يُفترض أن يكون مكان العمل المليء بالضحك مكاناً جيداً، فقد أوجدت عدة دراسات أن أثر الفكاهة الجيدة ليس فقط في أنها تجعل الناس يشعرون بتحسن وتجعل يوم العمل يمر أسرع فقط، بل إن لها فوائد أساسية في العمل، حيث تبين أن الموظفين الذين يضحكون مع بعضهم البعض أكثر إبداعاً وتعاوناً معاً، وبالتالي فهم أكثر نفعاً وإنتاجاً. وكذلك تُعطي الفكاهة أثراً دافعاً. فالمدراء الذين يدمجون الضحك والمزاح مع عملهم (طالما أنهم يستخدمون دعابات مناسبة) يحصلون على دعم إضافي لمبادراتهم ويكونون أفضل في تحفيز موظفيهم ويكسبون المزيد من المال ويحصلون على ترقية أسرع.
يضع المدراء القواعد لمكان العمل بأكمله، فالموظفون سيلاحظون ويفسرون ما يقوله المدير أو يفعله وسيغيّرون سلوكهم تبعاً لذلك. ولهذا من المهم أن يفهم المدراء الطريقة الصحيحة والخاطئة أيضاً لاستخدام الفكاهة في مكان العمل، حتى تستفيد المؤسسة ككل.
أردت أنا وزملائي مايكل كريستيان وتشينو لياو وجاريد ناي فهم تأثير مزاح المدير على سلوك الموظف وأفعاله. في ورقة بحثية نشرت في مجلة "أكاديمية الإدارة" (Academy of Management Journal) وجدنا أن استخدام المدير للفكاهة يعد أمراً جيداً وسيئاً في الوقت نفسه، مع تأثيرات مفاجئة في بعض الأحيان على سلوك المؤسسة. في الواقع، وجدنا أن الفكاهة قد تؤدي إلى سلوك سلبي غير مقصود بين الموظفين.
لقد جمعنا البيانات من موظفين في الصين وأميركا في ثلاث فترات زمنية تفصل فصل بينها مدة أسبوعين تقريباً. في الاستبيان الأول، طلبنا من الموظفين إفادتنا عن مدى امتلاك مدرائهم لحس الفكاهة في العمل. في الاستبيان الثاني، طلبنا منهم إفادتنا عن علاقتهم مع مدرائهم بالإضافة إلى تصوراتهم عن تقبّل المخالفات السلوكية (أي فعل شيء خارج عن السلوك المقبول عادة) في العمل. وفي الاستبيان الأخير، قسنا تقرير الموظفين الذاتي عن مشاركتهم في العمل وسلوكياتهم.
وعند تحليلنا للبيانات، استخدمنا مفهوم نظرية المخالفة الحميدة "بي في تي" (BVT)، التي وضعها بيتر ماكغرو، عالم السلوك في جامعة "كولورادو" في بولدر الأميركية، حيث توصل بيتر وزملاؤه في مختبر أبحاث الفكاهة (HuRL) إلى نظرية المخالفة الحميدة كطريقة للإجابة عن سؤال قديم: ما الذي يجعل الأشياء مضحكة؟
باختصار، تقول النظرية إنه يوجد ثلاثة عوامل تجعل حالة ما فكاهية: أولاً، أن يُنظر إليها على أنها نوع من المخالفة (أي إنها خارجة عن المعتاد). ثانياً، أن تكون حميدة (لا تُعدّ تهديداً مباشراً). وثالثاً، أن يحدث العاملان الأولان في وقت واحد (لن يكون الأمر مضحكاً إذا حصلا بشكل منفصل).
لتطبيق هذا المفهوم على مكان العمل، قمنا بدمجها مع نظرية أخرى تُعرف باسم "معالجة المعلومات الاجتماعية"، التي تركز على كيفية تفسير الموظفين لتصرفات مدرائهم باعتبارها دليلاً لهم حول السلوك المناسب في العمل، وبالتالي وضع الحدود من حيث أنواع السلوكات التي تُعد مقبولة.
بدمج هاتين النظريتين، بحثنا في كيفية استخدام تعبير المدير الفكاهي بمثابة دليل للحد المقبول من المخالفات السلوكية في العمل. إذا نُظر إلى هذا الحد على أنه مرتفع على سبيل المثال، ربما يؤدي إلى المزيد من السلوكات المنحرفة مثل الغياب المتكرر عن العمل أو تجاهل تعليمات المدير أو مشاركة المعلومات السرية أو تزوير المطالبات المالية أو تناول المشروبات الكحولية في العمل.
وجدنا من خلال التحليل أن الفكاهة تُحدث مجموعة واسعة من الآثار على سلوك المؤسسة. ومن ناحية أخرى، يمكنها أن تُطور رؤية الموظفين لعلاقتهم الاجتماعية مع مدرائهم، وهي ما تعرف بالتبادل بين الموظف والمدير (LMX). التي بدورها تؤدي إلى تحسين مشاركة الموظفين في العمل، بمعنى أنهم يصبحون أكثر ارتباطاً بوظائفهم وأكثر اجتهاداً وحماساً وإنتاجاً. ولكن هناك بعض أنواع الفكاهة التي قد تكون إشارة قوية لأعضاء الفريق إلى أنه لا بأس من مخالفة القوانين بطرق سلبية.
وأوجدت دراستنا أن أحد العوامل المهمة كان مدى استخدام المدير للفكاهة العدوانية، مثل إغاظة الموظفين أو قول دعابات بذيئة. وقد أوجدت نتائجنا بما يتعلق في هذا الأمر أن المدراء الذين يستخدمون هذا النوع الأكثر خطورة من الدعابات كانوا أكثر المدراء احتمالاً لتمهيد الطريق لموظفيهم ليتصرفوا بشكل سيئ، والأقل احتمالاً لبناء شعور الانتماء لدى أعضاء الفريق.
لا ينبغي أن يُنظر إلى نتائجنا على أنها رسالة لوقف استخدام الفكاهة في العمل، أو حتى لإيقاف مدربي الفكاهة عن العمل. لكن لا يزال الدليل واضحاً على أن الفكاهة تُعدّ أداة مهمة للمدراء لتحفيز فرقهم من أجل تحقيق أداء أفضل. ومع ذلك، في حين أنه يمكن للفكاهة أن تكون أداة فعالة، إلا أن دراستنا تؤكد ضرورة إدراك المدراء أنهم نموذج يُحتذى به. بسبب منصبهم، تعد أفعال المدراء بمثابة إشارة اجتماعية للموظفين، ما يؤدي إلى نتائج إيجابية وسلبية. لذلك يجب على المدراء أن يكونوا حذرين بشأن كيفية تصوير أنفسهم أمام موظفيهم، وأن يطوروا من مهارات المراقبة الذاتية، وأن يصبحوا أكثر وعياً تجاه نوعية الفكاهة المناسبة في مختلف الحالات.
في النهاية، قد تبدأ الفكاهة على أنها "مجرد دعابة"، ولكن بالنسبة للمدراء تحديداً، قد يكون لها عواقب بعيدة المدى.