المدراء لا يمتلكون جميع الإجابات

11 دقيقة
حوار مع الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس جيمي دايمون.

يشغل دايمون منصبه في قمّة الهرم في بنك "جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) منذ أكثر من 12 عاماً. ومع بلوغه سن الثانية والستّين، وعلى الرغم من صبيانيته وصراحته الشديدة أحياناً، إلا أنه يظل وفياً لجذوره كشخص صريح من حي كوينز (رغم أنّه حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال، ويدير أكبر بنك في الولايات المتّحدة الأميركية، ناهيك عن اعتباره مليارديراً).

وقد كان جي بي مورغان أنجح من معظم البنوك الأخرى في تجاوز الأزمة المالية لعام 2008. ولعلّه كان البنك الأميركي الذي يتمتّع بالوضع الأفضل ضمن البنوك الأميركية الضخمة، لكنّه اضطر إلى الانضمام إلى البنوك الأخرى وأخذ مليارات الدولارات الحكومية المخصّصة للإنقاذ – وهي خطة كانت تهدف إلى تجنّب تسمية البنوك التي تعاني من مشاكل حقيقية ضخمة بالاسم. وحتى يومنا هذا، يشعر دايمون بالانزعاج من فكرة ضمّ بنكه إلى البنوك الأخرى التي ورّطت نفسها في مشاكل مالية كبيرة.

وكانت سمعة دايمون قد تلقّت ضربة عام 2012، عندما أجرى متداول في مكتب جي بي مورغان في المملكة المتحدة – أطلق عليه اسم حركي هو "حوت لندن" – سلسلة من العمليات المتعلقة بالمشتقات المالية، والتي تضخّمت إلى خسائر بلغت 6.2 مليار دولار. وفي رسالة وجّهها دايمون إلى المساهمين، وصف هذه الحادثة بأنها " الموقف الأغبى والأكثر إحراجاً الذي كنت جزءاً منه في حياتي".

ومع ذلك، قاد دايمون جي بي مورغان على مسار مضطرد من النمو، فتحت إدارته، نجح البنك في الاستحواذ على مؤسستين كانتا تعانيان من مشاكل كبيرة في السابق، وأدمجهما ضمن عملياته، ألا وهما "بير ستيرنز" (Bear Stearns) و"واشنطن ميوتشوال" (Washington Mutual). وقد استمر في توسيع كل جانب من جوانب أنشطته تقريباً. وفي عام 2016، بلغت أرباحه 24.7 مليار دولار (على أساس إيرادات بلغت 95.7 مليار دولار) وهو أكبر ربح يحققه بنك أميركي على الإطلاق.

وقد تطوّر دايمون كقائد أيضاً، وتحديداً، منذ تعافيه من مرض سرطان الحنجرة قبل أربع سنوات. وقد أصبح يعبر عن آراءه بشكل أكثر صراحة في المسائل السياسية والاجتماعية، وفيما يتجاوز قضايا التشريعات المالية. كما أنّه المشجّع الأكبر لمشروع جي بي مورغان الرامي إلى الانخراط العميق في المساعدة في إعادة بناء اقتصاد مدينة ديترويت المضطرب.

التقى دايمون مع هارفارد بزنس ريفيو للحديث عن المسؤولية الاجتماعية، والحراك الناشط للرؤساء التنفيذيين، وسر القيادة العظيمة. وفيما يلي نسخة محرّرة من هذا الحوار.

هارفارد بزنس ريفيو: لازال الرأي العام ينظر بسلبية كبيرة إلى وول ستريت. هل ترى بأنّ جزءاً من دورك يتمثّل في تحسين هذه الصورة؟

ديمون: من الصعب تغيير هذه النظرة، لأنّ البنوك تختلف عن الشركات العادية. فإذا ما دخلت إلى متجر وول مارت وفي جيبك بعض النقود، فإنّهم سيبيعونك شيئاً ما. لكنّ البنوك مضطرّة إلى رفض الأشخاص أحياناً. وفي بعض الأحيان، قد لا نمنحك القرض، أو سنمنحك القرض ولكنك ستحتاج إلى بيع كل ما تملك لتحقق التزاماتك المالية. الجميع لديهم قصص مريعة. وما علينا إلا أن نؤدّي واجبنا، وأن نخدم عملائنا على أكمل وجه، وأن ندع ذلك يتحدّث عن سمعتنا.

هل تنطوي هذه النظرة السلبية على تكلفة معيّنة؟

نعم، هذه مسألة مهمّة. فجزء من هذه النظرة السلبية كان مبني على وقائع حدثت خلال الأزمة المالية. ولكن، لم تكن كل البنوك مسؤولة عن حالات الفشل وعن التراجع الاقتصادي، لكننا جميعاً وجهنا بتهمة واحدة: "كلهم أغنياء فاسدين، وقد تم إنقاذهم جميعاً". وسيحتاج هذا القطاع إلى جيل كامل لكي يعيد بناء سمعته.

ثمّة تركيز أكبر بكثير للأصول في أيدي حفنة صغيرة من البنوك الأميركية الآن. فهل هذا الأمر مقبول؟

نعم. أعتقد أنّ هذا الأمر مقبول. فعلى الناس أن يكونوا أكثر منطقية تجاه هذه المسألة. فالقطاع المصرفي أقل تركّزاً بكثير في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، مثل اليابان، وفرنسا، والمملكة المتحدة. فإذا ما كنت عالمياً ومتنوّعاً، فيجب أن تكون كبيراً. من الصعب أن تدخل المنافسة إذا لم تكن تتمتع باقتصاد الحجم الكبير.

هل هذا يعني بأنّ مفهوم "أكبر من أن يفشل" هو مفهوم عديم الجدوى؟

أنت لا تريد بنوكاً أكبر من أن تفشل، إذا كانت نتيجة الفشل هي اضطرار الناس إلى دفع الفاتورة، أو تراجع الاقتصاد. لكن يجب السماح للشركة بأن تفشل بطريقة تكون آمنة للاقتصاد، ولا تتطلب أن يسدّد دافعو الضرائب الثمن.

هل ساعدت القوانين التي سنّت منذ الأزمة المالية في مواجهة هذا الخطر؟

تعتبر الأنظمة والتشريعات الجديدة الخاصة برأس المال وحقوق المساهمين جيّدة. فلو كان بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) (الذي انهار خلال أزمة 2008) لا يزال موجوداً اليوم، لكان مضطراً إلى الاحتفاظ بثلاثة أضعاف حقوق المساهمين، وأربعة أضعاف السيولة – وفي حالة مواجهته للمصاعب، فلربما لم يكن ليفشل. وإذا ما فشل بنك ما، فقد بات للمشرّعين آلية لتصفية الأمور بطريقة منظمة. إضافة إلى ذلك، فإنّ أي أموال تُخسر ستقع على عاتق البنوك وليس الشعب الأميركي.

هل أنت راضٍ عموماً بكمية التشريعات المطبّقة هذه الأيام؟

دعني أكون واضحاً: ليس هناك من بنك كبير يريد التخلّص من قانون دود – فرانك وإعادة كتابة الأمر برمته. تُعتبر بعض التشريعات جيدة في الحقيقة، مثل اختبارات التحمّل، وخطة حلّ البنك، ومتطلبات رأس المال والسيولة، والشفافية. لكن هناك جوانب أخرى تنطوي على المبالغة وتفتقر إلى التنسيق. فإذا ما كنّا قادرين على تغيير هذه الأشياء – من خلال المعايرة والتخلّص من التشريعات المكرّرة – فإننا سنمتلك نظاماً أكثر أماناً سيكون في وضع أفضل يسمح له بتمويل عملية النمو.

