يشعر الباحثون بسرور بالغ عندما تصبح أفكارهم رائجة. وينتابهم قدرٌ أكبر من السعادة عندما تُحدِث أفكارهم فارقاً، من خلال تعزيز التحفيز، أو تشجيع الابتكار، أو زيادة الإنتاجية على سبيل المثال. لكن الرواج الفكري له ثمن، فالناس أحياناً يشوّهون الأفكار، ولهذا يفشلون في جني ثمارها. وقد بدأ هذا يحدث مع بحثي الذي يتناول مقارنة بين عقلية "النمو" في مقابل العقلية "الثابتة" بين الأفراد وداخل جدران المؤسسات.
ويمكن تلخيص النتائج كالآتي: الأفراد الذين يؤمنون أن مواهبهم قابلة للتطوير (من خلال العمل الجاد، واتباع استراتيجيات جيدة، وعبر الاستفادة من معطيات الآخرين) يمتلكون "عقلية النمو". فهم يميلون إلى تحقيق المزيد من الأهداف مقارنة بأولئك الذين يمتلكون "عقلية ثابتة" (الذين يؤمنون أن مواهبهم عطايا فطرية لا يمكن تطويرها أو اكتسابها). وينشأ هذا الفارق لأن أصحاب عقليات النمو لا يهتمون كثيراً بأن يبدوا أذكياء، ويكرسون طاقة أكبر للتعلم، فعندما تتبنّى شركات بأكملها نهج "عقلية النمو"، نجد موظفيها يشعرون بقدر أكبر من القدرة والتمكين، ويُظهرون حساً أصدق بالالتزام، كما أنهم يتلقون دعماً كبيراً للغاية من المؤسسة لتعزيز التعاون، والابتكارات. وعلى النقيض من ذلك، فالموظفون في الشركات التي تتبنى "العقلية الثابتة" بشكل رئيسي يشعرون بقدر أكبر من شيء واحد فقط، وهو وجود الغش والخداع بين الموظفين، اعتقاداً منهم أن ذلك سيمنحهم الأفضلية على أقرانهم في سباق المواهب.
وبعد هذه النتائج، نجد أن مصطلح "عقلية النمو" أصبح شائعاً في العديد من الشركات الكبيرة، بل شق طريقه أيضاً إلى رسائل الأهداف الخاصة بها. لكنني عندما أفكر في الأمر بتمعن، أجد عادة أن فهم الناس لفكرة "عقلية النمو" يشوبه القصور. ولهذا دعونا نلقِ نظرة على المفاهيم الخاطئة الثلاثة الشائعة حول هذه الفكرة.
1- إنني أتبنى "عقلية النمو" بالفعل، وأتبناها طوال الوقت. يخلط الناس عادة بين "عقلية النمو" وبين اعتبار المرء مرناً أو متحرر الذهن أو العقل، أو بينها وبين التحلي بنظرة إيجابية، وهي سمات نوعية مهمة يعتقدون ببساطة أنهم لطالما امتلكوها. أنا وزملائي نسمّي هذه الحالة "عقلية نمو زائفة". ففي واقع الأمر كل منا لديه خليط من "عقلية النمو" و"العقلية الثابتة"، ويتطور هذا الخليط باستمرار مع اكتسابنا الخبرات. فلا يوجد شخص لديه عقلية نمو "خالصة"، وعلينا الإقرار بهذا، لجني الثمار التي نرجوها.
2- عقلية النمو تتمحور حول مدح المجهود ومكافأته فقط. حسناً، هذا ليس صحيحاً، ولا ينطبق على الطلاب بالمدارس، ولا على الموظفين في المؤسسات. وفي كلتا الحالتين النتائج مهمة. فالجهد الذي لا يؤتي ثماراً لا يعتبر جيداً أبداً. وليس المجهود فقط هو ما يجب مكافأته، بل أيضاً التعلم وإحراز التقدم، ومن الضروري التركيز على أهمية العمليات التي تُنتج هذه الثمار، مثل التماس المساعدة من الآخرين، وتجربة استراتيجيات جديدة، والاستفادة من الإخفاقات للمضي قدماً بفعالية. وفي كل بحثنا تنبع النتيجة –المقصد الأساسي من البحث– من الانخراط في هذه العمليات بعمق.
3- فقط تبنَّ "عقلية النمو"، وستحصل على نتائج جيدة. إن رسائل المؤسسات والشركات أشياء رائعة. فلا يمكنك الجدل بشأن القيم السامية المذكورة فيها، مثل التطوير، أو التمكين، أو الابتكار. لكن ما جدوى هذه القيم للموظفين إذا كانت شركتهم لا تطبق سياسات تجعلها قيماً حقيقية وقابلة للتحقيق؟ فما هي إلا كلام معسول. إذ إن المؤسسات التي تتبنى عقلية النمو تشجع على خوض مجازفات مناسبة، مع علمها أن بعضاً من هذه المجازفات لن يجدي نفعاً. فهذه الشركات تكافئ موظفيها على الدروس المهمة والمفيدة التي تعلّموها، حتى إذا لم يحقق المشروع أهدافه الأصلية. وتدعم هذه الشركات عقد تعاونات بين النطاقات المؤسسية المختلفة، بدلاً من خلق مناخ تنافسي بين موظفي الشركة ووحداتها. وتحمل هذه الشركات على عاتقها مسؤولية تطوير كل أعضائها، بالأفعال والتطوير الحقيقي الملموس، مثل إتاحة فرص التطوير والترقية الوظيفية على نطاق واسع. وتدعم أيضاً قيم عقلية النمو باستمرار، عبر تطبيق سياسيات واقعية تخدم هذا الغرض.
وحتى إذا نجحنا في تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة حول عقلية النمو، فليس من السهل تبنيها. وأحد أسباب تلك الصعوبة هو أن كلاً منا لديه محفزاته الخاصة لتبني "عقلية ثابتة". فعندما نواجه تحديات، أو نكون في مرمى نيران النقد، أو يضعُف أداؤنا مقارنة بالآخرين، يمكننا الوقوع بسهولة في فخ انعدام الثقة، أو نتخذ موقفاً دفاعياً عن ذاتنا، وهي استجابة تُقوِّض التطور والنمو. وكذلك قد تكون بيئات عملنا زاخرة بعوامل تحفز تبني عقلية ثابتة. فالشركة التي تخلق مناخاً تنافسياً بين مواهب موظفيها، تجعل من الصعب على موظفيها انتهاج تفكير عقلية النمو، وممارسة سلوكها، مثل مشاركة المعلومات، أو التعاون، أو الابتكار، أو السعي إلى الحصول على تقييمات، أو الاعتراف بالأخطاء.
ومن أجل البقاء في بيئة تدعم النمو والتطور، علينا تحديد هذه المحفزات، والتعامل معها. وقد استفاد العديد من المدراء والمسؤولين التنفيذيين من تعلم كيفية تحديد وقت ظهور "شخصيتهم" ذات العقلية الثابتة، وما تمليه عليهم هذه الشخصية لتجعلهم يشعرون بالتهديد أو يتخذون موقفاً دفاعياً. والأهم من ذلك أنهم تعلموا بمرور الوقت تبادل الحديث إلى هذا الجانب الشخصي منهم، حاملين إياه على التعاون معهم في رحلتهم لتحقيق أهداف صعبة.
ولا شك أنه عمل يتطلب جهداً شاقاً، لكن بإمكان الأفراد والمؤسسات حصد الكثير من الثمار، من خلال تعميق فهمهم لمبادئ عقلية النمو، والعمليات اللازمة لتطبيقها عملياً. فهذه العقلية تمنحهم إحساساً أصدق بهويتهم، ونظرة أعمق إلى ما يؤمنون به، وصورة أوضح عن الكيفية التي يريدون بها المضي قدماً.