على الرغم من أهمية ومركزية الدين في حياة الكثير من الناس حول العالم، ليس هنالك سوى قدر ضئيل من الأبحاث حول تأثير الدين في الأمور الروتينية في حياتنا كالتسوق ضمن متاجر البقالة على سبيل المثال. ولكننا وجدنا مؤخراً بالاعتماد على البيانات الميدانية والمخبرية أنّ حجم الإنفاق في متاجر البقالة ينخفض مع ارتفاع سوية التدين. وبالنسبة للشركات التي تعمل في القطاعات ذات هوامش الأرباح المنخفضة جداً كمتاجر البقالة، فإنّ الاستجابة الصحيحة لهذه الحقيقة من شأنها أن ترفع من احتمالات النجاح وتعظيم الأرباح.
وفي سلسلة من خمس دراسات، قمنا بتفحص حجم الإنفاق على المشتريات في مئات متاجر البقالة حول الولايات المتحدة الأميركية، حيث ثلاثة أرباع السكان لهم انتماء ديني واضح. ولقد بدأنا بتحليل حجم حصة المتجر الواحد من المبيعات السنوية لكل مقاطعة في 1,600 مقاطعة أميركية عام 2012 نسبة إلى عدد المنتمين دينياً (من كل 1,000 نسمة) في كل مقاطعة. وبعد الإحاطة بالسمات المميزة لكل مقاطعة من حيث العمر الوسطي ومتوسط دخل الأسرة، وجدنا أنّ كل زيادة بمقدار 20% على المنتمين دينياً في المقاطعة، تنقص حصة المتجر الواحد من حجم المبيعات السنوية في المقاطعة وسطياً حوالي 125,000 دولار.
علاوة على ذلك، قمنا بتفحص بيانات الإنفاق الفردي على مشتريات البقالة التي جمعتها المؤسسة الدولية لإعلانات نقاط البيع (Point of Purchase Advertising International)، التي استبينت 2,400 متسوق في متاجر البقالة بين عامي 2011 و2012، وذلك في 35 متجراً في 10 ولايات أميركية. وقد أظهرت النتائج أنّ المتسوقين الذين يعيشون في المقاطعات الأميركية الأكثر تديناً ينفقون قدراً أقل من المال على مشتريات البقالة ويتخذون عدداً أقل أيضاً من قرارات الشراء غير المخطط لها مسبقاً مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المقاطعات الأميركية الأقل تديناً.
ولاختبار مدى صحة هذه النتائج في المختبر، أشركنا أكثر من 800 شخص في تجربة تسوق متخيلة لمشتريات البقالة. إذ عُرضت على المشاركين صور لمواد استهلاكية كفاكهة الغريب فروت (الكريفون) والحليب والبيض والمياه المعدنية ليشتروا منها ما يرغبون. وبعد انتهائهم من ذلك، عُرضت عليهم صورة لرزمة من ثلاث علب علكة في منفذ للبيع بالتجزئة. ولقياس مدى رغبة المشاركين في الإنفاق، سألناهم ما إذا كانوا يرغبون في شراء الرزمة بأسعار مختلفة تتراوح بين 25 سنتاً و4 دولارات بزيادة مقدار 25 سنتاً. وبعد إنجاز مهمة التسوق، قمنا بتحديد مستوى تدين كل مشارك، اعتماداً على مدى موافقتهم على مقولات محددة مثل "إنّ معتقداتي الدينية هي أساس نهجي في الحياة"، و"معتقداتي الدينية تؤثر على جميع سلوكياتي في الحياة". وقد أظهرت النتائج أنه مع كل تزايد بسيط في مستوى تدين الشخص المشارك ينخفض ميله إلى الإنفاق بمعدل 5%.
وفي تجربة مخبرية أخرى استخدمنا نفس مهمة التسوق السابقة لكي نفحص مدى تغيّر رغبة المشاركين في الإنفاق عندما نذكرهم بالله. في بداية الاستبيان أخبرنا المشاركين بأنّ عليهم تقييم أحد المتحدثين الذي سيظهر في مقطع فيديو قصير سنعرضه لهم. وقد شاهد نصف المشاركين رجلاً يلبس بدلة ورابطة عنق ويتحدث عن الوجود المطلق لله في كل مكان وزمان (من دون الإشارة إلى دين محدد)، أما النصف الآخر فقد شاهد فناناً يقدم بعض النصائح حول الرسم الزيتي. وبعد مشاهدة مقطع الفيديو انتقل المشاركون للقيام بمهمة التسوق. وفي هذه المرة، طلبنا منهم أن يتصوروا أنهم قد رأوا إصداراً خاصاً لمجلتهم المفضلة قبل الانتهاء من مهمة التسوق. لقد وجدنا أنّ أولئك الذين كانوا قد شاهدوا الرجل الذي يتحدث عن الوجود الكلي لله كانوا أقل استعداداً للإنفاق على شراء المجلة بحوالي 10% من أولئك الذين شاهدوا مقطع الفيديو الآخر.
لماذا يا ترى يؤثر التحدث إلى الناس حول وجود الله في إنفاقهم للمال؟ للإجابة عن هذا السؤال كررنا التجربة المخبرية السابقة، ووفرنا الفرصة في هذه المرة للطلبة الجامعيين المشاركين في التجربة لأن ينفقوا المال الحقيقي (المقدم من قبل الجهة المسؤولة عن التجربة) لشراء علبة من قطع الحلوى في نهاية مهمتهم التسوّقية. كما طلبنا من المشاركين أن يحددوا مدى موافقتهم على بعض المقولات حول الاقتصاد في الإنفاق (مثل: أؤمن بوجوب الحرص والانتباه طريقة إنفاقي لنقودي). ولقد أظهر الطلاب الذين شاهدوا مقطع الفيديو حول الوجود المطلق لله في كل مكان وزمان مستوى من الاقتصاد في الإنفاق يفوق أولئك الذين لم يشاهدوا نفس مقطع الفيديو. والمستوى الأعلى من الاقتصاد في الإنفاق يخفّض بدوره استعداد الطلاب لإنفاق المال على علبة قطع الحلوى.
ماذا يمكن أن تعني نتائجنا بالنسبة لتجار البيع بالتجزئة؟ من المثير للاهتمام أنّ بعض مراكز التسوق الكبرى التي تعاني من معدلات مرتفعة للوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة تعمد إلى تأجير بعض أماكنها الشاغرة إلى دور العبادة. ومع أنّ مثل هذه البيئات مختلطة الاستخدام قد تكون مريحة لبعض المتسوقين، إلا أنّ زيادة حركة المتسوقين في هذه البيئة قد لا تؤتي ثمارها بالنسبة للمتاجر المحيطة بالأماكن المستأجرة من قبل دور العبادة على النحو المتوقع.
ولتأثير التدين في إنفاق المستهلكين تبعاته أيضاً على الاستراتيجيات الترويجية للمتاجر. فبما أنّ تذكير المتسوقين بوجود الله يزيد من ميل المتسوقين إلى الاقتصاد في الإنفاق، فإنهم قد يكونون أكثر تأثراً بتخفيضات الأسعار والعروض الخاصة (مثل: اشتر واحدة، واحصل على الثانية مجاناً) في أيام عطلات الاحتفالات والمناسبات الدينية. فالحصول على صفقة شراء جيدة، وبخاصة فيما يتعلق بعملية شراء غير مخطط لها مسبقاً، من المرجح أن يخفف ميل المتسوقين المتدينين إلى الاقتصاد الزائد في الإنفاق.
وبوسع تجار التجزئة أيضاً أن يهدّئوا من بواعث القلق لدى المتسوقين المتدينين حول الاقتصاد في الإنفاق من خلال تقديم العروض التي تبدي احتراماً لقيمهم، كالتعهد بالتبرع بنسبة من الأرباح الناجمة عن منتج محدد إلى مؤسسة خيرية محلية. ومن المرجح أن يكون هذا الإجراء أكثر فعالية بالنسبة لفئات المنتجات المبهجة كالحلويات والمعجنات منه بالنسبة لمواد التنظيف على سبيل المثال، لأنّ المتسوقين يميلون إلى اعتبار الإنفاق على الاحتياجات غير الضرورية أمراً استثنائياً.
ملاحظة أخيرة: بينما ركزنا اهتمامنا على المؤمنين بوجود الله أثناء التحقق من فرضيتنا، هنالك بالطبع أشكال أخرى من التدين قائمة على الروحانيات، كالديانات غير التوحيدية وتلك القائمة على التأمل الذهني. ولا شك في أنّ هذه الممارسات تؤثر أيضاً في سلوك الإنفاق لدى أصحابها، ولعل مخاطبة هؤلاء المتسوقين سيحتاج إلى استراتيجيات تسويقية خاصة ومبتكرة.