الخطر الأكبر الذي يهدّد النظام هذه الأيام قد يكون الهجمات الإلكترونية. ما مدى جاهزيتكم في بنك جيه بي مورغان تشيس لمواجهة هذه المسألة؟

نحن ننفق 700 مليون دولار سنوياً على هذا المجال. ومع ذلك، ومهما كان البنك جيّداً، فإنّ أعداءك بارعون أيضاً. أنت تجد نفسك هنا في سباق تسلّح. ونحن نعمل مع الحكومة عن كثب، لكننا بحاجة بذل المزيد من الجهد وبسرعة أكبر.

ما هي التهديدات المحتملة الأخرى التي تقضّ مضجعكم؟

نحن نجري أكثر من 100 اختبار تحمّل في الأسبوع – وهي متعلقة بالعوامل الجيوسياسية، وحالات الهبوط الرأسمالي، والركود، والحرب. وبالنسبة لكل حالة من هذه الحالات، لا نحاول تخمين الاحتمالات فقط، وإنما نحضّر نفسنا للأسوأ. ونتيجة لذلك، فإننا نمتلك رأس المال والأرباح والقدرات التي تسمح لنا بتحمّل هذه الظروف – تماماً كما تمكّنا من الحفاظ على وجودنا خلال الأزمة المالية.

ما هو برأيك أكبر تهديد تنافسي يواجهكم؟

أكبر زعزعة محتملة لأعمالنا هي الأشكال الجديدة من الدفع وسداد المال. هناك "باي بال" (PayPal)، و "فينمو" (Venmo)، و"علي باي" (Alipay) والكثير غيرها. وهذه الشركات تبلي بلاءً حسناً في إدخال الخدمات المصرفية الأساسية ضمن دردشاتها، وضمن شبكاتها للتواصل الاجتماعي، وتجاربها الخاصّة بالتسوّق.

أكبر زعزعة محتملة لأعمالنا هي الأشكال الجديدة من الدفع وسداد المال.

هل تنظر إلى البنوك الصينية بوصفها تهديداً؟

أعتقد أنّ البنوك الصينية يمكن أن تُدرَج في خانة المنافسين الكبار لنا، فهي مدعومة من حكومتها، وهي تحقق أرباحاً أكبر من أرباحنا، وتملك سوقاً محلية ضخمة، وهذه ميزة تنافسية لصالحها، كما أنّها تتبنّى استراتيجية تقوم على اتّباع شركاتها في الخارج لتقدّم لها الخدمات المصرفية الأساسية، ومن ثمّ توسيع نطاق هذه العمليات لتشمل خدمات أكثر تعقيداً. هم قادمون وهم طموحون.

ما رأيك بالعملات المشفّرة؟ قبل بضعة أشهر قلت بأنّ بيتكوين هي ضرب من الاحتيال وبأنك ستطرد أي متداول يتعامل بها.

ربما لا يجب عليّ قول المزيد حول العملات المشفّرة، لكنها ليست مشابهة للذهب أو العملات. فهذه مدعومة بالقانون، والشرطة، والمحاكم. وهي غير قابلة للتقليد، وهناك قيود عليها. أمّا سلاسل الكتل (البلوك تشين)، من جهة أخرى، فهي حقيقية. ونحن نختبرها وسوف نستعملها في الكثير من الأشياء.

يشتكي العديد من زملائك من الرؤساء التنفيذيين من أنّ ضغوط التركيز على المدى القصير تمنعهم من فعل أشياء تكون في صالح الشركة على المدى البعيد. هل ينتابك شعور مماثل؟

نحن نستثمر مبالغ كبيرة في المشاريع التي تؤتي أكُلها على المدى البعيد. ويعتبر بعضها الحدّ الأدنى المطلوب للاستثمار في البنك، كالاستثمارات في التدريب، والفروع، والتكنولوجيا. وليس بوسعك إيقافها وإعادتها بسرعة. وهي لا تنفذ في عام واحد فقط. وليس هناك سحر مرتبط بتنفيذها خلال 12 شهر بالتحديد.

ولكن ماذا عن الضغوط التي تواجهونها لتحقيق الأرقام المطلوبة؟

أنا شخص متعصّب للأرقام، لكن بعض ما يستخدم في تقدير الأرباح هو أرقام خيالية. فقد تُطوّر منتجاً يمكنه أن يخفض أرباحك هذا العام، لكنّه سيكون خطوة صحيحة بالنسبة للشركة. لذلك يجب أن تفسّر الأمر للمساهمين، والذكي منهم سيقول لك: "امضِ قدماً. وأنا لا يهمّني إذا تراجعت الأرباح ربع السنوية".

ما رأيك بتقديم توقعات للأرباح ربع السنوية؟

نحن لا نضع توقّعات للأرباح ربع السنوية، ولا أعتقد أنّ أي رئيس تنفيذي يجب أن يضع هكذا توقعات. فهي تضع الشركة في موقع سيء. فأنت قد لا تكون قادراً على حصر كل المعلومات التي يجب أن تعرفها لتضع ذلك التوقّع. أنا أؤمن بالشفافية. وسوف أخبر الناس بالمبلغ الذي أنوي إنفاقه على التكنولوجيا، أو عدد الفروع التي سأفتتحها. لكنّ الأرباح تستند إلى قرارات اتّخذت في آخر 10 أعوام – أو ربما قد تعتمد على الطقس وكيفية تأثيره على الأعمال. تقدير الأرباح يفترض الدقّة، لكننا لسنا قادرين على أن نقدّر عدّة عوامل بدقّة. وهذا يعطي إحساساً زائفاً بالأمان.

في رسالة بعثت بها مؤخراً إلى المساهمين، بدت لهجتك معتذرة لأنك اضطررت إلى إعادة شراء بعض الأسهم. هل هذا توصيف منصف للمسألة؟

هذا توصيف منصف. فالغاية هي أن تستعمل رأسمالك على أكمل وجه. وإذا لم تكن قادراً على استعماله لتنمية العمل – ونحن لم نتمكّن من تنميته لسنوات طويلة بسبب قضايا تشريعية وتنظيمية – فإنّ عليك ساعتها أن تفعل شيئاً ما. بوسعك أن ترفع توزيعات الأرباح، أو عوضاً عن تركها في جيبك، بمقدورك استعمالها لإعادة شراء بعض الأسهم. لكنني أفضّل إنفاقها على تنمية الشركة.

اكتسبت العولمة سمعة سيئة في الآونة الأخيرة. هل تعتبر نفسك شخصاً عولمياً؟

نعم. لقد ساهمت التجارة والتكنولوجيا في تحقيق منافع هائلة، وقد أخرجت مليارات الناس من ربقة الفقر، وقضت على الأمراض، ونجد الناس حالياً يعيشون إلى سن 75 و85 و95، وباتوا يتمتّعون بصحّة جيّدة لفترات أطول. ومع ذلك، فإنّ للعولمة أوجهها السلبية، ويجب أن نفعل شيئاً حيال ذلك. كما أنّ منافع التجارة هائلة لكنّها مشتتة. فبالنسبة للبلدات التي تخسر مصانعها، على سبيل المثال، فإننا لم نفكّر بشكل كافٍ في مسائل إعادة التعليم، وعمليات الانتقال إلى مواقع أخرى، والمساعدة في الدخل. فإذا ما خسرت وظيفة في مصنع تؤمّن لك 85 ألف دولار سنوياً، وبدأت بقيادة سيّارة أجرة لا تدرّ عليك أكثر من 22 ألف دولار في السنة، فإنّ هذا الأمر سيحطّم معنوياتك. لكن هناك حلول وعلاجات لهذه المسألة: في التعليم، ومهارات العمل، والتخفيضات الضريبية على الدخل المكتسب.

يبدو أنّ العديد من الناس لم يقدّروا المساوئ والسلبيات حتى صدرت نتائج الانتخابات الأخيرة في الولايات المتّحدة.

هناك جزء من المجتمع ممن يعاني، ولقد ارتكبنا جميعاً خطأ بعدم التركيز بشكل أكبر على هذه المسألة. لكنّ الأمر لا علاقة له بالديمقراطيين أو الجمهوريين. فقد عانينا من الركود العظيم، ومن ثمّ كانت عملية التعافي ضعيفة. وقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لخلق الوظائف، وزيادة الأجور، والقيام بالأمور الأساسية التي تساعد الناس. فحوالي 40% من الأميركيين لا يكسبون أكثر من 15 دولاراً في الساعة. فإذا كنت تكسب 22 ألف دولار سنوياً هذه الأيام، فإنّك لا تحقق الدخل الذي يسمح لك بعيش حياة لائقة.

أنت تتطرّق لقضايا عدم المساواة، لذلك سأكون مقصّراً في عدم سؤالك عمّا إذا كنت تعتقد بأن التنفيذيين يتقاضون أجوراً أكثر مما ينبغي. (بلغ الراتب الإجمالي الذي حصل عليه دايمون العام الماضي 29.5 مليون دولار).

تعتبر هذه القضية ثانوية إذا كنت تحاول التوصّل إلى حل لمسألة عدم المساواة، فإذا أعدت توزيع جميع الأموال التي يكسبها الرؤساء التنفيذيون، فهي لن تغيّر ما أتحدّث عنه. فسيكون هناك دائماً أشخاص يحصلون على أجور عالية – في كل مجتمع وفي كل مهنة. ونحن بحاجة إلى ذلك، حيث يدفعك الاقتتال للحصول على أصحاب المواهب لدفع أجوراً أعلى. يدفع جي بي مورغان مبالغ جيّدة للكثير من الناس. وقد رفعنا الأجور الساعية إلى ما بين 15 و18 دولاراً في الساعة، وفقاً لتكاليف المعيشة المحلية، إضافة إلى المزايا والمنافع. يتمثّل حل المشكلة في النمو، والوظائف، والتعليم، والسياسات الضريبية، وليس في الإضرار بالشركات من خلال التشريعات والأنظمة. كما أنّ الحل لا يكمن في توجيه أصابع اللوم إلى الأشخاص ذوي الأجور العالية. قد يبدو هذا النقاش عظيماً في سياق سياسي، لكنّه لن يحل المشكلة.

دعنا ننتقل للحديث عن الحراك الناشط للرؤساء التنفيذيين، حيث يبدو أنّ أعداداً متزايدة من الرؤساء التنفيذيين باتت تتخذ مواقف بخصوص القضايا الاجتماعية الكبيرة. هل تؤيّد ذلك؟

لطالما كانت الشركات الكبيرة في أميركا منخرطة في المجتمعات وفي العمل الخيري، والسياسات العامّة. وفي السنوات القليلة الماضية، حاول بعض التنفيذيين عدم الانخراط لتجنّب التعرّض للانتقاد أو الهجوم. وأنا أعتقد أنّه من المهم الانخراط في هذه الأنشطة. فإذا أردت تصحيح السياسات العامّة، يجب أن تكون ناشطاً وأن تناصر قضاياك. وينبغي أن لا تكون ضيّق الأفق، وأن تطالب فقط بتعديل التشريع الصغير الذي سيفيد شركتك. يجب أن تتحدّث بشأن السياسات الضريبية، والتجارة، والهجرة، والتكنولوجيا.

كيف تختار المعارك التي تخوضها؟

أحاول ألا أقلق بشأن "الجانب" الذي نميل إليه. وإنما أحاول فعل الشيء الصحيح ومن ثمّ تفسيره للناس. ومع ذلك، فإنّ بعض القضايا لا علاقة لها بشركتي أو تعتبر مجتمعية. وبالنسبة لهذه المسائل، فإنّ القرار فيها يعود إلى الناخبين. لكننا سننخرط في المجالات التي يمكن أن نقدم فيها المساعدة، مثل الإسكان الميسّر، ومهارات العمل، وتمويل روّاد الأعمال، وسياسات الإنماء في المدن.

لقد أصبح بنككم من المنخرطين بشكل كبير في إعادة بناء مدينة ديترويت. ماذا كان الدافع وراء هذه الخطوة؟

نشأت الفكرة في اجتماع عقدته قبل خمس سنوات مع "لي ساندرز"، وهو أحد القادة العمّاليين، الذين كانت تدعوا نقابتهم جي بي مورغان إلى الفصل بين منصبي الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة. فطرحت عليه السؤال التالي: "هل تهمّك هذه المسألة حقّاً؟"، فأجابني: "كلا، ما يهمّني هو مدينة ديترويت". لذلك تحدّثنا عن المدينة. نحن البنك الأكبر في ديترويت، لذلك فإنّ لدينا اهتماماً طبيعياً بهذه القضية.

كيف تطوّر ذلك ليأخذ شكل مشاركتكم الحالية؟

بدأ الأمر عام 2014، عندما تولّى "مايك دوغان" منصب عمدة ديترويت. وهو رجل أبيض في بلدة تزيد نسبة السود فيها على 75%، عندما كان مرشّحاً من خارج قائمة المرشحين الرسميين، زار سكّان المدينة بيتاً بيتاً. كان يريد تحقيق الإنجازات في مجالات الصرف الصحي، وإيجاد الوظائف، والإسكان الميسّر، وإنارة مصابيح الشوارع. وسألناه كيف بوسعنا أن نساعد، وسرعان ما أرسلنا فرقاً للاجتماع مع الناس في جميع أنحاء المدينة لفهم القضايا. وقد توصّلنا إلى خطّة – يراجعها عمدة المدينة كل 3 أشهر – لاستثمار 100 مليون دولار بحلول 2019 للمساعدة في إطلاق المشاريع الصغيرة، وإعادة تدريب العمّال، وإعادة إحياء سوق العقارات. ومنذ ذلك الوقت رفعنا المبلغ إلى 150 مليون دولار.

ما علاقة هذا النشاط بأعمالكم الأساسية؟

نحن نقدّم القروض إلى الشركات الصغيرة، وإلى المستهلكين. بعض هذه الأموال مصدرها العمل الخيري. ولكن حتّى في هذه الحالة، ننظر إلى العوائد وما يجدي نفعاً، وما لا يجدي نفعاً. فيما يتّخذ بعضها شكل الأعمال المصرفية غير التقليدية. فالبنوك عادة لا تقدّم القروض لإعادة تأهيل المنازل. ولكن بالنسبة لنا، العوائد في هذه الحالات ليست مالية، وإنما بأعداد الأشخاص الذين يحصلون على وظائف، وأعداد الأشخاص الذين يتلقون التدريب، وأعداد المشاريع والشركات الصغيرة التي تحصل على تمويل.

كيف تحاولون ضمان نجاح هذه المشاريع؟

إذا كان هناك تواؤم بين عمدة المدينة، والمجتمعات المدنية، والمنظمات غير الربحية، وقطاع الأعمال، فستكون قادراً على إنجاز الكثير. وإلا فإنّك تهدر مالك وتبدّده. وقد عملنا مع مؤسسات التمويل المحلية لإنشاء صندوق باسم "روّاد الأعمال من ذوي البشرة الملوّنة" قدّم أكثر من 50 قرضاً إلى مشاريع صغيرة. وعادة ما يكون هؤلاء المقترضون من الفئة التي لا تفي بمعاييرنا للاقتراض، وسننتقد من الجهات الناظمة على تقديم القروض إليهم. لكنّ هذه الطريقة أثبتت نجاحها. فجميع القروض باستثناء واحد فقط تُسدّد. ونحن نطبّق نموذجاً مصغّراً من ذلك في مدينة شيكاغو والعاصمة واشنطن. وفي نهاية المطاف، أرغب بتطبيق هذا النموذج في كل مدينة رئيسية في أميركا.

بالنسبة لنا، العوائد في هذه الحالات ليست مالية. وإنما بأعداد الأشخاص الذين يحصلون على الوظائف، وأعداد الأشخاص الذين يتلقون التدريب.

هل لأنّ ذلك هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، أم لأنّ ذلك سيقدّم مساعدة كبيرة لأعمالكم؟

لا أمضي وقتاً طويلاً في التفكير في التفريق بينهما، فأنا أؤمن بأنّ هذه البرامج قادرة على أن تقدّم مساعدة كبيرة لمجتمع السود. وهذا سبب وجيه لتقديمها. ونحن سنرى بعض العوائد على استثمارنا. كما أنّ هذا البرنامج من النوع المستدام. فأنت تستعيد أموالك، وبوسعك أن تعيد إقراض ذلك المال من جديد.

لا يشابه ذلك الأسلوب الاعتيادي لحوكمة المساهمين

تتمثّل مسؤوليتي الأساسية في توفير القيمة للمساهمين على مدار فترة طويلة من الزمن – وليس بوسعك أن تحقّق القيمة للمساهمين دون أن تخدم زبائنك أيضاً. ونحن مرتبطون بشكل متأصل بمجتمعنا المحلي. ونحن مهتمّون بما هو حاصل في ديترويت. من الجيّد أن تقدّم يد العون إلى المجتمع. زبائننا يحبّون هذا الأمر كثيراً، وموظفونا كذلك.

أنت تشغل منصب الرئيس التنفيذي منذ أكثر 12 عاماً. ما الذي تعلّمته حول كيفية إنجاز عملك بفعالية؟

الأمر يتعلّق إلى حدّ ما بالتفاصيل، والحقائق، والتحليل. وهو يتطلب الانضباط، ولا يختلف كثيراً عن الالتزام بممارسة التمارين الرياضية يومياً. يجب على الرئيس التنفيذي أن يكون قائداً لهذه العملية، لأنّ الشركات لا تتولّى هذه المهمّة. فالمؤسسات تتّخذ طابعاً بيروقراطياً، وتترهّل وتتباطأ حركتها، وهناك قدر زائد من "وضع الاستراتيجيات" والهراء من هذا القبيل. وهي تتحوّل إلى مرتع للألاعيب السياسية.

ما هو سر القيادة العظيمة؟

أنت بحاجة إلى التواضع وامتلاك قلب كبير. لست مضطراً إلى أن تكون بارعاً في جميع المسائل التحليلية، ولكن إذا لم تكن قادراً على تحفيز من حولك لتقديم أفضل ما لديهم، فإنك لن تنجح. فالناس يريدون أن يُعاملوا باحترام، فهم لديهم الأفكار، ويريدون أن يقدّموا إسهاماتهم. لذلك يجب عليك إشراكهم وعدم عقد "الاجتماع الحقيقي الذي يلي الاجتماع الصوري" واتخاذ القرارات الفعلية في الغرف المظلمة على يد حفنة من الأصدقاء. كما أنّ المدراء بحاجة إلى أن يستوعبوا بأنهم لا يمتلكون جميع الإجابات. فالصرّافون في البنك يمتلكون إجابات أفضل من إجاباتي. وهؤلاء الصرّافون هم من يستعمل النظام الذي أطلقناه، لذلك فإنّهم من يستطيعون إخبارنا ما إذا كان نظاماً غبيّاً أم لا.

كيف تحافظ على وجود هذا النوع من البيئة؟

ننظم في جي بي مورغان رحلة عمل كل عام، تشارك فيها فرق الإدارة جنباً إلى جنب مع الصرّافين. نذهب إلى مراكز الاتصالات ومراكز التشغيل، ونقابل الزبائن والرؤساء التنفيذيين ونستمتع بوقتنا كثيراً. عندما يركب الناس الحافلة، نعطيهم الشراب ونمنحهم الحصانة، ونطلب منهم أن يقولوا ما يشاؤون، فلا أحد سيشعر بالإهانة هنا. فيتحدّثون مثلاً عن الأمور الإيجابية التي تقوم بها المصارف الأخرى، ونحن نتابع معهم بعد ذلك. هذا هو الاحترام الحقيقي. الاحترام لا يعني أن أعاملك بلطف، بل أن أتفهّم بأنني أحتاج إلى أداء واجبي بشكل أفضل، ليس لمصلحتي فقط، بل لمصلحتك أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي