تعلم كيف تبني قدرتك على المرونة والتأقلم وقت الأزمات

4 دقائق
مهارة التأقلم مع الأزمات

نظراً إلى هيمنة الأخبار المتعلقة بانتشار فيروس كوفيد-19 وآثاره بعيدة المدى على الأخبار العالمية، أصبحنا نشعر بالقلق والتوتر وعدم الاستقرار. في الواقع، في أوقات الأزمات غالباً ما تميل حالتنا الذهنية إلى مفاقمة الوضع الصعب للغاية بالفعل، ما يصبح عقبة كبيرة في حد ذاته. ولكن لماذا يحدث ذلك وكيف يمكننا تغييره؟ وما هو سبب أهمية مهارة التأقلم مع الأزمات الراهنة؟ بصفتي الرئيس التنفيذي لشركة تساعد الشركات على تطبيق اليقظة الذهنية لإيجاد طرق جديدة للتفكير والعمل، سأتحدث قليلاً عن كيفية استجابة العقل للأزمات كخطر تفشي وباء ما.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تحقق الحكومات الأثر المنشود من حزم الدعم المالي لمواجهة الأزمة؟

حتى دون وجود سيل مستمر من الأخبار السيئة أو المثيرة للقلق والتوتر، غالباً ما يتشتت ذهننا. فقد وجدت أحدث دراساتنا أن 58% من الموظفين أفادوا أنهم لا يقدرون على تركيز انتباههم في العمل. وأظهرت البحوث أنه عندما يشرد الذهن من السهل أن يقع فريسة لأنماط التفكير السلبي. وفي أوقات الأزمات، كتلك التي نعيشها الآن، يتفاقم هذا الميل وبالتالي يمكن أن يتملك العقل تفكير وسواسي إلى جانب الشعور بالخوف والعجز. ولهذا نجد أنفسنا نقرأ قصة مريعة تلو الأخرى حول مسافرين تحت الحجر الصحي على متن سفينة سياحية، حتى إن لم نكن قد سافرنا على متن سفينة سياحية من قبل أو حتى نخطط لذلك.

عندما يَعلق عقلك في تلك الحالة، تبدأ ردود أفعال تسلسلية، حيث يبدأ الشعور بالخوف بتضييق مجال رؤيتك ما يجعل من الصعب عليك رؤية الصورة الكاملة وكذلك الفرص الإيجابية والمبتكرة المتاحة أمامك. ومع ضيق نطاق رؤيتنا، تتقلص أيضاً رغبتنا في التواصل مع الآخرين. وفي الوقت الحالي، الحقائق المتعلقة بكيفية انتشار فيروس كورونا يمكن أن تؤجج أسوأ مخاوفنا بشأن الآخرين وتزيد من شعورنا بالعزلة، ما يزيد من شعورنا بالقلق.

مع مشاهدة الأزمة تتطور الشهر الماضي، ذُكّرت بالمثل البوذي القديم حول الإصابة بالسهم الثاني. ذات مرة سأل بوذا أحد الطلاب: "إذا أصيب رجل بسهم، هل يؤلمه ذلك؟ وإذا أصابه سهم ثان، هل سيكون الألم أكبر؟". ثم أوضح للطالب قائلاً: "في الحياة لا يمكننا دائماً التحكم في إصابتنا بالسهم الأول. ولكن السهم الثاني هو رد فعلنا على إصابتنا بالسهم الأول. لذلك يمكننا اختيار ألا نصاب بالسهم الثاني".

اقرأ أيضاً: قُد فريقك إلى عالم ما بعد الأزمة

أُصبنا جميعاً بالسهم الأول لفيروس كورونا هذه الأيام، فقد تأثرنا بالقيود المفروضة على السفر وانهيار أسعار الأسهم ونقص الإمدادات، إلخ. ولكن السهم الثاني، المتمثل في القلق حيال إصابتنا بالفيروس أو إصابة أحبابنا به أو القلق بشأن التبعات المالية والمخاوف من جميع السيناريوهات السوداوية التي تفيض بها الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، هو إلى حد كبير من صنعنا. باختصار، يسبب السهم الأول ألماً لا يمكن تفاديه، ومقاومتنا له توفر تربة خصبة للإصابة بجميع الأسهم التالية.

كيفية تنمية مهارة التأقلم مع الأزمات

من المهم أن نتذكر أن تلك الأسهم التالية، المتمثلة في استجابتنا العاطفية والنفسية للأزمات، من طبيعتنا البشرية. ولكنها في الواقع تجعلنا نعاني بشكل أكبر لأنها تضيق نطاق تفكيرنا وتُحدث فوضى في عقولنا، ما يمنعنا من رؤية مسار العمل الأفضل بوضوح.

للتغلب على هذه النزعة الطبيعية ينبغي لنا بناء مرونتنا العقلية من خلال ممارسة اليقظة الذهنية. المرونة العقلية، وخاصة في أوقات الأزمات كالتي نعيشها في الوقت الحالي، تعني إدارة عقولنا بطريقة تزيد قدرتنا على التصدي للسهم الأول وكسر السهم الثاني قبل أن يصيبنا. فالمرونة مهارة تمكّننا من ملاحظة أفكارنا والتخلص من الأفكار غير البنّاءة واستعادة توازننا بسرعة. وهي مهارة يمكن تنميتها والتدرب عليها. وفيما يلي ثلاث استراتيجيات فعالة يمكنكم اتباعها:

أولاً، احرص على تهدئة عقلك

عندما تركز على تهدئة عقلك وتصفيته، ستتمكن من الانتباه إلى ما يحدث من حولك وما يحدث داخلك. وستتمكن أيضاً من ملاحظة أفكارك وإدارتها والتحكم بها عندما تتجه نحو السيناريوهات السوداوية. يمكنك التركيز على ما تختاره (كأن تقول لنفسك "أليس العمل من المنزل شيء رائع!") بدلاً من التأثر بالأخبار العاجلة فور قراءتها (وقول أشياء من قبيل "يا للمصيبة... انخفضت الأسعار في سوق الأسهم مجدداً").

يُعد هذا الهدوء والتركيز على اللحظة الحالية بالغ الأهمية. فهو يساعد في الحال على منع ذهنك من الشرود وإبعاد الأفكار السيئة عن عقلك، كما أنه يحد من الشعور بالقلق والتوتر الذي يمكن أن يتملكنا بسهولة. والأهم من ذلك أن التدريب المستمر على تحرير عقولنا وتركيز أفكارنا يساعد على بناء المرونة التي ستعود علينا بالنفع مرة تلو الأخرى. عندما نتدرب على إعادة أنفسنا إلى اللحظة الحالية، فإننا بذلك نعمق قدرتنا على مواجهة جميع أنواع الأزمات واجتيازها سواء كانت على الصعيد العالمي أو الشخصي. (ولحسن الحظ هناك بعض التطبيقات المجانية المتاحة لمساعدتك على تهدئة عقلك ورفع مستوى يقظتك الذهنية).

انظر من النافذة

يمكن أن يؤدي الشعور باليأس والخوف إلى المبالغة في ردود الأفعال. وغالباً ما يكون فعل أي شيء أفضل من الجلوس وترك المشاعر المزعجة تتملكك. في الأسابيع القليلة الماضية، شعرتُ بخيبة أمل وإحباط بسبب مبادرات الأعمال التجارية الهامة التي تأثرت سلباً بانتشار فيروس "كوفيد-19". ولكني كنت أحاول أن أواجه هذا الإحباط بالتأمل وليس باتخاذ رد فعل فوري. كنت أعلم أن عقلي بحاجة إلى التحرر من دوامة الأخبار السيئة والاستقرار في موضع يسمح بالتخطيط والقيادة الجيدة. لذا حاولت العمل لوقت أقل وقضاء المزيد من الوقت في النظر من النافذة والتأمل. وبفعل ذلك تمكنت من إيجاد إجابات أكثر وضوحاً حول أفضل الطرق للمضي قدماً على الصعيد الشخصي وبصفتي قائداً.

تواصل مع الآخرين مع إبداء التعاطف من أجل تنمية مهارة التأقلم مع الأزمات

للأسف الكثير من دوائر المجتمع التي تقدم الدعم في أوقات الشدة أُغلقت الآن لأن المدن والحكومات تعمل على احتواء انتشار الفيروس. كما أن المدارس أُغلقت والفعاليات أُلغيت والشركات وضعت سياسات للعمل من المنزل وفُرض حظر على السفر. والنتيجة الطبيعية لهذا هي شعور متزايد بالعزلة والانفصال عن الأشخاص الذين يستطيعون تهدئة خوفنا وقلقنا على أفضل نحو.

اقرأ أيضاً: كيف تدير عمليات خدمة العملاء خلال أزمة كورونا؟

يمكن أيضاً أن يخلق مناخ الخوف الحالي وصمات ويجعلنا نصدر أحكاماً حول مَن يجب إلقاء اللوم عليه ومَن يجب تجنبه، إلى جانب تبني بعض الأشخاص عقلية وسلوكيات الشخص الذين يريد أن ينجو بنفسه بأي وسيلة ولو كان ذلك على حساب الآخرين. إذ من السهل أن ننسى أننا نمتلك مواطن ضعف مشتركة وأننا نحتاج إلى الترابط فيما بيننا.

ولكن يمكن تكوين علاقات ذات معنى حتى إن كنت تبتعد اجتماعياً عن جارك بمقدار الأربعة أمتار الموصى بها، والأمر يبدأ بأن تكون متعاطفاً، أي أن تعتزم أن تكون مفيداً للآخرين، وهو فعل يبدأ من عقلك وطريقتك في التفكير. من الناحية العملية، يبدأ التعاطف بأن تسأل نفسك سؤالاً واحداً عندما تبدأ يومك وتتواصل مع الآخرين سواء افتراضياً أو وجهاً لوجه: كيف يمكنني مساعدة هذا الشخص ليحظى بيوم أفضل؟

بطرح هذا السؤال البسيط، ستبدأ أشياء مذهلة في الحدوث، حيث تتفتح عقولنا وترى أعيننا حقيقة الأشخاص والأشياء، وأيضاً نتمكن من رؤية الفرص المليئة بالأمل لنا وللآخرين كما ستكتسب مهارة التأقلم مع الأزمات بطريقة أسرع.

اقرأ أيضاً: دروس من فشل مدراء البنوك في تفادي الأزمة المالية العالمية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي