة المرورية وتساعد أجهزة الشرطة وغيرهم من الزبائن في مراقبة الحركة المرورية وإدارتها عن بعد. وقد تحوّلت العلاقة التي تجمع الشركة بزبائنها من بيع الإشارات الضوئية إلى بيع خدمات طويلة الأجل تسهم في تحسين السلامة دون الحاجة إلى تدخّل الشرطة. وبالتالي فقد أصبحت هذه الإشارات المرورية ببساطة عبارة عن أجهزة يجري عبرها تعديل خدمات إدارة الحركة المرورية، وتقديمها حسب الحاجة.

نماذج تجارية جديدة (New business models). إنّ وجود شفافية كاملة بخصوص كيفية استعمال الزبائن للمنتجات يساعد الشركات في وضع نماذج عمل جديدة بالكامل. ولنأخذ على سبيل المثال النموذج الرائد الذي طبّقته شركة رولز رويس "شغّل المحرّك بالساعة" والذي يعرف بالإنكليزية باسم "Power-By-The-Hour" ويقوم على سداد شركات الطيران للمال مقابل الوقت الذي تُستعمل فيه محرّكات الطائرة في الرحلات الجويّة، عوضاً عن دفع سعر ثابت إضافة إلى رسوم الصيانة والإصلاح. وقد بدأت شركات صناعية عديدة اليوم بتقديم منتجاتها كخدمات – وهي حركة قد تترك تبعات كبيرة على المبيعات والتسويق. فذلك يعني بأنّ هدف مندوب المبيعات يصبح نجاح الزبون مع مرور الوقت، عوضاً عن مجرّد إتمام صفقة البيع. ويشمل هذا الأمر وضع سيناريوهات تهدف إلى ضمان نجاح كلّ الأطراف المعنيّة في العمليّة أي الزبون والشركة.

التركيز على الأنظمة وليس على المنتجات الإفرادية (A focus on systems, not discrete products). عندما تصبح المنتجات عبارة عن مكوّنات في أنظمة أكبر، تصبح القيمة المقترحة على الزبون أوسع. ويجب تعزيز جودة المنتج ومزاياه عبر ميزة إضافية هي إمكانية تشغيل هذا المنتج بشكل مشترك مع منتجات أخرى ذات صلة به. ويتعيّن على الشركات أن تقرّر أين تريد أن تنشط في هذا العالم الجديد: فهل ستنافس على مستوى المُنتج؟ أم من خلال توفير مجموعة من المنتجات المتقاربة من بعضها؟ أم من خلال خلق منصّة تشمل جميع المنتجات ذات الصلة؟ أم من خلال فعل هذه الأشياء الثلاثة معاً؟ وستحتاج فِرقُ المبيعات والتسويق إلى معارف أوسع لكي تروّج لمنتجاتها المعروضة بوصفها مكوّنات ضمن أنظمة ذكية أكبر ومتّصلة بالإنترنت. وغالباً ما سيكون من الضروري إقامة شراكات مع جهات أخرى لسد الثغرات في مجال المنتجات أو ربط المنتجات بالمنصّات الرائدة. وينبغي تدريب مندوبي المبيعات على كيفية البيع مع هؤلاء الشركاء، كما يجب تعديل نظام الحوافز بحيث يستوعب نماذج أعقد لتقاسم الإيرادات.

لنأخذ على سبيل المثال شركة "سمارت ثينغز" (SmartThings)، التي تبيع منتجاتها الخاصّة بأتمتة المنازل والتي تسمح للناس بإنجاز المهام بأنفسهم، وهو مجال يشهد تنامياً في عدد الشركات العاملة فيه. فقد روّجت الشركة لنفسها بين صفوف المستهلكين والجهات الصانعة على حدّ سواء بوصفها منصّة سهلة الاستخدام للأجهزة المنزلة الذكية. حيث أنّ منصّتها تضمّ واجهة مستخدم بسيطة تشتمل على عدد من أجهزة الاستشعار القياسية التي تقيس أشياء مثل الرطوبة، والدخان، والحرارة، والحركة. وتقوم أجهزة الاستشعار، التي يمكن وضعها على أي قطعة في المنزل، بأتمتة الإضاءة، والأمن المنزلي، وعملية حفظ الطاقة. كما أنّ الشركة تسهّل ربط بمنصّتها بالأجهزة المنزلية الذكية التي تصنعها مجموعة متنوّعة من الشركات الأخرى، وقد بنت نظاماً شاملاً متوافقاً مع أكثر من 100 منتج يصنعها الشركاء الآخرون.

خدمة ما بعد البيع (After-Sale Service). بالنسبة للشركات الصانعة للمنتجات التي تعمّر طويلاً، مثل التجهيزات والمعدّات الصناعية، فإنّ خدمة ما بعد البيع يمكن أن تمثّل مصدراً هامّاً للإيرادات والأرباح، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن عملية خدمة ما بعد البيع كانت تقليدياً وبحكم طبيعتها تفتقر إلى الكفاءة المطلوبة. وغالباً ما يتعيّن على الفنّيين تفتيش المنتج لتحديد سبب العطل، وقطع الغيار المطلوبة لإصلاحه، ومن ثمّ يضطرون إلى القيام بزيارة ثانية لإصلاحه. لكنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت يمكن أن تحسّن الخدمة والكفاءة، وأن تسهم في حصول تحوّل جذري في خدمة ما بعد البيع، من خدمة قائمة على ردّ الفعل إلى نوع جديد من الخدمة الوقائية والاستباقية التي تحصل عن بعد.

توفير الصيانة والخدمة خلال زيارة واحدة فقط (One-stop service). بما أنّ المختصّين الفنّيين قادرون على تشخيص وضع المنتج عن بعد، فإنّهم يستطيعون إحضار قطع الغيار المطلوبة للإصلاح في شاحناتهم من المرّة الأولى التي يزورون فيها الزبون في موقعه. كما يمكنهم إحضار المعلومات الداعمة الضرورية لإنجاز عمليات الإصلاح. وبالتالي ليس هناك حاجة إلا لزيارة واحدة فقط، وهذا الأمر يزيد من نسب النجاح.

توفير الصيانة والخدمة عن بعد (Remote service). يمكن القول بأنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، وبصورة متزايدة، تجعل عملية تقديم الخدمة أو الصيانة عبر الاتصال بهذه المنتجات عن بعد أمراً ممكناً ومجدياً. وفي العديد من الحالات، يمكن للفنّيين إصلاح المنتجات عن بعد بذات الطريقة التي يجري بها غالباً إصلاح أعطال الكمبيوترات. وكانت شركة "سيسميكس" (Sysmex) قد أضافت أصلاً إمكانية الاتصال بأجهزتها عن بعد عبر الإنترنت للسماح بعملية مراقبتها عن بعد، لكنّها باتت تستفيد من هذه الميزة الآن بهدف توفير الصيانة والخدمة لهذه الأجهزة أيضاً. ويمكن لفنّيي الصيانة والخدمة الحصول على ذات القدر من المعلومات حول الآلة سواء كانوا موجودين في الموقع الذي ركّبت فيه أو كانوا في موقع آخر بعيد عنها. وغالباً ما يكونون قادرين على إصلاحها من خلال إعادة إقلاعها، أو تحديث إحدى البرمجيات فيها، أو توجيه فني أجهزة طبية موجود في الموقع لإتمام العملية. ونتيجة لذلك، فإنّ تكاليف الخدمة والصيانة، وأزمنة إيقاف الآلات عن العمل، ورضى الزبائن كلّها قد شهدت تحسّناً هائلاً.

الصيانة الوقائية (Preventive service). يمكن للمؤسسات التي تستعمل تقنيات التحليل التنبئي للبيانات الضخمة أن تتوقّع المشاكل قبل حصولها في المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت وأن تتّخذ الإجراءات المطلوبة بناءً على ذلك. فشركة "ديبولد" (Diebold)، على سبيل المثال، تراقب أجهزة الصرّاف الآلي التابعة لها لكي تكتشف أي إشارات مبكّرة على وجود عطل. وهي تجري عمليات الصيانة الضرورية عن بعد، إذا كان ذلك ممكناً، أو ترسل فنّياً لتعديل الأجزاء المعطوبة أو استبدالها. كما يمكن للشركة أن تحدّث برمجيات الآلة بهدف استدراك بعض الأعطال قبل وقوعها أثناء إضافة بعض التحسينات على المزايا، وفي بعض الأحيان تتمّ هذه العملية عن بعد.

الصيانة المدعومة بالواقع المُعزّز (Augmented-Reality-Supported Service). تُسهمُ الكمّيّات الهائلة من البيانات التي تجمعها المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في خلق طرق جديدة تسمح لموظفي الصيانة بالعمل بشكل فردي، أو معاً، أو مع الزبائن. وقد ظهرت مقاربة هندسية تستفيد من الطبقات الإضافية التي تكوّنها تقنية الواقع المُعزّز التي وصفناها من قبل. فعندما توفّر هذه الطبقات الإضافية معلومات حول احتياجات المنتج من الصيانة إضافة إلى تعليمات مفصّلة خطوة بخطوة حول كيفية إتمام عملية الإصلاح، فإنّ هذا الأمر يزيد من كفاءة الصيانة وفعاليتها زيادة هائلة.

الخدمات الجديدة (Product Development). لقد أسهمت البيانات، وإمكانية الاتصال بالإنترنت، وتحليل البيانات الضخمة المتاحة من خلال المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في توسيع الدور التقليدي لقسم الصيانة والخدمة، وفي زيادة إمكانية تقديم عروض جديدة. فقد أصبح قسم الخدمة والصيانة مصدراً أساسياً للابتكار في أعمال شركات الصناعات التحويلية، الأمر الذي يسهم في زيادة إيرادات هذا القسم وأرباحه عبر خدمات قيمة مضافة جديدة مثل منح كفالات وضمانات لفترات زمنية أطول، وكذلك منح الزبون إمكانية مقارنة أدائه بأداء المنافسين، سواء تعلّق الأمر بالمعدّات، أو الأسطول، أو بأدائه في القطاع عموماً. ومن الأمثلة الجيّدة على ذلك باقة الحلول التي طوّرتها شركة كاتربيلر (Caterpillar) لمساعدة زبائنها على إدارة معدّات الإنشاء والتعدين التي توفّرها لهم. فبعد أن تجمع كاتربيلر البيانات الخاصّة بكلّ آلة موجودة في موقع العمل وتحللها، تقوم فِرقُ الصيانة فيها بتقديم المشورة للزبائن بخصوص الأماكن التي يمكن وضع المعدّات فيها، وأين يمكن الاكتفاء بعدد أقل من الآلات، ومتى تجب إضافة معدّات جديدة للتقليل من حالات الاختناق في العمل، وكيف يمكن تحقيق استعمال أكفأ للوقود ضمن أسطول معيّن من المركبات.

الأمن (Security). حتّى عهد قريب جدّاً، كانت أقسام المعلوماتية وتكنولوجيا الكمبيوتر في شركات الصناعات التحويلية مسؤولة إلى حدّ كبير عن حماية مراكز البيانات في الشركة، وأنظمتها التجارية، وحواسبها، وشبكاتها. ولكن مع دخول الأجهزة الذكية المتّصلة بالإنترنت إلى الساحة، فإنّ قواعد اللعبة تغيّرت تغيّراً دراماتيكياً. وبالتالي فإنّ مهمّة ضمان أمن المعلومات الإلكترونية وأنظمة الكمبيوتر باتت منوطة بجميع الأقسام في الشركة.

إنّ كلّ جهاز ذكي متّصل بالإنترنت قد يشكّل نقطة للدخول إلى الشبكة، أو هدفاً للقراصنة، أو منصّة انطلاق لهجمات افتراضية تجري عبر الإنترنت. كما باتت المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت منتشرة على نطاق واسع، وهي منكشفة، ومن الصعب حمايتها عبر تدابير مادّية ملموسة. وبما أنّ المنتجات بحدّ ذاتها غالباً ما تمتلك قدرة محدودة على المعالجة، فإنّها غير قادرة على دعم البرمجيات والمكوّنات المادّية المعاصرة الخاصة بالحماية الأمنية.

تنطوي المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت على بعض نقاط الضعف التي تُعتبرُ مألوفة في عالم المعلوماتية عموماً. فهي، على سبيل المثال، عرضة لنفس النوع من هجمات حجب الخدمة (Denial-of-Service Attack) التي تُغْرِقُ المخدّمات والشبكات بسيل من طلبات النفاذ إلى الشبكة. لكنّ هذه المنتجات تعاني من عدّة نقاط ضعف أساسية جديدة، وبالتالي فإنّ تأثير الاختراقات الخارجية عليها يمكن أن يكون أكثر حدّة، حيث يمكن للقراصنة السيطرة على المنتج، أو الاطلاع على البيانات الحسّاسة التي تنتقل بين المنتج والشركة الصانعة والزبون. وقد بيّنت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) في أمريكا على البرنامج التلفزيوني "60 دقيقة" (60 Minutes) كيف يمكن لقرصان إنترنت أن يسيطر بالكامل على أجهزة زيادة السرعة والمكابح في السيّارة، على سبيل المثال. كما أنّ الخطر الذي يمثّله اختراق القراصنة للطائرات، والسيّارات، والأجهزة الطبية، والمولّدات الكهربائية وغير ذلك من المنتجات المتّصلة بالإنترنت يمكن أن يكون أكبر بكثير من المخاطر الناجمة عن اختراق مخدّم البريد الإلكتروني لإحدى الشركات.

يتوقّع الزبائن بأن تكون المنتجات وبياناتهم محميّة وفي أمان. وبالتالي فإنّ قدرة الشركة على توفير الأمن أخذت تصبح مصدراً أساسياً للقيمة – وعاملاً إضافياً يمكن أن يساعد هذه الشركة في التفوّق على غيرها. كما أنّ الزبائن الذين لديهم احتياجات أمنية استثنائية، مثل المؤسسات العسكرية والدفاعية، قد يطلبون خدمات خاصّة.

يؤثّر الجانب الأمني على عدد من الوظائف في الشركة في الوقت ذاته. ومن الواضح بأنّ قسم المعلوماتية وأنظمة الكمبيوتر في الشركة سيظلّ هو الجهة صاحبة القول الفصل في تحديد السلوكيات المناسبة في مجال أمن البيانات والشبكات، وتطبيق هذه السلوكيات. ويُعتبرُ تضمين الجانب الأمني كجزء أساسي من تصميم المنتج حاجة ماسّة، ويجب على النماذج المعنيّة بدراسة المخاطر أن تأخذ بعين الاعتبار التهديدات المحيطة بكل نقاط النفاذ والدخول المحتملة، أي: الجهاز، والشبكة التي يرتبط بها هذا الجهاز، والسحابة التي يتّصل بها المنتج. وقد بدأت تقنيات جديدة للتقليل من المخاطر بالظهور. فوزارة الأغذية والأدوية الأمريكية، على سبيل المثال، اشترطت إضافة مستويات وطبقات للتثبّت من هوية المستخدم، وجلسات استخدام موقوتة إلى جميع الأجهزة الطبية للتقليل من المخاطر التي يمكن أن تصيب المرضى. كما يمكن تعزيز الجانب الأمني من خلال منح الزبائن أو المستخدمين القدرة على التحكّم في توقيت إرسال البيانات إلى السحابة، وتحديد نوع البيانات التي يمكن للشركة الصانعة أن تجمعها. وبالإجمال، فإنّ المعارف والممارسات الفضلى في مجال أمن الأجهزة الذكية المتّصلة بالإنترنت تتطوّر بسرعة كبيرة في الوقت الحاضر.

كما أنّ خصوصية البيانات، والحصول على قيمة عادلة مقابل تقديم البيانات هما موضوعان يحظيان بأهمية متنامية بالنسبة للزبائن. وأصبحت عملية وضع سياسات خاصّة بالبيانات وإبلاغ الزبائن بها واحداً من الهموم الأساسية بالنسبة لأقسام الشؤون القانونية، والتسويق، والمبيعات والصيانة، والأقسام الأخرى. ولا تقتصر الغاية من هذه السياسات على تلبية مخاوف الزبائن المتعلّقة بخصوصيتهم، وإنّما يجب على هذه السياسات الخاصّة بالبيانات أن تعكس التشريعات الحكومية التي تزداد صرامتها بشدّة مع مرور الوقت وأن تعرّف بشفافية نوع البيانات التي تُجمع وكيف ستُستخدم داخلياً وكيف ستستخدمها الأطراف الثالثة.

الموارد البشرية (Human Resources). تُعتبرُ الشركة الصانعة للمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت واقعة في منزلة بين منزلتين. أي أنّها شركة برمجيات وشركة لتصنع المنتجات التقليدية في الوقت ذاته. ويحتاج هذا المزيج إلى وجود مهارات جديدة ضمن سلسلة القيمة، إضافة إلى أساليب عمل ومعايير ثقافية جديدة.

الخبرات الجديدة (New expertise). هناك طلب كبير على المهارات الضرورية لتصميم المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت وبيعها وصيانتها وتخديمها، ولكن في المقابل هناك نقص في أعداد أصحاب هذه المهارات. حتّى أنّ شركات الصناعات التحويلية تواجه إحساساً متنامياً بالإلحاح لإيجاد الأشخاص الموهوبين المناسبين بما أنّ المهارات المطلوبة منهم أخذت تتحوّل من الهندسة الميكانيكية إلى هندسة البرمجيات الحاسوبية، ومن بيع المنتجات إلى بيع الخدمات، ومن إصلاح المنتجات إلى إدارة المنتج أثناء عمله.

يتعيّن على شركات الصناعات التحويلية تعيين خبراء في هندسة التطبيقات، وتطوير الواجهات الخاصّة بالمستخدمين، وضمان التكامل بين الأنظمة، والأهم من كلّ ذلك، يجب عليها توظيف العلماء المتخصّصين بالبيانات القادرين على بناء برامج مؤتمتة لتحليل البيانات الضخمة وإدارة هذه البرامج التي تساعد في ترجمة البيانات إلى إجراءات عملية. فالأشخاص الذين كانوا يحلّلون الأعمال أو البيانات في الماضي أخذوا يتطوّرن إلى نمط جديد من الأشخاص المختصّين الذين يجب أن يتمتّعوا بالمعارف في الجانب التقني وفي قطاع الأعمال في الوقت ذاته، إضافة إلى امتلاك القدرة على إطلاع قادة الشركة من مختلف الأقسام سواء التجارية أو المعلوماتية على نتائج تحليل البيانات الضخمة.

يُعتبرُ النقص في هذه المهارات الجديدة حادّاً وبصورة خاصة في مراكز التصنيع التقليدية، التي يختلف الكثير منها عن الأماكن والمراكز المتخصّصة بالتكنولوجيا. وبالتالي فإنّ بعض شركات الصناعات التحويلية باتت تنشئ مكاتب أو فروعاً لها في بعض المراكز الناشطة مثل بوسطن ووادي السيليكون، التي تضمّ في الوقت ذاته شركات متقدّمة في مجال التصنيع، إضافة إلى المراكز الأكاديمية، والجهات المصنّعة للبرمجيات والمكوّنات المادّية الخاصّة بالشركات، والشركات الناشئة المتخصّصة بالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت. فقد أخذت شركة "شنايدر إلكتريك" (Schneider Electric)، على سبيل المثال، تنقل مكتبها الرئيس إلى بوسطن. وخلال العقد المقبل، بوسع شركات الصناعات التحويلية تسريع عملية التعلّم فيها وتحسين عمليات التوظيف لديها من خلال التواجد في هذه المراكز. لكنّها بحاجة إلى نماذج جديدة في مجال التوظيف، مثل وضع برامج للمتدرّبين بالتعاون مع الجامعات المحلية والبرامج التنسيقية بهدف "استعارة" الأشخاص الموهوبين من الجهات الرائدة في مجال التكنولوجيا.
الثقافات الجديدة (New cultures). يحتاج تصنيع المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت إلى قدر أكبر من التنسيق والانضباط بين مختلف الأقسام الوظيفية، بالمقارنة مع عمليات شركات الصناعات التحويلية التقليدية. كما يحتاج أيضاً إلى ضمان التكامل في العمل بين موظفين يعملون بأساليب متباينة وينحدرون من خلفيات وثقافات متنوّعة، وهذا أمر قد لا يخلو من التحدّيات. فعلى سبيل المثال، تُعتبرُ سرعة تطوير البرمجيات أكبر بكثير من سرعة عملية التصنيع. ويتعيّن على مؤسسات الموارد البشرية أن تعيد النظر في العديد من الجوانب الخاصّة ببنية المؤسسات وسياساتها ومعاييرها.

نماذج جديدة للتعويضات المقدّمة إلى الموظفين (New compensation models). ستحتاج شركات الصناعات التحويلية إلى استعمال مقاربات جديدة لاستقطاب الأشخاص الموهوبين وتحفيزهم. وقد باتت الحوافز المقدّمة للموظفين مثل المرونة الوظيفية، والإجازات العلمية، وبعض الوقت الإضافي للعمل على مشاريع جانبية ذات اهتمام شخصي أمراً طبيعياً في شركات التكنولوجيا المعقّدة التي توظّف الأشخاص الموهوبين الذين ستتزايد حاجة شركات الصناعات التحويلية إلى أمثالهم.

التبعات المترتّبة على الهيكل التنظيمي

إنّ التحوّل الحاصل في طبيعة العمل في جميع أجزاء سلسلة القيمة يُسهمُ في حصول تحوّل تاريخي موازٍ في الهيكلي التنظيمي لشركات الصناعات التحويلية. وكان جيف إيميلت (Jeff Immelt)، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك قد قال ذات مرّة بأنّ كل شركة صناعية يجب أن تصبح شركة للبرمجيات الحاسوبية. وتعكس هذه المقولة حقيقة تتمثّل في أنّ البرمجيات الحاسوبية أخذت تصبح جزءاً أساسياً من المنتجات. وإضافة إلى ذلك، فإنّ شركات البرمجيات أخذت تنشط في اتّجاهات تُعتبرُ أساسية للمنافسة في مجال المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، مثل تقديم نماذج للتصاميم الدائمة التجدّد، وتحديث البرمجيات عن بعد، وتقديم المنتج بوصفه خدمة. (راجع الشكل البياني الجانبي الذي يحمل عنوان: "الدروس والعبر المستفادة من قطاع البرمجيات).

ومع ذلك، فإنّ التحوّل الذي تمرّ به شركات الصناعات التحويليّة سيكون أكبر بكثير من التحوّل الذي مرّت به شركات البرمجيات. ورغم أنّ شركات الصناعات التحويلية تتبنّى البرمجيات، والسحابة، وتحليل البيانات الضخمة، كجزء من عملها، إلا أنّ هذه الشركات يجب أن تستمرّ في تصميم منتجات فعليّة معقّدة، وإنتاجها ودعمها.

وثمّة سؤال يُطرح: أيّ من جوانب الهيكل التنظيمي للمؤسّسة سوف يتأثّر؟ كما يقول جاي لورش (Jay W. Lorsch) وباول لورنس (Paul R. Lawrence) في عملهما الكلاسيكي "المؤسسة والبيئة" (Organization and Environment)، فإنّ كلّ هيكل تنظيمي يجب أن يجمع عنصرين أساسيين هما: التمايز والتكامل. فالمهام غير المتشابهة، مثل المبيعات والهندسة، تحتاج إلى أن تكون "متمايزة" أو إلى أن تنظّم ضمن وحدات منفصلة. وفي الوقت ذاته، يجب تحقيق "التكامل" بين أنشطة هاتين الوحدتين المنفصلتين بهدف التنسيق بينهما وضمان توائمهما. والمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تترك أثراً كبيراً على كلّ من "التمايز" و"التكامل" في مجال التصنيع.

في الهيكل التنظيمي الكلاسيكي، تنقسم شركة الصناعات التحويلية إلى وحدات وظيفية، مثل الأبحاث والتطوير، والتصنيع، والشؤون اللوجستية، والمبيعات، وخدمة ما بعد البيع، والمالية، والمعلوماتية. (ورغم أنّ هناك أيضاً بُعْدَاً جُغرافياً للهيكل التنظيمي، وهو شيء يضيف طبقة إضافية من التعقيد، إلا أنّه أقلّ تأثّراً بالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت بحدّ ذاتها). وتتمتّع هذه الوحدات الوظيفية بقدر كبير من الاستقلال الذاتي. فعلى الرغم من أنّ التكامل بينها هو أمر أساسي، إلا أنّ معظم هذا التكامل يكون عادة أمراً موسمياً وتكتيكياً نسبياً. وتقع على عاتق الوحدات الوظيفية المختلفة مهمّة تحقيق التواؤم في الاستراتيجية الإجمالية والخطة التجارية، إضافة إلى حاجتها إلى التنسيق فيما بينها بهدف إدارة مراحل الاستلام والتسليم الرئيسة في دورة حياة المنتج (من التصميم إلى التصنيع، ومن المبيعات إلى الصيانة، وهكذا دواليك) وتلقّي الآراء التي سوف تحسّن العمليات والمنتجات من الميدان (أي المعلومات المتعلّقة بالعيوب، والعلاقات مع الزبائن). ويحصل التكامل بين مختلف الوحدات الوظيفية إلى حدّ كبير من خلال الفريق القيادي للمؤسسة، وكذلك من خلال تصميم عمليات رسمية خاصّة بتطوير المنتج، وإدارة سلسلة التوريد، ومعالجة الطلبيات، وما شابه، وهو أمر تشترك في إنجازه عدّة وحدات.

ولكن مع ظهور المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، يُصاب هذا النموذج الكلاسيكي بالانهيار. فالحاجة إلى التنسيق بين تصميم المنتج، والعمليات السحابية، وتحسين الخدمة، والتفاعل مع الزبائن هي عملية متواصلة ولا تنتهي أبداً، حتى بعد انتهاء عملية البيع. وبالتالي فإنّ عمليات الاستلام والتسليم التي تحصل بين الفينة والأخرى بين الوحدات الوظيفية لا تعود كافية، ويصبح التنسيق المكثّف والمتواصل بين الوحدات الوظيفية المتعدّدة أمراً ضرورياً، بما في ذلك التصميم، والعمليات، والمبيعات، والخدمة/الصيانة، والمعلوماتية. وهكذا تتداخل الأدوار الوظيفية وتصبح غير واضحة المعالم. وإضافة إلى ذلك، تظهر وظائف جديدة بالكامل وأساسية – مثل إدارة جميع البيانات الجديدة والعلاقات الجديدة المفتوحة مع الزبائن. ويمكن القول بأنّ البيانات الغنية والآراء التي يتمّ الحصول عليها آنياً من المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تمثّل تحدّياً للنموذج المركزي في الإدارة والقائم على التحكّم والسيطرة، حيث تميل الكفّة لصالح نموذج جديد يعتمد على الخيارات الموزّعة في مختلف أقسام المؤسسة ولكن القائمة على التكامل الفائق وعلى التحسين المتواصل.

وعلاوة على ذلك، يجب على شركات الصناعات التحويلية أن تواصل إنتاج المنتجات التقليدية وأن تدعمها، وهذا الأمر من غير المرجّح أن يتغيّر – وفي بعض الحالات، قد يستمرّ لعقود من الزمن. وحتّى في يومنا هذا الذي يتّسم بشركات الصناعات التحويلية التقدّمية والراسخة، فإنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت تمثّل أقل من نصف

المنتجات المُباعة. وبالتالي فإنّ استمرار التعايش بين المنتجات الجديدة والقديمة سوف يعقّد الهيكليات التنظيميّة.

فكيف سيكون شكل الهيكل التنظيمي الجديد لشركة الصناعات التحويلية؟ تشهد الهيكليات التنظيمية تحوّلات هائلة وسريعة، حتّى بين صفوف كبريات الشركات الصانعة للمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت. ولكنّ هناك عدداً من التحوّلات الهامّة التي أخذت تصبح واضحة وجليّة للعيان. التحوّل الأوّل هو التعاون والتكامل الأكبر والأعمق بين قسم المعلوماتية وقسم الأبحاث والتطوير. ومع مرور الوقت، قد تبدأ هذه الوحدات وغيرها بالاندماج. إضافة إلى ذلك، بدأت الشركات بإنشاء ثلاثة أنواع جديدة من الوحدات هي: وحدات للبيانات الموحّدة، ووحدات لمجموعات التطوير والتشغيل، ووحدات لإدارة نجاح الزبون. وفي هذه الأثناء، أخذت الأنشطة الخاصّة بضمان أمن المنتج والبيانات تتوسّع بسرعة وباتت تتقاطع مع عدّة وحدات، وإن كان من غير الواضح بعد ما هي الهيكلية التي ستظهر إلى حيّز الوجود في نهاية المطاف. ولكن لا بدّ من إعادة هيكلة كل وحدة وظيفيّة تقليدية تقريباً في نهاية المطاف، نظراً للتحوّل الدراماتيكي الحاصل في المهام والأدوار، والذي يعيد تشكيلها بطريقة مختلفة.

التعاون بين قسم المعلوماتية وقسم الأبحاث والتطوير (Collaboration Between IT and R&D). في المراحل التقليديّة السابقة، كان قسم الأبحاث والتطوير هو من يخلق المنتجات، في حين كان قسم المعلوماتيّة معنيّاً بوظيفة أساسية هي تأمين البنية التحتية للحواسب في جميع أنحاء الشركة، وإدارة الأدوات البرمجية التي تستعملها مختلف المجموعات الوظيفية، مثل برامج التصميم بمساعدة الحاسب (CAD)، وبرامج تخطيط موارد المشاريع (ERP)، وبرامج إدارة العلاقة مع الزبائن. ولكن مع تطوّر المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، يتعيّن على قسم المعلوماتية تبنّي دور أكثر مركزية في الشركة. فالمكوّنات المادّية والبرمجيات الخاصّة بالمعلوماتية باتت الآن جزءاً من المنتجات ومن الرزمة التكنولوجية بأكملها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يجب أن يكون مسؤولاً عن هذه البنية التحتية التكنولوجية الجديدة: قسم المعلوماتية، أم قسم الأبحاث والتطوير، أم قسم ما هو مزيج بين الاثنين؟

يُعتبرُ قسم المعلوماتية في الوقت الحاضر هو القسم الوحيد الذي يمتلك المهارات المطلوبة لدعم ما تحتاجه المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت من التكنولوجيات التي تعتمد على البرمجيات الحاسوبية وما يرتبط بها من بنية تحتية. وكانت أقسام الأبحاث والتطوير قد برعت في تطوير المكوّنات الميكانيكية والكهربائية، وفي الجمع بينها. وقد بدأ العديد منها يتغلّب على التحدّي المتمثّل في كيفيّة إدماج البرمجيات الحاسوبية ضمن المنتجات. غير أنّ قلّة من أقسام الأبحاث والتطوير فقط تمتلك خبرة عميقة في بناء عناصر الحوسبة السحابية الخاصّة بالرزمة التكنولوجية وإدارة هذه العناصر. أمّا الآن، فإنّ قسمي المعلوماتية والأبحاث والتطوير يجب يضمنا التكامل بين أنشطتهما بصورة متواصلة. ومع ذلك، فإن تاريخ التعاون بين هاتين الوحدتين الوظيفيّتين في مجال تطوير المنتجات محدود – لا بل أنّ هناك تاريخاً طويلاً من العدائية بين هاتين الوحدتين في بعض المؤسسات.

وقد بدأت تظهر إلى حيّز الوجود مجموعة متنوّعة من النماذج المؤسسية الخاصّة بإدارة العلاقة بين هاتين الوحدتين. فقد بدأت بعض الشركات بوضع الفِرَقِ المسؤولة عن وظيفة المعلوماتية ضمن أقسام الأبحاث والتطوير، في حين تلجأ شركات أخرى إلى إنشاء فرق مسؤولة عن تصميم المنتج تضمّ ممثّلين عن جميع الوحدات الوظيفية في الشركة، بما في ذلك أشخاص من قسم المعلوماتية، على أن يظلّ كلّ عضو في الفريق مسؤولاً أمام مدير قسمه. فعلى سبيل المثال، في شركة "فينتانا ميديكال سيستمز" (Ventana Medical Systems) المتخصّصة بالأنظمة الطبية، والتي تصنع معدّات مخبرية ذكية متّصلة بالإنترنت، يعمل فريقا المعلوماتية والأبحاث والتطوير الآن معاً على تطوير المنتج، حيث يلعب فريق المعلوماتية دوراً كبيراً في تحديد الخيارات المتعلّقة بالوظائف التي يجب أن تقدّم عبر تقنيّة الحوسبة السحابية ومتى تستدعي الحاجة تحديث البرمجيات الحاسوبية. وفي شركة "ثيرمو فيشير ساينتيفيك" (Thermo Fisher Scientific)، وهي الشركة الرائدة في مجال صنع أجهزة القياس العلمية، يعمل موظفو قسم المعلومية مباشرة داخل قسم الأبحاث والتطوير، علماً بأنّهم لا يخضعون بشكل كامل إلى سلطة رئيس القسم، وإنّما هناك أهداف مشتركة يعمل أعضاء القسمين على تحقيقها سويّةً. وقد أسهم ذلك في تحسين فعّالية الشركة في تحديد السحابة الضرورية للمنتج ومن ثمّ بناء هذه السحابة؛ إضافة إلى الحصول على المعلومات المتعلّقة بالمنتج وتحليلها وفرزها بطريقة آمنة؛ وتوزيع البيانات داخلياً وكذلك على الزبائن.

قسم موحّد للبيانات (A Unified Data Organization). نظراً لتنامي حجم البيانات، وتزايد تعقيدها، وأهميتها الاستراتيجية، لم يعد من المرغوب أو المجدي حتّى أن تقوم كل وحدة وظيفة منفصلة في الشركة بإدارة البيانات بنفسها، أو تبنّي قدراتها الخاصّة في مجامل تحليل البيانات الضخمة، أو التعامل مع أمن بياناتها الذاتية. وبغية تحقيق الاستفادة القصوى من مصادر البيانات الجديدة، بدأت شركات كثيرة بإنشاء مجموعات متخصّصة حصراً بالتعامل مع البيانات، بهدف توحيد عملية جمع البيانات، وفرزها، وتحليلها، حيث تكون هذه المجموعات مسؤولة عن إتاحة البيانات والاستنتاجات المرتبطة بها إلى جميع الوحدات الوظيفيّة والوحدات التجارية في الشركة. وبحسب تنبؤات شركة "غارتنر" (Gartner) للأبحاث، فإنّ ربع الشركات الكبيرة ستكون لديها وحدات مستقلّة متخصّصة بالبيانات فقط بحلول العام 2017.

وعادة ما يترأّس هذه الأقسام الجديدة المتخصّصة بالبيانات أحد المدراء التنفيذيين، وقد يسمّى مدير البيانات، ويكون مسؤولاً أمام الرئيس التنفيذي أو في بعض الأحيان أمام المدير المالي أو مدير الاستثمار. ويُعتبر مدير البيانات مسؤولاً عن إدارة البيانات الموحّدة، وتعليم القسم على كيفيّة استخدام الموارد من البيانات، والإشراف على الحقوق المتعلقة بإمكانيّة الوصول إلى البيانات والحصول عليها، وقيادة عملية تطبيق تحليل البيانات الضخمة والمعقّدة ضمن كل أجزاء سلسلة القيمة. فقد عيّنت شركة فورد للسيارات مؤخراً، وعلى سبيل المثال، مسؤولاً عن البيانات وتحليل البيانات الضخمة لكي يضع رؤية لتحليل البيانات على مستوى المؤسسة بأكملها ويشرف على تنفيذها. ويشرف مسؤول البيانات هذا على تنظيم جهود الشركة في مجال استعمال بيانات المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت بهدف فهم الخيارات المفضّلة لدى الزبائن، ورسم الاستراتيجيات المستقبلية للسيّارات المتّصلة بالإنترنت وإعادة هيكلة العمليات الداخلية ضمن الشركة.

وحدات التطوير والتشغيل (Dev-Ops). إنّ ضرورة التطوير الدائم لتصميم المنتج، وكذلك التشغيل والدعم الدائمين للمنتج، والتحديثات المستمرّة له تخلق الحاجة إلى وجود مجموعة وظيفية جديدة تدعى في بعض الأحيان وحدات التطوير والتشغيل (Dev-Ops) (وهو تعبير مُستعار من قطاع البرمجيات الحاسوبية، حيث يُستعمل لوصف الطريقة التعاونية التي تشمل مختلف الوحدات الوظيفيّة المعنية في الشركة وتهدف إلى تطوير البرمجيات الحاسوبية ونشرها). وتُعتبرُ وحدة التطوير والتشغيل مسؤولة عن إدارة الأداء المتواصل للمنتجات المتّصلة بالإنترنت بعد مغادرتها للمصنع، والوصول بهذا الأداء إلى مستويات مثالية. وهي تضمّ خبراء في هندسة البرمجيات من القسم التقليدي المعني بتطوير المنتج (التطوير) وموظفين من أقسام المعلوماتية، والتصنيع، والصيانة المسؤولين عن تشغيل المنتج (التشغيل).

تُعتبرُ وحدات التطوير والتشغيل مسؤولة عن تنظيم وإدارة الفِرَقِ المعنية بتقصير دورة حياة إصدار المنتج، وإدارة التحديثات التي يجب أن تضاف إلى هذا المنتج، وتقديم خدمات وتحسينات جديدة بعد صدور المنتج. كما أنّها تشرف على الإصدار الدوري لمجموعة من التعديلات الصغيرة المدخلة على المنتج والمختبرة بعناية ضمن السحابة المشتركة، على أن يتمّ ذلك بصورة مثالية دون إحداث أي خلل بالنسبة للمنتجات الحالية أو المستخدمين الحاليين في الميدان. كما أنّ وحدة التطوير والتشغيل هي من يقود الجهود الهادفة إلى تعزيز نماذج الصيانة الوقائية والصيانة الفعلية للمنتج.

وحدة مساعدة الزبون على النجاح (Customer Success Management). ثمّة وحدة مؤسّسية جديدة ثالثه، لها نموذج مشابه أيضاً في صناعة البرمجيات، وهي مسؤولة عن مراقبة تجربة الزبون وضمان حصوله على أقصى المكاسب والمنافع من المنتج. وهذه المهمّة في غاية الحساسية في حالة المنتجات الذكيّة المتّصلة بالإنترنت، وخاصّة لضمان تجديد العقود مع الزبائن في حالة النماذج التجارية التي يُباع فيها المنتج إلى الزبون بوصفه خدمة. وليس بالضرورة أن تحلّ وحدة مساعدة الزبون على النجاح مكان قسمي المبيعات أو الصيانة، لكنّها تتولّى المسؤولية الأساسية عن العلاقات مع الزبائن بعد انتهاء عملية البيع. وتتولّى هذه الوحدة أداء الأدوار التي تُعتبر الأقسام التقليدية في مجال المبيعات والصيانة غير مهيّأة لأدائها ولا تمتلك الحوافز لتبنّيها، وتحديداً: رصد استعمال المنتج وبيانات الأداء لقياس حجم القيمة التي يحصل عليها الزبائن من هذا المنتج، وتحديد الطرق المناسبة لزيادة هذه القيمة. ولا تعمل هذه الوحدة الجديدة بوصفها وحدة منعزلة أو مغلقة على ذاتها وإنّما تتعاون بشكل متواصل مع أقسام التسويق، والمبيعات، والصيانة.

لقد باتت الوحدات المسؤولة عن ضمان نجاح الزبائن تغيّر طريقة إدارة العلاقات معهم. ففي الفترات التاريخية السابقة، كانت استطلاعات رأي الزبائن ومراكز الاتصالات التي تتواصل مع الزبائن هي الطرق الرئيسة التي استعملتها الشركات لجمع الآراء حول استخدام المنتج وتقرير متى تكون العلاقة مع أحد الزبائن معرّضة للخطر. فالشركات عادة لا تصلها آراء الزبائن إلا بعد وقوع مشكلة معيّنة، وغالباً ما يحصل ذلك بعد فوات الأوان.

أمّا في حالة المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، فإنّ المنتج يصبح بحدّ ذاته بمثابة جهاز الاستشعار الذي يقيس القيمة التي يحصل عليها الزبائن. ومن خلال البيانات التي يولّدها هذا المنتج، فإنّه قادر على إخبار الشركات الكثير من المعلومات حول تجربة الزبون مع هذا المنتج، مثل: استعمال المنتج وأدائه، وخيارات الزبون المفضّلة، ومدى رضى الزبون. ويمكن لهذه الاستنتاجات أن تحول دون تخلّي الزبون عن الشركة وأن تكشف أين يمكن للزبون أن يستفيد من القدرات أو الخدمات الإضافية للمنتج.

المسؤولية المشتركة عن حفظ الأمن (Shared Responsibility for Security). في معظم الشركات، تعاني وظيفة الإشراف على الأمن من شيء من التقلّب وعدم الوضوح. فالمسؤول عن الأمن قد يكون مسؤولاً أمام مدير المعلومات، أو مدير التكنولوجيا، أو مدير البيانات، أو مدير الامتثال في الشركة. وبغضّ النظر عن شكل الهيكلية القيادية، فإنّ الموضوع الأمني يُعتبرُ موضوعاً مشتركاً بين أقسام تطوير المنتج، والتطوير والتشغيل، ومجموعة الخدمات الميدانية، وغير ذلك من الأقسام. ويُعتبرُ التعاون القوي بين أقسام الأبحاث والتطوير والمعلوماتية والبيانات أمراً أساسيّاً للغاية. فقسم البيانات، إلى جانب قسم المعلوماتية، سيكونان عادة مسؤولين عن حماية بيانات المنتج، وتحديد البروتوكولات الخاصّة بحقوق الاطلاع على المعلومات والوصول إليها، وتحديد الضوابط والامتثال لها. وسيتولّى فريقا قسم الأبحاث والتطوير ووحدة التطوير والتشغيل القيادة في مجال التقليل مع نقاط الضعف الموجودة في المنتج الفعلي. وغالباً ما يكون قسما المعلوماتية والأبحاث والتطوير مسؤولين بصورة مشتركة عن صيانة السحابة الخاصّة بالمنتج وحمايتها هي والوصلات التي تربطها بالمنتج. ولكنّ النموذج المؤسسي الخاص بإدارة الجانب الأمني لازال قيد التشكّل.

كيفية تحقيق تحوّل نوعي

فكيف نصل من هنا إلى هناك؟ تُعتبرُ التغيّرات المؤسسية والتنظيمية التي وصفناها أعلاه تغيّرات جوهرية وعميقة. فقد بدأت تظهر مؤخراً مجموعات مركزية مختصّة بالبيانات، كما أنّ محاولة تحقيق التكامل بين قسمي المعلوماتية والأبحاث والتطوير لاتزال في مرحلة مبكّرة للغاية. وإضافة إلى ذلك، فإنّ وحدة التطوير والتشغيل ووحدة مساعدة الزبون على النجاح لا تزالان نادرتين، لكنّ هناك إدراكاً متزايداً لأهميّة أدوارهما، وثمّة توجّه لإعطائهما طابعاً متميّزاً. ومع مرور الوقت، يمكن لهذه الوحدات أن تتطوّر لتصبح أقساماً وظيفية رسمية.

في شركات الصناعات التحويلية التي تعمل في مجالات مثل صنع الطائرات، والتجهيزات الطبية، والمعدّات الزراعية ستظل المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت بحاجة إلى التعايش مع المنتجات التقليدية لفترة طويلة من الزمن. وهذا يعني بأنّ التحوّل المؤسسي الذي نصفه هنا سيحصل مع مرور الوقت وبطريقة متدرّجة وليس بطريقة ثورية، وغالباً ما ستضطر الهيكليات القديمة والجديدة إلى العمل معاً وبالتوازي.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم التغيّرات الهائلة، وندرة المهارات والخبرات المطلوبة في مجال المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، فإنّ العديد من الشركات بحاجة إلى تبنّي هيكليات هجينة أو انتقالية. وهذا الأمر سيسمح بالاستفادة القصوى من المواهب النادرة، ومن مراكمة الخبرات، ومن تجنّب تكرار الجهود.

فما هو الشكل الذي يمكن لهذه الهيكلية الانتقالية أن تتّخذه؟ على مستوى الوحدة التجارية، لجأت شركات عديدة إلى التشجيع على المبادرات الذاتية الخاصّة بالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت. فقد توكل الشركة إلى قسم وظيفي مثل قسم المعلوماتية مسؤولية تولّي الدور القيادي في وضع الاستراتيجية الخاصّة بالمنتجات الذكيّة المتّصلة بالإنترنت ونشر هذه المنتجات. أو قد توكل إلى لجنة توجيهيّة خاصّة مؤلفة من رؤساء الأقسام الوظيفية مهمّة قيادة هذا الجهد والإشراف عليه، في حين أنّ بعض الشركات الأخرى قد أخذت تستحوذ على شركات معنية بتطوير البرمجيات الحاسوبية أو تدخل في شراكة معها من أجل العمل على المبادرات الخاصّة بالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، حيث أنّ تلك الخطوة تساعدها في ضمّ مواهب وآراء جديدة إلى الشركة الأم. فقد أقدمت شركة كاتربيلر على تحرّك مشابه من خلال الاستثمار في شركة تدعى أبتيك (Uptake) متخصّصة بالتحليل التنبئي (Predictive Analytics) للبيانات الضخمة.

أمّا على مستوى الشركة في حالة الشركات الكبرى المؤلفة من مجموعة من الوحدات التجارية، فيجري حالياً إضافة طبقات إلى الهيكل التنظيمي لدعم الفرصة التي تمثّلها المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، وتحديد الأماكن الأفضل للبدء بهذه المبادرة، وتجنّب تكرار الجهود، وبناء كتلة حرجة من المواهب والخبرات، والإشراف على البنية التحتية للتكنولوجيا. وغالباً ما يكون هناك رئيس تنفيذي لهذه الوحدات أو تحظى برعاية من الإدارة العليا. ونحن نشهد ظهور ثلاثة نماذج:

الوحدة التجارية القائمة بذاتها (Stand-alone Business Unit). في هذا النموذج، تُنشَأ وحدة جديدة منفصلة تُعتبر مسؤولة عن الأرباح والخسائر، ويُوكلُ إليها واجب دعم استراتيجية المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في الشركة. وتقوم هذه الوحدة بتجميع المواهب وحشد التكنولوجيا والموارد المطلوبة لطرح هذه المنتجات الجديدة في السوق، من خلال التعاون مع جميع الوحدات التجارية المعنيّة في الشركة. وتُعتبرُ مجموعة بوش (Bosch Group) واحدة من الشركات التي أنشأت هذا النوع من الوحدات تحت اسم "بوش سوفتوير إنوفيشينز" (Bosch Software Innovations)، المتخصّصة بالابتكارات في مجال البرمجيات، وهي تمكّن الوحدات التجارية التابعة للشركة الأم، والتي تعمل على صنع المنتجات وكذلك الزبائن الخارجيين، من بناء الخدمات الضرورية للمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت.

عادة ما تكون هذه الوحدة الجديدة القائمة بذاتها خالية من العوائق التي تكبّل العمل والتي تكون عادة موروثة من العمليات التجارية والهيكليات التنظيمية السابقة. وفي بعض الشركات، ومع نمو الخبرات، والبنية التحتية، والتجارب، قد تبدأ القيادة بالعودة مجدّداً إلى الوحدات التجارية القديمة مع مرور الوقت. وفي حالات أخرى، قد تشكّل هذه الوحدات القائمة بذاتها عائقاً أمام المبادرات التي تطرحها الوحدات التجارية الأخرى في الشركة عوضاً عن أن تكون داعمة وممكّنة لها. وإضافة إلى ذلك، فإنّ المعرفة التي تكتسبها هذه الوحدة القائمة بذاتها قد تنتشر بوتيرة أبطأ في أنحاء الشركة.

مركز التميّز (Center of Excellence). في هذا النموذج، تكون هناك وحدة منفصلة في الشركة تضمّ الخبراء الأساسيين بالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت. وهي غير مسؤولة عن الربح والخسارة لكنّها تُعتبرُ بمثابة مركز تكلفة (cost center) يمكن للوحدات التجارية أن تعتمد عليه. وتمتلك شركة جنرال إلكتريك مركّز تميّز مشابه في منطقة وادي السيليكون.

اللجنة التوجيهية المؤلفة من مختلف الوحدات التجارية للشركة (Cross-Business-Unit Steering Committee). يشمل هذا النموذج إنشاء لجنة مؤلفة من القادة الفكريين الذين يمثّلون مختلف الوحدات التجارية، والذين يحاولون اغتنام الفرص، وتبادل الخبرات، وتسهيل التعاون. وغالباً ما تفتقر هذه اللجان إلى السلطة الرسمية التي تمكّنها من اتخاذ القرارات، وهذا الأمر قد يحدّ من قدرتها على قيادة التغيير.

التبعات العامّة الأوسع نطاقاً

تسهم المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت حالياً في حصول تغيّر جذري في الفرص المتاحة لخلق القيمة في الاقتصاد. وثمّة ثورة حاصلة حالياً في مجال الصناعات التحويلية. ولكنّ نتائجها لا تقتصر على الصناعات التحويلية، وإنّما باتت تنتشر إلى الصناعات الأخرى التي تستعمل المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت – أو التي يمكن أن تستعملها – بما في ذلك الخدمات. ولازال تأثير المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت في بداياته الأولى.

فالمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت لا تسهم في تغيير شكل المنافسة فحسب، كما بيّنا في مقالة سابقة لنا في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، وإنّما هي تسهم أيضاً في تغيير طبيعة شركة الصناعات التحويلية ذاتها، وفي تغيير عملها، وكيفيّة تنظيم شؤونها. وهي تخلق أوّل حالة في التاريخ الحديث لقطاع الأعمال من الاختفاء الحقيقي لشكل التنظيم القديم في شركات الصناعات التحويلية. وسوف ينتشر العديد من التغيّرات والتحدّيات المؤسسية ذاتها ليشمل حقولاً أخرى أيضاً.

وبالنسبة للشركات التي تجد معاناة في إتمام عمليّة التحوّل، فإن القضايا المرتبطة بالجوانب التنظيمية والمؤسسية باتت تشغل موقعاً مركزياً في الشركة وليس هناك من وصفة سحريّة يمكن اتّباعها لإنجاز العملية بنجاح. وها قد بدأنا لتوّنا بعملية إعادة صياغة الهيكل التنظيمي الذي كان قائماً منذ عقود.

صحيح أنّ العملية الانتقالية والتحوّلات الحاصلة تتسبّب بشيء من الاضطراب وعدم الاستقرار بالنسبة للعديد من الشركات وتطرح تحدّيات تنافسية ومخاوف أمنية حقيقية، إلا أنّ من المهم النظر إلى المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت أولاً وقبل كلّ شيء بوصفها فرصة لتحسين الاقتصادات والمجتمع. فبسبب هذه المنتجات الجديدة، نحن مقدمون على إحراز تقدّم عظيم في الريادة البيئية، حيث أنّ هذه المنتجات تسهم في حصول زيادة هائلة في كفاءة استعمال الأراضي والمياه والمواد، وكذلك في رفع الكفاءة الطاقية وإنتاجية النظام الغذائي. وهي يمكن أن تساعدنا في تحقيق نقلات نوعية في تحسين شروط معيشة الإنسان، سواء في مجالات الصحّة أو السلامة، أو الحركة، أو التدريب أو غيرها من المجالات الكثيرة، ناهيك عن أنّها تساعدنا في مواجهة التحدّيات اليومية، مثل العثور بسهولة على مكان لنركن فيه السيّارة.

وهي تضعنا في موقع يساعدنا في تغيير مسار الاستهلاك الإجمالي للمجتمع. فبعد مرور عقود على التزايد الكبير، وأكثر من أيّ وقت مضى، في كلّ المواد التي يمكن التخلّص منها بعد استعمالها، وبعد التناقص الكبير في أسعارها، قد تكون الشركات والمستهلكون بحاجة إلى أشياء أقل. وبالتالي فإنّ المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت سوف تحرّرنا لكي لا نشتري إلا السلع والخدمات التي نحتاجها، ولكي نتشارك في المنتجات التي لا نستعملها كثيراً، ولكي نستفيد أكثر من المنتجات الموجودة بحوزتنا أصلاً. وعوضاً عن التخلّص من المنتجات القديمة للحصول على المنتجات التي تنتمي إلى الجيل التالي، فإنّنا سنتمسّك بالمنتجات التي يجري تحسينها، وتحديثها، وعصرنتها بصورة متواصلة.

ولكن ماذا عن فرص العمل والوظائف؟ فأيّ انقطاع تكنولوجي كبير يطرح في نهاية المطاف مخاوف بخصوص تأثير ذلك على الوظائف والفرص، وتحديداً في هذا اليوم وهذا العصر. ونحن نعتقد بأنّ فرص الابتكار الهائلة جدّاً والناجمة عن المنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت، إضافة إلى التوسّع الكبير في البيانات التي تولّدها بخصوص كلّ شيء تقريباً، سوف تكون عاملاً يؤدّي إلى حصول نموّ اقتصادي بحت. فهذه الأنواع الجديدة من المنتجات لن تقلّل من حاجاتنا أو من عدد الناس المطلوبين لتلبية هذه الحاجات. وإنّما ستظهر صناعات جديدة، وخدمات جديدة، وأدوار جديدة يمكن أن تسمح للمزيد من الناس بتلبية تطلعاتهم.

وماذا عن الأشخاص الذين لا يتمتّعون بالتعليم والمؤهلات المطلوبة للموجة الأولى من الوظائف خلال المرحلة الانتقالية من التحوّل؟ لا شكّ بأنّنا سنكون أمام نقص في المعروض من الأشخاص الذين يتمتّعون بهذه المهارات، لكنّ التأثير الأوسع لذلك على التوظيف والنمو سيكون إيجابياً على الأغلب. وسيكون هناك المزيد من الابتكار والعديد من الشركات الجديدة. كما يمكن للمنتجات الذكية المتّصلة بالإنترنت أن تكون بمثابة الرافعة التي تسمح للناس بالعمل بقدر أكبر من الإنتاجية وبطرق أقل جموداً وتكراراً. فإذا ما زوّدت أحد فنّيي الصيانة بتطبيق يعتمد على تقنية الواقع المُعزز وبهاتف ذكي، فإنّه سيكون قادراً على إصلاح جهاز معقّد دون الحاجة إلا إلى القليل من التدريب. كما أنّ العمّال الأقل مهارة يمكن أن يخضعوا للإشراف والتوجيه بسهولة أكبر من قبل الخبراء. فلنتخيّل مثلاً كيف يمكن لوظيفة عامل الحدائق أن تتغيّر عندما توضع في الحدائق والمساحات الخضراء معدّات تتضمّن أجهزة استشعار توفّر معلومات حول التربة، وتاريخ الري، وصحّة النباتات، والمناطق التي تعاني من مشاكل.

تُعتبرُ شركات الصناعات التحويلية في طليعة الجهات الرائدة التي تقود التغيير نحو هذا المستقبل. لكنّ التحوّلات المطلوبة التي يجب أن تطال المنتج والمؤسسة صعبة وغير واضحة المعالم. وستكون الشركات وغيرها من المؤسسات القادرة على تسريع هذه الرحلة قادرة على النجاح والازدهار وستُحدثُ فرقاً جوهرياً في حياة المجتمع.

يودّ المؤلفان أن يتقدّما بالشكر والعرفان إلى كلّ من كاثلين ميتفورد، وإيريك شو، وأليكساندرا هاوتالين، وداني بريسلر على العون الكبير والقيّم الذي قدّموه في معرض إعداد هذه المقالة.
ملاحظة: تعمل شركة (PTC) مع أكثر من 28 ألف شركة في أنحاء العالم، بما في ذلك بعض الشركات التي ذُكرت في هذه المقالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي