يعتقد البعض أن ما نعيشه حالياً هو ظاهرة مؤقتة ستنتهي قريباً، وأن التعلم الإلكتروني هو مجرد ظاهرة مؤقتة ستنحسر بعد رفع الحجر، وسنعود بعدها إلى حياتنا الطبيعية. إلا أن ما نمر به يثبت لنا بأن العالم قد تغير، وتغيرت معه ظروف حياتنا، ففيروس كورونا علّم البشرية دروس عدة، وأثبت للعالم أهمية التعلم الإلكتروني. إن المحتوى التعليمي الصوتي والمرئي يؤثر بشكل كبير على المتعلم، إذ يرفع معدل الاحتفاظ بالمعلومات من 25% إلى 60% أكثر من الطرق العلمية التقليدية، وجميعنا يؤمن بالمقولة التي تُفيد بأنّ "الصورة الواحدة تعادل ألف كلمة"، كما أثبتت دراسة صادرة عن مركز "فورستر ريسيرتش" (Forrester Research) بأن دقيقة واحدة من فيديو تعادل 1.8 مليون كلمة، ولهذا لا بد لنا أن نشيد برواد تطوير المحتوى التعليمي الذين عزموا منذ عدة عقود على وضع تصور لطريقة التعليم عن بعد لتكون فعالة من حيث التكلفة وأكثر قابلية للنشر سواء كان التعلّم يستهدف الطلاب في المدارس والجامعات أو الموظفين في مكان العمل، وكلنا على دراية بأن التعلّم الإلكتروني أحدث قفزة جذرية في عالم التعليم، فأصبحنا نرى المئات من مزودي التعلّم الإلكتروني الذين أثبتوا جدارتهم في هذا المجال.
على الرغم من أن التعليم عن بعد شهد ازدياداً ملحوظاً في الفترة الراهنة، إلا أن تطبيق واعتماد التعلّم الإلكتروني في مكان العمل في وطننا العربي لا يزال إلى يومنا هذا أبطأ بكثير مقارنة مع العديد من الدول الأخرى; حيث إن مفهوم تعلّم شيء جديد في مكان العمل في الثقافة المحلية غالباً ما يتم ربطه بالحصول على إجازة من العمل لحضور دورات تدريبية خارجية أو التدريب في قاعات الفنادق أو السفر للخارج ليعتبر ذلك تدريباً مفيداً وهادفاً، ولم يكن التعلم عبر شاشة الحاسوب وخاصة في المنزل أمراً مألوفاً في مجال التدريب المؤسسي، كما أن المتعلمين الذين يسعون للحصول على محتوى تعليمي ممتع ومفيد بلغتهم الأم كانت خياراتهم محدودة جداً، لذلك على المؤسسات تنويع أساليب التعلم عن بعد وضمان أن يكون التعلم الإلكتروني أداة فعالة يمكنها تحقيق قيمة مضافة للمؤسسة.
أظهرت معظم الأبحاث ان قاعدة التدريب المؤسسي 70-20-10 أن التدريب أثناء العمل هو أكثر فعالية للتعلّم والتطوُّر ويشكل 70% من هذه القاعدة وأن ما يقارب 30% من طرق التعلم المؤسسي تشترك فيه قنوات أخرى مثل التدريب النظري التقليدي والتعلّم الإلكتروني الذي بدأ يأخذ حصة أكبر من هذا التوزيع. يجب على المؤسسات أن تشدد على أهمية وتأثير ثقافة التعلم الصحيحة في مكان العمل، وأن تضع الأسس اللازمة لتقديم محتوى إلكتروني عالي الجودة وخاصة المحتوى التعليمي المقدم باللغة العربية، حيث ستساهم هذه التعديلات بدفع مزودي التعلم الإلكتروني لتقديم محتوى تعليمي عالي الجودة ويكون مصمم لموظفي اليوم والغد في الوطن العربي
اقرأ أيضا: فوائد التعلم مدى الحياة.
من الصعب اعتماد محتوى إلكتروني تفاعلي يتلاءم مع الثقافات المحلية، وخاصة إذا تم تقديمه للمتعلم العربي كمحتوى مترجم ومعرب بشكل ضعيف; حيث إن تطوير محتوى محلي ليس مجرد عملية تعريب للمحتوى، فقد أخفقت الكثير من المحاولات وانعكس هذا الإخفاق في معالجة الفروق في الثقافة واللغة وحتى في اللهجات المحلية في الوطن العربي. لذلك حان الوقت الآن لتقديم محتوى إلكتروني موثوق به، مطور وبلغتنا الأم.
لقد أعاد الإغلاق التام بسبب جائحة "فيروس كوفيد-19" التأكيد على أهمية الأدوات الرقمية للتواصل وعلى أهمية المحتوى الرقمي لضمان استمرارية التعلم والتطور، ما يشير إلى أن مستقبل التعلم الإلكتروني سيكون مشرقاً في المنطقة. إن لدى المدربين والأساتذة والاستشاريين والمعاهد العربية فرصة ذهبية للارتقاء إلى مستوى التحدي واستخدام هذه الوسيلة لتقديم تجارب تعليمية حقيقية صادقة تساهم في الارتقاء بمستوى الكوادر الوطنية، خاصة إذا تم تقديمها بلغة عربية سليمة، ولذلك يجب علينا أولاً أن نقدر ونتعلم من التجارب والأساليب التي وضعها مزودو التعلم الإلكتروني العالميون، ونتعرف على هذه المناهج ثم ينبغي علينا أن نسلك هذه المسيرة بخطى واثقة من أجل تنميتنا وتنمية المجتمع من حولنا.
فيما يلي بعض الإجراءات الأساسية التي يجب مراعاتها عند تطوير تجارب تعليمية إلكترونية فعّالة ذات تأثيرٍ عال:
حدد الفئة المستهدفة
من الضروري أن تقوم مسبقاً بتحديد الفئة التي ستكون الأكثر استفادة من محتواك التعليمي. ربما قد تكون الفئة المستهدفة من الخريجين أو الموظفين الجدد في مؤسسة ما، أو من الإدارة الوسطى في منشأة حكومية ويجب أن يتوافق مضمون التدريب الذي تطوّره مع هذه الفئة.
عرّف الأهداف التدريبية
ما الذي تريد تعليمه؟ ما الذي تتوقع أن يحصل عليه المتدربون الذين يحضرون دوراتك التعليمية الإلكترونية؟ ما المهارات أو الكفاءات التي ستتناولها؟ يجب أن تكون إجاباتك عن هذه الأسئلة محددة قدر الإمكان لضمان عدم الابتعاد عن تحقيق أهدافك التدريبية.
قم بالبحث الكافي لتطوير المحتوى
أصقل معرفتك إذا كنت على دراية بموضوع المحتوى أو إذا كان ضمن نطاق تخصصك. يمكنك أيضاً استخدام مهاراتك البحثية واستخلاص المواد التعليمية المناسبة لتطوير تدريب حول موضوع جديد أو موضوع لم يتم تناوله بالكامل من قبل مزودي التعليم الإلكتروني، ومن ثم وثق مصادرك وتأكد من صحتها.
اختر الأسلوب الأنسب لتقديم التدريب
حدّد إذا كنت ترغب في استخدام الأساليب المتزامنة أو غير المتزامنة وإليك الفرق بينهما:
الأساليب المتزامنة:
تسمح لك الأساليب المتزامنة بتقديم المحتوى التدريبي لجمهورك عن طريق البث المباشر في وقت محدد، ويمكن للحضور أن يتفاعل معك أثناء الجلسة إما من خلال الأسئلة المكتوبة أو الشفهية.
الأساليب غير المتزامنة:
إن الأساليب غير المتزامنة تتطلب توفير مادتك التدريبية من خلال الوسائط المرئية أو الصوتية. يمكنك إما تسجيل المحتوى مستخدماً طريقة التحدث إلى الكاميرا ومن الأفضل أن يصاحب ذلك البعض من الرسومات المتحركة، أو تحويل المحتوى التدريبي الخاص بك إلى مقطع فيديو مثير للاهتمام ومتنوع من حيث استخدام النصوص وتحريكها، إضافة إلى التسجيل الصوتي. إذا كنت تريد أن تفعل شيئاً جديداً، فربما عليك تطوير مقاطع فيديوهات تمثيلية باللهجة المحلية، ويمكننا أن نضمن فعالية هذا النهج إذ إنه جعل متعلمينا يشعرون باندماج وارتباط أعلى مع المحتوى الذي توفره منصة "معرفة ديجيتال" (Marefa Digital) فمن خلال عرض سيناريوهات واقعية وإضافة عنصر من الدراما أو الكوميديا، يصبح من السهل على المتعلم التفاعل مع المحتوى وتصوّر مواقف مماثلة في مكان العمل، ما يؤدي إلى رفع مستوى القدرة على الاحتفاظ بالمعلومة. يُسمّي البعض من عملائنا هذا النهج بـ "نتفليكس التعلم الإلكتروني" على اعتبار أنه يوازن بين التعليم والترفيه أو بعبارة أخرى التعلّم الترفيهي.
قم بإعداد المحتوى
هناك العديد من الأدوات التي تساعدك في تصميم البرامج التعليمية التفاعلية، على سبيل المثال: برنامج "أدوبي كابتيفيت" (Adobe Captivate) أو "أرتيكيوليت ستوري لاين" (Articulate Storyline) أو "آي برينغ" (iSpring). قد تتطلب بعض هذه الأدوات تطوير مهارات معينة لديك والذي قد يستغرق الكثير من الوقت في البداية، ومن أحد البدائل هو أن تلجأ لمطوّر محتوى محلي يساعدك في تحويل موادك التدريبية المدوّنة على برنامجيّ "باور بوينت" أو "وورد" إلى برامج تفاعلية رقمية جذابة ومؤثرة.
نشر وتقديم المحتوى الرقمي الخاص بك
يمكنك إنشاء قناة لبث الفيديوهات التعليمية أو تقوم بنشرها على المنصة الخاصة بالمؤسسة التي تعمل بها أو على منصات خارجية متخصصة. عند اختيار جهة خارجية، تأكد من أنهم سيقومون بترويج برامجك الرقمية بشكل عادل وأن يكون لديهم القدرة على استهداف والوصول إلى الشريحة المناسبة للمحتوى الخاص بك. من المجدي أن تكون على علم بأن أنظمة إدارة التعليم توفر تجربة تعلّم ثرية مقارنة بمنصات العرض التي قد لا يكون لديها إمكانية تحليل بيانات أداء المتعلّم.
يتعيّن علينا أن نعيد النظر في تعريف "توطين" المحتوى الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد أن أثبت نهج "التعريب" أنه غير ناجح. إن صحوة التعلّم الإلكتروني قد بدأت ويجب علينا جميعاً أن نفكر بكيفية المساهمة في تنمية اقتصادنا القائم على المعرفة باللغة العربية، والتأثير على طريقة تفكير المؤسسات والمدارس بما يتعلّق بالتعلّيم الإلكتروني، ويكون ذلك عبر الاعتراف بأن استخدام التعلم الإلكتروني هو استثمار مفيد، وإن وضع مقاييس شاملة لعائد الاستثمار والاستفادة من القدرات والخبرات المحلية قد يوفر منظومة بيئية أكثر استدامة للتعليم في المنطقة.