ما الذي تعرفه الشركات الصغيرة حول المسؤولية الاجتماعية؟

5 دقائق

ازداد عدد الشركات الكبيرة التي تحاول معالجة القضايا الاجتماعية الكبرى، من التعليم إلى تقليل حيازة الأسلحة مروراً بتغيّر المناخ وحتى عزل الرئيس. ويعود سبب ذلك جزئياً إلى رغبة المستهلكين المتزايدة في التسوق من الشركات التي تعكس قيمهم ومعتقداتهم ودعم تلك الشركات. لكن لا تقتصر المسؤولية الاجتماعية للشركات على تلك الكبرى فحسب، إذ تقوم الشركات الصغيرة بهذا أيضاً ومنذ فترة طويلة.

غالباً ما يبني قادة الأعمال الصغيرة روابط متينة مع المجتمعات التي يخدمونها، ولهذا السبب تكون مشاركتهم المدنية نابعة من الزبائن والعملاء الذين يرونهم كل يوم، وليس شركات التسويق الشهيرة أو مجموعات الدراسات أو اختبارات وصول الرسائل التسويقية. ففي دراسة حديثة، يؤمن 72% من الناس أن الشركات المملوكة محلياً أكثر احتمالية للمشاركة في تحسين مجتمعاتهم مقارنة بتلك الأكبر حجماً.

ويمكن أن تكون المسؤولية الاجتماعية للشركات عبئاً بدلاً من أن تكون ميزة، إذ قد تتسبب مناصرة القضية الخطأ في مغامرة الشركة بخسارة عملائها وحتى موظفيها. كما يمكن أن يتسبب تخصيص الشركة لكم كبير جداً من مواردها على قضية ما في عدم قدرتها على تحقيق أهدافها المالية. فكيف تقوم الشركات الصغيرة بالتغلب على تلك التحديات؟ فيما يلي أهم ثلاثة أمور أساسية تعلمتها خلال فترة عملي مع أصحاب الشركات الصغيرة ضمن "الرابطة الدولية لحقوق الامتياز" (International Franchise Association).

ركّز على ما تحتاجه المناطق القريبة من مقر شركتك

ثمّة ميزة واضحة للشركات الصغيرة تتمثل في أن قدرة مالكيها على رؤية القضايا المهمة لمجتمعاتهم عن قرب يومياً. ولننظر إلى جيمي جامشيد، صاحب مطاعم "كابتن دي" (Captain D) في منطقة دالاس. فبعد مصادفته العديد من الأفراد الذين يجوبون صفائح القمامة في يأس بحثاً عن الطعام، بدأ جامشيد مجهوداً غير رسمي للتبرع ببعض طعام مطعمه وتوصيله إلى المناطق الفقيرة في مجتمعه. وسرعان ما انضم أفراد مجتمعه وعملائه إلى ذاك البرنامج، محولين جهود جامشيد إلى برنامج خيري متكامل يسمى "طعام للمشرّدين" (Food for Homeless). لا يزال جامشيد منخرطاً بشدة في ذاك البرنامج، حيث يدفع من جيبه ثمن الوجبات ويذهب إلى حديقة محلية كل يوم تقريباً لتقديم الوجبات والملابس.

وبشكل مشابه، حددت شركة "بريميوم سرفيس براندز" في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا مشكلة في مجتمعها تمثلت في عدم تمكّن الأطفال الذين يتناولون وجبات الغداء التي تقدمها مدارسهم خلال أيام الأسبوع من الحصول على وجبات صحية يومي عطلة نهاية الأسبوع. ولتغيير ذلك، بدأ موظفو المكتب بقضاء أيام الجمعة في شراء البقالة للطلاب المعوّزين في المدرسة الابتدائية قرب مقر عملهم. والآن، يتلقى الطلاب المسجلون في برنامجهم حقيبة مليئة بطعام يكفيهم يومي العطلة لنيل وجبات سهلة عالية القيم الغذائية. ويوفر البرنامج الاستقرار على مدار العام للأسر المحلية، ويزيل مصدر توتر من حياة الطلاب.

وبينما يسهل على الشركات التجارية الصغيرة تحديد التحديات، يمكن للشركات الكبرى بدورها إنشاء استراتيجية أكثر تنظيماً من القاعدة إلى القمة للتواصل مع مستهلكيها لمعرفة القضايا الأكثر أهمية لهم. وسيساعد هذا النهج، المتمثل في توجيه التركيز على احتياجات المجتمع، بلا شك الشركات على الحفاظ على أصالة علامتهم التجارية وحضورها.

القيادة المحلية أصيلة

يدرك أصحاب الشركات المحلية أن الاستماع إلى احتياجات مناصرين قبل الشروع في العمل أمر ضروري لتحقيق نتائج أفضل. فعلى سبيل المثال، عندما قام نورم روبرتسون، صاحب شركة "إكسبرس إيمبلويمنت" (Express Employment) في إنديانا، بحشد قدامى المحاربين للتحدث علناً عن التشريعات التي يمكن أن تفيدهم، لم يأتِ ذلك من فراغ، إذ كان روبرتسون نفسه من المحاربين القدامى، فضلاً عن أنه كان يصغي بانتظام إلى قدامى المحاربين الذين كانوا يستخدمون خدمات التوظيف في شركته والذين كانوا يشيرون إلى حاجتهم إلى طريقة أفضل للانتقال من الجيش إلى القطاع الخاص. وبعد الاستماع إليهم، أصبح روبرتسون مدافعاً عن قانون "رواد الأعمال من عناصر الجيش"، الذي يهدف إلى خفض التكاليف الواجب على المحاربين القدامى دفعها لافتتاح أعمال تجارية محلية، وإنشاء ائتمان ضريبي يغطي 25% من رسومهم الأولية.

إلا أنه وفي بعض الحالات، قد يتجاوز الأمر مجرد طلب سن التشريعات. فعندما ضرب إعصار "مايكل" ولاية فلوريدا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، شاركت كارين مينر، صاحبة فرع سلسلة مطاعم "جست بتوين فريندز" (Just Between Friends)، مع مسؤولي المدينة لجمع وتسليم الإمدادات للعائلات المتضررة من العاصفة. أدركت مينر أن الطريقة الأكثر كفاءة لتوزيع المواد تتمثل في التعاون مع مسؤوليها المنتخبين محلياً لتحديد المناطق الأكثر تضرراً. ونجحت مينر، من خلال العمل مع إدارات الإغاثة المحلية القريبة منها، في التأثير على الجهود العامة وزيادة كفاءة المساعدات المقدمة للمحتاجين. لقد استخدمت صوتها السياسي لضمان تزويد المتضررين من الكارثة الطبيعية بالإمدادات والدعم الضروري للتعافي.

وثمّة طرق عديدة يمكن فيها للشركات المشاركة في مجتمعاتها، ولكن تُظهر هذه الأمثلة وجود قاسم مشترك بين الجهود الأكثر نجاحاً، حيث تشير إلى أنها تتطلب الاستماع والفهم والعمل، وتركز بعناية على ما يهم المجتمعات التي تخدمها. تُظهر هذه المبادرات للمستهلكين أن رفاهية مجتمعك جزء من اقتراح القيمة لشركتك.

إعطاء الأولوية للناس قبل السياسة

في حين أنه من المهم للشركات ممارسة نفوذها في المجتمع، إلا أن أفضل استراتيجية لمعظم العلامات التجارية هي الابتعاد عن السياسة. وتحاول معظم الشركات تجنّب الخوض في السياسة، وتقوم عوضاً عن ذلك بإثارة الوعي حول القضايا التي تهم مجتمعاتها والأمور الذي تثير اهتمامهم، وهو ما يجعل عملاء تلك الشركة يشعرون بالامتنان بالكامل لها.

تملك كاثرين تشاك أفرع "آبل بيز" (Applebee's) عديدة في ولايات أميركية متعددة مختلفة التوجهات الأيديولوجية. ونجحت تشاك في التغلب على الميول السياسية المختلفة لمواقعها، من أجل أن تكون فاعلة في جهودها الخيرية، من خلال دعم المبادرات التي تجمع ما بين الأحزاب بدلاً من التي تفرقهم. وقد برعت في هذا، حيث جمعت أكثر من 14.5 مليون دولار من الأموال والدعم العيني للمنظمات غير الربحية والمنظمات المجتمعية بما في ذلك المدارس المحلية، ومنظمات قدامى المحاربين، وأبحاث سرطان الطفولة. ومارست تشاك بنجاح تأثيرها في جمع المجتمعات من أجل الصالح العام من خلال دعمها الأسباب غير المثيرة للانقسام مثل هذه.

ويمكن للتعليم نفسه، والذي هو في العادة قضية خلافية، أن يكون أمراً غير سياسياً. على سبيل المثال، تعمل حملة "ليميادز فور ليرنينغ" (Limeades for Learning) من "سونيك درايف إن" (Sonic Drive-In) مع أصحاب الامتياز للعلامة التجارية ومعلمي المجتمع لدعم البرامج والمنتجات التعليمية للطلاب. حيث يتم تشجيع العملاء من خلال الحملة في مواقع شركة سونيك المحلية على التصويت عبر الإنترنت لدعم اللوازم والمواد التعليمية التي يرشحها المعلمون، والتي تقوم سونيك بدورها بتقديمها إلى الفصول الدراسية. وتجمع هذه الشراكة الفريدة بين أولويات المجتمع مع كل من المتاجر المملوكة والمدارة محلياً، وكذلك مشاركة الشركات.

العِبَر الرئيسة

نتحدث في كثير من الأحيان عن المسؤولية الاجتماعية للشركات كما لو كانت مفهوماً جديداً، ولكن في الواقع، فإن المؤسسات الصغيرة تجهد في مجتمعاتها وتتصرف وفقاً للاحتياجات المحلية لفترة طويلة. قد لا تتلقى جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات والمشاركة المجتمعية للشركات الصغيرة مطلقاً التغطية المذهلة التي تحصل عليها تبرعات الشركات الكبيرة، ولكن تلعب تلك الشركات دوراً أساسياً في نجاح تلك المجتمعات، ومن وجهة نظرها المحلية، لها القدرة على التأثير في مدنها وبلداتها بطرق تتجاوز مجرد خلق فرص عمل أو تقديم خدمة. وتُظهر تقديرات برنامج "ما تهبه الفروع المحلية" (Franchising Gives Back)، الذي أسسه ستيف رومانيللو من "رورك كابيتال" (Roark Capital) لتحديد حجم التبرعات الخيرية من الشركات المحلية، أن أفرع الشركات الضخمة التي تملكها وتديرها الشركات المحلية قد منحت أكثر من 2.6 مليون ساعة تطوعية لأسباب خيرية في السنوات الأخيرة. من خلال قدرتها على الاستماع وفهم الاحتياجات المحلية التي تهم أكثر الناس الذين تخدمهم، فإنها تسلط الضوء على كيف يمكن للشركات في جميع أنحاء البلاد تطوير مناهج ذات صلة وحقيقية للمسؤولية الاجتماعية للشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي