ملخص: الشراكات والمشاريع الاستثمارية المشتركة هي مصادر مهمة للإيرادات والابتكار بالنسبة لشركات كثيرة، لاسيما في مجالات التكنولوجيا الناشئة. تبين أبحاث جديدة أن الشركات التي تعيد هيكلة نسبة كبيرة من شراكاتها تحقق عائدات مالية أفضل. ويجب على الشركات التي تنشئ شراكات جديدة اتخاذ بعض الخطوات كي تتيح إجراء عمليات إعادة الهيكلة في المستقبل.
تعمل الشركات الناجحة على إدارة أعمالها على نحو نشط في الفترات التي تشهد نمواً أو ركوداً أو تعافياً اقتصادياً. وتقوم بذلك عن طريق الابتكار وإجراء التغييرات الاستراتيجية وتجديد العمليات الحالية وإعادة توزيع الموارد وإدخال خطوط أعمال جديدة وإعادة هيكلة الخطوط الحالية.
المشاريع الاستثمارية المشتركة
تعتبر المشاريع الاستثمارية المشتركة وغيرها من الشراكات جزءاً مهماً من أعمال غالبية الشركات. تملك شركات مثل "أمازون" و"غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline) و"لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) و"ريو تينتو" (Rio Tinto) و"شل" و"سيمنز" و"فولكس فاغن" قواعد مستخدمين كبيرة لمشاريعها الاستثمارية المشتركة وشراكاتها، وتعتمد في كثير من الحالات على هذه الشراكات في 25% أو أكثر من إيراداتها أو صافي دخلها.
نشأت الشراكات كوسيلة أساسية للتنافس في المجالات الجديدة القائمة على التكنولوجيا، ومنها الطاقة المتجددة والاقتصاد الدائري والصحة الرقمية والتنقل. وفي وسط الميول المناهضة للعولمة وظهور الأنظمة الرقابية المقيدة، تعمل المشاريع الاستثمارية المشتركة مع الشركاء المحليين كأدوات استراتيجية تساعد الشركة على ترسيخ موطئ قدم دولي لها أو توسيع نطاقه.
لكن لا يمكن أن تبقى الشراكات ثابتة، بل يجب على كثير منها التكيف مع التغيرات التي تطرأ على كل من ظروف السوق واستراتيجية الشركة المالكة ومركزها المالي، إلى جانب القوى الأخرى. خذ مثلاً شركات "أمازون" و"جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) و"بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) التي قامت مؤخراً بحلّ مشروع "هايفن" (Haven) الاستثماري المشترك رفيع المستوى الذي أطلقته منذ 3 أعوام، وذلك من أجل تخفيض التكاليف وتحسين النتائج في سوق الرعاية الصحية الأميركية نظراً للاختلافات الاستراتيجية. كما أدخلت شركتا "أيه إي إس" (AES) و"سيمنز" مؤخراً شريك ثالث، وهو مؤسسة "جهاز قطر للاستثمار" (Qatar Investment Authority) للمساعدة في تمويل نمو مشروعهما الاستثماري "فلوِنس" (Fluence) لتخزين الطاقة على نطاق واسع.
هل يعتبر تشكيل المحفظة الاستثمارية للمشاريع الاستثمارية المشتركة والشراكات وإعادة تشكيلها دليلاً على ضعف الشركة ومعاناتها من فجوات في قدراتها وعثرات في استراتيجيتها، أم مصدراً للميزة التنافسية؟ لمعرفة الجواب، أجرينا تحليلاً على 60 شركة رائدة في 6 قطاعات وأكثر من 2,200 من مشاريعها الاستثمارية المشتركة وشراكاتها بهدف فهم التغيرات التي طرأت على محافظها الاستثمارية على مدى الأعوام الأربعة الماضية.
لاحظنا علاقة ترابطية قوية بين الأنشطة الكلية للمحفظة الاستثمارية للشراكة والعائد على رأس المال الذي تجنيه الشركة. والشركات التي كانت أكثر نشاطاً في إعادة هيكلة المشاريع الاستثمارية المشتركة الحالية وتشكيل مشاريع استثمارية مشتركة جديدة كانت تتمتع باحتمالات أكبر لتحقيق متوسط العائد على رأس المال لثلاثة أعوام في القطاع أو تجاوزه مقارنة بالشركات النظيرة في القطاع.
وظهرت 6 شركات، وهي "تيسلا" و"بوش" و"توتال" و"ريو تينتو" و"لوكهيد مارتن" بوصفها شركات رائدة في قطاعات السيارات، والتصنيع، والصناعات الفضائية الجوية والدفاع، والصناعات الكيميائية، والنفط والغاز، والتعدين.
وكشفت البيانات أن نسبة 37% من المشاريع الاستثمارية المشتركة في قاعدة بياناتنا خضعت لعملية إعادة هيكلة مرة واحدة على الأقل في الأعوام الأربعة الماضية، وأن 59 من 60 شركة في قاعدة بياناتنا قامت بإعادة هيكلة مشروع استثماري مشترك واحد على الأقل في نفس الفترة. (الشركة الوحيدة التي لم تقم بعملية إعادة الهيكلة هي شركة "ثري إم" التي تملك محفظة استثمارية صغيرة نسبياً). بالإضافة إلى أنه وسطياً، أعادت كل شركة هيكلة 32% من المحافظ الاستثمارية لمشاريعها الاستثمارية المشتركة في نفس الفترة، وكانت شركة "كونوكو فيليبس" (ConocoPhillips) في المقدمة إذ أجرت عمليات إعادة هيكلة لأكثر من ثلاثة أرباع مشاريعها الاستثمارية المشتركة. كما أظهرت بياناتنا أن الشركات كانت تجري عمليات إعادة هيكلة لمشاريعها الاستثمارية المشتركة الأكبر، في حين لم تشهد المشاريع الأصغر أي تغييرات مهمة. عرّفنا عملية إعادة الهيكلة على أنها تغيير مادي في المشروع يشمل التغييرات في الملكية وحقوق التشغيل والاستراتيجية والنطاق، والترتيبات المالية والتجارية والحوكمة والبنية التنظيمية القانونية والتنظيم والمواهب والعمليات.
تتصل هذه النتائج ببحثنا السابق الذي بيّن أن المشاريع الاستثمارية المشتركة التي تخضع لعملية إعادة هيكلة كبيرة واحدة على الأقل تتضاعف احتمالات تلبيتها للأهداف الاستراتيجية والمالية للشركة المالكة مقارنة بالمشاريع الاستثمارية المشتركة التي تستمر من دون أي تغيير يذكر، وأن المشاريع الاستثمارية المشتركة التي تخضع لعمليات إعادة هيكلة ناجحة (باستثناء الخروج من المشروع الاستثماري المشترك أو إنهائه) تحقق تحسناً وسطياً بنسبة تتراوح بين 10 و30% في الأداء المالي والتشغيلي.
يبين تحليلنا أيضاً أنه وسطياً، دخلت كل شركة في أكثر من 13 مشروعاً استثمارياً مشتركاً وشراكة جديدة في الأعوام الأربعة الماضية، وأن هذه المشاريع تشكل 29% من المحفظة الاستثمارية للشركة وسطياً. كان هذا النشاط في أوجِه في قطاع المركبات ذاتية القيادة، حيث يتم تشكيل المشاريع الاستثمارية والشراكات الجديدة لتنافس قوى السوق الجديدة، مثل المركبات التي تعمل على الكهرباء وخدمات التنقل والمركبات ذاتية القيادة وتكنولوجيا الوقود البديل، وهي تشكل 47% من المحافظ الاستثمارية للشركات. خذ مثلاً شركتَي "دايملر" و"بي إم دبليو" اللتين وحدتا أعمالهما في مجال التنقل وشكلتا 5 مشاريع استثمارية مشتركة منفصلة تعمل تحت مظلة العلامة التجارية "ناو" (NOW). كما كانت الشركات الصناعية نشطة بدرجة كبيرة، واستخدمت الشراكات بصورة متزايدة لتطوير مواد مستدامة للاستخدام في الإنتاج وبناء آلات ذكية متصلة بالإنترنت بالاستفادة من إنترنت الأشياء.
وكي تحقق الشركات المكاسب المالية المحتملة من إدارة المحافظ الاستثمارية للمشاريع الاستثمارية والشراكات الأكثر نشاطاً يجب عليها اتخاذ قرارات بإجراء عمليات إعادة هيكلة للمشاريع الحالية في الوقت المناسب كي تزيد كفاءتها في إنشاء شراكات جديدة وفحصها ومناقشتها ووضع بنيتها الهيكلية، لاسيما في الابتكارات التكنولوجية والأسواق الحديثة. فيما يلي، نقترح بعض الأفكار العملية حول طرق النجاح على كلتا الجبهتين.
احرص على تمكين عملية إعادة الهيكلة
خلص الاستطلاع الذي أجريناه لآراء المسؤولين التنفيذيين إلى أن نسبة 70% من المشاريع الاستثمارية المشتركة والشراكات تحتاج إلى عملية إعادة هيكلة في وقت ما، وأن عملية إعادة هيكلة المشروع الاستثماري المشترك الوسطي تستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي تستغرقه إعادة هيكلة شركة مملوكة لمالك واحد بقرابة 39 شهراً في المتوسط. ومن أجل تمكين الحوكمة النشطة للمشروع الاستثماري المشترك وإجراء عملية إعادة هيكلة في الوقت المناسب، يجب على الشركات التفكير فيما يلي:
دمج المرونة وعمليات إعادة الهيكلة في الاتفاقات القانونية. غالباً ما تستدعي عملية إعادة هيكلة مشروع استثماري مشترك إجراء تغييرات على الاتفاقات القانونية، وهو أمر قد يكون صعباً ويستهلك وقتاً طويلاً، وفي بعض الأحيان يكون التفاوض على الاتفاقات القانونية من جديد أمراً مستحيلاً. ومن أجل تفادي الحاجة إلى تعديل الاتفاقات القانونية، يجب على الشركات التفكير بمناقشة الشروط التعاقدية التي تتيح المرونة. وقد يشمل ذلك وضع شروط الاتفاق التي تستدعي تجديد الاتفاق بعد فترة زمنية محددة، مثلاً 15 أو 20 عاماً، وإنشاء العقود المشروطة القائمة على الأداء التي تساهم في تحفيز الأداء واستمرار مشاركة جميع المالكين، وتحديد أحكام المخاطر الفردية، وتحويل شروط الصفقة لتحقيق المصلحة وذلك من أجل تعزيز الخروج من المشروع أو تغيير ملكيته على نحو أسهل.
عزز مجالس إدارة المشاريع الاستثمارية المشتركة. الطريقة الأخرى الأساسية لإجراء عملية إعادة هيكلة للمشاريع الاستثمارية المشتركة في الوقت المناسب هي تعيين موظفين من كبار المسؤولين في مجالس إدارتها ممن يملكون المزيج المناسب من المهارات والخبرات والحوافز والالتزام، وضمان أن يتبنى مجلس الإدارة الثقافة المناسبة ويقضي الوقت اللازم في العمل على المواضيع المناسبة. يختلف مجلس إدارة المشروع الاستثماري المشترك بتكوينه وعمله عن مجالس إدارة الشركات. مثلاً، يقضي المدير الإداري في المشروع الاستثماري المشترك الوسطي 15 يوماً فقط في العام في أداء واجباته، وتستمر مدة توليه الوظيفة 30 شهراً فقط، بينما يقضي المدير الإداري في الشركات العامة 35 يوماً في العام لأداء واجباته وتستمر مدة توليه الوظيفة 8 أعوام ونصف وسطياً. إلى جانب أن الوقت الذي تقضيه مجالس إدارة المشاريع الاستثمارية المشتركة في العمل على الاستراتيجية والمواضيع طويلة الأجل (5 أيام في العام) أقل بكثير من الوقت الذي تقضيه مجالس إدارة الشركات في نفس العمل (14 يوماً في العام).
عزز تشكيلات الشراكات الجديدة
كيف يمكن للشركات رفع كفاءتها في العثور على المشاريع الاستثمارية المشتركة والشراكات الجديدة وفحصها وإتمامها؟ إليك بعض أهم النصائح التي استخلصناها من عملنا:
احرص على توسيع مسار الاتفاق. يجب على الشركات توسيع الطرق التي تتبعها في إنشاء الاتفاقات واستخدام مصادر إضافية مثل وحدات رأس المال المغامر (الجريء) بالشركات وتمويل الطرف الثالث للمشاريع وحاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال ووحدات الاستطلاع الخارجية والشبكات الداخلية للمساعدة في تحديد الفرص التي توفرها الشراكات الجديدة. هذه الحاجة ماسة، فنادراً ما تمول المصارف الاستثمارية فرص الشراكة على عكس ما نراه في أسواق الاندماج الاستحواذ، لأن هذه المصارف تواجه صعوبة في تطبيق بنية النسبة المئوية التي تتقاضاها من رسوم العمليات التجارية على المشاريع الاستثمارية المشتركة والشراكات. إضافة إلى توسيع مصادر الاتفاقات الجديدة، يجب على الشركات أيضاً إلقاء نظرة أخرى على حجم الفريق الذي يعمل في تطوير الأعمال وقدراته وبنيته التنظيمية وحوافزه، لاسيما إذا كان من المحتمل أن يتبنى البنى التنظيمية والحوافز التي تتبناها الفرق في شركات رأس المال المغامر (الجريء) وشركات الأسهم الخاصة.
اعمل على تكييف عملية مراجعة الاستثمار القائمة على منهج البوابة المرحلية. غالباً ما يحتاج تقييم المشاريع الاستثمارية المشتركة والشراكات كبيرة الحجم وإتمامها إلى تغيير الطريقة التي تتبعها الشركة في مراجعة المعاملات التجارية والمصادقة عليها، لاسيما في مجالات التكنولوجيا والقدرات الحديثة. مثلاً، في الدراسة الاستقصائية التي أجريناها على كبار المسؤولين التنفيذيين في 20 شركة كبيرة في قطاعي الصناعات الكيميائية والنفط، تبين لنا أن 80% منهم يعتقدون أن عملية البوابة المرحلية التقليدية التي تتبعها شركاتهم في عمليات استثمار رأس المال والاندماج والاستحواذ غير معدة كما يجب للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة وشراكات الاستدامة واستثماراتها، في حين قام أقل من 20% من هذه الشركات بتكييف عمليات الاستثمار كي تبين المطالب الفريدة في تقييم هذه التعاملات وإتمامها، وذلك يشمل الحاجة إلى تقييم التكنولوجيا غير المؤكدة والشركاء غير المألوفين وشروط الصفقة الجديدة من أجل اتخاذ قرارات سريعة.
قد يكون الاستقرار جذاباً للغاية، لاسيما اليوم في خضم حالة الاضطراب الاقتصادي الكبير. لكن سيكون تنشيط المحفظة الاستثمارية لشراكتك هو ما تحتاج إليه شركتك تحديداً، وهذا يعني الخروج من المشاريع الحالية أو إخضاعها لعملية إعادة هيكلة والدخول في شراكات جديدة.