دراسة جديدة تكشف خطأ المعتقدات السائدة حول شفافية الأجور

4 دقيقة
الشفافية في الأجور
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/تيما ميروشنيتشينكو/بكسلز

في خضم الجدل الدائر حول فوائد الإفصاح عن بيانات الأجور وأضراره، ثمة نتيجة جديدة تستحق التأمل: عندما ألزمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الشركات بالكشف عن نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر الموظف الوسيط، لم يؤد ذلك إلى تراجع معنويات الموظفين، بل زاد رضاهم عن أج…

على مدى سنوات طويلة، تلقى المدراء نصيحة بتجنب الشفافية في الأجور بين عامة الموظفين، لكن بحثنا الذي أجريناه باستخدام تقييمات الموظفين لمدى رضاهم عن التعويضات في أكثر من 1,300 شركة مدرجة في البورصة، أثبت أن هذا النهج قد لا يكون صائباً في الحالات كافة.

كان التفكير التقليدي يفترض أن الموظفين الذين يكتشفون أنهم يتقاضون أجوراً أقل من غيرهم سيشعرون بالسخط، في حين أن الذين يعلمون أنهم يتقاضون أجوراً أعلى سيعتبرون رواتبهم مبررة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم حدوث تغيير ملموس في مستوى رضاهم عن أجورهم. وإذا صحت هذه الافتراضات، فلن تجني الشركات من زيادة شفافية الأجور سوى تداعيات الآثار السلبية.

غير أن بحثنا أثبت أن هذا التصور التقليدي لا يستند إلى أساس متين؛ فقد أجرينا دراسة اعتمدنا فيها على تقييمات الرضا عن الأجور التي ينشرها الموظفون على موقع غلاس دور، وقارنا البيانات التي سبقت إقرار قانون هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لعام 2018 بتلك التي تلته، وهو العام الذي ألزمت فيه الشركات بالكشف عن نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر الموظف الوسيط. وقد أظهرت النتائج أن الشفافية التي فرضها هذا القانون جعلت الموظفين، في المتوسط، أكثر رضا عن أجورهم.

يطور الموظف تصورات عن أجور زملائه، سواء أفصحت الشركة عن هذه المعلومات أم لم تفعل، ويستند حدسه في هذا الشأن إلى ما يتاح له من إشارات ومعطيات؛ إذ يسمع الأحاديث المتداولة بين الزملاء، ويكون انطباعاته استناداً إلى دلائل ظاهرية على الثراء، مثل السيارات الفاخرة في مواقف الشركة أو صور العطلات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يمكنه الاطلاع على بيانات مجهولة المصدر في مواقع مثل غلاس دور ومونستر وإنديد، التي توفر لمحة عن مستويات الأجور لدى عامة الموظفين، وإن كانت هذه البيانات منقوصة أو غير دقيقة في الغالب. وحين لا يقدم المدراء للموظف بيانات دقيقة وشفافة، يضع معاييره الذاتية لما يراه أجراً منصفاً، وغالباً ما تكون هذه المعايير مبالغاً فيها. وقد أثبتت أبحاث أخرى أن الموظف كثيراً ما يبالغ في تقدير ما يتقاضاه أقرانه.

يشكل قانون نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر الموظف الوسيط مثالاً واضحاً على الكيفية التي يمكن أن يستعين بها الموظف بالبيانات الدقيقة حول الأجور لتصحيح تصوراته عن راتبه. فعندما فرضت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية عام 2018 على الشركات الكشف عن هذه النسبة، بات لزاماً عليها أن تدرج أجر الموظف الوسيط إلى جانب أجر الرئيس التنفيذي. ومنذ ذلك الحين، درس الباحثون الآثار السلبية لهذا القرار على أسعار الأسهم، ووجدوا أنه لم يؤد إلى خفض أجور الرؤساء التنفيذيين.

لكن بحثنا، الذي شمل نحو 300,000 تقييم فردي للتعويضات في 62 قطاعاً مختلفاً، كشف أن الموظفين ركزوا على جانب آخر من عملية الإفصاح: القيم المنخفضة على نحو مفاجئ لأجور الموظف الوسيط. فقد كان الموظفون يدركون فعلياً نسبة أجورهم الشخصية إلى أجر الرئيس التنفيذي (أي نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر كل منهم)، لكن ما لم يكونوا يعرفونه قبل تطبيق قاعدة الإفصاح هو أن زملاءهم الآخرين كانوا أيضاً يتقاضون أجوراً أدنى بكثير من أجر الرئيس التنفيذي. وقد أتاح لهم الاطلاع على أجر الموظف الوسيط تكوين مرجع أكثر واقعية وأقل ارتفاعاً لتقييم أجورهم. وتبين لنا أن هذا الأثر ظل قائماً حتى بعد أخذ الفروق في أجور الرؤساء التنفيذيين، ونسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر الموظف الوسيط وخصائص الشركات والعوامل السوقية العامة في الحسبان. علاوة على ذلك، وجدنا أن هذا الأثر يزداد قوة كلما قلت المعلومات المتاحة للموظفين عن الأجور قبل الإفصاح، ما يؤكد حدسنا بأن استجابتهم كانت نابعة من اطلاعهم على بيانات أجر الموظف الوسيط الجديدة.

كان الإفصاح عن أجر الموظف الوسيط خطوة صغيرة نحو مزيد من الشفافية في الأجور. وفي المستقبل، يمكن للمدراء استثمار الدروس المستفادة من فكرة نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى أجر الموظف الوسيط لتطوير سياسات شفافية الأجور داخل شركاتهم. وتوضح نتائج البحث أن مشاركة نقاط مرجعية أكثر دلالة حول مستويات الأجور يمكن أن تساعده على فهم مدى عدالة أجره (أو عدم عدالته) بصورة أدق.

على المدير الذي يسعى إلى تطوير سياسات شفافية الأجور في شركته أن يأخذ بعين الاعتبار الأسئلة المهمة التالية:

ما هي المعلومات المتاحة عن الرواتب حالياً؟

يستطيع الموظفون الاطلاع على معلومات الرواتب المنشورة على مواقع التوظيف، وعلى المدير أن يفترض أن موظفيه يطلعون عليها فعلياً. لكن السؤال الأهم هو: هل هذه الأرقام دقيقة؟ فإذا كانت المعلومات المتداولة على الإنترنت غير صحيحة أو مبالغاً فيها، فقد يكون من مصلحة المدير أن يقدم لموظفيه معلومات أدق؛ فالسيطرة على مصدر المعلومة تمنح الشركة فرصة لرفع معنويات موظفيها.

ما هي مشاعر الموظفين الحالية؟

تجري شركات عديدة استقصاءات سنوية مع إخفاء هوية المشاركين بها، وغالباً ما تكشف هذه الاستقصاءات أن الموظف يشعر بأنه يتقاضى أجراً أقل من غيره، وأن بعض الفئات السكانية تتبنى هذا الشعور بدرجة أكبر من غيرها. فإذا كان الموظف يعتقد ذلك، حتى في ظل ممارسات عادلة في توزيع الأجور، فقد تستفيد الشركة من تعزيز الشفافية في هذا الجانب. إذ يسهم تصحيح تلك التصورات الخاطئة في زيادة رضا الموظف.

ما هو مدى تنافسية سوق العمل؟

إذا كان الموظف يعمل في سوق عمالة محدودة، حيث يمكنه بسهولة الحصول على عروض من شركات أخرى، فغالباً ما تكون لديه فكرة واضحة عما يمكنه أن يتقاضاه في أماكن أخرى، أي إنه يعرف الأجر السائد في السوق ولا ينسج أوهاماً حول رواتب غير واقعية. أما إذا كان الموظف أقل قدرة على الحصول على عروض خارجية بسبب ظروف السوق أو موقع الشركة الجغرافي، فستكون معلوماته عن مستويات الأجور محدودة نسبياً. وتشير نتائج بحثنا إلى أن هذا الموظف هو أكثر الفئات استفادة من الإفصاح الدقيق عن أجور عامة الموظفين؛ إذ يسهم ذلك في تعزيز رضاه عن أجره.

بدلاً من التمسك بالنهج القديم القائم على السرية، على المدراء أن يتبنوا نهجاً جديداً يقوم على الشفافية في الأجور ويأخذ في الاعتبار طبيعة المعلومات المتاحة لموظفيهم. فبهذه الطريقة، يمكن للموظف أن يبني تصوراته عن عدالة الأجور استناداً إلى بيانات دقيقة يقدمها مدراؤه، لا إلى الإشاعات والأقاويل المنتشرة على الإنترنت. وتشير نتائج بحثنا إلى أن معرفة الحقيقة قد تجعل الموظف أكثر رضا وسعادة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي