ترقيتك إلى منصب المدير هي مؤشر جيد على أنك قد أثبت نجاحك حتى هذه اللحظة. بيد أن طريقك من تلك اللحظة فصاعداً يصبح محفوفاً بالمصاعب وليس من السهل السير فيه. فوظيفتك ابتداءً من تلك اللحظة لن تقتصر على إنجاز العمل. وستجد نفسك على الأرجح مضطراً إلى التعامل مع مطالب متضاربة، وإلى إبلاغ رسائل صعبة إلى الآخرين، وإلى معالجة مشاكل الأداء. صحيح أنه ليس هناك دليل مكتوب يقدّم إجابات مباشرة بخصوص كيفية مواجهة التحديات الجديدة التي ستبرز في وجهك، إلا أن امتلاكك لفلسفة واضحة يمكن أي يكون أساساً صلباً بوسعك العمل انطلاقاً منه.
عندما يتعلق الأمر بمسارك المهني، فإن فلسفتك تعني ببساطة تبنّي طريقة منسجمة في التفكير بدورك. وقلة من الناس فقط هم من يخصصون الوقت المطلوب ليكوّنوا فلسفتهم الشخصية. فمعظم المدراء يعملون بطريقة مبنيّة على رد الفعل، حيث أنهم يتجاوبون مع القضايا بناءً على أحاسيسهم الشخصية، وتجاربهم في الماضي، ومن خلال الاقتداء بأشخاص آخرين. وغالباً ما يتحدد نجاح هذه المقاربة أو فشلها بمزاجك (وبطبيعة الحال فإن بعض الناس يُعتبرون قادة موهوبين أكثر من غيرهم)، وبمكانة الأشخاص الذين تقتدي بخطاهم – وهما عاملان يقعان خارج نطاق سيطرتك إلى حد كبير.
تُعتبر فكرة "القيادة بالخدمة"، (والتي تعني تولّيك القيادة من موقع الخادم) نقطة انطلاق عظيمة بالنسبة للمدراء الجدد. وكان روبرت غرين، أول من صاغ هذه العبارة قبل 35 عاماً، لكن هذا المفهوم لا يزال حيوياً ويمدّ الكثيرين بالقوة التي يحتاجونها. فمن المؤكد بأن كلمة "خادم" لا تحمل المعاني القوية ذاتها التي تحملها كلمة "مدير"، لكنها تنطوي على قدرة متأصلة في منح الكثير مما يسعى إليه معظمنا فعلياً، ألا وهو النفوذ. والسبب في ذلك بسيط. فعندما تتبنى عقلية الخادم، فإن الأمر لم يعد يتعلّق بك. واستبعاد مصلحتك الذاتية ومجدك الشخصي من دافعك في العمل هو أهم شيء يمكنك فعله لتجعل الآخرين يثقون بك. وعندما تركز أولاً على نجاح مؤسستك وفريقك، فإن الآخرين يشعرون بذلك وبكل وضوح. فأنت في هذه الحالة تطرح أسئلة أكثر، وتصغي باهتمام أكبر، كما أنك تقدّر احتياجات الآخرين واسهاماتهم أكثر. والنتيجة هي قرارات أكثر تدبراً وتوازناً. والناس الذين يشتهرون باتخاذهم للقرارات الذكية وبقدرتهم على إشراك الجميع، يميلون إلى تحسين قدرتهم على التأثير في الآخرين باتساق أكثر مقارنة مع الأشخاص الذين يؤمنون بأنهم يمتلكون كل الإجابات.
إن ذهنية القيادة بالخدمة تكون في أقوى حالاتها عند تطبيقها في سياق إدارة الموظفين. والخطوة الأولى في تبنّي هذه الذهنية هي الكف عن الاعتقاد بأن موظفيك يعملون لصالحك. عوضاً عن ذلك، تمسك بالفكرة القائلة إنهم يعملون لصالح المؤسسة ولصالح أنفسهم. ودورك أنت كخادم هو تيسير العلاقة بين كل موظف والمؤسسة. اطرح على نفسك السؤالين التاليين: "ما المطلوب حتى ينجح هذا الموظف في هذه العلاقة؟" وكذلك "ما الذي تحتاج المؤسسة إلى تقديمه لكي تلتزم بما هو مطلوب منها في هذه العلاقة؟" عندما يقود هذان السؤالان طريقة تفكيرك، فإنك بذلك ستسهم في خدمة مصالح الطرفين. (والمبادئ ذاتها تنطبق على إدارة المنتجات، وسلاسل التوريد، والعلاقات مع الزبائن، ولكننا سنركز هنا على الموظفين).
هل اللجوء إلى أسلوب القيادة بالخدمة يمنعك من إخبار الناس بما يجب عليهم فعله، أم أنه يمنعك من مطالبتهم بتصحيح سلوكياتهم؟ لا، بل على العكس من ذلك، فهذا الأسلوب يعني بأن واجبك يقتضي منك القيام بهذه الأمور لتسهيل نجاح الفرد ضمن المؤسسة. والمسألة الأساسية هي أن يكون ذهنك في "وضعية الخادم" عندما تؤدي مهامك اليومية في الإدارة.
على سبيل المثال، يجب أن تكون عملية توزيع مهام العمل على الآخرين عملية مدروسة توازن بين أهداف المؤسسة، وبين مصالح الفرد، ومهاراته واحتياجاته التنموية. وليس من الضروري دراسة كل مهمة روتينية بهذا القدر من الشمولية. ولكن كلما دعت الحاجة إلى توزيع مهام مهمة على الموظفين، فإن وضع هذه المهام ضمن سياقها يجعلها تعطي القدر الأعظم من النتائج المنشودة. فالموظفة التي تعلم لماذا طلب منها مديرها فعل شيء معيّن، أكثر ميلاً إلى تبنّي المهمة الموكلة إليها بحق. وعندما تتبنّاها، فإنك تصبح مرشداً أكثر من أنك مدير. وأنت "تسأل" كيف بوسعك دعمها وكيف ترغب هي بإبلاغك بالتقدم المحرز في إنجاز المهمة، عوضاً عن أن "تخبرها" أنت بهذه الأشياء. والموظفة التي تؤمن بأن مديرها يتفهّم نقاط قوتها، ويقدّر آراءها، ويشجعها على النمو، ستلتزم بالعمل في المؤسسة على الأغلب لفترة أطول من الزمن.
من الواضح أن تبنّي منهجية الخادم في عملية توزيع المهام على الموظفين يتطلب مزيداً من التفكير والتحضير مقارنة مع مجرد إيكال هذه المهام دون تفكير مسبق. وهو يستغرق وقتاً ليس بالقليل. ولكن تذكر بأنك تنجز بذلك فعلياً عدة مهام في وقت واحد – فأنت تسهر على ضمان إنجاز العمل المطلوب، وفي الوقت ذاته تعمل على تعزيز علاقة ذلك الفرد بالمؤسسة.
كما أن تبنّي فلسفة الخادم يجب أن تسهل عملية تقديم الملاحظات والتقييمات التصحيحية. فأنت مجرد ميسّر، والميسّرون لا يجب أن يكونوا أشخاصاً غاضبين، أو مُحْبطين، أو مُمْتَعِضين عندما يقدمون الرأي والتقييم إلى الآخرين، لأن الأمر لا يتعلق بهم، وإنما يخص العلاقة بين الطرفين الآخرين. ولهذا السبب، فإن استعمال هذه الذهنية في التفكير، أي طريقة الخادم، يسهم في جعل المحادثات المتعلقة بالتطوير تبدو وكأنها ذات طابع أقل شخصية. فأنت لا تشعر بخيبة أمل نتيجة لتصرفات موظفك؛ وإنما أنت ببساطة تشرح له كيف تقف هذه التصرفات حجر عثرة في سبيل ما يحاول إنجازه لمصلحته ولمصلحة المؤسسة. فعندما تكون أجندتك الوحيدة هي تهيئة شخص آخر للنجاح، فإن كلماتك تُستقبل عادة بقدر أكبر من الانفتاح. والانزعاج الحقيقي يحصل عندما يُسمح لمصالح أي من الطرفين بأن تتأذى مع مرور الوقت دون أي تدخل. وبالتالي فإن المسؤولية الأساسية في موازنة هذه المصالح تقع على عاتق المدير.
وبحكم التعريف، فإن اكتساب السمعة الحسنة هو عملية تستغرق وقتاً طويلاً. ولكن عندما تكون مُتَّسِقاً في استعمالك لمقاربة الخادم، سيعرف الناس ما يتوقعونه منك، وهنا يسود جو الثقة. وإذا ما اجتمعت الثقة مع عملية اتخاذ القرار بطريقة شاملة للجميع وذكية كما ناقشنا أعلاه، فإنها طريقة مضمونة لكسب النفوذ.
نحن بالكاد لامسنا قشور العديد من التحديات التي ستواجهها عندما تصبح مديراً يتولى هذا المنصب للمرة الأولى. وليس هناك ببساطة أي طريقة للتنبؤ بهذه التحديات جميعها. لكن تبني فلسفة أساسية هي فلسفة القيادة بالخدمة سيوفر لك نقاط علام أساسية لمساعدك على عملية الإدارة في الوقت المطلوب. ومهما كان مزاجك وطبعك، فإن تبنّي ذهنية خدمة الآخرين سيحميك من الوقوع في فخ أنماط الإدارة القائمة على ردود الأفعال وحماية الذات والتي يمكن أن تشكل عائقاً أمام نجاحك. قد لا تروقُ فلسفة القيادة بالخدمة الأشخاصَ الذين يشعرون بالانجذاب نحو الفكرة الأكثر تقليدية أي السلطة، لكنها يجب أن تكون الخيار الأنسب للمهتمين بالنفوذ وضمان تحقيق النتائج المرجوة.