لقد أحببت جداً تحدي دلو الثلج الذي انتشر مؤخراً. ليس لدي أي تحفّظ عليه. فهو تعبير جماعي عن حالة حب في عالم قليل المحبة. أدى هذا الحدث إلى ذرف كمية كبيرة من الدموع في عصر عزّ فيه من يذرفون الدموع، وأسهم في عودة الثقة بين الناس وتوطيد الأواصر بينهم، فضلاً عن أنه جمع أكثر من 100 مليون دولار لصالح "جمعية مرضى التصلّب الجانبي الضموري" (ALS)، مقارنة مع تبرعات بمبلغ 2.8 مليون دولار تمكنوا من جمعها حتى الفترة ذاتها من العام الماضي.
هل نحن بذلك ننظر إلى مستقبل العمل الخيري؟ ربما يمكن القول إننا بصدد إلقاء نظرة سريعة على الطاقة الكامنة للتفاعل الجماعي الآني واللحظي، ولكننا في الوقت نفسه نرى القواعد المقيدة التي يتعيّن على المؤسسات غير الربحية العمل بموجبها، وتقع جميعها في أسر طريقة التفكير القديمة. فها هي "جمعية مرضى التصلب الجانبي الضموري"، التي أُطلق تحدي دلو الثلج من أجلها، تخضع الآن لتدقيق شديد لضمان ألا تنفق أي دولار حصلت عليه من هذا التحدي على أي شيء غير الأبحاث. لذلك عندما يخبو الحماس، لن يحل مكانه أي شيء، لأن الاستثمار في البديل كان ممنوعاً
أنا أحب تحدي دلو الثلج كشيء لذاته فقط. ولكن عندما يتعلق الأمر بمصلحة "جمعية مرضى التصلب الجانبي الضموري" وكل من لديه هذا المرض، يتعين علينا تكريس أنفسنا لشيء أكبر بكثير –نعم، شيء أكبر بكثير من 100 مليون دولار. يجب أن نطمح إلى تحقيق زيادة كبيرة جداً نسبياً في العطاء الخيري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وحتى يحصل ذلك، نحتاج إلى منح الجمعيات الخيرية قدراً أكبر بكثير من الحرية للاستثمار في تلك النتيجة.
بلغ حجم العطاء الخيري في الولايات المتحدة 335 مليار دولار أميركي في عام 2013، لكن 15% فقط من هذا المبلغ، أي ما يُعادل 50 مليار دولار، ذهبت إلى القضايا الصحية والخدمات الإنسانية، بينما 85% ذهبت إلى العمل الديني والتعليم العالي والمستشفيات. لكن 50 مليار دولار لا تكفي لمعالجة السرطان والتصلب الجانبي الضموري والإيدز والزهايمر وغير ذلك من الأمراض التي تشكل خطراً، وهي غير كافية لوضع حد للفقر والتشرد والتنمّر وغيرها من المشاكل التي تسعى الجمعيات الخيرية إلى معالجتها.
لكن نسبة العطاء الخيري ظلت عالقة عند 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة منذ أن بدأت عمليات القياس في سبعينيات القرن الماضي، وخلال 40 عاماً، لم يتمكن القطاع غير الربحي على قضم أي حصة سوقية من نظيره الربحي.
لكن ماذا يمنعنا من زيادة العطاء الخيري؟ نحن نميل بطبعنا إلى النفور من رؤية المنظمات الإنسانية تنفق المال على أي شيء آخر غير "القضية" كما نعرّفها، ونعطيها تعريفاً ضيقاً جداً. كما أننا ندينها على استخدام الموارد التي تحصل عليها من التبرعات لرفع مستوى الوعي في السوق أو جمع التبرعات، رغم أنها لن تتمكن البتّة، دون هذه الأشياء، من الوصول إلى الحجم الذي نحتاجه لمعالجة هذه المشكلات الاجتماعية الهائلة بشكل كامل.
بالنسبة لجمهور مغرم إلى حد الموت بالترويج للاستدامة، لدينا إدمان غريب على الأشياء غير المستدامة. فتحدي دلو الثلج غير مستدام، على الأقل ليس لمرضى التصلب الجانبي الضموري، ولا للقطاع برمته. فالأفكار الرامية إلى جمع التبرعات دون إنفاق أي دولار والتي تظهر هنا وهناك من العدم ولا تحتاج إلى أي استثمار تقريباً هي مبادرات غير مستدامة لأنها نادرة الحدوث، والاتكال عليها لن يوصلنا إلى العالم الذي نسعى إليه جميعنا بحق.
الثلج يذوب. هذا الاستعراض الكبير الذي بين أيدينا هو بمثابة إعادة تذكير جماعي لنا بالكيفية التي ينظر بها الشعب الأميركي عموماً إلى العمل الخيري.