إذا كنتَ تحتاج لاستئصال الزائدة الدودية، فاتصل بجراح، لكن، لو أنك تبحث عن رئيس تنفيذي لشركة للأدوات الجراحية، فقد لا يكون الأستاذ في الطب خيارك الأفضل.
لا شك أن رواد الأعمال في الصناعات الفنية عالية التخصص يحتاجون إلى المعرفة التي يستطيع الممارسون وحدهم (وأعني الأطباء والمحامين والمهندسين ومَن هم على شاكلتهم) تقديمها لهم. ويُدرك الأطباء ما يُقيم له غيرهم من الأطباء وزناً في أي منتج جديد، والمحامون على دراية بما يحتاج إليه غيرهم من المحامين. ولكنك تستطيع الحصول على قدر مبالغ فيه من شيء رائع، بما في ذلك ملاحظات مثل هؤلاء الخبراء. وحقيقة الأمر أنني وزملائي اكتشفنا أن الابتكار يزدهر عندما يشكل الممارسون الخبراء نحو 40% بحد أقصى من فريق الاختراعات. ولو نقصتْ نسبتهم عن ذلك، فسوف تغفل الشركة عن احتياجات الزبائن. ولو زادت، فسيميل الفريق إلى التلاقي على أفكار قديمة.
في فترة سابقة من العام الحالي، استكملتُ أنا وسروثي ثاتشينكيري ومايكل كريستنسن وستيفانوس زينيوس دراسة لـ 231 شركة متخصصة في الأدوات الجراحية على مدار 25 عاماً. واكتشفنا أن إلحاق عدد مبالغ فيه من الأطباء بالفريق - وفي الأدوار الخاطئة - كان عبئاً على الشركات الناشئة التي تحاول أن تبتكر، وبوجه خاص، اكتشفنا أن الشركات التي يشغل طبيب فيها منصب الرئيس التنفيذي كانت أقل ابتكاراً (وفقاً لمعدل قبول هيئة الغذاء والدواء الأميركية لمنتجاتها). كما قدمتْ دراستنا أيضاً العديد من الرؤى الثاقبة العملية لرواد الأعمال الذين يعقدون الآمال على تفادي هذه العقبات التي سنتناولها بالنقاش أدناه.
لماذا تميل الشركات التي يقودها أطباء إلى التخلف عن ركب الابتكار؟ نعتقد أن ذلك يرجع نوعاً ما إلى أن المستخدمين الخبراء أمضوا وقتاً طويلاً في التعود على الأدوات والمناهج الحالية، ونتيجة لذلك، فقد استثمروا في الوضع الراهن لمجال عملهم، وربما يجدون صعوبة في أن يلمسوا أي قيمة في أي فكرة مبتكرة. واكتشفنا أنه رغم تفوق الممارسين الخبراء في تعديل المنتجات الحالية، فقد عجزوا دوماً عن التعرف على الابتكار الثوري المحتمل متى تعرضوا له. وبحسب ما جاء في اعتراف طبيب يشغل منصب الرئيس التنفيذي، أجرينا معه مقابلة شخصية لأغراض دراستنا "لو عرضتَ عليّ نموذجاً، فمن الممكن أن أبادرك قائلاً: حسناً، يمكنك أن تأتي بأفضل من ذلك... إنني أعلم تمام العلم كيف أمد يد المساعدة لشركة ما لتحسين منتجها... لكنني لا أعرف كيف اخترع شيئاً لم يُخترع من قبل".
وربما يفتقر الأطباء، الخبراء بالطب، أيضاً للمهارات الإدارية والحنكة التجارية الضرورية لقيادة شركة جديدة. وعندما تحدثنا مع المستثمرين والمؤسسين المشاركين من غير الأطباء، سمعنا أن الأطباء شعروا بخيبة الأمل متى لم تجد منتجات شركاتهم زبائن على الفور. قال مسؤول تنفيذي غير طبيب تعليقاً على ذلك "تُمثل أمور مثل هذه دوماً مفاجأة بالنسبة لهم". لقد اكتشفنا أن الأطباء أحياناً ما ينسون أن صناعة منتج عظيم لا تكفي، فعليك أن تكون على دراية أيضاً بكيفية الترويج له وبيعه.
إلا أن الأنباء ليست كلها غير سارة للأطباء، فقد أثبتت دراستنا أن الأطباء، إلى الآن، يمكنهم فعلاً مساعدة الشركات على الابتكار عندما يؤدون دور المخترع، أو يعملون أعضاءً في مجلس الإدارة، حسب ما جاء على لسان أحدهم، ففي هذه الأدوار، يقدم الأطباء ملاحظات فنية وتوجيهات استراتيجية مُستمَدة من جوانب خبراتهم كافة: معرفتهم الطبية، وخبرتهم السريرية، وفهمهم البديهي لغيرهم من الأطباء. ومن الممكن أن تكسر حكمتهم التي اكتسبوها بشق الأنفس حدة توقعات أعضاء مجلس الإدارة الواثقين في أنفسهم ثقة مبالغ فيها، أو رواد الأعمال الذين ينصب تركيزهم على التقنية.
لكننا اكتشفنا أن الشركات واجهت عقبات متى كان لديها عدد مبالغ فيه من المخترعين الأطباء، أو عدد مبالغ فيه من الأطباء ضمن مجالس إدارتها. إن المخترعين يحتاجون إلى الاستفادة من مجموعة من الأفكار المختلفة ليتسنى لهم الابتكار. وفكرة أن يُحاطوا بعدد مبالغ فيه من الخبراء الأنداد يمكن أن تُفضي إلى تفكير جماعي وانتكاس إلى أساليب مألوفة. ومجلس الإدارة الحافل بالأطباء يمكن أن يتحول إلى شجار حول الشخص الذي يستحق لقب المرجع الطبي "المطلق".
إلى أين يؤدي هذا الوضع إذاً برواد الأعمال الذين يعملون في مجالات مثل القانون والطب والهندسة؟ هل جميع المشروعات التي يقودها ممارسون خبراء مصيرها الهلاك؟ على الإطلاق. نعتقد أن القادة بوسعهم تفادي عثرات الخبرة بأن يضعوا القليل من الأمور في الحسبان:
البحث عن المكان المناسب للشخص المناسب. أن يخدم الخبراء شركاتهم على النحو الأمثل عبر قيامهم بأدوار تمنحهم فرصاً منتظمة للاستفادة من معرفتهم المتخصصة. فهذا من شأنه أن يساعدهم في "الحفاظ على لياقتهم الذهنية"، واستبقاء المهارات التي ميزتهم عن غيرهم من أعضاء الفريق. لقد اكتشفنا أن الممارسين الخبراء تتجلى فائدتهم أكثر ما تكون عندما يشغلون مناصب يستطيعون فيها توسعة نطاق تنوع أفكارهم قيد بحث الشركة، وعموماً أدوار حوكمية وفنية. إن ثروة الخبراء من الخبرة، بصفتهم أعضاء مجلس إدارة ومخترعين، تتجلى بسبل تساعدهم على طرح أفكار ورؤى ثاقبة ليست لدى الآخرين، ويقل نجاحهم إلى أقصى حد ممكن في مناصب مثل الرئاسة التنفيذية، والتي تتطلب منهم غربلة الخيارات، والاستقرار على أي الدروب التي ينبغي اتخاذها. وهم يعانون عندما يواجهون أفكاراً متطرفة تبعد عن تدريبهم وخبرتهم. وبالتالي، عندما تنظر إلى المواقع التي ينتمي إليها الممارسون الخبراء في شركتك، اسأل نفسك: أهذا دور يركز بشكل أكثر على استخلاص مجموعة متنوعة من الأفكار؟ أم هو دور ينصب تركيزه على الاختيار من بين مجموعة من الأفكار؟
تعرّف على تأثير دورك عليك. على الرؤساء التنفيذيين اتخاذ قرارات استراتيجية حيال منتجات مستقبلية، وغالباً ما تكون سريعة وفي ظل موارد محدودة. وتحت وطأة الضغوط الزمنية، من الأرجح أن يتأثر الرؤساء التنفيذيون الخبراء بتجاربهم السابقة. أما المنتجات الواعدة، والمبتكرة، فإنها تتطلب وقتاً أطول لتقييمها، وهو الوقت الذي لا يتاح عادةً للرؤساء التنفيذيين. ونتيجة لذلك، فقد يتم تجاهل أفكار سديدة على نحو يعوزه الإنصاف. ومن الممكن تفادي هذه الحلقة إذا أدرك الخبراء متطلبات وظيفتهم عن وعي منهم. وفي ظل قدر أكبر من الوعي، يستطيع القادة أن يكرسوا وقتاً أطول للأفكار المبتكرة قبل أن يطرحوا تلك المقترحات جانباً.
كن منفتحاً عندما يتعلق الأمر بما لا تعرفه. الشركة الناجحة تحتاج إلى خبراء في العديد من المجالات، وبصفتك قائداً، ابحث عن التنوع في فريقك، اغرس ثقافة تشعر فيها أنت والآخرون بحرية الإقرار، لا بما تعرفون فقط، بل وبما لا تعرفون أيضاً. لا غنى عن المطلعين ببواطن الأمور في أي صناعة، ولكن أيضاً الدخلاء الذين يستطيعون رؤية تحديات الصناعة والفرص المتاحة لهم بمنظور جديد لا يُقدَّرون بثمن. حاول ألا تُكوّن فِرق عمل بالكامل من أطباء أو مهندسين أو أشخاص حاصلين على ماجستير إدارة أعمال، ابحث فكرة التعاون مع رئيس تنفيذي شريك يمكن أن يجلب في جعبته منظوراً مختلفاً.
يستطيع رواد الأعمال، إذ يضعون هذه التوجيهات نصب أعينهم، أن يستفيدوا من معرفة الخبراء بأوجه تعين شركاتهم، ولا تضر بها، وقد يسوقونك إلى طفرات تقنية بالغة الأهمية.