ما الثمن الذي يدفعه المدير المهووس بالكمال؟

6 دقائق
طلب الكمال
جوناثان كيتشن/غيتي إميدجيز

ملخص: إذا كنت مديراً مهووساً بالكمال فلا يعني ذلك أن يكون مصيرك الفشل، إذ توصّلت البحوث المؤسسية حول طلب الكمال إلى رؤى ثاقبة جديدة وخطوات عملية قائمة على الأدلة للمدراء وشبكاتهم تتيح لهم التحرر من براثن الهوس بالكمال. ولحسن الحظ، عادة ما يوجّه المهووسون بالكمال جلّ تركيزهم على أهدافهم ويكونون موجهين بالأفعال؛ وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى مساعدتهم على إعادة ضبط توقعاتهم.

 

إن هوسنا بالكمال آخذ في التنامي، فقد كشفت دراسة شمولية حول طلب الكمال شاركت فيها فئة الشباب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا أن السعي إلى الكمال وتبنّي السلوكيات المثالية قد ارتفعا بنسبة كبيرة بلغت حوالي 32% على مدى العقود الثلاثة الماضية. وقد تحدثت شخصيات بارزة بالفعل عن الضغوط الخطيرة المتولّدة جراء السعي إلى الكمال، كنجمة التنس سيرينا ويليامز وراقصة الباليه المحترفة كارين كاين اللتين وصفتا تلك الحالة بالشعور الدائم بعدم الرضا، على الرغم من نجاحهما.

ولا تقتصر السمة المميزة لطلب الكمال على مجرد الحاجة غير المنطقية إلى التحلّي بالمثالية، وإنما على الشعور المستمر بعدم الرضا، حتى عندما ننجح بالفعل، والأسوأ من ذلك هو أن هذه الحاجة قد تعيق النجاح أحياناً، على سبيل المثال، نادراً ما يتفوّق أساتذة الجامعات الذين يتبنّون مستويات عالية من الكمال على أقرانهم غير المهووسين بالكمال.

ويشير العديد من الأدلة بالفعل إلى أن طلب الكمال في العمل يقوّض قدرة الموظفين على فهم أهداف أعمالهم، وعلى رضاهم عن وظائفهم، وعلى تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية.  ولا بدّ للمدراء إذاً قبول حقيقة أن العمل الممتاز لا يعني عملاً مثالياً أو خالياً من الأخطاء لكي يواصلوا تحقيق النمو في هذا الواقع المؤسسي التنافسي والمعقّد اليوم، بل عليهم أن يعتبروا العمل عملية تنموية توفر لموظفيهم المكان والوقت والصبر لتحسين أدائهم.

أي نوع من المدراء المهووسين بالكمال أنت؟

يتجلّى طلب الكمال بطرق مختلفة يتفاوت تأثيرها على الموظفين، ولهذا السبب، على المدراء تحديد الأشخاص المستهدفين بمعاييرهم المثالية أولاً، بمعنى آخر، على مَن تفرض معاييرك العالية؟ أيّ من موظفيك تنتظر منه الانخراط في عمل شاق لضمان تلبية هذه التوقعات؟ يمثّل التفكير في هذه الأسئلة الخطوة الأولى للحد من الآثار السلبية لطلب الكمال. ونقدّم لمساعدتك الأنواع الثلاثة الشائعة للشخصيات المهووسة بالكمال.

المدير المهووس بالكمال الموجّه نحو الذات: يمتلك هؤلاء المدراء معتقدات داخلية مفادها أن الكمال والسعي إلى تحقيق الكمال المُطلق هما نتيجتان مهمتان، وغالباً ما تتولد لديهم أفكار عقابية وتقييمات سلبية عن أنفسهم عندما يقدمون أداءً أقل من معاييرهم المثالية. وعلى الرغم من احتمال أن يُقدّم هؤلاء المدراء مستويات عالية من الأداء، فهم معرضون أيضاً للقلق واجترار الأفكار والاحتراق الوظيفي.

المدير المهووس بالكمال الذي يفرضه المجتمع: قد يفترض بعض الموظفين أيضاً أن الكمال هو مطلب متوقع منهم، وهو افتراض خاطئ أغلب الأحيان، ويعتقدون أن تلقّي الاحترام والقبول مشروطان بتلبيتهم معايير الكمال التي يفرضها عليهم أقرانهم ورؤساؤهم، لكن هذه التفسيرات الخاطئة لتوقعات الآخرين تخلق ضغوطاً غير ضرورية تجعلهم عرضة للاكتئاب والأمراض الجسدية، كالصداع والأرق واضطراب عادات الأكل.

المدير المهووس بالكمال الموجّه نحو الآخرين: أخيراً، يُعرّف هذا النوع الأكثر شيوعاً من المدراء المهووسين بالكمال بالميل إلى إيلاء أهمية كبيرة لقدرات الآخرين والاستعداد لبذل جهود حثيثة لتحقيق الكمال، حيث يطالب هذا النوع من المدراء الآخرين بأعلى معايير الأداء ويقدمون تقييمات صارمة لزملائهم، وقد يُسفر ميلهم إلى إثارة الخوف وإظهار الغضب والعداء عن تقويض علاقاتهم وسمعتهم في أماكن العمل، خاصة عندما يفشل الآخرون في تلبية توقعات الأداء.

تجنب مزالق طلب الكمال

إذا وجدت أن إحدى تلك الشخصيات تنطبق عليك بصفتك مديراً أو على موظفيك، فأنت لست وحدك، ولا يعني ذلك أن مصيرك الفشل، إذ توصّلت البحوث المؤسسية حول طلب الكمال إلى رؤى ثاقبة جديدة وخطوات عملية قائمة على الأدلة للمدراء وشبكاتهم تتيح لهم التحرر من براثن الهوس بالكمال. ولحسن الحظ، عادة ما يوجّه المهووسون بالكمال جلّ تركيزهم على أهدافهم ويكونون موجهين بالأفعال؛ وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى مساعدتهم على إعادة ضبط توقعاتهم. ونقدّم استناداً إلى خبرتنا الجماعية في دراسة استراتيجيات القيادة الفعّالة بالإضافة إلى خبرتنا في طلب الكمال في أماكن العمل الاستراتيجيات التالية لمساعدتك في إدارة سعيك إلى طلب الكمال.

وضع الأهداف الصحيحة

تتمثّل إحدى أفضل الاستراتيجيات التي يمكن للمهووسين بالكمال والذين يعملون معهم اتباعها في وضع أهداف صعبة لكنها قابلة للتحقيق، فذلك يدعم كفاءة الموظفين ويعزز دافعهم لتحقيق النجاح. بالنسبة للمدراء المهووسين بالكمال، يمكنهم وضع توقعات بالأداء العالي للمشاريع القصيرة المدى التي تتطلب جهداً كبيراً (كحل المشكلات والتعامل مع الأزمات).

ومن المهم أن يضع المدراء في اعتبارهم أن التقدّم أهم من الكمال، فيمكنهم مثلاً الاحتفاء بالنجاحات الأولية للموظفين الساعين إلى تحقيق هذه الأهداف لتشجيعهم على إنجاز المهام المهمة والحفاظ على حماسهم في الوقت نفسه، فتقدير الإنجازات الصغيرة يعزز التقدم.

اعتبار الفشل جزءاً من التقدم

على المدراء بذل جهد متعمّد لاعتبار الإخفاقات والأخطاء من المسلّمات للتقدّم في العمل، فذلك يتيح لموظفيهم التعامل مع الأخطاء باعتبارها فرصاً للتعلم.

وعلى أي مدير مهووس بالكمال أن يدرك أيضاً أن عدم التسامح مع الأخطاء والفشل يقوّض روح الإبداع، فغالباً ما يركز الموظفون الذين يتعرضون للتوبيخ والترهيب من المخاطرة وارتكاب الأخطاء على إخفاقاتهم، ما يزيد إحساسهم بالإرهاق والضغط لتقديم عمل جديد ومُبتكر، في حين أن السماح لهم بارتكاب الأخطاء يوسّع وجهات نظرهم ويتيح لهم التوصّل إلى حلول مبتكرة للمشكلات، واكتشاف طرق جديدة لأداء الأعمال.

تنمية اليقظة الذهنية

قد تكون ممارسة اليقظة الذهنية مفيدة أيضاً للمدراء المهووسين بالكمال، فهي تشجعهم على التعاطف الذاتي وتعيق تفكيرهم النقدي الكارثي عن أنفسهم عند تعرض معاييرهم المرتبطة بالكمال للتهديد.

كما تساعدهم ممارسة اليقظة الذهنية على ضبط عواطفهم وتنظيمها، على سبيل المثال ، تظهر البحوث أن الموسيقيين المهووسين بالكمال الذين يمارسون التأمل مرة واحدة على الأقل في الأسبوع أفضل في إدارة القلق المتولّد عند تقديم أداء موسيقي. وتشير أدلة أخرى إلى أن العمال المهووسين بالكمال الذين أكملوا تدخلاً قائماً على اليقظة تمثّل في العلاج بالقراءة لمدة 6 أسابيع تعرضوا لضغوط ومشاعر سلبية أقل.

استخدام الخطابات الحماسية

يشجّع اختصاصيو الإرشاد النفسي على ممارسة حديث النفس الإيجابي للتغلب على الأفكار النقدية، ككتابة مجموعة من العبارات التي تساعد في التغلب على مشاعر طلب الكمال. على سبيل المثال، قد يحتاج الشخص المهووس بالكمال الموجّه نحو الذات إلى إخبار نفسه: "الرغبة في أن أكون مثالياً أمر مستحيل ومرهق بالنسبة لي، ولا داعي في الواقع أن أقضي وقتاً طويلاً على كل مهمة أؤديها، بل لا بدّ أن أضبط أعصابي وأهدأ إذا كنت أرغب في تحقيق النجاح على المدى الطويل". وقد يقول المدراء الذين يشرفون على موظفين مهووسين بالكمال الموجّه نحو الذات: "ليس عليك العمل بمفردك دائماً، بل يمكنك التواصل معي عندما تعترضك مشكلة ما في أي مهمة، فلا يمكن لشخص واحد إنجاز عمل مثالي بين عشية وضحاها".

ووضعنا ردوداً مماثلة للأنواع الأخرى من الأشخاص المهووسين بالكمال أيضاً، فقد يحتاج المدراء المهووسون بالكمال الذي يفرضه المجتمع إلى إخبار أنفسهم: "إسهاماتي كافية، ولن يستهين الآخرون بعملي لمجرد خطأ بسيط ارتكبته". وإذا كنت تعمل مع أحد الموظفين المهووسين بالكمال الذي يفرضه المجتمع، فعليك تذكيره بأن نجاحه أو فشله في العمل لا يحدده هويته، كأن تقول: "ليس عليك أن تثبت نفسك لنا، إذ لطالما أُعجبنا بعملك وتفانيك، ونحن نُقدّر مساهماتك طالما أنك تبذل قصارى جهدك".

أخيراً، يمكن للمدراء المهووسين بالكمال الموجّه نحو الآخرين أن يقولوا لأنفسهم: "ليس عليّ حث الآخرين على أداء المهام وفق طريقتي، فهم قادرون على أدائها بمفردهم، وهذا هو سبب وجودهم هنا". ويمكنك بصفتك مديراً لموظف يتوقّع الكمال من زملائه أن تقول له: "ستتعلم كثيراً من الآخرين عندما تتيح لهم العمل بالسرعة التي تناسبهم وتسمح لهم بالتعامل مع الإخفاقات والفشل بمفردهم، وستندهش عندما تُدرك أنهم قادرون على تجاوز توقعاتك حتى".

تعزز مثل هذه الخطابات الحماسية التقييمات الإيجابية عن الذات وعن الآخرين، وتتناول أيضاً المعتقدات غير المنطقية والمزعجة لدى الأشخاص المهووسين بالكمال والمتمثّلة في أن قيمة الشخص مرتبطة بإنجازاته.

تعزيز علاقات شخصية إيجابية

يسعى المهووسون بالكمال بطبيعتهم إلى كسب رضا الآخرين. وعلى الرغم من أن السعي إلى الكمال يزيد النزاع مع الآخرين، توضّح الدراسات أن دعم الأقران يخفف العواقب السلبية لطلب الكمال، فتعامل المدراء المهووسين بالكمال الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء أفضل في المواقف العصيبة بسبب النصيحة والتقدير والتشجيع الذي يتلقونه.

ولتطوير تجارب اجتماعية أكثر إيجابية، لا بدّ أن يتذكّر المهووسون بالكمال أن التفاعلات الاجتماعية لا تقتصر على حلّ المشكلات والنجاح، وإنما على التركيز على المشاركة الوجدانية بدلاً من التنافس مع الآخرين وتقديم النصائح غير المرغوب فيها. وتشير إحدى الدراسات إلى أن المهووسين بالكمال الذين يوجهون روحهم التنافسية نحو مساعدة الآخرين على إنهاء أعمالهم قادرون على تطوير تفاعلات إيجابية مع الآخرين، ما يقلل شعورهم بالقلق والاكتئاب والتوتر العام الناشئ عن مساعي طلب الكمال، وهو ما يعزز بدوره مهاراتهم الاجتماعية ويتيح لهم اعتبار الآخرين متعاونين بدلاً من منافسين.

إدارة المشاعر

قد يُبدي المدراء الذين يطالبون مرؤوسيهم بالكمال باستمرار غضبهم الشديد وانفعالهم وإحباطهم، وحل ذلك يكمن في وضع استراتيجيات قائمة على العواطف لمشاركة معايير الأداء العالية بطريقة متعاطفة تراعي احتياجات موظفيهم.

ويمكن للمدراء في المواقف المثيرة للتوتر تجنب المبالغة في رد الفعل عن طريق إعادة التفكير في أي موقف من منظور إيجابي. على سبيل المثال، عندما يفشل أحد المرؤوسين في تحقيق أهداف أدائه، يمكن للمدراء المهووسين بالكمال إبراز المعارف والمهارات والخبرات الجديدة التي اكتسبها المرؤوس، فالتركيز على النجاحات بدلاً من الإخفاقات يُتيح للمرؤوسين التركيز على تحسين أدائهم في المستقبل.

أخيراً، يمكنهم أيضاً كبت المشاعر السلبية، مثل الإحباط وعدم الرضا، باستخدام روح الدعابة عندما يفشلون في تحقيق معاييرهم العالية. وكما روى برايان ويلسون، أحد أعضاء فرقة ذا بيتش بويز (The Beach Boys)، "كنت مهووساً بالكمال، وقد أبدى زملائي احترامهم لطبعي ذلك، لكننا استخدمنا روح الدعابة دائماً لتخفيف هذا العبء".

العبرة الرئيسية: أدِ عملاً جيداً فقط

أجبرت المنافسة الشديدة والتسامح المنخفض مع الأخطاء في أماكن العمل الحديثة المدراء على وضع معايير أداء متطلبة للغاية.

وعلى الرغم من أن اعتقاد البعض أن الجمع بين توقعات الأداء العالية والأنماط الصارمة للتقييم يعزز الأداء، قد يعرقل الافتتان بالكمال المشاركة ويقوّض العلاقات والرضا عن العمل والحياة. في النهاية، سنقدّم أداءً أفضل في العمل ونصبح أكثر سعادة عندما نكتفي بالأداء الجيد بدلاً من المثالي بين فينة وأخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي