لماذا يجب أن تحافظ على شعورك بالدهشة، خاصة الآن وفي هذه الظروف؟

6 دقائق
الانبهار

ملخص: ما زلنا نعيش حقبة الجائحة بكل تداعياتها، ومن ثم فإننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى طرق لتجديد طاقاتنا وتهدئة مخاوفنا والاهتمام برفاهتنا مثل الانبهار والشعور بالدهشة. ويمكن تحقيق هذه الأهداف بتعزيز الخبرات المثيرة للانبهار التي نالت حيزاً من الاهتمام المتزايد بسبب الأبحاث المكثفة التي أُجريت حول هذا الموضوع. ويتضمّن المعنى الجوهري للانبهار عنصر الرحابة الذي يجعلنا نشعر إزاءه بالضآلة، وهو ما يتسبب في تقليل ثرثرتنا العقلية ومخاوفنا ويساعدنا على تأمل الأفكار والقضايا والأشخاص خارج أطرنا الشخصية، ما يحسن قدرتنا على الإبداع والتعاون ويجدد طاقتنا. وقد أسهم مؤلفا هذه المقالة، وهما طبيب وطبيبة نفسية، في الإشراف على المئات من ورش العمل حول القدرة على التحمل والرفاهة، ويقترحان عدداً من أساليب الانبهار للمتخصصين في المجالات المهنية، على المستويين الفردي والجماعي.

قد نكون في سبيلنا إلى العودة إلى مقراتنا المكتبية (بدرجة أو أخرى)، لكننا ما زلنا نعاني سلالات الجائحة التي لا تكاد تنتهي. ومع دخولنا مرحلة انتقالية بعد عام مضنٍ من الصدمات والتوترات المتلاحقة، صرنا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى طرق لتجديد طاقاتنا وتهدئة مخاوفنا والاهتمام برفاهتنا. ولكن نادراً ما يتم الحديث عن واحد من أقوى الإجراءات التي يمكن اتخاذها في مكان العمل لتحقيق هذه الغاية: تعزيز الخبرات المثيرة للانبهار. إذ يجعلنا الانبهار نشعر بالإلهام والحيوية، على غرار ما يحدث عند الشعور بالامتنان وحب الاستطلاع. وهو يمثّل بذلك أداة أخرى في حزمة أدواتك التي نالت الآن حيزاً من الاهتمام المتزايد بسبب الأبحاث المكثفة التي أُجريت حول هذا الموضوع.

وقد أشرفنا، بحكم تخصصنا كطبيب وطبيبة نفسية، على المئات من ورش العمل حول القدرة على التحمل والرفاهة قبل تفشي فيروس "كوفيد-19"، وفي أثنائه، لأفراد القوات المسلحة وللأطباء والمعلمين ورجال الشرطة وفي عالم الأعمال. كنا نسعى إلى مساعدة المشاركين على الاستكشاف وخوض التجربة واسترجاع لحظات الانبهار باعتبارها إحدى الاستراتيجيات الرئيسية القائمة على أسس علمية التي نشارك فيها خلال ورش العمل، وكان من المثير أن نرى مشاركينا يستفيدون منها ويطبّقون ما تعلموه في مؤسساتهم.

الانبهار وفوائده

يعرّف إيثان كروس، عالم النفس بجامعة "ميشيغان"، الانبهار بأنه "الشعور بالدهشة الذي يعترينا عندما نواجه شيئاً مبهراً لا يمكننا تفسيره بسهولة". وغالباً ما تتضمّن الأشياء التي تجلب لنا الشعور بالانبهار عنصر الرحابة والتعقيد الجمالي. وهو ما يحدث حينما تنظر ليلاً إلى السماء المرصعة بالنجوم أو تتأمل الأعمال الخيرية الدالة على نقاء السريرة أو تتدبر روعة شيء صغير معقد التركيب. وقد تثير ألوان أوراق الأشجار خارج مكتبك أو تضحية أحد الزملاء شعوراً مشابهاً خلال يوم العمل، خاصةً إذا أبديت اهتمامك بمراقبتها. وغالباً ما ترتبط الخبرات المثيرة للانبهار، خاصة في الولايات المتحدة والصين، بالسلوك الفاضل للآخرين، كالتفاني أو إبداء حُسن المهارة أو الشجاعة الفائقة.

ويعتبر تعزيز الخبرات المثيرة للانبهار على قدر كبير من الأهمية ويحقق الكثير من الفوائد في الآونة الحالية لأنه يمكّننا من تجديد طاقتنا ووضع خطط لمستقبل أكثر تفاؤلاً. يرجع هذا في الأساس إلى الآثار العاطفية للانبهار، بخلاف آثاره الجسدية، مثل الشعور بوخز خفيف والقشعريرة وانخفاض معدل ضربات القلب المصحوب بالتوتر. وعندما طُلب من مجموعة تجريبية رسم صور لأنفسهم، إذا بهم يرسمون أنفسهم حرفياً بأحجام أصغر بعد مرورهم بتجربة مثيرة للانبهار. ويُطلق على مثل هذا التأثير "التجرد النفسي". وهذا التحول له فوائد عدة: عندما تتعرض لشيء أكبر منك وينكمش إحساسك بالذات، فسوف تهدأ أيضاً ثرثرتك العقلية وتتراجع مخاوفك. وتزداد في الوقت نفسه رغبتك في التواصل مع الآخرين وحُب مساعدتهم. كما لوحظ أن الأشخاص الذين يتعرضون لتجربة الانبهار يشيرون أيضاً إلى ارتفاع مستويات شعورهم بالرضا عن الحياة والرفاهة بشكل عام.

والآن لنلقِ نظرة من كثب على الآثار المترتبة على التوتر والقدرة على التحمل. ترتبط الخبرات المثيرة للانبهار بانخفاض مستويات التوتر، وتشير الأبحاث التجريبية التي أُجريت مؤخراً إلى أن هذا الارتباط قد يكون ناجماً عن علاقة سببية: ما يعني أن الانبهار يمكن أن يسهم بشكل فاعل في تقليل الشعور بالتوتر. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أيضاً باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن الخبرات المثيرة للانبهار، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو المثيرة للانبهار والملهمة (مقارنة بمقاطع الفيديو المحايدة أو المسلية)، تقلل من النشاط في شبكة الوضع الافتراضي للدماغ (DMN) التي ترتبط بالتركيز على الذات واجترار الأفكار. وتنخفض الثرثرة العقلية نتيجة لذلك.

لكن فوائد الانبهار تتجاوز تخفيف حدة التوتر. فقد أثبتت الأبحاث أن التعرّض لشيء أكبر منا يساعدنا على تجاوز إطارنا المرجعي من خلال توسيع أُطر نماذجنا العقلية وتحفيز طرق جديدة في التفكير. ويسهم ذلك في زيادة القدرات الإبداعية والابتكارية، إضافة إلى تسهيل التفكير العلمي واتخاذ قرارات تراعي المبادئ الأخلاقية.

كما أنه يساعدنا على بناء العلاقات. فعلى الرغم من أن الشعور بالانبهار يحدث في أغلب الأحيان حينما ننفرد بأنفسنا، فإنه يخرجنا من أُطرنا الذاتية ويوجهنا نحو الاهتمام بالآخرين ويلهمنا السلوك المشجّع على الاندماج الاجتماعي، مثل السخاء والتعاطف. ويفترض بعض العلماء أن هذا الشعور قد تطور للمساعدة على تماسك المجموعة وتعزيز القدرة على البقاء. ويمكن أن تؤدي الخبرات المثيرة للانبهار إلى زيادة التعاون بين مجموعات العمل وتعزيز قدرات بناء الفريق والترابط الاجتماعي بين أفراده.

وهناك الكثير من الطرق التي يمكنك من خلالها تعزيز الخبرات المثيرة للانبهار خلال يوم العمل.

على مستوى الأفراد

ثمة طريقة بسيطة وفاعلة للشعور بالانبهار، هي أن تأخذ "نزهة مثيرة للانبهار" إذا كان بإمكانك الابتعاد عن مكتبك. خصّص 20 دقيقة للتجول، انظر إلى الأشياء بطريقة تنم عن حب الاستطلاع ولاحظ لمسات الجمال من حولك، حتى في الأماكن المألوفة، مثل فناء شركتك أو حيك السكني. وقد وجدنا في ورش العمل التي ننظمها أن هذه التعليمات تساعد المشاركين على ملاحظة الآخرين، وكذلك الأماكن والأشياء التي يمرون عليها عادةً مرور الكرام، مثل ملاحظتهم لنحلة تتنقل من زهرة إلى أخرى. كما أشار المشاركون أيضاً إلى شعورهم بالإلهام والهدوء وازدياد قدرتهم على التركيز.

وحبذا لو أخذت نزهة مثيرة للانبهار بين المناظر الطبيعية. فقد أثبتت الأبحاث أن التنزه بين أحضان الطبيعة، مقارنة بالبيئات الحضرية، له أثر إيجابي أكبر على مزاجنا ورفاهتنا. إذ يشكل التنزه بين أحضان الطبيعة تجربة غامرة تسهم في النمو والقدرة على التحمل، وقد تكون مصدراً قوياً للدهشة والانبهار. يذكرنا سحر الطبيعة أيضاً بأننا جزء من العالم الطبيعي، وبقيمتنا نحن أيضاً في هذا العالم الحافل بالتنوع. وقد تعاون أحدنا (ديفيد) مع الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا في ولاية ميشيغان لتخصيص مواعيد محددة لركوب الدراجة والتنزه بين أحضان المناظر الطبيعية للأشجار والمياه. وشعر عندئذٍ بأنه جزء من شيء أكبر منه بالإضافة إلى تجديد طاقته وتعزيز قدرته على التحمل.

وإذا لم تستطع الابتعاد عن مكتبك، فاستفد من العجائب الموجودة في متناول يديك على مواقع الإنترنت. فقد أثبت الكثير من الدراسات أن مقاطع الفيديو قادرة على توليد الشعور بالانبهار. يمكنك توليد الشعور بالإلهام بمشاهدة الأفلام الوثائقية الحائزة على الجوائز، مثل "فري سولو" (Free Solo) أو "كوكب الأرض" (Planet Earth) أو فيلم "تعلمت من الأخطبوط" (My Octopus Teacher) الحائز على جائزة "الأوسكار" مؤخراً. وإذا أردت الشعور بالقشعريرة، فعليك بقصيدة "التل الذي نتسلقه" (The Hill We Climb) للشاعرة أماندا غورمان. يمكنك أيضاً الاستمتاع بالعناصر الجمالية والفنية الرفيعة في الموسيقى للحصول على الانتشاء الروحي واستلهام الانبهار. أنشئ "قائمة تشغيل مثيرة للانبهار" من مقاطع الفيديو أو مقاطع الموسيقى، وعندما تشعر بالضيق، استمتع لبضع دقائق بما تشاهده وتسمعه، وانغمس فيه بكل وجدانك. يمكنك أيضاً عيش لحظات مثيرة للانبهار من خلال طرح هذا السؤال البسيط "ما الجوانب الجمالية هنا؟".

وهناك خيار آخر يتمثل في متابعة المواقع الإخبارية التي تنشر الأخبار السارة، كأعمال الخير والسلوكات الدالة على السخاء والمثابرة. احتفظ بملف على جهاز الكمبيوتر يحتوي على قصص عن الخير والسخاء والأخلاق بين بني الإنسان. انقر عليه كلما شعرت بالإرهاق أو الإجهاد وأردت رفع روحك المعنوية. إذ يمكن لقصة بسيطة لإنسان يُحدِث فارقاً في مجتمعه أن تلهم الآخرين في جميع أنحاء العالم.

على مستوى المدراء وفرق العمل

إذا كنت مديراً، فيمكنك الاستفادة من قوة الانبهار لمساعدة أفراد فريقك على تجديد طاقتهم وتعزيز قدرتهم على التحمل ومنحهم الدعم على المستويين العاطفي والنفسي. شجّع أعضاء فريقك على مشاركة "قوائم التشغيل المثيرة للانبهار" وأتح أمامهم الفرصة لمشاركة خبراتهم من خلال بدء الاجتماعات بطرح أسئلة، مثل: "ما الشيء الذي أبهركم وحبس أنفاسكم هذا الأسبوع؟" أو "ما الذي جعلكم سعداء بوجودكم في هذا الكوكب" (أسهم بقصصك الخاصة أيضاً وتكلّم عن أثرها فيك). وقد عملت كارين مع نادي "أوكلاهوما سيتي ثاندر" لكرة السلة، وطلبت من قادة الفرق إحضار صور شخصية أثارت انبهارهم وشعورهم بالامتنان. وتم عرض الصور في اجتماع الفرق، وتحّدث كل شخص عن صورته وتجربته. وفي الوقت نفسه، يقدم النظام الصحي الذي يعمل فيه ديفيد حلقات دراسية عبر الإنترنت (ويبينار) حول القدرة على التحمل في منتصف النهار، ويجري خلالها تناول الأشياء التي تثير الشعور بالانبهار. حيث يجتمع أفراد من أقسام مختلفة لم يسبق لهم أن التقوا قط، ويشاركون قصصاً أثارت شعورهم بالانبهار في مجموعات صغيرة على منصة "زووم". ويمكن ملاحظة الطاقة الإيجابية المتولدة عن كلٍّ من هذه الفعاليات بوضوح تام.

لكن يجب على المدراء توخي الحذر تجاه الكثير من الزلات المحتملة عند الحديث مع فرقهم عن الخبرات المثيرة للانبهار. أولاً: ما يثير الشعور بالانبهار لدى شخص ما قد يستثير مشاعر الخوف أو الخطر لدى شخص آخر، كما يحدث، مثلاً، إذا اضطر شخص يعاني الخوف من المرتفعات إلى مشاهدة منظر يصيبه بالدوار. تعرف على أفراد فريقك جيداً بما يكفي لرسم حدود واضحة بين ما هو مقبول وغير مقبول. ثانياً: عندما تشجع فريقك على خوض تجربة الشعور بالانبهار، ضع في اعتبارك أنها عمل إضافي وليست حلاً نهائياً للمشكلات: فإضافة الخبرات المثيرة للانبهار لا تقضي نهائياً على مشاعر الحزن أو القلق، ولا تخفف من حاجة أفراد الفرق إلى التحدث بصراحة عن التحديات التي يواجهونها ولا الدعم الذي يحتاجونه من قادتهم. ومن الطبيعي والصحي التعرض لمجموعة كاملة من المشاعر، خاصة في الأوقات العصيبة. ومن الضروري أن يقدم المدراء أكبر قدر ممكن من التعاطف والتفهم. ثالثاً، وأخيراً: لا تخلط بين التخويف والانبهار، فنحن لا نتحدث عن تطوير نوعٍ من تقديس القواعد السلطوية حولك كقائد، وهذا بالمناسبة نهج مختلف تماماً يمكن أن يضر أكثر مما ينفع.

نبذل الكثير من الجهد في العمل لمحاولة البرهنة على صحة مواقفنا ولفت أنظار الآخرين إلى آرائنا. وقد يبدو من غير المنطقي أن ننخرط في شيء قد يحفز الشعور بـ "الضآلة". لكن فعل ذلك من خلال خوض تجربة إيجابية لاستثارة الشعور بالانبهار قد يجلب لنا في النهاية هذا الإحساس برسوخ موقفنا الذي ننشده، إلى جانب الكثير من الفوائد الأخرى لأنفسنا ولفرقنا، مثل تجديد الطاقة والشعور بالإلهام وتعزيز القدرة على التحمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي