الشراكات بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية يمكنها أن تحل مشكلات كبيرة

4 دقائق
الشراكات بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية
تأسست مصانع "سان غوبان" (Saint-Gobain)، التي أعمل فيها، في عهد ملك فرنسا لويس الرابع عشر في عام 1665، لصناعة المرايا للنبلاء. لكن أهدافنا اليوم كشركة متعددة الجنسيات متخصصة في تصنيع مواد البناء أصبحت نوعاً ما أكثر طموحاً وتدور حول السؤالين التاليين المتعلقين بموضوع الشراكات بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية: كيف يمكننا المساعدة في توفير المساكن للناس في كل أنحاء العالم التي تحتاج إليها؟ وكيف يمكن لمواد البناء التي ننتجها أن تساعد في جعل المباني التجارية أكثر أماناً واستدامة؟
نحن نؤمن أن الإجابة عن هذين السؤالين تتطلب إجراء أعمال البحث والتطوير في أوساط المجتمعات التي تُستعمل فيها المواد التي ننتجها. ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى شراكات وثيقة مع المؤسسات الأكاديمية المحلية. وقد أسسنا مؤخراً مركزاً جديداً للبحث والتطوير في شيناي بالهند للوصول إلى هذا الهدف. وفي بلد تنفصل فيه الجامعات عن الصناعة في أغلب الأحيان، فإن من غير المعتاد رؤيتهما يبتكران معاً. وهذا هو هدف مؤسسة "سان غوبان للبحوث في الهند" (SGRI)، التي توظف أكثر من 100 في مركز "آي آي تي-مدراس" (IIT-MADRAS) الفسيح للبحوث، والمصنف مؤخراً كأفضل كلية للهندسة في الهند. ومن خلال بناء مركز أبحاثنا الجديد قرب مؤسسة التكنولوجيا المذكورة، فإننا نأمل في عقد الشراكة العلمية بيننا، حتى تتحول الأفكار الجديدة من "التصور العلمي الأولي" إلى "عمل تجاري" بسرعة أكبر لتقدم حلولاً أكثر ملاءمة للسوق الهندية.

ويمكن أن نأخذ كمثال على هذا حلول البناء المستدام الملائم للمناخ الحار والرطب. ويتنوع هذا الصنف من البناء بين المباني التجارية الكبيرة والشقق الفاخرة ليشمل المساكن الاقتصادية في المناطق الحضرية والقروية. لقد تعاون أساتذة وطلبة كلية "آي آي تي-مدراس" وغيرها، مع الباحثين في مؤسسة "سان غوبان للبحث والتطوير"، لتقييم كفاءة الطاقة والراحة البصرية في كل من نماذج المباني ذات المساحة الصغيرة (أقل من 100 قدم مربع) والمباني التجارية الكبرى (أكثر من 100 ألف قدم مربع).

الشراكات بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية

تركز فرق البحث متعددة التخصصات التي تعمل في "آي آي تي-مدراس" والباحثون بمركز البحث والتطوير الذين يمتلكون خبرة في علوم البناء، على كفاءة الطاقة والراحة الحسية متعددة الأبعاد (التي تشمل الراحة البصرية في ضوء النهار، والراحة السمعية، وجودة الهواء، والراحة الحرارية) والابتكار من خلال الجمع بين المنتجات المتنوعة المتوفرة والمساكن منخفضة التكلفة. وقد يقدم الطلبة المتدربون في كلية "آي آي تي-مدراس"، على سبيل المثال، بعض التصورات الجديدة في التفكير والتصميم بينما تجعل الحلول الملموسة التي تقدمها شركة "سان غوبان" الأفكار مقبولة تجارياً. وهناك تشديد قوي على الإبداع المشترك والتعاون مع العملاء من خلال إجراء استقصاءات عن مستوى راحة القاطنين بالمباني وأيضاً من خلال مراقبة استهلاك الطاقة في المباني التجارية. ومن بين الأمثلة الإضافية، زيادة مستوى المعيار الحالي للنوافذ الزجاجية أحادية الوجه في البنايات الشاهقة إلى مستوى مزدوج أو مثلث لتحسين كفاءة الطاقة. وبينما يمثل التزجيج المضاعف معياراً معتمداً في البلدان المتقدمة، فإن الانتقال إلى النوافذ الزجاجية ثنائية أو ثلاثية الوجه دون الاضطرار إلى إزالة طبقة الزجاج الأولى الموجودة حالياً يعتبر فرصة كبيرة في الهند، بالنظر إلى ندرة الطاقة في اقتصادها النامي.

ومن الأمثلة الأخرى على هذا التعاون التجاري الأكاديمي، العمل الذي أنجزناه فيما يخص صوتيات البناء. إذ تبحث كلية "آي آي تي-مدراس" ومركز "سان غوبان للبحث والتطوير" عن المبادئ العلمية لانتقال الصوت للمساعدة في كتم أصوات الضجيج في المناطق التي تعرف كثافة بشرية كبيرة، كالمطاعم وأماكن المكاتب المفتوحة. وقد أخذ مركز البحث والتطوير قياسات شاملة في أماكن تواجد المستهلكين لفهم المشكلة. كما ساعد أساتذة من ذوي الخبرة في كلية "آي آي تي-مدراس" مركزَ البحث والتطوير على تحديد بعض المعايير العلمية الأساسية والتعبيرات النظرية عن أهميتها (مدة تردد الصوت ومستويات شِدته على سبيل المثال) في البيئات. وأعقب هذا محاكاة حاسوبية مفصلة وتثبيت ألواح "إيكوفون" (Ecophon) العازلة للصوت، التي تنتجها "سان غوبان" على مساحة سقف محددة، ما حقق خفضاً مهماً لمستويات الضوضاء. وبعد تجربة الحل الخاص بالمطاعم، قررت إحدى شركات تقنيات المعلومات أن تجعله نموذجاً معتمداً في كل مباني مكاتبها. ويتم الآن تعميم هذا الحل على العديد من الزبائن الآخرين.

أما المثال الثالث، فيتعلق بتجرية موسعة متطورة لسد الخَصَاص في المساكن المخصصة لذوي الدخل المحدود. ويتطلب هذا العجز المقدر بأكثر من 25 مليون وحدة سكنية حلولاً للبناء السريع والاقتصادي. وقد طورت كلية "آي آي تي-مدراس" تصميما هيكلياً يسمح للمقاولين بإنشاء عدد كبير من مباني الشقق في أقل من 30 يوماً، باستعمال ألواح الجبس المركبة والمصنعة سلفاً المحاطة بالخرسانة. وزيادة على أنها سريعة الإنجاز وقليلة الكلفة، فإنها أيضاً صديقة للبيئة نظراً لتحقيقها تخفيضاً مهماً في كمية الخرسانة والإسمنت والحديد والفولاذ المستعمل في البناء وتقليلها للطاقة المستهلكة في إنتاجها. كما يستخدم هذا النهج جبالاً من بقايا الجبس التي تلقي بها مصانع الأسمدة المنتشرة في كل أرجاء الهند. وعندما تنجح هذه الطريقة يمكنها أن توفر أعداداً كبيرة من المساكن منخفضة التكلفة في الهند وخارجها. لقد توصلت كلية "آي آي تي-مدراس" إلى التصميم الهيكلي وابتكرت الحلول الخاصة بمواد البناء، كالحد من تسرب المياه، كما طورت ممارسات البناء ومعاييره الوطنية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الانتشار الواسع لتقنية من هذا القبيل يحتاج إلى شركة مثل "سان غوبان" لإنتاج المواد المختلفة بمعيار صناعي.

فوائد التعاون الصناعي الأكاديمي

لا تساعد هذه النوعية من التعاون الصناعي الأكاديمي فقط في تطوير التكنولوجيا ودعم خطوط الأعمال التجارية القائمة، بل إنها تضمن حصول مركز البحث والتطوير على مورد منتظم للمواهب المبتكِرة. فقد طور المركز، على سبيل المثال، في مجال صناعة أدوات الكشط تقنيات جديدة لشركات صناعة السيارات والحديد والسكك الحديدية والبناء. ونعمل بتعاون وثيق مع كلية "آي آي تي-مدراس" في المجالات المتعلقة بأساسيات عمليات الطحن، وأسطح دواليب الطحن، وتصميمات التطبيقات الجديدة للأدوات الكاشطة المخصصة للمستهلكين في أسواق البيع بالتجزئة. كما نحتضن باحثي كلية "آي آي تي-مدراس" من خلال رعاية برامج البحث في الدكتوراه وتقديم مِنح البحوث القصيرة الأمد التي تتيح للطلبة التفاعل مباشرة مع الباحثين في مركز "سان غوبان للبحث والتطوير". وبعد إتمام دراساتهم العليا، التحق عدد من الطلبة الباحثين من كلية "آي آي تي-مدراس" المنخرطين في هذه المشاريع بمركز البحث والتطوير كباحثين في مجال الصناعة.

ويساعد هذا النموذج مؤسسة "سان غوبان" على حل مشكلات علمية وهندسية متنوعة وعلى تطوير التطبيقات العلمية الواقعية في كلية "آي آي تي-مدراس". كما نخطط معاً لمواصلة التعاون على مزيد من البرامج المشتركة وبرامج الزمالة والمشاريع الاستكشافية من خلال اتفاقية نموذجية للبحوث موقعة من الطرفين لمعالجة مسألة تقاسم الملكية الفكرية.

وتعد النتائج المبكرة لهذا الابتكار التآزري واعدة حول موضوع الشراكات بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية، فقدنا شاهدنا فعلاً خلال السنوات الثلاث الأولى من تنفيذ هذا النموذج فوائد تجارية رائعة وطرحنا 22 حلاً ومنتجاً جديداً ومربحاً. ونتوقع أن يصبح هذا النموذج من الشراكة بين المراكز الصناعية والمؤسسات الأكاديمية مصدراً لإبداع المباني المستدامة التي ستحتاجها المناطق الحارة والرطبة في المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي