المدير الناجح إما يدمر المستقبل المهني للموظفين وإما يفتح أمامهم الآفاق

6 دقيقة
المدير الكفؤ
app.envato.com/by vadymvdrobot

يكشف بحث جديد أن القيمة الحقيقية التي يقدمها المدراء للموظفين أو الشركات لا تكمن في قدرتهم العالية على التحفيز والمراقبة، بل في قدرتهم على توظيف أصحاب المواهب على نحو استراتيجي. من خلال تحليل بيانات 200 ألف موظف و30 ألف مدير في 100 دولة على مدى عقدين من الزمن، تبين أن ا…

ما الذي يتيح لبعض المدراء خلق قيمة أكبر من غيرهم؟ يفترض قادة المؤسسات أن الإجابة تتعلق بقدرة المدير على التحفيز والسيطرة؛ فالمدير الكفؤ هو الذي يلهم موظفيه بذل الجهد أو يرفع معنويات الفريق أو يطبق نظام الحوافز بفعالية. ولكن قد لا يكمن السر في قدرته على التحفيز، بل في حسن توزيع الأدوار على أصحاب المواهب. اكتشفت في بحث جديد شمل 200 ألف موظف و30 ألف مدير في نحو 100 دولة أن المدراء يخلقون القيمة للموظفين والمؤسسات على حد سواء من خلال منح الموظفين الأدوار التي تلائمهم.

فكر في الموارد البشرية للشركة على أنها سوق عمل؛ إحدى أهم مسؤوليات المدير في هذه السوق هي تحديد الموظفين الملائمين للمهام وتكليفهم بها، أي توزيع المهام على الموظفين المناسبين. منذ نحو 250 سنة، طرح آدم سميث نظرية "اليد الخفية" التي تفسر كيف تنسق الأسواق نشاطها دون تخطيط مركزي، وتنص على أن الأسعار تتغير ويستجيب الناس لتغيراتها وتتركز الموارد في أفضل استخداماتها. منذ نحو 100 سنة، ناقش رونالد كوس أن الاقتصادات الحديثة تتأثر أيضاً بعامل مختلف، وهو "اليد المرئية" للمدراء الذين يتخذون قرارات التخصيص الكبيرة هذه في الشركات. يعتمد الاقتصاد على هذين النظامين في آن واحد؛ فهو محكوم بالأسواق بصفتها عاملاً خارجياً والإدارة بصفتها عاملاً داخلياً.

استخدمت بيانات الشركات الإدارية الواسعة النطاق لتوضيح أن المدير الكفؤ يؤثر في مسارات موظفيه المهنية على المدى الطويل من خلال مساعدتهم في العثور على الأدوار المناسبة. يترك هذا بدوره بصمة دائمة على كل من الأجور والإنتاجية، ليس فقط عندما يعمل الموظفون في فريق هذا المدير، بل حتى بعد انتقالهم إلى فرق أخرى.

يساعد فهم هذه النتائج الشركات والمدراء التنفيذيين على الاستفادة من إمكانات أصحاب المواهب الداخلية بالحد الأقصى. إذا تمكن المدراء من كشف مواطن القوة الخفية ومنح الموظفين الأدوار الأكثر إنتاجية، فستتمكن الشركات من تعزيز الأداء دون زيادة عدد الموظفين. توزيع الأدوار على الموظفين الملائمين في وقت مبكر من مساراتهم المهنية له آثار تراكمية في الدخل وتطوير المواهب. من ناحية أخرى، يؤدي هذا التوزيع أيضاً إلى زيادة إنتاجية الشركة وعوائد الاستثمار الإداري.

تعريف المدير الكفؤ

حللت في البحث الجديد سجلات موظفين في شركة كبيرة متعددة الجنسيات للسلع الاستهلاكية على مدى 10 أعوام. تتتبع البيانات أجور المدراء والموظفين والترقيات والانتقالات الداخلية، بالإضافة إلى أداء المبيعات (بالنسبة للموظفين الذين يعملون في قسم المبيعات).

حددت معايير المدير الكفؤ باستخدام علامة بسيطة، وهي الترقية المبكرة إلى مستوى الإدارة الوسطى. من الناحية العملية، صنفت المدراء الذين ترقوا قبل سن الثلاثين على أنهم من "أصحاب الأداء العالي"، وهم يمثلون نحو 26% من مدراء الإدارة الوسطى في الشركة. الترقية المبكرة هي مؤشر واضح على نجاح المدير داخل الشركة، ولاحظت أيضاً أنها تترافق مع علامات أخرى على نجاحه مثل ارتفاع الراتب وتقييمات الأداء.

لفهم الأثر البعيد المدى الذي يوقعه المدراء أصحاب الأداء العالي وأصحاب الأداء الأضعف في الموظفين، نظرت في ممارسة شائعة داخل الشركات، وهي التناوب الوظيفي للمدراء. تنقل الشركة التي درستها المدراء بانتظام بين فرق العمل لتوسيع مهاراتهم، ولكنني تساءلت: ما هو أثر هذا التناوب في الموظفين؟ هل للعمل مع مدير كفؤ أثر كبير في تطور مسار الموظف المهني؟ ماذا لو عمل بعد ذلك مع مدير منخفض الأداء أو حتى سيئ؟

أثر المدير الكفؤ في المسار المهني للموظف

كانت النتائج واضحة: المدير الكفؤ لا يلهم الموظفين أو يراقبهم فقط، بل يعيد توزيعهم على أدوار يستطيعون النجاح فيها.

سأتحدث فيما يلي عن التغيرات التي تطرأ عندما يعمل الموظفون مع مدير عالي الأداء:

زيادة التنقل الأفقي:

كان الموظفون الذين عملوا تحت إشراف مدير عالي الأداء أكثر عرضة بنحو 40% للتنقل بين الوظائف أفقياً داخل الشركة على مدى السنوات السبع التالية (وهذا يشمل الانتقالات من قسم خدمة العملاء إلى قسم الخدمات اللوجستية، أو من قسم ترويج السلع إلى قسم المبيعات، أو من قسم تطوير المنتج إلى قسم الجودة).

تغيير المهام:

لم تكن هذه التنقلات مجرد تغييرات شكلية؛ بل شملت العديد من المهام والأقسام والوظائف. كان الموظفون الذين عملوا مع مدير عالي الأداء أكثر عرضة للانتقال من منصب إلى آخر بمجموعة مهام مختلفة (على سبيل المثال، من مهام فكرية إلى مهام روتينية وبالعكس)، وأكثر عرضة أيضاً لانتقالات تتطلب بدورها تغييرات كبيرة في المهام (مثل الانتقال من الدعم الفني للكمبيوتر إلى هندسة التصنيع أو من الخدمات اللوجستية إلى خدمة العملاء).

الأداء أفضل والأجور أعلى:

كانت أجور الموظفين الذين عملوا مع مدير ذي أداء عال أعلى بنحو 13% بعد سبع سنوات مقارنة بغيرهم، كما تحسنت مقاييس الأداء المباشر لكل موظف بنسبة مقاربة، مثل أرقام المبيعات. بالإضافة إلى ذلك، كان الموظفون الذين عملوا مع المدراء أصحاب الأداء العالي أكثر عرضة لإحراز تقدم في المسار المهني والارتقاء من دور في الخطوط الأمامية إلى دور إداري. ربما من البديهي أن الموظفين الأصغر جنوا الفوائد الأكبر؛ فهم بحاجة إلى تعلم الكثير وهم أكثر عرضة لتقبل الملاحظات والاقتراحات. لكن ما يبدو غريباً أكثر هو أن هذه الفوائد التي يجنيها الموظفون لا تقتصر على أصحاب الأداء العالي؛ إذ إن الموظفين جميعهم، حتى لو كانوا من أصحاب الأداء الضعيف (إذا قسناه بنسب ازدياد أجورهم من نقطة البداية)، يجنونها بسبب العمل مع المدراء اصحاب الأداء العالي، وهو ما يتوافق مع الفكرة التي تنص على أن هؤلاء المدراء يكتشفون أصحاب المواهب الخفيين ويستفيدون منهم.

فوائد مستدامة:

يحتفظ الموظفون بهذه المزايا حتى بعد مغادرتهم الفريق الذي يقوده المدير عالي الأداء. إذا عمل كل موظف مع قائد عالي الأداء مرة واحدة فقط، فستلازمه الفوائد نفسها على المدى الطويل؛ إذ لاحظت أن العمل لاحقاً مع مدير أضعف لا يزيل هذه الفوائد. بعبارة أخرى، يكفي العمل مرة واحدة مع مدير عالي الأداء لوضع الموظف على مسار مهني أفضل بغض النظر عمن يديره لاحقاً.

الفوائد التي تجنيها الشركات:

المردود واضح من وجهة نظر الشركة؛ إذ لاحظت أنها تشهد ازدياداً يكافئ نحو خمسة دولارات في إنتاجية الموظفين مقابل كل دولار إضافي من التعويضات التي تنفقها على المدراء أصحاب الأداء العالي.

ما الذي يميز المدير الكفؤ عن غيره؟

تساءلت إن كان المدراء الذين عرفتهم من أصحاب الأداء العالي يعملون بآليات مختلفة، ما دفعني لمراجعة المزيد من البيانات مثل المهارات المقيمة ذاتياً وطرق استثمار الوقت وسلوك الموظفين على منصات التطوير الوظيفي الداخلية، ولاحظت أنماطاً متطابقة تميز هؤلاء المدراء عن غيرهم.

1. مهارات مختلفة:

تزداد احتمالات أن يبلغ المدير عالي الأداء عن إتقانه مهارات مثل التخطيط الاستراتيجي وإدارة أصحاب المواهب مقارنة بمهارات مثل إدارة المشروعات؛ ما يشير إلى ضرورة أن يعمل كبار القادة على تقييم مدرائهم بدقة أكبر، والتمييز بين مهارات القيادة المختلفة، وعدم التركيز على نحو مفرط على النتائج القابلة للقياس، مثل نتائج المشروعات.

2. جداول مواعيد مختلفة:

يقضي المدير عالي الأداء وقتاً أطول بنحو 20% في الاجتماعات الثنائية مع مرؤوسيه ويتواصل مع الآخرين أكثر؛ يبدو أنه يؤدي دور الموجه، إذ يتحدث إلى موظفيه عن اهتماماتهم وتطلعاتهم. على سبيل المثال، وصف أحد الموظفين كيف لاحظ مديره اهتمامه بتصميم الرسوميات (التصميم الغرافيكي) في أثناء عرض تقديمي روتيني لأحد المشروعات، فكلفه بقيادة تصميم مكون معين لحملة مستقبلية، وهي فرصة تتوافق جيداً مع مهارات الموظف وأهدافه البعيدة الأجل.

3. استكشاف الموظفين للوظائف:

يتبع الموظفون الذين عملوا مع مدير عالي الأداء سلوكيات مختلفة أيضاً؛ فهم أكثر ميلاً لاستكشاف أدوار وفرق ومجموعات مهارات جديدة. على وجه الخصوص، لاحظت أن الموظفين الذين يشرف عليهم مدير عالي الأداء يشاركون أكثر في المشروعات المرنة والقصيرة الأجل خارج فرقهم الأساسية، والتي توفر لهم الفرص لتجربة وظائف ومهام مختلفة دون تعريضهم لمخاطر عالية.

وضع البحث موضع التنفيذ

تبين نتائج البحث أن توزيع الأدوار على أصحاب المواهب بفعالية في السوق الداخلية للشركات يؤدي إلى زيادة الإنتاجية دون استهلاك المزيد من الموارد. بدلاً من اللجوء إلى آليات زيادة الإنتاجية المكلفة، مثل التوظيف الخارجي وتسريح الموظفين وإجراء برامج التدريب الكبيرة، يجب أن يعمل كبار القادة على التوفيق بين الأدوار وأصحاب المواهب الملائمين على اعتباره عملاً إدارياً أساسياً يحول المهارات الكامنة إلى مخرجات. هناك 3 استنتاجات عملية تستحق أخذها في الاعتبار إذا أردت الاستفادة من نتائج البحث:

1. تكليف المدير بمهمة التوفيق بين الأدوار وأصحاب المواهب:

احرص على إنشاء أنظمة تكافئ المدراء على تطوير أصحاب المواهب من خلال تخصيص الوظائف، وليس فقط على تحقيق النتائج المستهدفة. يجب أن تتمثل إحدى المسؤوليات الرئيسية للمدير في ملاحظة المهارات الفريدة لدى موظفيه وتكليف بعضهم بمهام معينة، أي انتقاء الموظفين المناسبين لأداء أدوار معينة داخل الشركة. يجب ألا يتولى قسم الموارد هذه المهمة وحده.

2. الحفاظ على مرونة سوق العمل الداخلية:

حافظ على مرونة سوق العمل الداخلية واجعل الأدوار والمشروعات القصيرة الأجل متاحة عبر الأقسام المختلفة، واسمح للمدراء أن يعملوا على نقل الموظفين وإعادة تعيينهم.

3. تنفيذ برامج التناوب الإداري:

صمم برامج التناوب الإداري المنظمة والقصيرة لتوسيع نطاق تفاعل الموظفين مع القادة الأكفاء. على وجه الخصوص، يساعد تناوب المدراء داخل الشركة على تطوير المسارات المهنية للموظفين والمدراء أنفسهم على حد سواء، وحتى لو كانت فترة التناوب قصيرة فهي مفيدة وتزيد الإنتاجية على المدى الطويل.

يستخدم العديد من الشركات الرائدة هذه الآليات بالفعل؛ إذ تشجع شركتا أيه تي آند تي وجنرال إلكتريك على التنقل الأفقي من خلال التناوب، كما تطور شركة بيبسيكو المهارات القيادية لقادتها من خلال تنقلهم بين التخصصات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، توضح سوق المواهب الداخلية في لينكد إن ومبادرة صقل المهارات وتحسينها 2025 من شركة أمازون (التي تقدم للموظفين تدريبات وفرصاً لتغيير أدوارهم وتعلم مهارات جديدة) أن المؤسسات تستطيع جعل التنقل والنمو الوظيفيين ممارسة منظمة.

المدير هو اليد المرئية في سوق العمل الداخلية للشركة؛ عندما يحسن استخدام قدرته على توزيع الأدوار على أصحاب المواهب بفعالية، فسيحقق الفائدة لنفسه وللموظفين والمؤسسة بأكملها. يسهم المدير عالي الأداء في رفع أجور الموظفين وزيادة إنتاجيتهم، كما يولد فوائد دائمة تستمر حتى بعد مغادرته. هذه السمة الإدارية لها فوائد عديدة بالنسبة للشركات لا تقتصر على تحقيق النتائج الفورية، بل تشمل تحسين مسارات الموظفين المهنية على المدى الطويل.

هذه السمة الإدارية مهمة جداً اليوم في ظل الابتكارات التكنولوجية مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، والاضطرابات مثل جائحة كوفيد-19 أو التغير المناخي. قد تجعل هذه الظروف إعادة الهيكلة الواسعة النطاق في الشركات ضرورة، كما أنها تستوجب إعادة توزيع الموظفين الحاليين على وظائف جديدة أو استبدالهم بموظفين يتمتعون بمهارات جديدة. في هذه الظروف، إن قدرة المدراء على توزيع الأدوار على أصحاب المواهب بفعالية قد تحقق العائد الأعلى قيمة على الإطلاق.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي