ما الذي يجعل المسؤول التنفيذي ناجحاً؟

14 دقيقة

لا يحتاج المسؤول التنفيذي الناجح بالضرورة لأن يكون قائداً بالمعنى الشائع لهذا المصطلح حالياً. فعلى سبيل المثال، لا يملك هاري ترومان أي مقدار من الكاريزما، إلّا أنه من بين المدراء التنفيذيين الأنجح في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. وبالطريقة ذاتها، فإن بعضاً من أفضل المدراء التنفيذيين في قطاع الأعمال والمنظمات غير الربحية، الذين عملت معهم أثناء مسيرتي المهنية في مجال الاستشارات التي امتدت لأكثر من 65 عاماً، لم يكونوا قادة تقليديين، بل هم قادة "مختلفون" على صعيد شخصياتهم وسلوكياتهم وقيمهم ونقاط القوة والضعف لديهم. كما اتّسع طيف شخصياتهم ليضم المنفتحين والانطوائيين، وكذلك المتساهلين والمتسلطين، والكرماء وشديدي البخل.

ما جعلهم ناجحين هو أنهم جميعاً تبعوا الممارسات الثمان نفسها:

سألوا: "ما الذي يجب فعله؟".

سألوا: "ما هو الخيار الصحيح بالنسبة للمؤسسة؟".

طوّروا خطط عمل.

تحملوا مسؤولية قراراتهم.

تحملوا مسؤولية طريقة تواصلهم.

صبّوا تركيزهم على الفرص بدلاً من تركيزهم على المشاكل.

عقدوا اجتماعات منتجة.

فكروا وتكلموا بصيغة "نحن" وليس "أنا".

تسببت أول ممارساتهم بمنحهم المعرفة التي يحتاجونها، وساعدتهم الممارسات الأربع التي تلتهما على ترجمة هذه المعرفة إلى عمل على أرض الواقع. وضمنت الاثنتان الأخيرتان أن تصبح المؤسسة بأكملها تشعر بالمسؤولية والالتزام.

احصل على المعرفة التي تحتاجها

الممارسة الأولى هي السؤال عما يجب القيام به. لاحظوا أن السؤال ليس: "ماذا أريد أن أفعل؟" وذلك لأن السؤال عما يجب القيام به وأخذ السؤال على محمل الجد أمر حاسم لتحقيق النجاح الإداري. إن عدم طرح هذا السؤال سيتسبب بجعل أكثر المسؤولين التنفيذيين براعة غير فعالين. 

إن طرح هذا السؤال وتحمل مسؤوليته أمر حاسم لتحقيق النجاح الإداري.

علم ترومان، حين تولى الرئاسة في عام 1945، ما يريد فعله بالضبط: أراد أن يكمل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت بها صفقة روزفلت الجديدة التي تأجلت بسبب الحرب العالمية الثانية. أدرك ترومان حالما سأل "ما الذي يجب فعله؟" أن الأولوية القصوى كانت للشؤون الخارجية. أعاد بناء على ذلك ترتيب عمله اليومي، وبدأ بدراسة السياسة الخارجية التي يتبعها وزراء الخارجية والدفاع. هكذا أصبح ترومان أنجح رئيس عرفته أميركا على الإطلاق، كما اعتُبر الأكثر فاعلية على مستوى الشؤون الخارجية؛ إذ استطاع احتواء الشيوعية في كل من أوروبا وآسيا من خلال مشروع مارشال، معلناً بذلك بداية 50 عاماً من النمو الاقتصادي العالمي.

أدرك جاك ويلش، على نحو شبيه بذلك، حين تولى منصب المدير التنفيذي في شركة جنرال إلكتريك أن ما يجب القيام به ليس التوسع والدخول إلى الأسواق العالمية البعيدة كما كان يريد، بل التخلص من أعمال جنرال إلكتريك التي لم تعد قادرة أن تكون في الترتيب الأول أو الثاني في قطاعاتها، وذلك بغض النظر عن مقدار أرباحها.

تكون الإجابة عن سؤال: "ما الذي يجب فعله؟" في كل الأوقات تقريباً أن هناك أكثر من مهمة واحدة ملحة. ولكن لا يشتت المسؤولون التنفيذيون الناجحون أنفسهم، بل يصبّون تركيزهم على مهمة واحدة فقط. أما إن كانوا من بين الأشخاص الذين يعملون بشكل أفضل حين يغيرون وتيرة يومهم، وهم أقلية ولكن أعدادهم كبيرة، سيختارون مهمتين. لم ألتق من قبل بمسؤول تنفيذي استطاع أن يعمل بشكل فعال وهو يتعامل مع أكثر من مهمتين في نفس الوقت. بالتالي، بعد السؤال عما يجب القيام به، يرتب المسؤول التنفيذي الناجح الأولويات ويلتزم بها. بالنسبة لمدير تنفيذي، قد تكون الأولوية الأولى هي إعادة تحديد مهمة الشركة. بالنسبة لرئيس الوحدة، قد تكون الأولوية إعادة تحديد علاقة الوحدة مع المقر الرئيس. ويتم تأجيل المهمات الأخرى مهما كانت مهمة أو ملحة.

ولكن بعد إنهاء المهمة الأصلية ذات الأولوية الأولى، يقوم المسؤول التنفيذي بإعادة تحديد الأولويات من جديد بدلاً من الانتقال إلى المهمة الثانية من اللائحة الأصلية. يسأل: "ما الواجب القيام به الآن؟" وعادة ما ينتج من ذلك أولويات جديدة ومختلفة.

بالإشارة مجدداً إلى أفضل مدير تنفيذي عرفته أميركا:

يسأل جاك ويلش، وفقاً لسيرته الذاتية، نفسه كل خمس سنوات، "ما الذي يجب فعله الآن؟" ويضع في كل مرة أولوية جديدة ومختلفة.

ولكن ويلش كان يفكر أيضاً بقضية أخرى قبل أن يقرر الجانب الذي عليه أن يركّز جهوده فيه على مدى السنوات الخمس التالية؛ سأل نفسه أي من المهمات الاثنتين أو الثلاثة الموجودة على رأس لائحته تستحق أن يبدأ بها، وبعد تحديد تلك المهمة يصب تركيزه فيها ويؤجل البقية. يحاول المسؤولون التنفيذيون الفعالون أن يركزوا على المهمّات التي سيؤدونها بشكل ممتاز، ويعلمون أن المؤسسات تبلي بلاء حسناً إن أبلت الإدارة العليا بلاء حسناً – والعكس صحيح.

الممارسة الثانية لدى التنفيذيين الناجحين والمهمة بمستوى أهمية الممارسة الأولى نفسه هي أن يسألوا: "هل هذا هو التصرف الصحيح بالنسبة للمؤسسة؟" إنهم لا يسألون ما إذا كان هذا التصرف صحيحاً بالنسبة للمالكين أو ملائماً لسعر الأسهم أو الموظفين أو التنفيذيين. هم يعرفون بالطبع أن المساهمين والموظفين والتنفيذيين من الركائز المهمة للشركة ويجب أن ينال القرار دعمهم، أو على الأقل أن يقبلوا به، إن كان ذاك الخيار سينجح. كما يعلمون أن سعر السهم ليس مهماً للمساهمين فحسب بل للمؤسسة بأكملها أيضاً، وذلك بالنظر إلى أن نسبة السعر/الأرباح تحدد كلفة رأس المال. ولكنهم يعلمون أيضاً أن القرار الذي لن يكون صحيحاً للمؤسسة لن يكون في النهاية صحيحاً لأي من المساهمين كذلك.

الممارسة الثانية مهمة بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في الشركات المملوكة من قبل عائلة أو التي تديرها عائلة على وجه الخصوص، وهي غالبية الشركات في كل البلاد، وتحديداً حين يتخذون القرارات بشأن الأشخاص. لا يحصل أحد الأقرباء، في الشركة العائلية الناجحة، على ترقية إلا إن كان أو كانت أفضل أداء إلى حد كبير من جميع أقرانهم من غير الأقرباء في المستوى ذاته. ففي شركة دوبونت (DuPont) مثلاً، كان جميع كبار المدراء (ما عدا المراقب والمحامي) من أفراد العائلة في بدايات الشركة حين كانت شركة عائلية، وكان يحق لجميع أحفاد المؤسسين الذكور أن يحصلوا على وظائف من المستوى المبتدئ في الشركة. وفيما عدا المستوى المبتدئ من الوظائف، كان أحد أفراد العائلة يحصل على ترقية فقط إذا وجدت هيئة مؤلفة بشكلٍ رئيس من المدراء من غير أفراد العائلة أن هذا الشخص يتفوق في الأداء والكفاءة على الموظفين الآخرين من المستوى نفسه. لوحظت القاعدة ذاتها لدى الشركة البريطانية الناجحة المملوكة من قبل عائلة جيه ليونز آند كومباني (J. Lyons and Company) (التي أصبحت الآن فرعاً من مجموعة شركات) حين كانت مهيمنة على قطاعي خدمات الطعام والفنادق في بريطانيا.

إن السؤال: "هل هذا التصرف الصحيح بالنسبة للمؤسسة؟" لا يضمن اتخاذ القرار الصحيح، فحتى أفضل التنفيذيين يبقى إنساناً في نهاية المطاف ومعرّض لارتكاب الأخطاء والانقياد لانحيازياته الشخصية. إلّا أن عدم طرح السؤال يضمن، نظرياً، اتخاذ القرار الخاطئ.

عليك صياغة خطة عمل

المسؤولون التنفيذيون ينجزون المهام؛ إنّهم "ينفّذون". ولا يمكن اعتبار سعة معرفة المسؤول التنفيذي مفيدة ما لم تتحول لأفعال. ولكن يحتاج المسؤول التنفيذي قبل المباشرة بالعمل أن يخطط لمساره، ويحتاج للتفكير في النتائج المرجوة والقيود التي قد تواجهه والمراجعات المستقبلية ونقاط التحقق وترتيبات كيفية قضائه لوقته.

أولاً، يحدد المسؤول التنفيذي النتائج المرجوة عبر طرح السؤال: "ما هي المساهمات التي ينبغي للمؤسسة أن تتوقعها مني على مدى الأشهر الثمانية عشر التالية أو السنتين القادمتين؟ وما هي النتائج التي سأكون ملتزماً بتحقيقها؟ وما هي المواعيد المحددة لذلك؟" ثم عليه أن يفكر بالقيود التي تقف في طريق تنفيذه للأعمال: "هل مسار العمل هذا أخلاقي؟ هل هو مقبول داخل المؤسسة؟ هل هو قانوني؟ هل يتوافق مع المهمة والقيم والسياسات الخاصة بالمؤسسة؟". 

لا تضمن الأجوبة الإيجابية أن يكون تصرف المسؤول التنفيذي ناجحاً. ولكن العمل بما لا يتوافق مع هذه القيود سيتسبب بجعل التصرف خاطئاً وغير ناجح بالتأكيد.

إن خطة العمل أشبه بإعلان عن النوايا أكثر من أن تكون التزاماً، ويجب ألّا تصبح قيداً، كما ينبغي مراجعتها بشكل متكرر، لأن كل نجاح يخلق المزيد من الفرص، وكذلك الأمر بالنسبة لكل فشل. الأمر ذاته صحيح بالنسبة للتغييرات في بيئة الشركة وفي السوق وخصوصاً في الأشخاص داخل المؤسسة؛ تتطلب هذه التغييرات كلها مراجعة الخطة. وهكذا فإن الخطة المكتوبة لا بدّ أن تضع الحاجة للمرونة في الحسبان.

تحتاج خطة العمل بالإضافة إلى ذلك، أن تنشئ نظاماً للتحقق من النتائج مقارنة بالتوقّعات. وعادة ما يبني التنفيذيون الناجحون إجراءين للتحقق في خطط العمل خاصتهم. يأتي إجراء التحقق الأول بعد مرور نصف الفترة المحددة للخطة؛ على سبيل المثال، بعد مرور تسعة أشهر. ويأتي التحقق الثاني في نهاية الخطة، قبل وضع خطة العمل التالية.

أخيراً، يجب أن تصبح خطة العمل الأساس لكيفية إدارة المسؤول التنفيذي لوقته؛ فالوقت هو المورد الأندر والأهم بالنسبة للمسؤول التنفيذي. إن إضاعة الوقت صفة طبيعية للمؤسسات، سواء كانت مؤسسات حكومية أو وكالات أو شركات تجارية أو غير ربحية. وبالتالي فإن خطة العمل تبقى عديمة الفائدة ما لم تحدد كيفية قضاء المسؤول التنفيذي لوقته.

يُزعم أن نابليون قال إنه لا توجد أي معركة ناجحة تبعت خطتها الأصلية. مع ذلك، خطط نابليون أيضاً لجميع معاركه، وبدقة أكبر مما فعل أي جنرال سابق. يصبح المسؤول التنفيذي، من دون خطة عمل، أسيراً للأحداث، كما لا يملك المسؤول التنفيذي، دون إجراءات التدقيق المعنية بإعادة النظر في الخطة مع تطور الأحداث، أي وسيلة لمعرفة الأحداث المهمة حقاً والأحداث عديمة الأهمية.

تصرف

يحتاج التنفيذيون عند تحول الخطط إلى أفعال للانتباه بدقة إلى عملية اتخاذ القرارات والتواصل والفرص (مقابل المشاكل) والاجتماعات. سأتحدث عن كل منها على حدة.

تحمل مسؤولية القرارات

لا يُتّخذ القرار حتى يعرف الأشخاص أصحاب الصلة التالي:

  • اسم الشخص المسؤول عن تنفيذ القرار.
  • الموعد النهائي.
  • أسماء الأشخاص الذين سيتأثّرون بالقرار وبالتالي ينبغي أن يعلموا بشأن القرار ويفهموه ويوافقوا عليه، أو ألا يعارضوه بشدة على الأقل.
  • أسماء الأشخاص الذين يجب أن يعرفوا بالقرار حتى لو لم يتأثّروا مباشرة به.

يتعرض عدد هائل من القرارات التنظيمية للمشكلات لأن هذه الممارسات الأساسية لم تكن في الحسبان. إحدى الشركات التي عملت معها قبل 30 عاماً فقدت موقعها الرائد في السوق الياباني الذي كان نموه متسارعاً لأن الشركة التي قررت أن تدخل في مشروع استثمار مشترك مع شريك ياباني جديد، لم تحدد شخصاً ليخبر العملاء المشترين بأن الشريك قد حدد مواصفاته بوحدات القياس المتري وبالكيلو غرام بدلاً من القدم والرطل – ولم يمرر أحد تلك المعلومة.

إنه لأمر بالغ الأهمية أن تُراجع القرارات كل فترة، في وقت متفق عليه مسبقاً، وله أهمية توازي أهمية اتخاذ هذه القرارات بعناية في المقام الأول. يمكن بتلك الطريقة أن يُصحح أحد القرارات السيئة قبل أن يسري مفعوله الضار. كما يمكن أن تغطي عمليات المراجعة هذه كل شيء؛ من النتائج إلى الافتراضات الضمنية في القرار.

إن مثل هذه المراجعات ضرورية خاصة فيما يتعلق بالقرارات الأهم والأصعب على الإطلاق، وهي تلك المتعلقة بتوظيف الأشخاص أو ترقية الموظفين. وتظهر الدراسات عن القرارات المتعلقة باختيار الأشخاص أن ثلث تلك الاختيارات فقط ناجح كما اتضح لاحقاً، وأن ثلثها الآخر عديم الفائدة؛ سواء كان غير ناجح أو فاشل تماماً. وثلثها الأخير يتمثّل، ببساطة، في حالات فشل. يعرف التنفيذيون الناجحون هذا ويؤدون عمليات المراجعة (بعد ستة إلى تسعة أشهر) على نتائج اختياراتهم للأشخاص. فإن وجدوا أن أحد القرارات لم يؤدي للوصول إلى النتائج المرغوبة، فإنّهم لا يستنتجون أن الشخص لم يبلِ بلاء حسناً، بل يستنتجون أنهم هم من ارتكب خطاً. أما في المؤسسات المدارة بشكل جيد، فمن المفهوم أن الأشخاص الذين يفشلون في عمل جديد، وخصوصاً بعد الترقية، قد لا يكونوا الملامين على ذلك.

أضف إلى ذلك أن المسؤولين التنفيذيين يعتمدون على المؤسسة وزملائهم في التعاطي مع الأفراد غير المنتجين الذين يشغلون وظائف مهمة. قد لا يكون ذلك الأداء المتراجع ذنب الموظفين، ولكن يحتم الأمر إقصاءهم حتى في تلك الحالة. وفي المقابل يجب أن يُمنح الأشخاص الذين فشلوا في وظيفتهم الجديدة فرصة ليختاروا العودة إلى عملهم وراتبهم السابق. يندر عادة أن يتخذ هذا الخيار؛ وبصفة عامة، يترك مثل هؤلاء الأشخاص العمل طوعاً من تلقاء أنفسهم، لاسيما حين تكون الجهات الموظّفة هي شركات أميركية. ولكن قد يكون لوجود الخيار بحد ذاته أثراً قوياً، فهو يشجع الناس على مغادرة الوظائف الآمنة والمريحة وعلى المجازفة بأخذ مهمات جديدة. هكذا، يعتمد أداء المؤسسة على رغبة الموظفين في اغتنام مثل هذه الفرص.

المسؤولون التنفيذيون يعتمدون على المؤسسة وزملائهم في التعاطي مع الأفراد غير المنتجين الذين يشغلون وظائف مهمة.

يمكن أن تكون مراجعة القرارات المنهجية أداة قوية لتطوير الذات أيضاً. يُظهر فحص نتائج أي قرار مقابل التوقعات المرجوة منه للمسؤولين التنفيذيين ما هي نقاط قوتهم والمواضع التي يحتاجون إلى تحسينها، كما يبين لهم الأماكن التي يفتقرون فيها إلى المعرفة أو المعلومات، كما أنّه يظهر لهم تحيزاتهم. وغالباً ما يوضح لهم أن قراراتهم لم تسفر عن نتائج لأنهم لم يضعوا الأشخاص المناسبين في الوظيفة. يعد تعيين أفضل الأشخاص في المناصب الصحيحة مهمة بالغة الصعوبة يتجاهلها العديد من المسؤولين التنفيذيين، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن أفضل الأشخاص مشغولون بالفعل. إذ تُظهر مراجعة القرارات الممنهجة أيضاً للمسؤولين التنفيذيين نقاط الضعف الخاصة بهم، لاسيما المجالات التي هم غير كفؤين فيها. يُذكر هنا أن المسؤولين التنفيذيين الأذكياء لا يتخذون قرارات أو ينفذون إجراءات في هذه المجالات. ويفوضون أشخاصاً آخرين لاتخاذها عوضاً عن ذلك. كل شخص لديه مجالات لا يجيدها؛ فلا وجود لتعريف عالمي للمسؤول التنفيذي العبقري بشكل مطلق.

أن المسؤولين التنفيذيين الأذكياء لا يتخذون قرارات أو ينفذون إجراءات في هذه المجالات. ويفوّضون أشخاصاً آخرين لاتخاذها عوضاً عن ذلك. كل شخص لديه مجالات لا يجيدها.

تفترض معظم مناقشات صنع القرار أن كبار المسؤولين التنفيذيين فقط هم الذين يتخذون القرارات، أو أن قرارات كبار المسؤولين التنفيذيين فقط هي التي تهم. هذا خطأ خطير، فاتخاذ القرارات يجري على كل مستوى من مستويات المؤسسة، بدءاً من المساهمين المحترفين المنفردين والمشرفين على الخطوط الأمامية. هذه القرارات التي تبدو منخفضة المستوى مهمة للغاية في المؤسسات القائمة على مجالات المعرفة. فالعاملون في مجال المعرفة من المفترض أن يكونوا على دراية أكبر في مجالات تخصصهم (المحاسبة الضريبية مثلاً) أكثر من أي شخص آخر، لكي يكون لقراراتهم تأثير جميع أنحاء الشركة. اتخاذ القرارات الجيدة هو مهارة حاسمة في على مختلف المستويات، ويجب أن تُدرّس بشكل صريح لكل فرد في المؤسسات القائمة على المعرفة.

تحمل مسؤولية التواصل

يتأكد المسؤولون التنفيذيون الفعالون من فهم خطط عملهم واحتياجاتهم من المعلومات. هذا يعني على وجه التحديد، أنهم يشاركون خططهم مع جميع زملائهم ويطلبون تعليقات منهم؛ الرؤساء والمرؤوسين والأقران. وفي الوقت نفسه، يخبر المسؤولون التنفيذيون كل شخص بالمعلومات التي سيحتاجونها لإنجاز المهمة. المعلومات التي تتدفق من المرؤوس إلى الرئيس هي عادة ما تحظى بأكبر قدر من الاهتمام. لكن المسؤولين التنفيذيين يحتاجون إلى إيلاء الاهتمام نفسه لاحتياجات أقرانهم ورؤسائهم للمعلومات.

نعلم جميعاً، بفضل الكتاب الكلاسيكي "وظائف المسؤول التنفيذي" (The Functions of the Executive) لتشيستر بيرنارد والذي صدر عام 1938، أن ما يمنح المؤسسات التماسك هو المعلومات وليس التملك أو السلطة. ومع ذلك، لا يزال العديد من التنفيذيين يتصرفون وكأن المعلومات وتدفقها وظيفة مقتصرة على أخصائي المعلومات (المحاسب مثلاُ). ونتيجة لذلك، يحصلون على كمّ هائل من البيانات التي لا يحتاجونها ولا يمكنهم استخدامها، ويحصلون على مقدار قليل من المعلومات التي يحتاجونها. الحل الأفضل لهذه المشكلة هو أن يحدد كل مسؤول تنفيذي المعلومات التي يحتاجها، ويطلبها ويستمر بالمحاولة حتى يحصل عليها.

التركيز على الفرص

يركز المسؤولون التنفيذيون الجيدون على الفرص وليس على المشاكل. بالطبع، يجب معالجة المشاكل؛ ولا ينبغي تجاهلها. ولكن حلّ المشاكل مهما كان ضرورياً لن يسفر عن نتائج، فهو يمنع الضرر فقط. أما استغلال الفرص فهو ما يسفر عن نتائج.

يعامل المسؤولون التنفيذيون الناجحون التغيير كفرصة بدلاً من معاملته كتهديد، وهو أمر أكثر أهمية مما سبق. فهم ينظرون إلى التغييرات بشكل ممنهج، داخل وخارج الشركة، ويسألون: "كيف يمكننا أن نستغل هذا التغيير كفرصة لمؤسستنا؟".

يتفحص المسؤولون التنفيذيون هذه الأوضاع السبعة على وجه الخصوص بحثاً عن فرص:

  • النجاح أو الفشل غير المتوقع في مؤسستهم أو في مؤسسة منافسة أو في القطاع بشكل عام.
  • الفجوة ما بين الموجود وما قد يكون موجوداً في سوق أو عملية أو منتج أو خدمة (على سبيل المثال، في القرن التاسع عشر، ركز قطاع الورق على نسبة 10% من كل شجرة وهو الجزء الذي يتحول لب الخشب وأهمل تماماً الفرص الكامنة في الـ 90% من المواد المتبقية فيها، وبالتالي أصبحت نفايات).
  • الابتكار في عملية أو منتج أو خدمة، سواء داخل أو خارج المؤسسة وقطاعها.
  • التغيرات في بنية القطاع وبنية السوق.
  • الديموغرافيات.
  • التغيرات في الفكر والقيم والإدراك والمزاج والمعنى.
  • المعارف الجديدة أو التكنولوجيات الجديدة.

يتأكد المدراء التنفيذيون الناجحون أيضاً من أن المشاكل لا تطغى على الفرص. تُدرج المشاكل الرئيسة في معظم الشركات ضمن الصفحة الأولى من تقرير الإدارة الشهري. إلّا أنه من الأكثر حكمة بكثير أن تُدرج الفرص على الصفحة الأولى وتترك المشاكل للصفحة الثانية. فلا يجب مناقشة المشاكل في الاجتماعات الإدارية قبل أن يتم تحليل الفرص والتعامل معها بشكل كامل، ما لم يكن هنالك مصيبة حقيقية.

يمثل التوظيف جانباً مهماً آخر من عقلية التركيز على الفرص. إذ يضع المسؤولون التنفيذيون الناجحون أفضل موظفيهم للعمل على الفرص بدلاً من العمل على حل المشاكل. وتتمثل إحدى طرق التركيز على الفرص في عملية التوظيف بمطالبة كل عضو في مجموعة الإدارة بإعداد قائمتين كل ستة أشهر؛ قائمة بالفرص للمشروع بأكمله وقائمة بالأشخاص الأفضل أداء في المؤسسة. وتناقش هذه القوائم، ثم تندمج في قائمتين رئيستين، وتتم مطابقة أفضل الأشخاص بأفضل الفرص. هناك مثال جيد على هذا يتمثل في اليابان، حيث تعتبر هذه المقارنة مهمة رئيسة للموارد البشرية في شركة كبيرة أو دائرة حكومية؛ هذه الممارسة هي واحدة من نقاط القوة الرئيسة للأعمال اليابانية.

اجعلوا الاجتماعات منتجة

لم يكن المسؤول التنفيذي غير الحكومي الأبرز والأقوى والأكثر نجاحاً في أميركا خلال فترة الحرب العالمية الثانية والسنوات التالية رجل أعمال عادي. بل كان الكاردينال فرانسيس سبيلمان، وهو رئيس أبرشية الروم الكاثوليك في نيويورك ومستشار عدة رؤساء أميركيين. حين تولى سبيلمان منصبه، كانت الأبرشية مفلسة وتفتقر كلياً للروح المعنوية. ولكن خليفته ورث منصب الإدارة في الكنيسة الكاثوليكية الأميركية. قال سبيلمان في عدة مناسبات أنه خلال يومه كان يحصل على وقت يقضيه لوحده مرتين فقط، وكل مرة لمدة 25 دقيقة. ما عدا ذلك، كان دوماً برفقة أشخاص آخرين في الاجتماعات التي تبدأ في وقت الفطور مع إحدى المنظمات الكاثوليكية وتنتهي وقت العشاء مع منظمة أخرى.

لا يشعر كبار المسؤولين التنفيذيين بالتقيد مثل أسقف أبرشية كاثوليكية كبرى. ولكن وجدت كل دراسة حول يوم العمل للمسؤول التنفيذي أن المدراء التنفيذيين والمهنيين المبتدئين يكونون برفقة أشخاص آخرين - أي في اجتماع من نوع ما – ويقضون أكثر من نصف كل يوم عمل معهم. الاستثناءات الوحيدة هي عدد قليل من كبار الباحثين. حتى المحادثة مع شخص واحد فقط هي اجتماع. وبالتالي، إذا كانوا ناجحين، يجب على المسؤولين التنفيذيين جعل الاجتماعات مثمرة، كما أن عليهم التأكد من أن الاجتماعات هي جلسات عمل وليست جلسات تافهة.

يكمن السرّ في عقد اجتماع ناجح في أن يُحدد نوع الاجتماع مقدماً. لأن الأنواع المختلفة من الاجتماعات تتطلب أشكالاً مختلفة من التحضير وتنطوي على نتائج مختلفة: 

  • اجتماع لتحضير بيان، إعلان أو خبر صحفي: يجب على أحد الأعضاء أن يحضر مسودة للاجتماع مسبقاً حتى يسفر عن نتائج إيجابية. وفي نهاية الاجتماع، يجب على أحد الأعضاء المحدد مسبقاً أن يتحمل مسؤولية توزّيع النسخة النهائية من محضر الاجتماع على أصحاب الصلة. 
  • اجتماع للإعلان عن حدث، عن تغير تنظيمي مثلاً: يجب أن يكون الاجتماع محصوراً بالإعلان وبنقاش عنه.
  • اجتماع يقدّم فيه أحد الأعضاء تقريراً: يجب أن يقتصر النقاش على التقرير.
  • اجتماع يقدّم عدد من الأعضاء أو كلهم تقريراً: إما ألا يكون هنالك أي نقاش أو أن ينحصر النقاش بالإجابة عن الأسئلة التي تحتاج إلى توضيح. بخلاف ذلك، يجب أن يكون لكل تقرير نقاش قصير يمكن خلاله لكل المشاركين أن يطرحوا الأسئلة. إن كانت هذه هي الصيغة، يجب أن تُوزع التقارير على جميع المشاركين قبل الاجتماع. يجب أن ينحصر كل تقرير بوقت محدد مسبقاً في هذا النوع من الاجتماعات، لمدة 15 دقيقة مثلاً.
  • اجتماع لإحاطة المسؤول التنفيذي عن عقد الاجتماع: يجب على المسؤول التنفيذي أن يصغي ويطرح الأسئلة. يجب عليه أن يلخص المسألة ولكن من دون القيام بعرض توضيحي.
  • اجتماع غرضه الرئيس هو فقط السماح للمشاركين بلقاء المسؤول التنفيذي: كانت اجتماعات الإفطار والعشاء الخاصة بالكاردينال سبيلمان من هذا النوع. لا توجد وسيلة لجعل هذه الاجتماعات مثمرة. إنها ضريبة الرتبة. إن كبار المسؤولين التنفيذيين فعالون إلى الحد الذي يمكنهم فيه منع مثل هذه الاجتماعات من التعدي على أيام عملهم. كان سبيلمان، على سبيل المثال، فعالًا إلى حد كبير لأنه حصر مثل هذه الاجتماعات في أوقات الفطور والعشاء وأبقى بقية يوم عمله خالياً منها.

إن جعل الاجتماعات منتجة يتطلب الكثير من الانضباط الشخصي، ويتطلب أن يحدد المسؤول التنفيذي أي نوع من الاجتماعات مناسب للوضع، وأن يلتزم بتلك الصيغة. ومن الضروري أيضاً أن يتم إنهاء الاجتماع حالما يحقق هدفه المحدد. لا يطرح المسؤول التنفيذي الجيد مسألة أخرى للنقاش. إنهم ينهون المهمة ويفضون الاجتماع.

المتابعة الجيدة لا تقل أهمية عن الاجتماع نفسه. أفضل مثال للشخصية الأقدر على فعل ذلك هو ألفريد سلون، مدير الأعمال التنفيذي الأكثر فاعلية عرفته على الإطلاق. أمضى سلون، الذي ترأس شركة جنرال موتورز من عشرينيات القرن العشرين وحتى الخمسينيات، معظم أيام عمله الستة في الأسبوع - ثلاثة أيام في الأسبوع ضمن اجتماعات اللجان الرسمية بعضوية محددة، والثلاثة أيام الأخرى في اجتماعات مخصصة مع المسؤولين التنفيذيين في جنرال موتورز أو مع مجموعة صغيرة من المدراء التنفيذيين. في بداية كل اجتماع رسمي، كان سلون يعلن عن الغرض من الاجتماع. ثم يستمع. لم يكن يدون الملاحظات ونادراً ما تكلم إلا لتوضيح نقطة مربكة. كان يقوم في النهاية بالتلخيص، ويشكر المشاركين، ويغادر. ثم يكتب على الفور مذكرة قصيرة موجهة إلى أحد الحضور في الاجتماع. في تلك المذكرة، كان يلخص المناقشة واستنتاجاتها ويحدد أي مهمة عمل تقرر في الاجتماع (بما في ذلك اتخاذ قرار بعقد اجتماع آخر حول الموضوع أو دراسة قضية). كما يحدد الموعد النهائي واللجنة التنفيذية التي كانت مسؤولة عن المهمة. ويرسل نسخة من المذكرة إلى كل شخص كان حاضراً في الاجتماع. من خلال هذه المذكرات (كل منها تحفة صغيرة) جعل سلون نفسه في منصب تنفيذي فعال للغاية.

يعرف المسؤولون التنفيذيون أن أي اجتماع إما أن يكون منتجاً أو يكون مضيعة للوقت.

فكر وتكلم بصيغة "نحن"

الممارسة الأخيرة هي التالية: لا تفكر أو تتكلم بصيغة "أنا". فكر وتكلم بصيغة "نحن". يعلم المسؤولون التنفيذيون الناجحون أنهم يتحملون المسؤولية الأكبر، والتي إما يمكنهم أن يشاركوها مع الآخرين أو يفوضوا الآخرين بها. ولكنهم يملكون السلطة فقط لأنهم حازوا على ثقة المؤسسة. يعني هذا أنهم يفكرون بحاجات وفرص المؤسسة قبل أن يفكروا بحاجاتهم وفرصهم الخاصة. قد يبدو ذلك بسيطاً ولكنه ليس كذلك، يجب أن تنفذ هذه الممارسة بحرص شديد.

يختلف المسؤولون التنفيذيون كثيراً من ناحية الشخصية ونقاط القوة والضعف والقيم والمبادئ. لكن العامل المشترك بينهم جميعاً هو أنهم ينجزون ما يجب إنجازه. يولد بعض الناس ناجحين، ولكن الطلب أكبر بكثير من أن تتم تلبيته بالمواهب الاستثنائية. الفعالية والنجاح نوع من الانضباط. ومثل كل أنواع الانضباط، يمكن أن يتم تعلمه ويجب العمل بجد لاكتسابه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي