يقوم ما يسمى إنترنت الأشياء (Internet of Things) بجمع كميات غير مسبوقة من البيانات ونقلها. وهذا الأمر يمثل مشكلة للمسوّقين الذين قد لا يحصلون من هذه البيانات إلا على معلومات عديمة الجدوى. فالمسوّقون يحتاجون الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى قياس الأشياء الصحيحة. بيد أن الكثير جداً من المدراء التنفيذيين يعتمدون على تحديد المقاييس التسويقية لكي تبدو جيدة في تقاريرهم، لكنها عملياً لا تؤثر في أهداف الشركة.
معايير تحديد المقاييس التسويقية
من الضروري تحديد المقاييس، أو ما يُعرف باسم مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) منذ البداية، بحيث يعرف فريق التسويق ما الأهداف التي سيعمل جاهداً على تحقيقها. وهناك 3 قواعد جوهرية يجب اتباعها عند اختيار المقاييس الصحيحة من أجل تحديد مدى النجاح في عملية التسويق – وهذه القواعد تنطبق على جميع المؤسسات والشركات، بغض النظر عن القطاع الذي تعمل فيه، أو حجمها، أو مدى النضوج الذي تتمتع به.
1. المقاييس يجب أن تكون سهلة الفهم والاستعمال
ينبغي على العناصر التي تحاول قياسها أن تكون منطقية للأشخاص الذين يجمعون البيانات، وكذلك لمن يستعملونها لاتخاذ القرارات. وإذا كانت المقاييس مفرطة في تعقيدها أو تداخلها، فإنها لن تكون مفيدة على الأغلب. وبصورة مشابهة، إذا كانت شديدة التباين بين الأقسام المختلفة (كأن يقيس أحد الفرق صافي الأرباح من الإعلانات في حين يقيس فريق آخر إجمالي الأرباح من الإعلانات)، فإنها قد تؤدي إلى اتباع سلوكيات غير متشابهة من قبل هذه الأقسام.
اقرأ أيضاً: كيف تغير مهنتك؟
2. المقاييس يجب أن تكون سهلة التكرار والإعادة
ينبغي أن يحصل المتسوقون على بيانات يمكن أن تكون متاحة بانتظام، بحيث يمكنهم مراجعة المعلومات القابلة للمقارنة بين فترة وأخرى. فعلى سبيل المثال، السلوك الشرائي للزبون هو من الأمور التي تحتاج إلى مراقبة كل شهر. قد يبدو هذا الأمر بسيطاً، لكنه غالباً الجزء الأصعب من حيث التنفيذ، وخاصة في المؤسسات التي تمتلك مصادر متعددة للمعلومات. ففي بعض الشركات الكبيرة، لا يتم دمج البيانات التي يجري الحصول عليها بالكامل من نقاط البيع مع الأنظمة الآلية الخاصة ببرنامج إدارة العلاقة مع الزبائن والتسويق، أو مع قواعد البيانات الخاصة بدعم الزبائن. لذلك، فإن البيانات يمكن أن تكون غير متّسقة من شهر إلى آخر.
3. المقاييس يجب أن توفر معلومات مفيدة
يمكن بناء إجراءات فعلية عليها لتترك أثراً إيجابياً في الشركة. عندما تجد بأن أحد مقاييسك ارتفع بنسبة 2.3% فهذا يشير إلى أن شيئاً ما قد تغيّر. لكن الأهم هو أن ترى مدى ارتباط هذا التغيّر بإجراءات أو سلوكيات محددة بين صفوف الموظفين والزبائن. فعلى سبيل المثال، الزبائن الذين يُظهرون أكبر قدر من التفاعل مع منتج للشركة في منتدى تابع لها على الإنترنت لن يكتفوا على الأرجح بشراء هذا المنتج، بل سيحاولون الترويج له بين معارفهم وأصدقائهم، وسيدافعون عنه، وسيواصلون التفاعل مع الشركة. وعليه، فإن هذا النوع من البيانات حول خلفية الزبون يُعتبر مقياساً مفيداً يؤثر مباشرة في الشركة.
لا يعود الأمر إلى أن المسوّقين لا يريدون قياس الأشياء الصحيحة. فمع وجود مجموعة واسعة من الطرق التحليلية المتقدمة والسهلة التطبيق التي تعتمد على تحليل البيانات الضخمة، من السهل جداً على المرء أن يشعر بالتشتت، ويقع فريسة لعدد من الفخاخ، أولها قياس الأشياء التي يسهل تتبّعها. فمجرد أن الكثير من سلوك الزبائن على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قابل للتتبّع لا يعني أنه يجب عليك متابعته. فمعظم هذه البيانات (مثل عدد النقرات على روابط الإنترنت) ذات حجم هائل جداً وهي أضخم من أن تستعمل في اتخاذ قرارات على مستوى رفيع. والمبدأ ذاته ينطبق على تقليد ما يقيسه الآخرون: إذا كان أحد المنافسين يقيس شيئاً معيناً، فهذا لا يجعله بالضرورة سبباً وجيهاً لك لقياس الشيء نفسه أيضاً. بالنسبة لبعض الشركات، حصول تغيّر في الحجم الوسطي للطلبيات يعني أمراً مهماً ربما يؤثر في سلامة الشركة وبقائها. أما بالنسبة لشركات أخرى، فقد لا يكون الأهم هو حجم المشتريات، بل وتيرة الشراء من قبل الزبائن. وكل شيء يتوقف على الأهداف العامة للشركة التي تحاولون الوصول إليها.
يشعر المسوّقون غالباً بضغوط تدفعهم لقياس العديد من الأشياء دفعة واحدة، ما يجعل من الصعب عليهم تحديد ما يجب التركيز عليه. فبدلاً من إضاعة الوقت في جمع المقاييس المتعلقة "بالأعداد" (مثل عدد المتابعين على "تويتر"، أو عدد النقرات، أو عدد الإعجابات على "فيسبوك")، حاول أن تبدأ بالنظر إلى السياق الأوسع. هذا يعني ربط الحملات والأنشطة التسويقية بالأهداف الرئيسية للشركة، مثل زيادة الإيرادات عبر الاستحواذ على المزيد من الزبائن أو عبر زيادة نسبة الأموال التي ينفقها الزبائن الحاليون على منتجات الشركة. فوجود متابع أو معجب جديد للشركة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يكشف شيئاً عن سلوكه الشرائي، ولكن إذا قام هذا المعجب بتحميل فلم أو طلب نسخة تجريبية مجانية فإن هذا هو ما قد يخبرنا بسلوكه الشرائي. وهذه هي المقاييس التي يجب أن توليها المزيد من الاهتمام لكي لمعرفة ما إذا كانت جهود التسويق تنقل الشركة إلى الاتجاه الصحيح أم لا.
كما أن فهمك للزبائن الذين يحققون لك أكبر قدر من الربحية سيساعدك أيضاً في تركيز جهودك التسويقية لتكون محددة الأهداف. فكلما كان المسوقون أقدر على تحديد شخصيات الزبائن وخياراتهم المفضلة بوضوح أكبر، كان تتبّعهم لمدى فعالية عملية الاستهداف التي يستعملونها أسهل. فالمقاييس الصحيحة، مثل احتساب قيمة العمر المحتمل لمختلف الزبائن، يمكن أن تساعدك في تحديد من منهم سيكون على الأرجح مربحاً على المدى البعيد.
كما أن التركيز على المقاييس المبنية على قيم الشركة – وهنا نقصد المقاييس المستندة إلى القيم والأهداف المميّزة التي تحملها الشركة – يمكن أن يساعدك في قياس الأشياء الصحيحة. فعلى سبيل المثال، ينصّ شعار فنادق ومنتجعات "كوميون" على ما يلي: "ملتزمون بمنحك إحساساً مختلفاً سيحفز روحك الإنسانية"، ويُعتبر هذا الشعار المحرك الأساسي لجهود هذه السلسلة في مجال التسويق والتواصل. وقد حددت سلسلة فنادق "كوميون" 10 قيم أساسية تقيسها في جميع عملياتها مع الزبائن، والمورّدين، وشركائها العقاريين. وترصد هذه الفنادق التقدم الذي تحرزه من خلال النظر إلى مختلف العلامات والتصنيفات والترتيبات والمراجعات لتحديد مدى فعاليتها في التعبير عن هذه القيم، وكيفية تجاوب الناس معها.
رغم أن مسؤولية تحديد المقاييس التسويقية تقع على عاتق مدير التسويق الرئيسي وفريق التسويق، فإن الأمر يعود إلى الإدارة العليا بمخاطبة المسوّقين إذا قدموا إجابات غير منطقية، بل الأسوأ من ذلك، إذا ربطوا هذه الإجابات بالأسئلة الخطأ. لا تطرح عليهم السؤال التالي فقط: "كيف تجدون أداءنا؟" بل اسألهم: "لماذا تعتبرون تتبّعنا لهذا الأمر مهماً؟ ما الذي سنعرفه إذا استعملنا هذا المقياس؟ ما الأشياء الأخرى التي يجب أن ننظر إليها؟
اقرأ أيضاً: