هل يجب على الإداريين أداء القَسم المهني؟

3 دقائق
القَسم الإداري
shutterstock.com/Bacho

وضع الطبيب الشهير أبقراط قَسماً خاصاً بمزاولة مهنة الطب عام 400 قبل الميلاد، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا يؤدى هذا القَسم -بعد تعديله- من قبل الأطباء حديثي التخرج عند البدء بممارسة مهنتهم.

لقد شاعت مراسم أداء القَسم أو حلف اليمين في كثير من المهن، فنرى القضاة والمهندسين والصحفيين والعسكريين يفعلون ذلك معتمدين على نسخ خاصة بهم وفي مناسبات متعددة بعضها ضمن المؤسسات التي يباشرون العمل فيها، وبعضها الآخر من قبل الاتحادات والنقابات المهنية التي تجمعهم. لكن ماذا عن القَسم الإداري في عالم المال وريادة الأعمال؟ هل هناك قسم مهني في هذا المجال؟

القَسم المهني

عادة ما يؤدى القَسم المهني في مراسم احتفالية علنية، وهو يهدف إلى إظهار التزام الممارس تجاه المستفيد بالمعايير المهنية والأخلاقية في أثناء ممارسته مهنته، ويُلزم هذا القَسم من يؤديه التزاماً أخلاقياً بالدرجة الأولى، والتزماً قانونياً يمكن أن يُسأل عنه إذا ما خالفه في بعض الأحيان.

عندما تم وضع قَسم مزاولة المهنة منذ آلاف السنين، لم يكن هناك قوانين واضحة تحكم تلك الممارسة كما هو الحال اليوم، لذلك نرى غالبية المؤسسات قد استعاضت عن أداء القَسم بأدوات وممارسات تهدف إلى الالتزام الأخلاقي المهني، مثل مواثيق الشرف، ومدونات السلوك، ومبادرات المسؤولية المجتمعية وغيرها.

يبدو أن الأدوات البديلة للقَسم المهني لم تؤت ثمارها المتوقعة في مجالات الإدارة، ويمكن أن نجمع العديد من الأدلة على ذلك؛ فمن الأزمات المالية والاقتصادية المتكررة، إلى الفضائح المالية والتجاوزات المهنية للشركات العالمية، إلى توغل ممارسات الاحتكار وتكدس رؤوس أموال هائلة، كل ذلك يدلنا على ثغرات في البناء الأخلاقي لبعض ممارسي مهن الاقتصاد والأعمال.

أدى هذا الواقع إلى ردود فعل تمثلت بالعودة إلى حلف اليمين في حقول الإدارة، حيث وضعت كلية "كولومبيا للأعمال" ميثاقاً خاصاً بها، وكتب الأستاذان في كلية إدارة الأعمال في جامعة "هارفارد" راكيش كورانا ونيتين نوريا مقالاً في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" يدعوان فيه إلى جعل الإدارة مهنة، ووضع ميثاق ومدونات سلوك وقَسم لهذه المهنة، بهدف إيجاد عقد اجتماعي ضمني بين ممارسي الإدارة يحث على الالتزام المتبادل بين الأعضاء وكذلك تجاه الأخلاقيات المهنية، ويشكل رأس مال اجتماعي مهني يبني الثقة ويوثق الأواصر بين الممارسين من جهة وبين أدبيات الإدارة والمجتمع من جهة أخرى.

واستجابةً لهذا التوجه، أقسم مجموعة من خريجي "كلية هارفارد للأعمال" عام 2009 قسماً حول السلوك الأخلاقي والمهني عرف فيما بعد بـ "قَسم ماجستير إدارة الأعمال" وقد أقسمه حتى الآن أكثر من 10 آلاف طالب يمثلون 100 مدرسة للإدارة حول العالم، ويهدف إلى:

  • إلهام ودعم برامج ماجستير إدارة الأعمال الذين يسعون إلى خلق قيمة حقيقية وذلك بشكل مسؤول وأخلاقي.
  • تحدي جامعات وكليات الإدارة في العالم للعمل وفق معايير مهنية أعلى.
  • إثارة نقاش علني حول ممارسات الإدارة وإضفاء مزيد من الاحترافية عليها.

علاوة على ذلك، لجأت دول مثل هولندا إلى وضع قوانين تجبر العاملين في بعض المهن الإدارية كموظفي البنوك على أداء قسم مهني يتضمن الالتزام بمبادئ النزاهة والسرية، ومنح الأولوية لمصالح المتعاملين في أثناء اتخاذ قراراتهم اليومية. أدى هذ القسم في هولندا أكثر من 87 ألف موظف، وذلك خلال فعاليات خاصة يتم تنظيمها من قبل البنوك لهذا الغرض، وتتضمن بالإضافة إلى القسم الشفهي التوقيع على وثيقة القسم.

يرفع غالبيتنا أيديهم مؤيدين أن الإدارة اليوم أضحت مهمة أكثر من أي وقت مضى، فمع تنوّع نماذج الأعمال وزعزعة قواعد الصناعة والتجارة التي ظلّت راسخة لقرون، برزت حاجة ماسة إلى احتواء ما تفيض به التقنية علينا كل يوم، وإلى حسن إدارته والتعامل معه. وأكاد أجزم أن هؤلاء الذين رفعوا أيديهم سيبقونها مرفوعة للتأكيد على وجوب التشدد في الالتزام بالضوابط الأخلاقية والمهنية، فاليوم أصبح من السهل خرق تلك الضوابط ومن الصعب وضع حدود واضحة تفصل بينها وبين غيرها.

أركان القَسم الإداري

لعلنا نحتاج اليوم إلى قَسم إداري يقسمه العاملون في مجالات الإدارة، من شأن هذا القسم بالإضافة إلى تعزيز الالتزام الأخلاقي، أن يعزز الشعور المهني لدى الإداريين. وإن كان لا بد لهذا القَسم من أركان، فنقترح التالي:

العلنية: نتصور هذا القَسم يتم علناً بحضور القيادة العليا في المؤسسات، وأيضاً ممثلين عن أصحاب العلاقة كالمتعاملين والشركاء والمجتمع، بعض المؤسسات يمكنها استغلال ممارسات قائمة لأداء هذا القسم كبداية أو نهاية البرامج المخصصة للموظفين الجدد، التي تهدف إلى تعريف القادمين بالجهة التي يعملون فيها، وتقريبهم من الثقافة السائدة فيها.

الالتزام: يجب أن يتضمن القَسم التزاماً يلقيه على نفسه ممارس المهنية الإدارية، ويفضّل أن يكون الالتزام عاماً مع التأكيد على القيم المطلوبة كالنزاهة والأمانة وحسن النية.

السمو: هو ربط القسم الإداري بأمر يتصف بالسمو والرفعة أو التقديس، فيمكن أن يكون القسم بكتاب مقدس، بالشرف، بالدستور، بالكرامة، أو غير ذلك.

الوظيفة: على من يؤدي القَسم أن يذكر الوظيفة التي يعمل بها وأيضاً أن يبيّن دورها المجتمعي والإنساني.

المستفيدون: يجب أن يحدد القَسم المستفيدين بشكل واضح وصريح بحسب المهنة والموقع الذي يعمل فيه الإداري، وتقتضي الضرورة أن يكون المتعاملون والمجتمع في صلب هذا القَسم.

الامتثال: ويكون بالنص صراحة على تطبيق الالتزام الذي قطعه صاحب القَسم على نفسه، وبيان العواقب العامة للإخلال به واستعداده لتحمل تلك العواقب. لا يجب أن يحتوي القَسم على تفاصيل عقوبات أو إجراءات عدم الامتثال، وإنما يجب أن تكون في لوائح ومواثيق منفصلة تضعها المؤسسة في أنظمتها الداخلية.

لن يكون أداء القَسم الإداري حلاً سحرياً لجميع مشاكل الإدارة، كما أنه لن يوقف جميع التجاوزات الأخلاقية التي يرتكبها بعض الإداريين، ولكنه بالإضافة إلى أدوات الامتثال والممارسات الحالية، يمكن أن ينقل الإدارة إلى مكان أكثر شفافية وعدالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي