ملخص: من الشائع عندما تجري محادثة صعبة أن تركز على نفسك فقط؛ أي على أفكارك ووجهة نظرك ومشاعرك. لكن قد يُسفر نهج "التركيز على الذات" عن نتائج عكسية. ولتحقق هدفك، يجب ألا تفكّر في نفسك فقط، بل أن تضع في اعتبارك مشاعر الشخص الآخر وآراءه في أثناء صياغة رسالتك أيضاً. تجنب هذه الكلمات والعبارات الإشكالية تحقيقاً لتلك الغاية: لا تفترض أن وجهة نظرك واضحة، ولا تبالغ، ولا تتحدَّ شخصية شخص ما أو أخلاقه، ولا تلم الآخرين على مشاعرك، ولا تُمل على الآخرين ما يجب عليهم فعله، ولا تقل: "الأمر ليس شخصياً".
يوجد العديد من الأسباب التي تجعل المحادثات الصعبة صعبة بالفعل، وقد يسهل عليك التفوه بأمور خاطئة عندما تكون قلقاً أو متوتراً. ولا يهم مدى استعدادك قبل المحادثة، بل ستذهب أفضل خططك أدراج الرياح إذا أسأت إلى الشخص الآخر أو أغضبته.
ووجدت على مدى 20 عاماً من التدريس وإجراء البحوث التي وثقتها في كتابي الجديد الذي يحمل عنوان "اختيار الشجاعة" (Choosing Courage)، أن الناس غالباً ما يغفلون عن نقطة مهمة، وهي ضرورة أن يصوغوا رسائلهم على نحو يراعي مشاعر الأشخاص الآخرين وآراءهم عند خوضهم محادثات صعبة.
وأورد فيما يلي بعض الأخطاء الأكثر شيوعاً التي لاحظتها، ألا وهي الكلمات والعبارات الإشكالية التي قد تتسلل إلى مفرداتنا، والتفسيرات وراء المتاعب التي تسببها.
لا تفترض أن وجهة نظرك واضحة
قد تميل أحياناً إلى استخدام كلمات مثل "بوضوح" أو "واضح" أو "لا شك في أن" إذا كنت تشعر أنك على حق بنسبة 100%. وفي حال استخدمتها بالفعل، فقد تقع بذلك فريسة الواقعية الساذجة؛ أي: الاعتقاد بأنك مطّلع على بعض الحقائق الموضوعية التي تفترض أن الآخرين سيعرفونها ويتفقون معها تماماً.
ونادراً ما نواجه مثل تلك الحالات التي نفترض أن الإجابات فيها إما صحيحة أو خاطئة، والتي قد تكون نظرة الآخرين فيها مختلفة عن نظرتنا أو يحتاجون إلى مزيد من الإقناع لتأييد وجهة نظرنا. وليس من المستغرب أن يشعر الآخرون بالانزعاج أو الإهانة عندما تشير كلماتك (دون قصد) إلى أن وجهات النظر الأخرى سخيفة أو غير منطقية. وبالتالي، إذا قدمت قضيتك بشكل مقنع تماماً، فلا داعي أن تجعل المحادثة تحيد عن مسارها بأن تُبدي آراءك حول مدى وضوح قضية ما أو عدم احتمالها للشك.
لا تبالغ
عندما تتحدث مع شخص أزعجك في مناسبات متعددة، فقد تجد نفسك تلجأ إلى استخدام بعض الكلمات والعبارات الإشكالية مثل: "أنت دائماً ..." أو "أنت لا..." دون قصد.
لكن المبالغة ستقوض مصداقيتك العامة وتقود إلى نقاش حول مدى تكرار المشكلة بدلاً من جوهرها. ومن المرجح أن يرد الطرف الآخر بعبارة "هذا ليس صحيحاً" قبل شروعه في إخبارك بالتاريخ المحدد أو المناسبة التي تتعارض مع ادعاءاتك.
وإذا كنت تنوي جعل شخص ما يبدأ أو يتوقف عن فعل شيء ما، فاحرص على التركيز على ذلك.
لا تُمل على الآخرين ما يجب عليهم فعله
إن إخبار شخص ما بما يجب عليه فعله يتضمن حكماً تقديرياً ضمنياً. فعبارة "يجب أن تفعل كذا" تعني أن تلك هي الطريقة التي يجب أن تتبعها.
إذا كنت قائداً مسؤولاً عن قيم المجموعة وثقافتها، فمن الضروري أن تكون واضحاً جداً بشأن ما يجب القيام به أو كيفية تعامل الموظفين مع بعضهم البعض أحياناً. لكن في أحيان أخرى، لن تجعلهم عبارة "يجب عليك" على استعداد للامتثال، لا سيما عندما لا تكون مديراً للشخص الذي تتحدث إليه.
بشكل عام، يفضل الموظفون أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم، وقد يشعرون أنك تحكم عليهم باستخدام بعض الكلمات أو العبارات الإشكالية مثل: "يجب عليكم"، كما لو أنهم لن يتوصلوا إلى الاستنتاج الصحيح دون مساهمتك.
في المقابل، قد تزيد عبارات مثل "يمكنكم" أو "إحدى الطرق المحتملة" أو "هل فكرتم في؟" من احتمالات خوض محادثة جدية ومن التأثير الذي تسعى إلى إحداثه.
لا تلم الآخرين على مشاعرك
من الطبيعي أن تُبدي رد فعل عاطفي إذا كنت منزعجاً بشأن شيء قاله شخص ما أو فعله، فأنت إنسان في النهاية. لكن ذكر سبب تلك المشاعر غير مفيد وقد يؤدي إلى نتائج عكسية.
على سبيل المثال، تخيل أن يقاطعك زميل ما عندما تبدأ الكلام وتواجه ردود فعل جسدية على الفور، كاحمرار وجهك وارتفاعات معدل ضربات قلبك. قد تشعر بالحاجة إلى القول: "أشعر بالغضب عندما تقاطعني"، لكن إن قلت ذلك بالفعل فقد ينتهي حديثك في جدال.
لماذا؟ لأن الموظفين يكرهون أن يتعرضوا للوم، خاصة عن الكلمات أو الأفعال التي أضرت بالآخرين، وقد يحثهم ذلك على الدفاع عن أنفسهم وعن كلماتهم ونواياهم أو شخصياتهم بشكل عام بدلاً من الاعتذار أو الموافقة على تغيير سلوكياتهم.
يمكنك أن تقول: "من فضلك، أشعر بالإهانة (أو بالأذى أو الغضب) عندما تقاطعني بهذه السرعة. هل يمكنك التوقف عن ذلك رجاءً؟" أو يمكنك أن تقول: "لا تقاطعني حتى أنهي حديثي من فضلك؟" أو يمكنك عدم قول أي شيء عن مشاعرك على الإطلاق والالتزام بالموضوع المطروح.
لا تتحدَّ شخصية أحد ما أو أخلاقه
قد تشعر أن ما فعله شخص ما "غير مهني" أو "خاطئ" أو "غير أخلاقي". لكن استخدامك كلمات مثل تلك قد يحفز الطرف المستهدف على أن يصبح شخصاً دفاعياً. في الواقع، يتملّك البشر رغبة قوية لاعتبار أنفسهم أشخاصاً محترمين ويتمتعون بأخلاق عالية. وإذا وصفت سلوكهم الإشكالي بطرق تهدد إحساسهم بذواتهم، فمن المرجح أن يتحول الشخص من مناقشة القضية المطروحة إلى الدفاع عن نفسه.
بل حاول أن تبدأ بعبارات تتساءل فيها عن سلوكياتهم أو تعبر عن رأيك حيال أمر غير مرغوب فيه أو دون المستوى الأمثل. اقترح عليهم أن عدم الالتزام بالمواعيد النهائية "يقوّض القدرة على أداء المهمة" بدلاً من وصف ذلك السلوك بعبارة "غير المهني"، أو أن التلاعب بالأرقام لجعل أداء وحدتك يبدو أفضل "لا يتوافق مع القيم الأساسية" أو أنه "قد يقوض الثقة والتركيز على التعلم" بدلاً من وصفه بالسلوك "الخاطئ" أو "غير الأخلاقي".
لا تقل: "الأمر ليس شخصياً"
بحسب خبرتي، يقول الناس: "الأمر ليس شخصياً" أو "لا تأخذ الأمر على محمل شخصي" عندما يعلمون (لا شعورياً) أن الأمر شخصي تماماً بالنسبة للشخص الآخر.
وهناك مثال رائع على ذلك في فيلم "لديك بريد" (You got Mail)، وذلك عندما يخبر المسؤول التنفيذي لمكتبة كبيرة (توم هانكس) مالكة المكتبة الصغيرة المستقلة (ميغ رايان) أن عزمه إغلاق مكتبتها التي توارثت إدارتها الأجيال من خلال فتح متجر ضخم في مكان قريب ليس بدافع شخصي. لكنه أمر شخصي للغاية بالنسبة لها، ومن الطبيعي أن يؤدي سماع هذه العبارة إلى جعل شخصية ميغ رايان أكثر غضباَ.
وبالتالي، عندما تُخبر شخصاً تعرض للأذى أو الغضب أو تأثر بشكل واضح بأي شيء قلته أو فعلته بأن الأمر ليس شخصي فإنك تزيد الطين بلة فقط. إذا كنت تهتم حقاً، فلماذا لا تقر وتعرف أنه أمر شخصي بالنسبة لهم، حتى لو لم يكن شخصياً بالنسبة لك؟ وإذا كنت لا تستطيع فعل ذلك، فلا تُدل بافتراضاتك عما إذا كانت المشكلة "شخصية" أم لا.
اسمحوا لي أن أنهي كلامي بالتعليق على عبارة أخرى: "لا تهتم بصغائر الأمور". لسوء الحظ، هذه ليست نصيحة جيدة في عالم المحادثات الصعبة. بل قد يسير نقاشك حول قضية ما على أكمل وجه أحياناً (حججك الأساسية المقنعة، وبياناتك وحلولك، والموقع والتوقيت) لكنك تحيد عن تحقيق أهدافك بسبب أخطاء التواصل الصغيرة الموضحة أعلاه.
والخبر السار هو أن اهتمامك بصغائر الأمور هو أمر سهل، ويتطلب منك التزاماً تاماً لملاحظتها وتقليل استخدام تلك الكلمات والعبارات الإشكالية.