خلال لقائي بـ "تينادي" (اسمه وبعض تفاصيله قمت بتغييرها)، الذي يعمل كمدير أول في شركة صناعية عالمية، وذلك لإطلاق موعد البرنامج التدريبي للمدراء التنفيذيين، لربما استخدمت بعضاً من هذه الكلمات لوصفه، (ودود، يملك روح الدعابة، صارم، متحمس، ومهتم).
آنذاك، كان تينادي يخطط منذ فترة ليكون ضمن مجموعة كبار المدراء التنفيذيين، ويبحث عن تقوية مهاراته القيادية التنفيذية، إلا أنني فوجئت بأن زملائه ومن يعملون تحت إشرافه، وبعد تحدثي معهم لجمع انطباعاتهم حوله، كانت لديهم فكرة مغايرة تماماً عنه، إذ وصفوه بأنه حذر وحريص ومتحفظ.
كما أن الكثير من زملائه كانوا يتساءلون عن نواياه، مفترضين أنه كان يعتمد "السياسة المكتبية" للحصول على دعمهم عندما فشل في التواصل معهم حول إحدى المشاكل والقضايا الرئيسية. من جانب آخر، وعلى الرغم من أن أفراد فريقه كانوا مسرورين من فعاليته وتأثيره في العمل، فلم يكونوا واثقين من حافزه وراء ذلك، وبمعنى آخر كان يشكل لغزاً.
يبدو أن تينادي لديه شخصيتان منفصلتان، لكن مثل هذه الحالة مرت علي سابقاً خلال عملي التدريبي، فالمدراء يبرعون في تكوين مثل تلك الشخصية المهنية الصلبة التي تتناقض أحياناً مع أنفسهم. كما يقمعون الصفات العاطفية بداخلهم، بشكل يجلب لهم مؤيدين ويترك من يعملون تحت إشرافهم في حيرة من أمرهم.
وربما يعد سهلاً رؤية كيف يحدث هذا الأمر، ففي الكثير من الشركات والمؤسسات هناك انطباع بأنك إذا كنت ذا سلوك هادئ ورصين، فهذا يعني أنك موظف جيد. وبطبيعة الحال، لا نريد أن نخسر اتزاننا لذلك نلجأ إلى تطوير الاستراتيجيات للمحافظة على إظهار الوجه المحترف في العمل. وهنا يجدر بنا السؤال: من منا لم يصرخ ويفرغ من غضبه تجاه مديره أو زميله في أثناء الذهاب بالسيارة للمنزل؟
وفي السياق ذاته، وعلى الرغم من أن الحفاظ على الهدوء والرصانة خاصية جيدة، فإن هذا السلوك الذي تُجبر نفسك على القيام به خارجياً ربما يسقط، عندما نكون مدراء، ونحتاج إلى بناء الحماس والتواصل والانخراط في العمل.
كجزء من بحثي حول كتابي الأخير "شيفرة الإلهام" (The Inspiration Code)، لجأت إلى مركز "هاريس التفاعلي" المعروف باسم "استطلاع هاريس" المتخصص في أبحاث السوق، وذلك لاستطلاع رأي ألفي شخص حول: ما هي سلوكيات التواصل التي ساعدتهم على الإلهام في العمل؟
وكان أهم سلوك ضمن الاستطلاع، أن الأشخاص الملهمين يقولون ما يقصدون ويتحدثون بموثوقية. كما تحدثت إلى المئات من المهنيين حول ما الذي ألهمهم؟ والكثير من الإجابات أكدت أن العاطفة تُعتبر مدخلاً للموثوقية، فإذا لم يجد الناس مشاعرك الحقيقية، فلن يستطيعوا التعرف عليها.
وهنا يمكن القول بأن إظهار المشاعر يُعتبر ضرورة لإلهام الآخرين، لذا بمجرد رفع منصبك إلى مدير، بدلاً من تجنب الإفصاح عن مشاعرك عليك إظهارها واستغلالها، وهذا السلوك لا يجب أن يكون تدريباً مجرداً.
لذلك، نذكر 3 طرق علّمتها لعملائي من أجل تحقيق الصدى العاطفي.
أولاً: حدد نيتك
خذ بعين الاعتبار قبل الاجتماعات والمحادثات والخطابات المهمة، ما المشاعر التي تود أن تنقلها في كل حدث. ويكون ذلك بإظهار مشاعر تتراوح بين الحماس والرزانة أو المزاح. وتذكر أن المشاعر معدية، لأن المدراء التنفيذيين لهم تأثير قوي على مزاج الفريق أو مشاعر المجموعة. وإذا رغبت في أن يشعر الآخرين بالعاطفة التي تريدها، فعليك إظهارها والتعبير عنها. وتذكر إن لم تتعمد إظهار اتجاه المشاعر، فستظهر بالصدفة. فإن تبين أنك متعب ومشتت التفكير، فستنقل المشاعر المتعلقة بالحالتين للآخرين.
ثانياً: استخدم لغة عاطفية
الكلمات التي تستخدمها للتعبير عن نفسك تضاف إلى نبرة اللغة العاطفية، لذا حاول اختيار الكلمات التي تتناسب مع المشاعر التي تود نقلها للآخرين، وكن حذراً بألا تبدو لغتك مثالية في سبيل جعل الرسالة تظهر مستساغة، لأن ذلك يجعلها سطحية وعادية، وأضف لحديثك كلمات واضحة تشير إلى النبرة التي تريد إيصالها. وخذ بعين الاعتبار استخدام مثل هذه الكلمات التي تعبر عن عدد من المشاعر.
الثقة: قوي، ثابت أو مؤكد، فخور، مهم، جاهز.
الفرح أو البهجة: ملهم، ممتن، مبهج، متحمس.
الغضب أو الانزعاج: محبط، مخيب للآمال، منزعج، نادم.
الإلحاح: حاسم، متراجع، قلق، متلهف، مفقود، حريص.
ثالثاً: استخدم دعوات الاستعطاف
يمكنك استخدام المشاعر لتقديم مطالبك، وإذا كنت على اعتقاد بأن هذه الدعوات من اختصاص مندوبي المبيعات ففكر في الأمر مرة أُخرى. فالمدراء عليهم إقناع الموظفين ليقوموا بالأفعال.
حيث حدد روبرت تشالديني، عالم النفس الأميركي، 6 مبادئ أو مهارات للإقناع يمكن استخدامها والاستفادة منها في أي مجال. وهنا اذكرها لكم مع أمثلة حول كيف يمكن للمدير الجديد أن يحولها في إطار استعطافي لكسب قلوب الأشخاص ومشاعرهم.
1- نحب الأشخاص الذي يشبهوننا، والإطار يكون (إذا اعتبرت هذا الفريق كعائلة، فسأفعل ما استعطت ليمثلنا).
2- نتبادل السلوكيات، والإطار (سررت أن أُعرّف لكم العميل، والآن آمل أن تعرفونني عليه).
3- نهدف إلى أن نكون متوافقين، والإطار (ذكرتم أنكم منفتحين للأفكار الإبداعية، لذا لدي واحدة لكم لتتعاملوا معها).
4- نحترم السلطة، والإطار (هذه الرسالة أُرسلت مباشرة من قبل المدير التنفيذي، لذا فهي أولوية).
5- نطالب بالمزيد من شيء ما عندما يكون نادراً، والإطار (إن لم نطرح منتجنا في الأسواق حالاً، فالعملاء سيعيدون تخصيص ميزانيتهم بنهاية العام).
6- نتخذ الإجراء عندما يقوم الآخرون باتخاذه بسبب وجود برهان اجتماعي، والإطار (كل الشركات في أسواقنا تعلن بهذه الطريقة).
ويمكن القول إن استخدام المشاعر والاستعطاف لكسب العقول والقلوب لم تكن طريقة جديدة، فأرسطو وضع 3 عناصر للبلاغة في الدعوات، وهي: (الأخلاق أو المبادئ، والعاطفة، والمنطق).
إلا أن مهمة المدراء لكسب العقول والقلوب في أيامنا هذه أصبحت أكثر إلحاحاً وتعقيداً، وعلى الرغم من ذلك، أؤمن بأنه مع بروز عصر الإنترنت وانتشار المنصات مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمقاطع المصورة، التي أسهمت في خلق توقعات بأننا أصبحنا نعرف مدراءنا بدرجة أكبر، وبطريقة أعمق.
ومع انتشار الشركات جغرافياً وثقافياً في بقاع العالم، أصبح المدراء يقودون الأشخاص عن بعد من دون التواصل مع الكثير منهم وجهاً لوجه. لذا على المدراء إعلام فرق العمل بأولوياتهم، وتحفيز سلوكهم، وإلهامهم عن بعد، فحتى هؤلاء يحتاجون إلى معرفة ما هي المشاعر التي يريد المدير أن ينقلها لهم.
ويمكن التذكير بنقطة أخيرة، وهي أن هناك اختلافاً كبيراً بين المشاعر الحقيقية والزائفة، وتطبيق الطرق الثلاث التي ذكرتها بأسلوب خاطئ ستؤدي غالباً إلى حدوث نتائج عكسية. لذلك، فإن أفضل طريقة للتواصل بعمق، تكمن في الشفافية عند نقل مشاعرك التي تشعر بها في نفس اللحظة، فأنت لا تمثل، بل تُفصح عن مشاعرك.