لا تسمح للمقاييس المالية بخنق الابتكار في مرحلة مبكرة

6 دقائق
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ مجموعة خرائط ديفيد رومزي

ملخص: في الأيام الأولى من العمل على تطوير فكرة جديدة، قد تتمثل المقاييس الأنسب في عدد النماذج الأولية التي تنشئها وتختبرها، أو عدد العملاء الذين تجري معهم مقابلات شخصية، أو المستخدمين المتكررين لمنصة برنامج جديد، أو عدد الأطراف التي تمكنت من إقناعها بالمشاركة في نظام عمل جديد، أو مدى فاعليتك في إيقاف العمل على الأفكار ذات الإمكانات الضعيفة في سبيل تعزيز الأفكار التي تهمّ العملاء أو التي يمكن لشركتك تنفيذها (وهذا ما يسمى أحياناً "معدل إيقاف المفاهيم غير المجدية"). لكن من أجل ضمان استمرار عجلة الابتكار بالدوران في مؤسستك، فأنت بحاجة إلى ضبط العلاقة بين المقاييس المالية والابتكار وبحاجة إلى طريقة للانتقال من مقاييس الأنشطة الأولية إلى مجموعة مقاييس منطقية بدرجة أكبر توضح أثر المشروع الجديد والقيمة التي يولدها. هذا الانتقال هو مزيج بين الهندسة والحدس، لا يختلف عن بناء ممر ثم استخدامه للاندماج في حركة السير السريعة.

المبتكرون محبون للأفكار، والرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية محبون للمقاييس. لكنك ستخنق أفضل الأفكار الواعدة إذا غلّفتها بطبقة جميلة من المقاييس في مرحلة مبكرة جداً. والرغبة في تطبيق مجموعة ثابتة من المقاييس على المنتجات الجديدة والمشاريع المثمرة غالباً ما تؤدي إلى احتجاز المؤسسة في الوضع الراهن.

طرق قياس الابتكار

تتبع المؤسسات الراسخة عدة طرق لمحاولة قياس الابتكار تتمثل إحداها في بناء الممر الذي يؤدي إلى الطريق السريع، إذ يمثل هذا الطريق السريع الأعمال الأساسية في الشركة، ويتوقع أن تبلغ سرعة سير المركبات فيه 100 كيلومتر في الساعة أو أكثر، وأن يلتزم كلّ بمساره. وإلى جانب الطريق السريع، ثمة ورشة عمل يعمل فريق البحث والتطوير أو فريق تطوير التكنولوجيا فيها على تطوير المفاهيم "المركبات".

في كثير من الحالات، قد يشعر أحد كبار المسؤولين التنفيذيين بحماس كبير بشأن ما يمكن لأحد النماذج الأولية تحقيقه، ويقترح أن تأتي برافعة وتضعه على الطريق السريع فوراً، فهو يرغب في أن يتحدث عنه في إحدى مكالمات المحللين أو عرضه في معرض تجاري. وكثيراً ما يتسبب ذلك بكارثة، فالنموذج ليس جاهزاً للعمل في هذه البيئة بعد، وإذا أردت تطبيق معاييرها عليه فمن الضروري أن يكون قادراً على السير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة على الأقل. بعبارة أخرى، من الخطأ مقارنة المنتج الجديد الذي بدأ للتو بالعروض القائمة بالفعل. لهذا السبب كثيراً ما ينتهي المطاف بابتكارات الشركات إلى كومة من الحطام مرمية على جانب الطريق، ويبتعد المشاركون فيها عن الشركة مترنحين بين خيبة وذهول.

من أجل ضمان استمرار عجلة الابتكار بالدوران في مؤسستك، فأنت بحاجة إلى المرور بمرحلة انتقال موثوقة بين ورشة العمل والطريق السريع. وهذا يعني ضرورة أن تكون قادراً على تغيير ما يتم قياسه في كل خطوة، والانتقال من المقاييس المبكرة التي تبين التقدم إلى مجموعة مقاييس منطقية بدرجة أكبر توضح أثر المشروع الجديد والقيمة التي يولدها. هذا الانتقال هو مزيج بين الهندسة والحدس، لا يختلف عن بناء ممر ثم استخدامه للاندماج في حركة السير السريعة.

كيفية استمرار عجلة الابتكار بالدوران

ومع ذلك، لا تزال مؤسسات كثيرة تعاني من صعوبات في هذا الانتقال. عندما أجرت شركتي "إنوفيشن ليدر" (Innovation Leader) استقصاء لآراء 196 مهنياً يعملون في البحث والتطوير وتطوير المنتجات الجديدة والابتكار في مؤسسات كبيرة، كان المبتكرون واعين تماماً لأكثر المقاييس أهمية بالنسبة لكبار القادة، ومنهم الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية. وقالوا إنه في نهاية المطاف، من الضروري تقديم تقارير عن أثر المنتجات الجديدة على الإيرادات وتخفيض التكاليف وهوامش الربح. لكننا توصلنا أيضاً إلى أن ثلثي المشاركين قالوا إنهم لا يملكون نهجاً شاملاً لقياس الابتكار (12%) أو إنه لا يزال في طور التشكيل (54%). وقام المشاركون الذين يملكون فكرة أوضح عن النهج المتبع في قياس الابتكارات بصنع مجموعة مما يمكن تسميته "الحد الأدنى من مزيج المقاييس ذات الصلة" من أجل توضيح التقدم والقيمة التجارية التي تولدها ابتكاراتهم. لأنك إذا طبقت عدداً قليلاً جداً من المقاييس فقد تتهم بأنك تقوم بـ "استعراض مسرحي للابتكارات"؛ وإذا طبقت عدداً كبيراً من المقاييس فقد تقضي وقتك كله في جمع البيانات وتجميع أكوام من شرائح العرض المملوءة بالمخططات التي لن تبهر أحداً.

في الأيام الأولى من تطوير فكرة جديدة، قد تتمثل المقاييس الأنسب في عدد النماذج الأولية التي تنشئها وتختبرها، أو عدد العملاء الذين تجري معهم مقابلات شخصية، أو المستخدمين المتكررين لمنصة برنامج جديد، أو عدد الأطراف التي تمكنت من إقناعها بالمشاركة في نظام عمل جديد، أو مدى فاعليتك في إيقاف العمل على الأفكار ذات الإمكانات الضعيفة في سبيل تعزيز الأفكار التي تهمّ العملاء أو التي يمكن لشركتك تنفيذها (وهذا ما يسمى أحياناً "معدل إيقاف المفاهيم غير المجدية"). هذه هي مقاييس النشاط التي تظهر أنك منشغل بالعمل.

لكن التخطيط للانتقال إلى الطريق السريع يحتاج إلى نهج مختلف. أولاً، يجب أن تحدد طريقة لجمع المقاييس المتعلقة بأداء المنتج أو الخدمة الجديدة عند دخولها إلى السوق. ما هي البرمجيات التي تخطط لاستخدامها؟ من سيكون مسؤولاً عن جمع البيانات؟ ستحتاج غالباً إلى مساعدة موظفين من سائر أنحاء المؤسسة كي تتمكن من معرفة تأثير الأفكار الجديدة على صافي المبيعات وإجمالي المبيعات لديهم وطريقة عملهم. ثانياً، يجب أن تعقد مجموعة جلسات للنقاش تضم فريق الابتكار الذي صنع المنتج الجديد ووحدة العمل التي ستستخدمه أو توصله إلى السوق وفريق القيادة التنفيذية العليا. كيف ستبدأ في موازنة المقاييس المختلفة لتأثير المنتج الجديد على الإيرادات وهوامش الربح والقدرات؟ ما هو طول الممر اللازم؟ ما هي السرعة التي يحب أن تعبر بها المركبة الجديدة الممر كي تصبح جاهزة للاندماج في حركة السير بأمان؟

النهج الأمثل لاستخدام مقاييس الابتكار

من أجل التوصل إلى النهج الأمثل لاستخدام مقاييس الابتكار، أجرينا مجموعة مقابلات نوعية مع 8 قادة في شركات كبيرة في القطاعين العام والخاص.

يقول وودي فولك، نائب رئيس الابتكار والمشاريع الجديدة في شركة "تشيك فيل أيه" (Chick-fil-A) التي تملك سلسلة مطاعم للوجبات السريعة ويقع مقرها في مدينة أتلانتا، إن عبور ذاك "الممر" قد يستغرق قرابة 3 أعوام، وإنه ليس من السهل مقارنة مقاييس مثل العائد على رأس المال المستثمَر والعائد على المبيعات ما بين الأعمال المطروحة حديثاً و"الأعمال القديمة التي صُقل أداؤها المالي على مدى عقود". (في العام الماضي، بدأت شركة "تشيك فيل أيه" ببيع عبوات صلصتها الشهيرة في متاجر السوبرماركت، كما كانت تختبر منتج الوجبات المعدة للتحضير في المنزل أيضاً).

يقول فولك موضحاً: "العائد على رأس المال المستثمَر هو أحد الأمثلة على المقاييس الأساسية التي نستخدمها، لكن الفرق هو أن النسبة المطلوبة تكون أكثر تسامحاً مع المشاريع الجديدة مقارنة بالأعمال القائمة. ونحن نمنح المشاريع الجديدة حرية العمل والاختيار كي تتمكن من التوصل إلى أفضل طريقة للعمل قبل أن تواجه التدقيق المالي الصارم. ومع اكتساب المشاريع الجديدة زخماً، نزيد التدقيق عليها مع استمرارنا في السعي لتحقيق الربح. عموماً، نمنح الأعمال الجديدة التي تعد بتحقيق ربح كبير قرابة 3 أعوام من الاختبار الجدي كي نتأكد من أنها ستكون مساهماً أساسياً في المستقبل".

في مجموعة "كيونا ميوتشوال" (CUNA Mutual Group) للتأمين التي يقع مقرها في ولاية ويسكنسن، يقول دان كايزر إن فريقه يؤسس "تقديرات مبدئية للنتائج المالية المستقبلية منذ البداية"، لكن مع طرح العروض الجديدة للعملاء "يزداد التركيز تدريجياً". يقول: "نحن نطبق المقاييس المالية بصورة دائمة وهي تستمر بالعمل في الخلفية، لكن بوصفها مقاييس أولية للنجاح فإن درجة تركيزها تزداد تدريجياً مع مرور الوقت".

كما تنوه مونا فيرنون من الشركة الخاصة للخدمات المالية "فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) إلى أنه من الضروري إنشاء مجموعة محددة من المقاييس التي تقرر إمكانية متابعة المشروع أو ضرورة إنهائه بين مرحلتي الاختبار والتوسيع التي تمر بهما الفكرة الجديدة. هل يجب عليك بناء "ممر" لهذه المركبة الجديدة أساساً؟

تقول فيرنون التي تدير وحدة حاضنة الأعمال في مختبرات شركة "فيديليتي": "يجب ألا يشعر الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بأن الابتكار يحتاج إلى إنفاق أموال طائلة. وما لاحظته هو عدم القدرة على تحديد نقطة فشل واضحة وقابلة للقياس. مثلاً، ’إذا لم أستطع جذب 3 عملاء مستعدين لدفع المال مقابل المنتج في نهاية فترة الاختبار التجريبي التي ستمتد على مدى الأشهر التسعة المقبلة، فلن نتابع المشروع‘. وغالباً ما ألاحظ غياب مقياس إيقاف العمل، أي أن يتم تحديد ما يعتبر جيداً وما يعتبر غير كاف، وإذا كان المشروع جيداً فيجب أن تتفق عليه جميع الأقسام التي ستموله وتعمل على توسيعه".

وكما هو الحال مع كثير من الأمور في الأعمال، يشير هذا الاتفاق والعلاقات التي يقوم عليها إلى ضرورة وجود الثقة بين المبتكرين والرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية. تنوه فيرنون إلى أنه غالباً ما يتم تطبيق مجموعة مرهِقة من المقاييس المالية على المشاريع الجديدة في مرحلة مبكرة جداً بسبب انعدام الثقة في نتائج فريق الابتكار. لكن عندما تكون الثقة كبيرة والعلاقات متينة بين القيادة التنفيذية وفريق الابتكار فسيكون بالإمكان تطبيق المقاييس عند الحاجة إليها، وليس في مرحلة مبكرة جداً.

قد لا يكون بإمكانك خلق شغف حقيقي لدى الرئيس التنفيذي للشؤون المالية للمشاركة في جلسات توليد الأفكار، أو دفع فريق الابتكار للعمل بكل إخلاص على ضبط جداول البيانات بدقة متناهية، لكن من الضروري ترسيخ الثقة وإنشاء مقاييس تشكل "ممراً" للابتكار، وتطبيق مقاييس موجهة نحو الأعمال بصورة متزايدة مع نضوج الأفكار الجديدة، أي يجب ضبط العلاقة بين المقاييس المالية والابتكار، فذلك سيضمن رضا الطرفين ويدعم قدرة المؤسسة على اختبار أفكار جديدة والنمو.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي