عدت بداية العام من سفري الذي استغرق يومين لعقد اجتماع في الساحل الغربي، وكان برنامج العمل معقولاً بقدر ما كان السفر –هذه المرة– يسيراً. ومع ذلك، فقد احتجت أسبوعاً كاملاً لاسترداد حيويتي. لم تكن الأمور على هذه الشاكلة سابقاً، لعلي كبرت في السن؟
على الرغم من أن رحلات العمل قد تكون ممتعة بل وحتى مسلية، إلا أن لها ضريبة عالية تتمثل في الضغط الشديد على الجسم والعقل والعواطف والمعنويات.
فترانا نندفع إلى أسفارنا متعجلين، منتظرين في أرتال الدور، ونقاسي تأخر الرحلات، ونتعرض لمضيفين عابسين وركاب متضايقين. وبعد ذلك علينا الجلوس لساعات في أنبوب معدني يطير بنا عبر الهواء. وعند الوصول، يتعين علينا التكيف مع فروق التوقيت، وغرف الفندق، وانقطاعنا عما تعودناه، في غربة عن عائلاتنا، وأصدقائنا، وما تحفل به منازلنا من سبل الراحة.
وبسبب هذا المتسوى العالي من التوتر والجدول المتغير، فإننا نميل إلى التقليل من ساعات النوم كماً ونوعاً. كما أننا نمارس الرياضة بمقدار أقل، ونأكل ما لا يسمن ولا يغني من جوع. الأمر الذي يؤدي، بطبيعة الحال، إلى مزيد من التوتر.
إذا كان السفر لقضاء عطلة على الشاطئ، فلا شيء مما سبق يعد مشكلة بحد ذاته. ولكن عندما نسافر للعمل، يصبح أداؤنا بالغ الأهمية. قد نحتاج إلى إعطاء انطباع أولي مُبهر أو بيع شيئاً ما أو اتخاذ قرارات مهمة مع أناس آخرين.
كما هو الحال مع الرياضيين الذين يسافرون لخوض المنافسات، علينا تقديم أدا ليس مقبولاً فحسب بل يتجاوز المستوى المعتاد.
وبالتالي، إذا كان علينا مجاراة الرياضيين في الأداء، أليس علينا أن نسافر على طريقتهم؟
كنت في الماضي متسابقاً في مجال التزلج. وفي طريقنا نحو المنافسات، كان سفرنا ينقصه الكثير من عوامل الراحة التي أتمتع بها الآن، غير أني كنت أشعر بإنهاك أقل نتيجة ذلك. يعود هذا في جزء منه إلى أني كنت أصغر سناً وأكثر جَلَداً، لكن الجزء الأكبر يعود إلى الطريقة التي كنت أسافر بها في تلك الأيام الخالية.
كان نظام سفري بصفتي رياضي يبدأ قبل ثلاثة إلى خمسة أيام قبل رحلة السباق، أتعاهد نفسي خلالها بالنوم ثماني ساعات على الأقل كل ليلة. آكل بوعي، وأتريض باعتدال، وأمارس التأمل بعمق. وكنت أيضاً أشرب الكثير من الماء.
لكن ماذا حين أسافر بصفتي رجل أعمال؟ حتى قبل أن تبدأ رحلتي، أفتقد النوم بسبب محاولتي إنجاز الأعمال، والتحضير للاجتماعات، وشطب المهمات عن لائحة أعمالي قبل صعود الطائرة. وفي الطريق، أصادف الأكل غير الصحي أينما ذهبت، في صالات المطار والفنادق وغرف الاجتماع. وحين أشعر بفتور همتي أو يعتريني التوتر، ألتقط حبة (أو خمس حبات) من الكعك. إنها دوامة تشد إلى الأسفل، وبطبيعة الحال، كلما أكثرت من السكاكر، ازداد جوعي، وأكلت أكثر. وهذا له تداعياته الكبيرة على جسدي، أضف إليها عَشاءات آخر الليل، وما يرافقها من كرم في الطعام والشراب.
بصفتي متزلج، حرصت على الوصول إلى الجبل في أبكر وقت ممكن، آخذاً في الاعتبار أن الاندفاع قد يسبب خسارتي في السباق. ولم أكن أبالي بالانتظار، فهذا هو وقت التهيؤ النفسي. فحالة الاسترخاء كانت تمثل ميزة تنافسية. أما عند السفر للعمل، فقد كنت أجتهد لاختصار وقت السفر. أصل في الوقت المحدد للإقلاع، وأحجز الرحلات التي تصل في نفس وقت الاجتماع أو المناسبة التي سأشترك فيها، رافعاً شعار "الفعالية القصوى"، الأمر الذي –لسوء الحظ– كان يملي عليّ أن يكون "الاندفاع" هو أسلوب حياتي.
عندما كنت متزلجاً، كان السفر يعني أن أكون أكثر انضباطاً. أما بالنسبة لمسافري العمل، فيسهل عليهم الوقوع في فخ "الحالة الخاصة". كم مرة حدّث الواحد فينا ذاته: هل أقابل هؤلاء الزملاء؟ العشاء لذيذ. لا يجب أن أرفض، هذه الفرصة لن تتكرر وهي مرة واحدة فقط. وهذا مقبول إذا كان سفرك مرة أو مرتين في العام. لكن الكثير منا يمر بهذه المناسبات الخاصة عددأ لا بأس به خلال الشهر أو ما يزيد. وبذلك يغدو من السهولة "للحالة الخاصة" أن تتحول إلى نمط حياة اعتيادي غير مثالي. وبمعنى آخر، فأنا لا أحتاج إلى أسبوع لاستعادة حيويتي من سفر عمل قصير بسبب كبر سني، إنما طريقة سفري هي التي تجعلني أبدو كذلك.
وبمجرد إدراكي أن سر السفر مثل الرياضيين يكمُن في انضباط الرياضي، بدأت في تغيير سلوكي. فأنا الآن أمتنع عن بعض الطعام الشهي وأعطي نفسي فترة كافية للوصول باكراً إلى المطار أو الاجتماع. يصعب عليّ الوصول متأخراً إلى الفندق في المساء، منهكاً ومتوتراً، ولا أدير جهاز التلفاز، وأتناول قطعة الكوكيز الموضوعة في استقبالي.
لكن الرياضي يقاوم ذلك، وأنا الآن، في معظم الوقت، أفعل الأمر نفسه.