كيف تعمِّم مشروعاً تجريبياً أثبت نجاحه؟

7 دقائق
تعميم فكرة المشروع التجريبي الناجح

ملخص: جرى العرف على التعامل مع الأفكار المبتكرة من خلال تعميم فكرة مشروع تجريبي ناجح، ولكن ثبت بالدليل القاطع أن نجاح المشاريع التجريبية لا يعني بالضرورة نجاح تعميم فكرتها على نطاق أوسع. ويقترح المؤلفان نهجاً أفضل لتعميم أفكار المشاريع التجريبية الناجحة استناداً إلى خبراتهما التي تمتد لسنوات طويلة من الأعمال الاستشارية حول التغيير المؤسسي واسع النطاق. وبدلاً من مطالبة أعضاء الفرق الجديدة باستنساخ المشاريع التجريبية وتطبيقها بحذافيرها، أطلعهم على الدروس المستفادة منها، ثم اطلب منهم التوصل إلى حلول مبتكرة يمكن أن تحقق النجاح ذاته الذي حققه المشروع التجريبي، أو بمستوى أفضل منه، وفق مقتضيات سياقهم الخاص.

 

إذا كنت قائداً يريد تعميم فكرة مشروع تجريبي ناجح، وإدخال تغيير جذري في مؤسستك، كاستحداث تقنية أو عملية جديدة أو إدخال نظام أو منتج مستحدث أو عقد شراكة أو غير ذلك، فسينصحونك في الغالب بتنفيذ مشروع تجريبي. وسيقال لك طبعاً إن الغرض منه هو تقليل مخاطر الفشل في حال تعميمه على المؤسسة بأكملها، وذلك من خلال اختبار الفكرة في بيئة مصغّرة ومحكومة بضوابط محددة حتى تتمكن من صقل الأفكار المقترحة قبل تعميمها.

تعميم أفكار المشاريع التجريبية الناجحة

لكن على الرغم من أن طرح المشاريع التجريبية ثم تعميم فكرتها يبدو استراتيجية منطقية، فقد ثبت بالدليل القاطع أن نجاح المشاريع التجريبية لا يعني بالضرورة نجاح تعميم فكرتها على نطاق أوسع. وقد استطعنا التعرف على أنماط هذه الإخفاقات والتوصل إلى نهج أفضل من واقع خبرتنا التي تمتد لسنوات طويلة من الأعمال الاستشارية حول التغيير المؤسسي واسع النطاق، وعملنا السابق حول أسباب فشل المشاريع الجيدة في كل الأحوال.

خذ على سبيل المثال شركة لتوزيع قطع الغيار على مستوى البلاد أرادت زيادة الربحية ورأت أن استحداث نظام جديد لتتبّع المبيعات سيفيدها في تحقيق هذا الهدف. وبعد بحث مكثف، نفذت الشركة مشروعاً تجريبياً في منطقة واحدة، أُتيح خلاله لعدد قليل من مندوبي المبيعات فرصة استخدام برنامج إلكتروني معين لمدة 3 أشهر. وقد لاحظ هؤلاء المندوبون خلال هذه الفترة ازدياد قدرتهم على بيع منتجات تدر أرباحاً أعلى وتتّبع عملائهم المميزين واستخدام البيانات بصورة أكثر فاعلية، كل ذلك أسهم في تعزيز الربحية بنسبة كبيرة. شجّعت هذه النتائج قيادات الشركة على اعتماد البرنامج الجديد وتثبيته على أجهزة كل مندوبي المبيعات التابعين للشركة في مختلف أنحاء البلاد.

لكنهم سرعان ما لاحظوا أن بعض الأشخاص رفضوا استخدام البيانات عندما وجدوا أنها تكشف عن بيع منتجات غير مألوفة أو تفضيل عملاء على غيرهم، ووجد آخرون أن تقنية البرنامج الجديد تسبب لهم بعض الإرباك، فيما لم يفهم البعض الآخر المزايا الحقيقية للبرنامج وكيفية الاستفادة من قدراته. وكانت النتيجة أن طلب الكثير من مدراء المبيعات من مرؤوسيهم العودة إلى الأسلوب القديم في العمل، والأنكى من ذلك أن الربحية الإجمالية تراجعت عن ذي قبل.

فماذا حدث؟ أولاً: هناك الكثير من العوامل التي تسهم في إنجاح المشاريع التجريبية وتجعل نتائجها تبدو مبشرة. إذ يجري اختيار المشاركين فيها من بين أشخاص غالباً ما يتصفون بتقبّلهم لفكرة تجربة أشياء جديدة، وغالباً ما يشعرون بأنهم "مميزون" عن أقرانهم وبأن ذلك سبب اختيارهم دون زملائهم، وبالتالي يعملون بجد وإخلاص (أحد أشكال أثر هوثورن)، كما يتلقون تدريبات مكثفة ودعماً غير محدود، علاوة على شعور المدراء بالحافز لإنجاح المشروع التجريبي، وبالتالي يتم تذليل كافة العوائق الثقافية والإدارية التي تقف عادة في طريق عمليات التغيير، ولكن إلى حين.

ولكن لا تلبث كل هذه الظروف أن تختفي عند تعميم الفكرة على المؤسسة ككل، حيث يُطلب من الجميع اتباع توجيهات محددة لضمان الاتساق في تنفيذ النهج الجديد على كافة المستويات، ويقل التدريب والدعم الموجَّهين لعموم الموظفين، دون التنازل عن أي من الأهداف الأخرى، وغالباً ما يُنظر إلى التغيير على أنه مطلب آخر يُضاف إلى باقي المطالب المنوطة بالموظفين.

لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير. انظر مثلاً إلى شركة توزيع قطع الغيار: إذ كان الأساس المنطقي لمشروعها التجريبي هو إثبات أن تحسين نظام تتبّع المبيعات من شأنه أن يُحسّن الربحية، في حال تكافؤ كل العوامل الأخرى. ربما كانت هذه الفرضية صحيحة، باستثناء واحد وهو أن "كل العوامل الأخرى" لن تتكافأ أبداً في حالة تعميم التجربة على المؤسسة ككل. فلن يستخدم شخصان الأداة المستحدثة أو الحل الجديد بالطريقة ذاتها بالضبط، ولن تتوافر لهم بالضرورة الظروف نفسها. كما تتدخل عوامل أخرى، كالدافعية والمهارة واعتياد الأسلوب القديم في العمل، وغيرها من العوامل المشابهة التي لا تقل أهمية عن الأداة نفسها في تحقيق النتيجة المنشودة. وهناك العديد من المؤسسات أو الوحدات التي تتألف من عشرات ومئات بل وآلاف الأشخاص الذين يجب أن يعملوا معاً بأساليب جديدة باستخدام الحل المستحدث من أجل تحقيق النتيجة المنشودة. لا عجب إذن أن يبوء الكثير من عمليات تعميم الأفكار بالفشل الذريع على الرغم من نجاحها في المشاريع التجريبية.

ولكن هناك مساراً بديلاً يمكن للقادة اتباعه عند نجاح المشاريع التجريبية، من خلال تهيئة الأجواء التي تسمح للأفراد والفرق بتكييف الحل مع ظروفهم الخاصة وتطبيقه بالصورة الملائمة لأوضاعهم في إطار تعميم الحل المقترح. تستلزم هذه الخطوة تشجيع روح التعاون المتبادل وتغيير السلوك وتعزيز الابتكار.

ويمكنك على وجه التحديد اتباع الخطوات التالية: اطلب من بعض فرق الخط الأمامي التي تمثل أصحاب المصلحة في النظام الجديد تحقيق تقدم طموح للغاية فيما يخص النتائج الرئيسية التي تتوقع أن يسهم الحل في تحقيقها خلال إطار زمني قصير جداً لا يتجاوز 100 يوم أو أقل، بدلاً من إخبارهم بما يجب عليهم فعله بالضبط. وقدّم لفرق العمل بعض الإرشادات حول مساحة الحرية المتاحة لهم والتي يمكنهم من خلالها تعديل ما تمخض عنه البرنامج التجريبي، ولكن دعهم يطلقوا العنان لخيالهم والتوصل إلى الحلول المناسبة لهم. واستغل قوة المنافسة بين الأقران في تلك الأثناء لتشجيعهم على الابتكار. وأخيراً، استخلص الدروس المستفادة من كلٍّ من "التجارب الناجحة" التي استغرق تنفيذ كل منها 100 يوم حتى تتمكن فرق العمل في المرحلة التنفيذية التالية من الاستناد إلى قائمة أكثر ثراءً من الاحتمالات.

تعميم الصالح الاجتماعي

لإظهار كيفية تحقيق هذه الفكرة، دعونا نلقِ نظرة على كيفية تغلب مسؤولي حملة 100,000 منزل على المشكلة التي صادفتهم عندما قاموا بتعميم فكرة مشروع تجريبي أثبتت نجاحها في مكافحة التشرد في الولايات المتحدة.

تم تنفيذ البرنامج التجريبي الأولي من قبل مجموعة تسمى "حلول المجتمع" (Community Solutions) في ساحة تايمز سكوير بنيويورك لإيجاد طرق لإيواء الأفراد الذين تشردوا في الشوارع لفترات طويلة من الزمن. وتضمنت الممارسات المتبعة في المشروع التجريبي أفكاراً جديدة مثل إعداد "قائمة بالأسماء" لتنظيم جهود فريق التوعية بحيث يتم التعرف على كل مشرد بالاسم ودعمه كفرد لديه احتياجات خاصة ونقاط ضعف ونقاط قوة تختلف عن غيره. نجح هذا البرنامج التجريبي في خفض نسبة التشرد في الشوارع بنسبة 87% على مدار 4 سنوات.

تهدف حملة 100,000 منزل منذ أن انطلقت عام 2010 إلى تطبيق هذه الأفكار الناجحة وغيرها لإيواء 100,000 فرد يعانون مشكلة التشرد المزمن في مدن الولايات المتحدة خلال 4 سنوات.

لكن تبين أن الأمور لم تكن تسير على ما يرام بعد مرور عامين من تدشين الحملة في يناير/كانون الثاني 2012، حتى إن مديرة الحملة بيكي كانيس-مارغيوتا قالت في مقال نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز": "نظرنا إلى الأرقام التي حققناها وأدركنا أننا نسير على الطريق الصحيح لتوفير 30,000 منزل". تخيلت كانيس-مارغيوتا وزملاؤها أنه ما إن تبدأ المجتمعات في استخدام النهج القائم على إعداد "قائمة بالأسماء" وغيرها من الممارسات التي أثبتت نجاحها، فإنها ستتمكن من إيواء المزيد من المشردين بسرعة أكبر. كان هذا يحدث فعلاً، ولكن ليس بالسرعة الكافية.

فما كان من كانيس-مارغيوتا وفريقها إلا أن غيروا نهجهم مطلع 2012، واتبعوا نهجاً يعتمد بشكل أكبر على الأفكار المستقاة من المجتمعات نفسها. وبدؤوا بمساعدة المجتمعات على تحليل بياناتها الخاصة لفهم معدلات الإيواء الشهرية المحلية اللازمة للحد من التشرد في تلك المنطقة. ثم أنشأ فريق الحملة بالتعاون مع نديم وزملائه في مايو/أيار 2012 هيكلاً تنظيمياً لمساعدة المجتمعات المسجلة على تسريع تقدمها نحو تحقيق هذه المستهدفات الشهرية، حيث طلب قادة مختلف الوكالات الفيدرالية التي تشرف على برامج التشرد من كل مجتمع خوض تجربته الخاصة وإنجاحها خلال مدة لا تتجاوز 100 يوم، وذلك باستخدام الممارسات التي أثبتت جدواها في البرنامج التجريبي لساحة تايمز سكوير بالإضافة إلى أي ممارسات أخرى يود أفراد المجتمع تجربتها.

بدأ هذا النهج المعدّل بمجموعة من 4 مجتمعات واستمر لمدة عامين آخرين على عدة مراحل يتألف كل منها من 4 مجتمعات، حتى بلغ عدد المجتمعات المشاركة أكثر من 60 مجتمعاً فيما أصبح يسمى معسكرات تحدي الـ 100 يوم.

وعند انتهاء كل المراحل التجريبية، غدت قائمة الممارسات المنبثقة عن هذه التجارب أكثر ثراءً، وهو ما أدى بدوره إلى إرساء المزيد والمزيد من اللبنات لتجارب النجاح اللاحقة، ثم تسارع مسار تأثير المبادرة بصورة كبيرة، وتم تجاوز هدف المدن المسجلة التي تؤوي 100,000 مشرد في منتصف عام 2014. (لا تزال المشكلة قائمة بطبيعة الحال، ولكن الكثير من المبادرات المجتمعية الأخرى استلهمت تجربة الحملة ومعسكرات تحدي الـ 100 يوم).

طرق جديدة للبيع

لاحظنا أيضاً نجاح هذا النهج القائم على تكييف المشاريع التجريبية في بيئة العمل بالشركات التجارية. فقد أرادت إحدى كبرى شركات الأدوية* التي عمل معها رون زيادة مبيعات المنتجات القديمة التي كانت لا تزال مفيدة للمرضى ولكنها لم تعد تلقى قبولاً واسعاً في السوق. وأثبت بعض البرامج التجريبية أن فرق المبيعات في الولايات المتحدة أو الفرق الإقليمية التي ركزت جهودها التسويقية على حزمة مختارة من هذه المنتجات القديمة استطاعت تحقيق مبيعات إضافية، لذا أرادت الشركة تعميم هذه المبادرة في مختلف أنحاء العالم.

ولتحقيق هذه الغاية، استعان الفريق الإداري في المقر الرئيسي للشركة بالخبرات المستقاة من البرامج التجريبية لتحليل المنتجات التي يجب التركيز عليها في كل دولة وأساليب التسويق التي يجب استخدامها. وعندما توجهوا إلى فريق المبيعات الألماني لبدء تعميم الفكرة، قيل لهم إن المنتجات وخطط التسويق المختارة لا تصلح للتطبيق في ألمانيا، وإن مندوبي المبيعات لديهم أساليبهم الخاصة في العمل مع العملاء.

ولكن بدلاً من إرغام الفريق على تنفيذ الخطط المعدة سلفاً أو التخلي كلياً عن الفكرة كلها، طلب الفريق الإداري في المقر الرئيسي للشركة من الفريق الألماني إضافة لمساتهم إلى الدروس المستفادة من المشاريع التجريبية وتكييفها بما يتناسب مع ظروفهم الخاصة خلال الـ 100 يوم المقبلة. وانطلاقاً من هذا التوجه التشجيعي، قرر الفريق الألماني التركيز على عدد قليل من المنتجات المختلفة التي رأوا أنها ستفيد المرضى في أسواقهم، وأعدوا مواد وآليات عمل مصممة خصيصاً من شأنها أن تحرز معهم قدراً أكبر من النجاح.

وسرعان ما أثبت هذا الأسلوب التكييفي نجاحه في ألمانيا. لذلك، طُلب من كل الفرق الأخرى التابعة للشركة في الولايات المتحدة أن تطور تجاربها الخاصة لمدة 100 يوم من أجل التعرف على أفضل السبل لبيع المنتجات القديمة، بدلاً من اللجوء إلى فكرة تعميم نهج محدد جرى تطويره في المقر الرئيسي للشركة.

وأدى تعميم هذه العملية من خلال تنفيذ التجارب الوطنية على مراحل وبناء قاعدة معرفية مشتركة حول كيفية إنجاحها في النهاية إلى تحقيق مبيعات إضافية بحوالي مليار دولار على مدار عامين، بالتوازي مع تعزيز قدرة فرق المبيعات في كل دولة على الاستمرارية في تحقيق المكاسب في المستقبل.

قد لا تجني مكاسب مباشرة أو سريعة باتباع هذا النهج القائم على توليد الأفكار وتكييف الحلول عند الإقدام على تعميم فكرة مشروع تجريبي، بخلاف إخبار الجميع بتنفيذ حل محدد أو أداة معينة تم اختبارها في مشروع تجريبي مصغّر، ولكنه سيمنحك بكل تأكيد فرصة أكبر بكثير لتحقيق أثر واسع النطاق ودائم في الوقت نفسه.

*ملحوظة المحرر: جرى تغيير بعض التفاصيل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي