ملخص: المقاطعات أمر لا بد منه في الحياة، ولكن هل من الضروري أن تكون مزعجة؟ توصلت دراسة جديدة إلى أن الموظفين يعتبرون 31% من المقاطعات في مكان العمل إيجابية، وتقترح 6 استراتيجيات لمساعدة أي شخص في مقاطعة الآخرين بطرق أفضل (وأقلّ إزعاجاً). احرص على تقييم أهمية المهمة التي ستقاطع الشخص من أجلها حتى لا تزد أعباءه. حدد الشخص المناسب لأداء المهمة التي ستقاطعه لأجلها، وانتبه إلى إشارات انشغاله، وخفف عبء الوقت عنه، وأرسل له تنبيهاً مسبقاً إن أمكن. مع انتقال عدد كبير من المؤسسات إلى نموذج العمل الهجين طويل الأمد، أصبحت أهمية التفكير بصورة مسبقة في طريقة تواصلنا مع زملائنا في العمل أكبر من أي وقت مضى. في هذا المشهد المعقد الجديد، من واجبنا جميعنا الانتباه بشدة إلى القواعد الآخذة بالتطور فيما يتعلق بمعنى أن تكون مقاطعاً "جيداً".
يمكن أن تكون المقاطعات في مكان العمل محبطة ومزعجة وتسبب التوتر بدرجة كبيرة، ولكن هل من الضروري أن تكون كذلك؟ تكون المقاطعات في مكان العمل ضرورية غالباً إذ تزودنا بما نحتاج إليه من المعلومات والتعاون الفوري لأداء وظائفنا. ومع ازدياد سهولة التواصل بفضل أدوات التواصل التي لا تحصى، مثل "سلاك" و"زووم" وغيرهما، أصبحت هذه المقاطعات أكثر تكراراً وليس من الممكن تفاديها.
النبأ السار هو أن بحثاً جديداً يقول إنه ليس من الضروري أن تكون المقاطعات مزعجة. لقد أجريت دراسة مع زميلي في الأبحاث الإدارية، ديفيد غرينواي، شارك فيها 35 موظف عمل المعرفة يعملون بدوام كامل ضمن المقار المكتبية، وطلبنا مهم تتبّع المقاطعات التي يتعرضون لها في أثناء يوم العمل (تم جمع كل البيانات قبل انتشار الجائحة). وعن طريق تحليل بياناتهم وإجراء سلسلة من المقابلات المتعمقة معهم توصلنا إلى أن المقاطعات التي تعتبر إيجابية كانت شائعة بنفس درجة شيوع المقاطعات السلبية تقريباً. فقد أبلغ المشاركون عن التعرض لنحو 251 مقاطعة منها 31% إيجابية و34% سلبية و35% مقاطعة حيادية، كما لاحظنا أن 80% من المشاركين أبلغوا عن مقاطعة إيجابية واحدة على الأقل على مدار يوم العمل، في حين أبلغ 86% عن مقاطعة سلبية واحدة على الأقلّ.
ما الذي يجعل الموظف يشعر بأن المقاطعة جيدة؟ في دراستنا، أوضّح المشاركون الذين أبلغوا عن المقاطعات الإيجابية أن هذه التجربة ولّدت لديهم مشاعر مثل السعادة والحماس والرضا. مثلاً، أوضحت موظفة مختصة في الموارد البشرية أنها على الرغم من انهماكها في العمل على وضع خطة لأحد المشاريع فقد شعرت بالسرور حين قاطعها زميلها ليطلب منها مراجعة بعض مواد التسويق، فتقول:
"رحبت بهذه المقاطعة التي جاءت في وقتها لأنها تتعلق بمشروع آخر كنت آمل أن أنهيه قريباً. فعلى الرغم من أنها قاطعت عملي في وضع خطة المشروع، فقد اعتبرتها مقاطعة إيجابية. أسعدني تحقيق تقدم في مشروع التسويق، وكان القيام بذلك في تلك اللحظة أهمّ من إنهاء خطة المشروع التي لم تكن مستعجلة بنفس الدرجة".
وكذلك الأمر بالنسبة لموظفة تعمل في تداول الأسهم، إذ أوضّحت أنها شعرت بالسرور عندما حضر الموظف الجديد إلى مكتبها قبل موعد افتتاح السوق ذاك اليوم على الرغم من أنها كانت منهمكة في تفقد الأخبار، فتقول:
"لا نتقبل المقاطعات في أثناء ساعات التداول، ولكن الفترة التي تسبق افتتاح السوق هي وقت رائع لمتابعة سير العمل. أخبرني بما فعله في اليوم السابق وما مرّ به وسألني عما يجب عليه فعله في ذاك اليوم، فشعرت بحماس شديد. لا تتاح لي فرص كثيرة لتوظيف مرؤوس مباشر وهذا أول موظف أؤيده وأؤكد ضرورة تعيينه. لذلك شعرت بالرضا لأنه يقدم أداء جيداً، ومساعدته على التقدم بسرعة سيكون مفيداً على المدى الطويل، وهذا ما جعلها تجربة إيجابية".
من الواضح أن نظرتنا للمقاطعة تختلف بدرجة كبيرة وفقاً لتأثيرها في عملنا. على الرغم من أن الانتقال من عمل إلى آخر وخلط جدول العمل من أجل تلبية مهمة غير متوقعة قد يكون مثيراً للاستياء، فمن الممكن أن نعتبر المقاطعة إيجابية إذا بدا لنا أنها جديرة بوقتنا. ويمكن توجيه بعض الأسئلة لأنفسنا للتعرف على مدى إيجابية المقاطعة، مثل: هل تساعدني هذه المقاطعة على التقدم في أمر له قيمة؟ هل هذه المهمة أهم مما كنت أعمل عليه؟ كما أنه من المرجح أن نعتبر المقاطعة إيجابية إذا كان من الممكن إدراجها ضمن مهام يومنا بسهولة. هل هذه اللحظة مناسبة للتعامل مع هذه المقاطعة؟ هل أملك وقتاً إضافياً كافياً يتيح لي إضافتها إلى عبء عملي؟ هل استعديتُ ذهنياً لقضاء وقت في أداء هذه المهمة؟
سيساعدك التفكير في هذه العوامل على تحسين طرق مقاطعتك للآخرين وأوقاتها واختيار الأشخاص الذين ستقاطعهم. استطعنا تحديد عدد من الاستراتيجيات التي تساعدك في زيادة فرص اعتبار مقاطعتك للآخرين إيجابية.
1. احرص على تقييم أهمية المهمة
نعتبر أن المقاطعة جديرة بوقتنا إذا كانت المهمة المطلوبة مهمة، لا سيما إذا بدت أهم مما كنا نفعله قبلها. لذلك قبل أن تقاطع أي شخص فكر في أهمية ما ستطلبه منه بالنسبة له.
2. لا تزد أعباء الشخص الذي تقاطعه
لاحظنا أيضاً أن المشاركين اعتبروا المقاطعة سلبية حين شعروا أنهم يحملون عبء عمل أكبر من طاقتهم بالفعل. ومن أجل تفادي زيادة أعباء الشخص الآخر، اسأل نفسك عما تعرفه عن عبء عمله الحالي، وإذا كنت تعرف أنه غارق في العمل ففكر في مقاطعة شخص آخر عوضاً عنه (إذا كانت المهمة مستعجلة) أو الانتظار إلى أن ينتهي من العمل الذي يشغله (إذا كانت المهمة غير مستعجلة).
3. حدد الشخص المناسب لأداء المهمة التي ستقاطعه لأجلها
من المزعج دوماً أن يقاطعك أحد ما ليكتشف لاحقاً أنك لست الشخص المناسب للمهمة المعنية أساساً. في دراستنا مثلاً، اعتبرت موظفة إدارية مساعدة أن المقاطعة سلبية عندما طلب منها أحدهم البحث عن مستلزمات التعبئة والتغليف، لأنها شعرت أن صاحب الطلب يستطيع أداء هذه المهمة بنفسه بسهولة. لذلك قبل أن تقرع باب أحدهم، اسأل نفسك: هل هذا الشخص مناسب لأداء هذه المهمة؟ من الذي يعمل في الدور الأنسب لأداء المهمة التي تحتاج إلى المساعدة فيها؟ من الذي تشمل مسؤولياته مهمات مماثلة؟ ستزداد احتمالات أن تعتبر مقاطعتك إيجابية إذا حرصت على أن يكون العمل مناسباً للشخص الذي ستطلب منه أداءه.
4. انتبه لعلامات انشغال الشخص
بناء على تجارب مخبرية سابقة، توصلت دراستنا إلى أن المقاطعات تعتبر إيجابية أكثر إذا حدثت في وقت يبدو "مناسباً". وهذا يعني عادة أن تنتظر الوقت الذي لا يكون الشخص الذي تعتزم مقاطعته منهمكاً بشدة في أداء مهمة أخرى، أو حين يريد أخذ استراحة من عمله على أي حال. من أجل تحديد الوقت المناسب للمقاطعة انتبه إلى الإشارات التي تدل على انشغال الشخص؛ هل باب مكتبه مفتوح أم مغلق في أثناء عمله؟ هل ترى إشارة عند اسمه على الإنترنت بأنه "مشغول" أم "متاح"؟ هل يشير جدول مواعيده إلى أن هذا الوقت محجوز لأداء عمل مهم؟ يمكن أن تدلك هذه الإشارات على الوقت المناسب لمقاطعة الشخص.
5. خفف عبء الوقت عن الشخص الذي تقاطعه
لاحظنا في دراستنا أن مدة استمرار المقاطعة أثرت في نظرة المشاركين لها، إذ اعتبروا أن المقاطعة سلبية حين استمرت وقتاً أطول مما يجب. ومن أجل معالجة هذه المشكلة، فكر بطريقة مبتكرة لتخفيف عبء الوقت عن كاهل الشخص الذي ستقاطعه والاستفادة من وقته بكفاءة قدر الإمكان. هل يمكنك تقديم سياق المهمة التي تقاطعه لأجلها بإيجاز أكبر؟ هل هناك إجراءات يمكنك أداؤها بنفسك قبل تسليم المهمة إليه؟ من المهم الانتباه إلى نظرة الشخص الآخر إليك، حتى وإن لم تكن لهذه التفاصيل أهمية كبيرة بالنسبة لك، فمقاطعة الشخص الآخر بطريقة تؤكد احترامك لوقته لها تأثير كبير على رد فعله.
6. أرسل تنبيهاً مسبقاً
ستبقى المقاطعات بطبيعتها غير متوقعة إلى حدّ ما، ولكن ليس من الضروري أن تكون مباغتة، ففي بعض الحالات يمكنك إعلام الشخص الآخر بأنك تتوقع أن تضطر لمقاطعته في المستقبل القريب. مثلاً، إن كنت تخطط لطلب تقييم التصميم الخاص بموقع إلكتروني من أحد الزملاء عندما تنتهي منه، فبإمكانك إعلامه بأنك ستتواصل معه خلال الأسبوع المقبل. سيساعد ذلك زميلك في الاستعداد ذهنياً للمقاطعة وتخصيص وقت لهذه المهمة حتى وإن لم يعرف وقتها بالتحديد.
مع انتقال عدد كبير من المؤسسات إلى نموذج العمل الهجين طويل الأمد، أصبحت أهمية التفكير بصورة مسبقة في طريقة تواصلنا مع زملائنا في العمل أكبر من أي وقت مضى. والعودة إلى المقر المكتبي سواء بدوام كامل أو بدوام جزئي ستعيد فرص المقاطعات الشخصية التي كانت غير ممكنة عندما كانت الاتصالات تتم عبر الإنترنت بصورة كاملة. وفي نفس الوقت، تؤدي زيادة الاعتماد على المراسلات الفورية والاتصال عبر الفيديو وغيرها من الأدوات الرقمية إلى نشوء تحديات خاصة بها بسبب تتناقص العوامل التي تحدّ من المقاطعة (والإشارات المرئية التي تساعد في معرفة مدى ملاءمتها) إلى حدّ كبير. بالتأكيد، لطالما توفرت طرق أفضل وطرق أسوأ لمقاطعة الآخرين، ولكن في هذا المشهد المعقد الجديد من واجبنا جميعاً الانتباه بشدة إلى القواعد الآخذة بالتطور فيما يتعلق بمعنى أن تكون مقاطعاً "جيداً".