لماذا يمكن لمزاجك السيئ أن يدمر مستقبلك المهني؟

3 دقيقة
المزاج السيئ
app.envato./by fauziEv8

يكشف المقال كيف يمكن لسوء المزاج والفظاظة في بيئة العمل أن تصبح سبباً مباشراً لتدمير المسار المهني، مهما امتلك الفرد من مهارات أو ذكاء. ويؤكد أن العقلية السلبية غالباً ما تكون خفية عن صاحبها، لكنها واضحة ومؤثرة في نظرة المدراء وزملاء العمل. ولحل مشكلة المزاج السيئ يبدأ …

قبل أيام حدثتني زميلة قديمة في العمل بعد ما التقيت بها بعد سنوات من الانقطاع، أنها واجهت في عملها الأخير مديراً جديداً ضغط عليها بكل السبل لتستقيل من العمل بسبب خلاف بينه وبينها. تقول بأنها تمسكت بالعمل وتمالكت أعصابها أمام استفزازاته، حتى قال لها الكلمة التالية بصراحة: إذا لم تستقيلي فسنفصلك من العمل ونذكر أن السبب "Attitude" أي عقلية أو ذهنية سيئة في التعامل.

تقول بأنها عندما سمعت هذا التهديد، استقالت فوراً، لأنه حسب وصفها يعتبر ذكر كلمة "Attitude" في ملف الموظف، وأنه سبب الاستقالة، يبدو أمراً مدمراً لمستقبلها المهني في قطاع شركات التسويق والعلاقات العامة الذي تعمل فيه.

هذا معناه أنها كلما تقدمت لوظيفة جديدة، فإن الشركة الجديدة ستسأل تلك القديمة عن سبب الفصل من العمل وسيخبرونها بأن ذات مزاجية أو عقلية سيئة وهذا الأمر خطر لأنها ستكون في علاقة مع الزبائن، ولن يخاطروا بموظفة ذات عقلية سيئة.

حسناً، ربما تقولون بأنها قد تكون ذات عقلية من هذا النوع. لست أدري. لم أجد ذلك من خلال عملي السابق معها. ولكنني بدأت بهذه القصة لأذكر لكم أن ذهنية الموظف وعقليته ومزاجيته مهمة لكثير من الأعمال. فكثير من الشركات لا توظف الأشخاص الذين تصعب إدارتهم أو التعامل معهم حتى ولو كانوا عباقرة.

المشكلة، هي أنك قد لا تعرف أنك صاحب عقلية مدمرة أو عقلية سيئة في التعامل.

وقد تكون أنت في بداية تشكيل هذه العقلية السيئة، والتي قد تدمر ترقيك الوظيفي وفرصك في الصعود حتى ولو كنت مديراً. لذلك تعال لأخبرك كيف تكتشف هذه العقلية في داخلك وتتجنبها.

العبقري الأحمق

خلال عملي لسنوات طويلة كمدير ورئيس تحرير، قابلت الآلاف من المرشحين للوظائف، ووظفت الكثير منهم. وكانت الحسرة الحقيقية التي لا تُنسى، حين أكتشف ما أسميه "المرشح المثالي الأحمق" وهو نوع الناس الذين يسمونهم بالإنجليزية "العباقرة ذوي الطباع الصعبة" (Brilliant Jerks).عندما تجد شخصاً مؤهلاً، يبدو ممتازاً على الورق، لكن خلال المقابلة تظهر بوادر رعونته وتهوره: ردود غاضبة، فظاظة غير مبررة، أو إشارات على رفضه لأي نظام أو إدارة. وهنا، تسقط كل الكفاءات أمام علامة واحدة: المزاج السيئ.

والمزاج السيئ – بحسب بحث علمي– ليس مجرد لحظة انفعال، بل نمط سلوكي يؤدي إلى ضعف الحافز وتراجع الأداء، ويصيب الفريق كله بعدوى سلبية تنتشر كالدخان في غرفة مغلقة.

في دراسة نشرتها هارفارد بزنس ريفيو، رأى 53% من مدراء التعيينات أن الفظاظة في اللهجة والسلوك، حتى لو كانت خفيفة، فهي علامة تحذيرية كافية لاستبعاد المرشح لدى كثير من الشركات. وقد تتجلى هذه العلامة في كلمة غير لبقة، أو حتى في لغة جسد مغلقة مثل عقد الذراعين أو إهمال التواصل البصري.

أما دراسة "ليدرشيب آي كيو"، فكانت أكثر حدة، فقد بينت أن: 46% من الموظفين الجدد يفشلون خلال أول 18 شهراً، و89% من حالات الفشل تعود إلى سلوكيات سلبية، وليس إلى نقص الكفاءة.

كما تظهر دراسة "غالوب" لحالة مكان العمل العالمي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من مستويات توتر مرتفعة، حيث يشعر 52% من الموظفين بضغوط يومية. في بيئة مشحونة كهذه، يصبح الموظف "مزاجي الطباع" عبئاً لا يطاق، وليس مجرد شخص صعب المراس. وكذلك، فإن المدراء الذين يفتقرون للذكاء العاطفي لا يدمرون يوم عملهم فحسب، بل يرفعون معدلات "الاحتراق الوظيفي" في فرقهم.

التكلفة الخفية للفظاظة

قد تعتقد أن "تجاهل زميل" أو "الرد بجفاف" مسألة شخصية، لكن العلم يثبت أنها مسألة مؤثرة في مستقبل العمل وفعاليته وإنتاجية الشركات. إذ تشير أبحاث كريستين بوراث المنشورة في هارفارد بزنس ريفيو إلى أن الفظاظة في العمل -حتى لو كانت بسيطة- تؤدي إلى نتائج كارثية:

  • %48 من الموظفين يتعمدون تقليل جهدهم في العمل بعد تعرضهم لمعاملة فظة.
  • %38 يتعمدون تقليل جودة عملهم.
  • %78 قالوا إن التزامهم تجاه المؤسسة انخفض.

في السياق العربي، الأمور تبدو أكثر حدة، حيث يشير تقرير معهد ماكنزي للصحة الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي إلى أن "بيئة العمل السامة" هي المؤشر الأول والأقوى للتنبؤ باستقالة الموظفين، متفوقة بذلك على "الراتب" بعشرة أضعاف. الموظف الذي يسمم الأجواء لا يكلف الشركة راتبه فقط، بل يكلفها خسارة الكفاءات من حوله. وكما ذكر لي أحد المديرين التنفيذيين في شركة سعودية كبرى: "لا يمكن أن أسمح لشخص بتسميم بيئة العمل، مهما كانت كفاءته، ولن أتمسك به".

حل مشكلة المزاج السيئ يبدأ من التشخيص الدقيق: هل المشكلة فيك كموظف؟ أم في أحد أعضاء فريقك؟ الأمر لا يحتاج إلى شعور داخلي أو انطباع عام، بل إلى مراقبة علامات واضحة ومحددة.

ابدأ بنفسك. اسأل: هل تجد صعوبة في تقبّل الملاحظات؟ هل تميل للانفعال في الاجتماعات؟ هل سبق أن تلقيت ملاحظات عن فظاظة غير مقصودة؟ هذه إشارات عليك عدم تجاهلها. راقب لغة جسدك أيضاً: هل تميل للانغلاق والتعنّت، أو التهرب من التواصل البصري؟ إذا كان الجواب نعم، فقد تكون لديك مشكلة مزاجية غير مرئية لك، لكنها ظاهرة للجميع.

أما إذا كنت مديراً، فالمطلوب منك ليس فقط مراقبة المهارات الفنية في عملك، بل مهارات التواصل أيضاً، كما عليك ملاحظة السلوكيات الصغيرة التي قد تشير إلى مشكلات أعمق لدى فريقك. هل هناك موظف يكرر التأخير؟ يتهرب من التعاون؟ يرد بحدة على الزملاء؟ كل هذه مؤشرات تستحق الانتباه.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي