كيف تتسلح بالمرونة في مواجهة الانتقادات اللاذعة؟

5 دقائق
المرونة في تلقي الانتقادات

تعرض معظمنا لصفعة من الآراء السلبية في مرحلة ما في حياتنا، وغالباً نكون لا نمتلك المرونة في تلقي الانتقادات. في منتصف اجتماع معين أو أثناء السير في الرواق أو خلال عملية مراجعة الأداء، يقدم شخص ما صفعة كلامية تزلزل كياننا النفسي. تعاطينا مع 445 حادثة مماثلة عندما أجرينا استطلاعاً للرأي على الإنترنت سألنا فيه الموظفين عن أقسى آراء تقويمية تلقوها.

حيث كانت بعض التعليقات لاذعة وصريحة ("فكر في ترك العمل، أريد محاربين وليس جبناء" و"تريد فقط أن تكون على حق. أنت مخادع. ولا تهتم بالآخرين") وكانت بعض التعليقات الأخرى أقل حدة مع أنها مباشرة في الوقت ذاته ("عندما تفقد هدوء أعصابك، يمكن أن يجعل ذلك الآخرين يشعرون باحترام أقل" و"عليك تحسين رسائلك البريدية من خلال كتابة الحقائق فقط دون تزيينها وتلطيفها كثيراً").

وما زال العديد من المستطلعة آراؤهم في دراستنا تطاردهم تعليقات لاذعة تلقوها قبل عشرات السنوات. أعرف هذا الشعور من تجربة شخصية. ما زلت أشعر بضيق في صدري وإحساس بخوف عميق عندما أتذكر لحظات دعاني بها أحد زملائي، والذي لم يحب الطريقة التي تعاملت فيها مع رسالة بالبريد الإلكتروني، بأنني "أحمق لعين" وهدّد بتدميري.

اعتقدت أنّ أولئك الذين تلقوا انتقادات حادة من الأرجح أنهم امتلكوا شعوراً أسوأ ممن تلقوا تعليقات أكثر لطفاً. ولكن المدهش في الأمر هو أنّ الأشخاص الذين تلقوا تعليقات أقل حدة تحدثوا عن شعور بالقهر والحزن بنفس الدرجة.

وكنت مندهشاً أيضاً لأنّ قلة منهم في دراستنا أصبح لديهم الميل إلى مواجهة الانتقاد بالشجار، بغض النظر عن مستوى حدّة ذلك الانتقاد. وفي الحقيقة، وصف حوالي 90% من الأشخاص رد فعلهم العاطفي الفوري بكلمات مثل مصعوق أو مندهش أو مصدوم أو متفاجئ أو فاقد الحس، ووصف 40% مشاعر ذات صلة بـ "الخزي" مثل: إحراج وانعدام القديمة وجرح وحزن وعدم ثقة بالذات. واستجاب عدد قليل من الأشخاص تصل نسبتهم إلى 15% بمشاعر ركزت على الشخص الآخر: الغضب أو الخيانة أو العنف.

لماذا تُحدث الملاحظات المسكّنة ألماً بنفس القدر الذي تُحدثه الاعتداءات بالانتقادات القاسية؟ الإجابة هي: جميعنا نتعطش إلى الاستحسان ونخاف من الحقيقة. وتبدو الآراء التقويمية النقدية صادمة لأنها تهدد أمرين من أهم احتياجاتنا النفسية الأساسية: الأمن (الأمن البدني أو الاجتماعي أو المادي المتوخّى) والقيمة (الإحساس باحترام الذات أو الاهتمام بالذات أو الثقة بالذات).

لنتحدث عن الأمن أولاً. ثمة أوقات تشتمل فيها الآراء التقويمية على تهديدات مادية ("سأطردك") أو تهديدات على صعيد العلاقة ("سأتركك") أو حتى تهديدات جسدية ("سأضربك"). في هذه الأمثلة، الخوف هو الاستجابة الصحيحة. ولكن تحليلنا لـ 445 حادثة أبلغنا بها الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة يبين لنا أنّ التهديدات الفورية تمثل حالات استثنائية نادرة. وفي معظم الأحيان تكون استجابتنا الدفاعية أو التي تميل إلى الشجار أو الاستياء إزاء الآراء التقويمية هي ما تضعنا في خطر أكبر من الآراء التقويمية نفسها.

والآن لنتحدث عن القيمة. إذا كانت معرفة الحقيقة مفيدة، فلماذا يثير تلقيها مشاعر بالخزي والخوف والغضب؟ لأننا نعيش مع استياء من الرهبة الخفية من أننا لسنا ذوي قيمة، وأنّ الآراء التقويمية تشير إلى ذلك.

تحدث كثيرون في دراستنا عن أنّ الآراء التقويمية تكون مؤذية أكثر عندما يكون لحاملها دوافع خبيثة. وفي الحقيقة، لا علاقة للدوافع بهذا الأمر. فالواقع هو أنّ معظمنا نتعطش إلى استحسان الأشخاص الأقوياء. ويتمثل أملنا الخفي في أنّ تأييدهم الإيجابي ربما يؤدي إلى نهاية الأمر إلى إخماد مشاعر النقص المزعجة. ولكن ذلك غير صحيح.

لقد أمضيت فترة طويلة من عمري معتقداً أنّ الوسيلة الأفضل لمساعدة الأشخاص الذين يتلقون آراء تقويمية سلبية ويتصرفون وفقاً لها، تكون بمساعدة أولئك الذين يقدمون هذه الآراء في تحسين رسالتهم. ولكنني الآن مقتنع أنني كنت مخطئاً. فبدلاً من التركيز على قول أشياء بالطريقة "الصحيحة"، نحن بحاجة إلى التحسن جميعاً في إيجاد الحقيقة الكامنة في الآراء التقويمية السلبية، بغض النظر عن طريقة إيصالها.

لقد شاهدت بنفسي كيف يفعل الناس ذلك من خلال تحمل المسؤولية عن أمنهم وقيمتهم الخاصة. قد درست وعملت على مدار السنوات الثلاث الماضية مع مؤسسة غير ربحية تدعى ذي أذر سايد أكاديمي (The Other Side Academy) في مدينة سولت ليك بولاية يوتاه الأميركية. يعيش حوالي مائة من الرجال والنساء البالغين الذين يمتلكون سجلاً طويلاً من الجريمة والإدمان والتشرد في هذه المؤسسة وسط مجتمع يعتمد على ذاته ويزدهر بفضل الآراء التقويمية. ويتمثل إيمانهم العميق في أنّ مواجهة الحقيقة بلا هوادة هي الطريق الأفضل لتحقيق النمو والوصول إلى السعادة.
يشارك الطلاب مرتين أسبوعياً في عملية تسمى "الألعاب"، وهي عملية تمتد لساعتين من الآراء التقويمية التي لا تنتهي. يمكن أن تكون صاخبة. وتكون الكلمات المستخدمة فيها صريحة ونابضة بالحياة. ويمكن أن يكون أحد الطلاب محور تركيز الاهتمام المتواصل لمدة 20 - 25 دقيقة من عدد يصل إلى 24 زميلاً. يقدم لك الأقران دليلاً على أنك كاذب أو مخادع أو كسول أو أناني أو لئيم. وثمة القليل من الحرص على إيصال الرسالة بشكل لبق. وبدلاً من ذلك، فهم يركزون على مساعدة الفرد في تعلم "الأخذ بآرائهم".

وتكون استجابة بعض الطلاب دفاعية تجاه هذه الآراء. لذا يتوجهون إلى الانسحاب أو الإنكار أو مهاجمة من يخبرونهم بأشياء لا يريدون سماعها. ولكن أغلبهم لا يفعلون ذلك. ويدركون بسرعة أنهم هم المصدر الرئيس لأمنهم الشخصي. وتعتبر طمأنة أنفسهم حول كفاءتهم الخاصة بمثابة المسار الأسرع نحو الأمان، وتتمثل الطريقة الأفضل لزيادة كفاءتهم الذاتية في التفتيش في الآراء التقويمية عن الحقيقة. الآراء التقويمية إما أن تكون صحيحة أو خاطئة أو في أحوال كثيرة مزيجاً من الاثنين. وإذا كانت الحقيقة ستؤلمك، فمن الأرجح أنها ستسبب ضرراً أكبر عندما لا تعلمها مقارنة بما إذا كنت تعلمها. لذا فإنّ معرفة هذه الحقيقة مفيدة دائماً.

خطوات لتقبل الآراء التقويمية القاسية

ما تعلمته في المؤسسة هو أننا بحاجة إلى بناء قدرتنا على التحمل في مواجهة النقد. وإليك أربع خطوات يمكنك تجربتها في المرة القادمة التي تتلقى فيها آراء تقويمية قاسية على حين غرّة. وقد رتبتها لك بطريقة سهلة تساعدك على وضع هذه الممارسات موضع التنفيذ حتى إذا لم تكن تتعرض لضغط ما.

1. تمالك نفسك.

التنفس العميق ببطء من شأنه أن يذكرك بأنك آمن. ويشير إلى أنك لست بحاجة إلى اتخاذ وضعية دفاعية. وتساعدك ملاحظة مشاعرك في ذلك أيضاً. هل تشعر بالألم أو الخوف أو الإحراج أو الخزي؟ كلما زاد ارتباطك بهذه المشاعر الرئيسة يقل اهتمامك بمشاعر ثانوية مثل الغضب أو التبرير أو الخوف المبالغ فيه. يتمالك بعض الطلاب أنفسهم من خلال ارتباط واعٍ مع حقائق مهدئة، كأن يقوموا بتكرار عبارة مثل "هذا لا يمكن أن يؤلمني. أنا آمن" أو "إذا ارتكبت خطأ ما، فهذا لا يعني أنني خطأ".

2. افهم.

كن فضولياً. اطرح أسئلة واطلب أمثلة. ثم استمع فحسب. افصل بينك وبين ما يقال، كما لو أنه يقال عن شخص آخر. سيساعدك هذا في تجاوز الحاجة إلى تقييم ما تسمعه. وتصرف ببساطة كصحفي جيد يحاول فهم القصة.

3. تعافى.

يفضل عموماً أن تخرج من المحادثة عند هذه النقطة. قل أنك تريد بعض الوقت للتفكير وأنك ستجيب عندما تسنح لك الفرصة بذلك. أعط نفسك إذناً للشعور بالتجربة والتعافي منها قبل إجراء أي تقييم لما سمعت. في مؤسستنا، يقول الطلاب ببساطة أحياناً: "سأنظر في ذلك". هم لا يوافقون. ولا يعترضون. ولكنهم ببساطة يعدون بالنظر بجدية في الأمر الذي أًخبروا به حسب الجدول الزمني الخاص بهم. يمكنك إنهاء حادثة صعبة من خلال القول ببساطة "من المهم بالنسبة لي أن أستوعب الأمر بطريقة صحيحة. أحتاج إلى بعض الوقت. وسأعود إليك لأخبرك بما توصلت إليه".

4. شارك.

افحص ما أخبروك به. إذا قمت بعمل جيد في طمأنة نفسك عن أمنك وقيمتك، بدلاً من إيجاد ثغرات في الآراء التقويمية، عندها ستبحث عن الحقيقة. إذا كان 90% من هذه الآراء خاطئ و10% جوهري، فابحث عن الجوهري. يكاد دائماً يوجد نواة حقيقة على الأقل فيما يخبرك الناس به. فتش عن الرسالة حتى تجدها. ثم إذا كان الوضع ملائماً، أعد التفاعل مع الشخص الذي شاركك بالآراء التقويمية واعترف بما سمعته وما قبلته وما تلتزم بفعله. في أحيان معينة، ربما يعني ذلك مشاركة وجهة نظرك حول الأمور. إذا كنت تقوم بالأمر دون حاجة خفيّة لاستحسانهم، فلن تكون بحاجة لاتخاذ موقف دفاعي.

يتضح أنّ التعاسة التي نشعر بها عند "تلقي صفعة ما" هي من أعراض مشكلة أعمق بكثير. والذين يقرّون بوجود هذه المشكلة العميقة ويعالجونها لا يتحسنون في لحظات الصدمة العاطفية المباغتة والنادرة فحسب، بل يتجهزون بشكل أفضل أيضاً لجميع تقلبات الحياة، ولهذا علينا اكتساب المرونة في تلقي الانتقادات اللاذعة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي