هنالك خطوة بسيطة قادرة على رفع احتمال إنقاذ حياة المرضى الموصولين على أجهزة التنفس بشكل كبير تصل إلى نسبة 10% - من نسبة 60% إلى نسبة 70%. وتتمثل تلك الخطوة في برمجة الجهاز بدقة ليوفر للمريض عدداً كافياً من دورات التنفس للبقاء على قيد الحياة، ولكن مع ضمان عدم تجاوز الحد الذي يؤذي الرئتين بسبب انتفاخهما. وبما أن هذا التدخل البسيط من شأنه أن يوفر الألم على المرضى أكثر بكثير من بعض العلاجات السحرية السائدة، يتوقع المرء أن أجهزة التنفس التي لا تيسر عملية البرمجة تلك قدر الإمكان ليس لها مكان في السوق. بيد أن الأمور في قطاع الرعاية الصحية نادراً ما تسير وفق ما يتوقعه المرء؛ حيث إنّ أقل من نصف المرضى، وفي بعض المستشفيات أقل من 20% من المرضى يتلقون هذا الإجراء المنقذ لحياتهم.
ويكمن أحد الأسباب الرئيسة لهذه الحالة في أن المستشفيات تشتري أجهزتها التكنولوجية من دون اشتراط أن تتوفر فيها إمكانية تواصلها فيما بينها. فكمية تدفق الهواء المثالية يمكن حسابها بشكل مباشر وبسيط بالاعتماد على طول المريض. بيد أن بيانات طول المرضى تبقى مخزنة في سجلاتهم الطبية الإلكترونية غير الموصولة عادة مع أجهزة التنفس. ولذلك يلجأ الطبيب إلى استحصال معلومة طول المريض من سجلاته الطبية وإجراء الحساب المطلوب (أحياناً على الورق) ومن ثم إعطاء الأمر بتزويد المريض بكمية تدفق الهواء المطلوبة. وبعد ذلك يقوم الفني المعالج بإدخال الرقم المطلوب إلى جهاز التنفس، وغالباً بالاعتماد على ذاكرته من دون شيء مكتوب.
ولو كان جهاز التنفس على اتصال مع السجلات الطبية، لكان قادراً على حساب كمية التدفق المثالية وتعيينها بشكل آلي، ولكانت مهمة الطبيب تقتصر على التحقق من صحة الإعدادات. ولكن بغياب هذا الاتصال يضيّع الطبيب وقته بطريقة غير فعالة لكي يجسر الهوة بين نظام السجلات ونظام أجهزة التنفس. وبما أن مثل هذه الهوات قائمة فيما بين عشرات الأجهزة التكنولوجية المستخدمة في المستشفيات، وبما أنه يتعين على الأطباء إجراء مئات الخطوات يومياً لتجسير تلك الهوات وتوفير الرعاية الصحية القائمة على الدلائل، من الطبيعي أن تحدث الأخطاء وأن تنخفض كفاءة مزودي الرعاية الصحية، على الرغم من تضاعف الإنفاق على شراء الأجهزة التكنولوجية المكلفة.
وهكذا تتفاقم تحديات الأمان والجودة بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية من خلال مشاكل شراء الأجهزة الإلكترونية. فعلى مدار سنين عدة عمدت المستشفيات إلى الاستثمار في شراء الأجهزة التكنولوجية ونظم المعلومات الحديثة والمتطورة والمذهلة إذا ما نُظر إليها بصورة مستقلة. لكن هذه الأجهزة والنظم نادراً ما تتشارك البيانات فيما بينها، ناهيك عن الاستفادة من تلك البيانات لتحسين سوية الرعاية الصحية المقدمة.
ولكن كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ أولاً، إن عدد الأجهزة القادرة على الاتصال بالأجهزة الأخرى قليل جداً. فقد تأخرت الشركات المصنعة لتلك الأجهزة في تضمينها خاصية القدرة على الاتصال والعمل مع الأجهزة الأخرى، الأمر الذي كان سيسمح لأجهزة الرعاية الصحية بتشارك البيانات فيما بينها. لكن التطور في السنوات القليلة الماضية يسير باتجاه تغيير هذا الوضع؛ فقد تعهدت شركات كثيرة بأن تفتح بياناتها وتمنح المبتكرين في كل مكان فرصة استخراج تلك البيانات والاستفادة منها لتحسين سوية الرعاية الصحية. ولكننا لا نزال بعيدين جداً عن الهدف الذي نسعى للوصول إليه.
ثانياً؛ على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة، لا يزال قطاع الرعاية الصحية يفتقر إلى اعتماد معايير قابلية التشغيل المتبادل على نطاق واسع، تلك المعايير التي تتحكم بأشكال وعناصر البيانات المتبادلة فيما بين النظم المختلفة. فمن دون مثل تلك المعايير لا يمكن تبادل البيانات وفهمها بشكل موثوق فيما بين الأجهزة المختلفة. وهنا تبرز الحاجة الملحة لبذل جهود حثيثة لخلق معايير ناضجة وتوسيع نطاق اعتمادها من قبل الشركات المصنعة. ونعمل في شركة "جونز هوبكنز" على قيادة مشروع طموح لإعداد تقرير نقدمه للأكاديمية الوطنية للطب، يحدد المعيقات التي تقف في طريق نشر خاصية قابلية التشغيل المتبادل على نطاق واسع، ويقترح الحلول لتجاوز تلك المعيقات من حيث السياسات والمتطلبات والمعايير ومواصفات الشراء.
ولا شك أن المستشفيات يجب أن تشكل جزءاً من الحل. فإذا كانت ترغب حقاً في شراء تكنولوجيا تنقذ حياة المرضى وتعزز فاعلية وإنتاجية العمل، يتعين عليها أن تضغط بشدة كجهات مشترية وتشترط في الشركات المنتجة التي ستتعامل معها أن تلتزم بالانفتاح وقابلية التشغيل المتبادل، وألا تشتري أي جهاز لا يدعم هذه الخاصية. كثيراً ما تتعامل المستشفيات مع عملية شراء الأجهزة ونظم تكنولوجيا المعلومات بطريقة فردية ومنعزلة مركزة جل اهتمامها على سعر تلك الأجهزة والنظم، دون النظر إلى كيفية عملها كجزء من منظومة أوسع. فعلى سبيل المثال يأتي عدد كبير من الأسرّة الحديثة إلى المستشفيات مزودة بمجموعة متطورة وواسعة من الحساسات التي تلاحظ وتتتبع بعض المعلومات مثل ما إذا كان المريض معرضاً لخطر الإصابة بما يسمى "قرحة السرير"، وذلك من خلال قياس نشاطهم الحركي وعدد تقلباتهم في السرير. وقد تشكل تلك الحساسات 30% من ثمن السرير. ومع ذلك وجدنا أن أحد مستشفياتنا لا يستعمل تلك المعلومات على الإطلاق – لأنها متوفرة في نسق لا يستطيع نظامنا أن يقرأه.
والحال نفسها بالنسبة لغالبية البيانات التي يتم توفيرها من قبل أجهزة مراقبة لاسلكية حول معدل ضربات قلب المريض، ونسب الأوكسجين في دمه، وضغط دمه، وسرعة تنفسه: فتلك البيانات غير مربوطة بالسجل الطبي للمريض.
إن قطاع الرعاية يفتقر بشدة إلى المهندسين. ويقوم الأطباء أثناء عملهم بقولبة عملياتهم لتلبية متطلبات الكثير من أجهزة ونظم تكنولوجيا المعلومات الصحية، بيد أن تلك التكنولوجيات لا تعمل معاً وبصورة تلقائية لخدمة احتياجاتها واحتياجات المرضى. أما عندما نلجأ إلى تطبيق هندسة النظم، فإننا سنتمكن من إدماج التكنولوجيات الحديثة وبناء المستشفيات والمراكز الطبية التي تضمن تقديم الرعاية الصحية بسوية عالية وفعالية وأمان.
ولن تتحقق رؤيتنا في بناء الوحدات الاستشفائية المدمجة التي تضمن سوية عالية من الأمان والإنتاجية، إلا إذا توفرت وعلى نطاق واسع منتجات وأجهزة تتشارك البيانات بحرية وانفتاح فيما بينها. وكما فرضت البحرية الأميركية على غواصاتها وسفنها أن تمتلك تكنولوجيات قابلة للتشغيل المتبادل فيما بينها من خلال الجهات التي تشتري هذه التكنولوجيات المتطورة؛ يتعين على قادة مؤسسات الرعاية الصحية الذين يشترون الأجهزة والنظم التكنولوجية أن يفرضوا شروطاً مشابهة. فإذا ما ضغطت مؤسسات الرعاية الصحية وأصرت على أن تمتلك التكنولوجيات المشتراة خاصية قابلية التشغيل المتبادل، فإن السوق سيستجيب لتلك الضغوط.
من غير الواقعي توقع نجاح هذا المسعى في حال قام كل مستشفى لوحده باستخدام قوته الشرائية من أجل التأثير على السوق؛ لكن عندما تتضافر جهود المستشفيات وتتعاون لوضع مواصفات ومتطلبات يجب على المنتجات والأجهزة تلبيتها من كل بد قبل أن يُنظر في شرائها ولرفض التعامل مع الشركات المصنعة التي لا تلتزم بتوفير تلك المواصفات والمتطلبات. كما يمكن لمؤسسات الشراء الجمعي، التي تساعد على شراء المنتجات والمعدات والأجهزة لآلاف المستشفيات التي تنضوي تحت مظلتها، أن تؤدي هذا الدور أيضاً.
وحري بنا أن نسير خطوة إضافية نحو الأمام: فبدلاً من السعي إلى تجهيز غرف المستشفيات بالمعدات والأجهزة الطبية بصورة إفرادية، يجب أن يُتاح للمستشفيات شراء النظم المتكاملة المؤلفة من منتجات قابلة للتشغيل المتبادل فيما بينها بهدف تحقيق وجه من وجوه العناية الصحية. ويبدو نموذج العمل هذا منطقياً في ظل افتقار غالبية المستشفيات، إن لم نقل جميعها، للموارد اللازمة لتصميم وإدارة جميع الوصلات فيما بين الأجهزة والنظم التكنولوجية التي تملكها، أو لإيجاد الطريقة المثلى لكيفية استخدام البيانات وإظهارها بهدف تقديم رعاية صحية على أعلى المستويات. وأخيراً، عندما يتم بناء مستشفى جديد أو ترميم أحد المستشفيات القديمة من المفروض أن تكون الفرصة متاحة أمام إدارته لشراء غرف ووحدات استشفائية وأجنحة اختصاصية مدمجة ومتكاملة – أي على طريقة "مستشفى في صندوق" مبني حسب المواصفات المطلوبة.
لا نتوقع عادة من شركات الطيران أن تبني طائراتها بنفسها؛ بل من المعروف أنها تشتري أسطولها من شركات أخرى خبيرة ومتخصصة بأنظمة الطيران المدمجة كشركتي "بوينغ" و"إيرباص" على سبيل المثال. وما من سبب منطقي يمنع المستشفيات من اتباع نهج مشابه. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان قادة مؤسسات الرعاية الصحية سيمتلكون العزم والإصرار على المطالبة بذلك النهج، الذي سيتوقف على تطبيقه قَدَر إنقاذ مرضانا، واستدامة مؤسساتنا مالياً، وقدرتنا على خفض تكاليف رعايتنا الصحية.