القيادة الواعية: فن الحضور بدلاً من الحلول

7 دقيقة
نيكادا/غيتي إميدجيز

عندما دخلت ميس إلى مكتبي وقالت إنها تشعر بالإرهاق، قلت لنفسي: "حسناً، إنها بحاجة إلى مساعدتي للتوصل إلى الحلول". استمعت إليها وطرحت بعض الأسئلة التوضيحية، ثم فعلت ما تدربت على فعله، وهو حل المشكلة. أمسكت قلماً وقسمت المشكلة إلى أجزاء، ثم عرضت عليها حلولاً محتملة، مثل تفويض قدر أكبر من مهامها وتخصيص فترات في جدول المواعيد لمهام محددة وترتيب أولوياتها. لاحظت أنها كانت تعاني، وأردت أن أكون مفيداً.

مع ذلك، لاحظت أن نظرتها اختلفت عندما كنت أتحدث، وكأنها كانت تنفصل عاطفياً بدلاً من أن تشعر بالقرب. اعتقدت أنني كنت أساعدها، لكن العبء الذي كانت تعانيه ازداد بعد محادثتنا بدلاً من أن يزول. لم أدرك إلا لاحقاً أن ما كانت ميس بحاجة إليه هو وجودي معها وليس الحصول على حلول لمشكلاتها. كانت بحاجة إلى أن أقدر مشاعرها لا أن أحل مشكلاتها.

هذه قصة قائد دربناه، وهو شخص يحاول بجد دعم عضو في فريقه يشعر بالإرهاق، ولكنه اكتشف أن ما كان عليه فعله هو ممارسة الحضور الواعي، وليس عرض خبراته أو الاستفادة من كفاءته. بصفتنا مدربتين قياديتين وعالمتي نفس، اكتشفنا أن الحضور الواعي قد يمثل وسيلة عالية الفعالية يستطيع القادة تطبيقها لدعم موظفيهم. مع ذلك، لا يعلم إلا القليل من القادة معنى الحضور الواعي والحالات التي يكون فيها مفيداً وما يجعله مفيداً وآلية استخدامه السليمة.

ما هو الحضور الواعي؟

على عكس السلوكيات القيادية التقليدية المتمثلة في تقديم النصح والتوصل إلى الحلول والتقليل من شأن المشاعر، يعني الحضور الواعي الوجود في المكان نفسه مع الآخرين دون محاولة تصحيح سلوكهم أو حل مشكلاتهم. الحضور الواعي هو فن قضاء الوقت مع الآخرين بوعي تام ودون أحكام مسبقة عليهم، وهو يحدث عندما ينتبه القائد إلى معاناة الآخرين حقاً وينصت لهم ويقدر مشاعرهم صراحة ويتفهمهم ويشعرهم بالأمان. القادة الذين يمارسون الحضور الواعي لا يحاولون تغيير مشاعر الموظفين، بل يعترفون بها فقط.

يعني الحضور الواعي أن يستفيد القائد من حضوره بالكامل؛ أي أن يحرص على التزام الهدوء والتواصل البصري وأن ينتبه إلى لغة جسده، لإظهار دعمه للموظفين. تبين الأبحاث أن هذا النوع من الدعم الاجتماعي يحدث تغييراً كبيراً في تصور الناس للمواقف المجهدة. في الواقع، تعزز ممارسة الحضور الواعي قبل اتخاذ إجراءات أخرى فعالية الحلول المستقبلية. إذا شعر الموظف بأن الآخرين يلاحظون وجوده، فسيتمكن من تجاوز استجابة الدفاع عن النفس والدخول في حالة من التواصل العميق والوضوح والالتزام.

الحضور الواعي ليس مهارة شخصية خاملة يمكن الاستغناء عنها، بل مهارة قيادية فعالة وسريعة التأثير ملائمة لفترات الضغط التي يعاني الموظفون فيها عبء العمل الزائد.

ما هي أهمية الحضور الواعي الآن؟

يعاني الموظفون الإجهاد. وفقاً لمؤشرات شركة غالوب حول رفاهة القوى العاملة من فبراير/شباط 2025، أفاد 52% من الموظفين في الولايات المتحدة بمعاناتهم درجة عالية من الإجهاد، بينما أفاد 44% بشعورهم بقلق شديد، و24% بشعورهم بحزن عميق، و22% بشعورهم بغضب شديد.

أنت لست معالجاً نفسياً بالطبع، ولكن بصفتك قائداً، يجب ألا تتجاهل مشاعر موظفيك. تؤثر المشاعر السلبية تأثيراً كبيراً في الإنتاجية والأداء، لذا تحمل استجابتك لمشاعر الإحباط أو القلق أو الإرهاق لدى الموظفين أهمية أكبر مما تعتقد. عندما يلاحظ الموظفون أن قادتهم يهتمون برفاهتهم العاطفية، يزداد اندماجهم وسعادتهم في العمل. في الواقع، تزداد احتمالات تأييد هؤلاء الموظفين لمؤسساتهم وتقديمهم أداء عالياً وبقائهم في الشركة وبذلهم الجهود طوعاً واتباعهم سلوكيات تنم عن شعورهم بالانتماء للمؤسسة.

وفقاً لتجاربنا، يلاحظ القادة نتائج مفاجئة عندما يمارسون الحضور الواعي؛ إذ يبلغون أن الروابط مع الموظفين أصبحت أوثق وأن استجاباتهم لم تعد مشحونة بالعواطف بالقدر نفسه. عند ممارسة الحضور الواعي، يتوقف الموظفون عن صد الآخرين ويبدؤون بالتعاون معهم، بينما تتحول العزلة التي يشعرون بها إلى شعور بالانتماء. المذهل في هذه الممارسة هو أنها لا تتطلب من القائد سوى الحد الأدنى من الجهد ولكن أثرها في الموظفين حقيقي وطويل الأمد.

واجهت قائدة تنفيذية عملنا معها موقفاً صعباً خلال عملية اندماج؛ إذ عبر موظف بدا قلقه واضحاً عن خوفه من فقدان وظيفته. لم تستطع القائدة تقديم الضمانات له، ولكنها مارست الحضور الواعي بدلاً من طمأنته أو المسارعة بتحديد ما عليه فعله. اعترفت القائدة بمشاعر الموظف واستمعت إليه دون مقاطعة ولم تحاول كسر لحظات الصمت، كما أنها حافظت على هدوئها وانتباهها الكامل. لم تزل تلك اللحظة التي سادها التقدير الهادئ عدم اليقين الذي كان يشعر به الموظف، لكنها غيرت شعوره وهو في هذه الحالة. قال الموظف لاحقاً إنه شعر بأنه مدعوم أكثر وبأنه ليس وحيداً، ما حافظ على اندماجه وتركيزه في الأسابيع التالية.

لماذا يواجه القادة صعوبة في ممارسة الحضور الواعي؟

لماذا لا يمارس عدد أكبر من القادة الحضور الواعي على الرغم من أنه بسيط وعواقبه السلبية معدومة؟ هناك عدة عوامل تحول دون ذلك، وهي:

  1. عدم وجود نموذج سلوكي. لم يتعلم القادة الإنصات العميق وغير النقدي من مدرائهم وقادتهم من قبل، ما يمنعهم من ممارسة هذه السلوكيات مع الآخرين على نحو طبيعي. بالإضافة إلى ذلك، لا يتعلم طلاب المدارس الإصغاء إلا نادراً، وكذلك الحضور العاطفي.
  2. غريزة حل المشكلات. يتدرب القادة على حل المشكلات، وليس على المماطلة في حلها. مع ذلك، يحتاج الموظفون إلى الدعم قبل الحلول غالباً.
  3. ضيق الوقت. يعتقد بعض القادة أن الحضور الواعي هو إلهاء عن العمل، لكنه في الواقع، يسهل العمل لأنه يزيل الحاجز النفسي ويزيد الثقة بين الأشخاص ويعزز الإنتاجية.
  4. احتراق القادة الوظيفي. لا يستطيع القادة ممارسة الحضور الواعي إذا كانوا يعانون حالة مستمرة من التوتر، فهم يصابون بالعجز المؤقت أو يدخلون في حالة المواجهة أو الهرب بسبب عبء العمل الكبير والصدمات السابقة، ما يجعل تخصيص الوقت لمشاعر الآخرين صعباً.
  5. التواصل الرقمي. التواصل عبر منصة سلاك أو منصات البريد الإلكتروني أو عبر الرسائل النصية، يلغي الإشارات الجسدية التي تجعل الحضور الواعي سلوكاً طبيعياً، كما أن التعبير عن الحضور من خلال كلمات عبر الشاشة فقط صعب.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظنا أن القادة قد لا يدركون المواقف الملائمة لممارسة الحضور الواعي، واكتشفنا أن التوقيت المثالي له هو في المحادثات الثنائية، عندما تشعر بأن الشخص الذي تتحدث إليه مثقل بمشاعر مثل الإحباط والحزن والغضب والقلق، أو عندما يبدو أنه لا يشعر بشيء وأنه مخدر أو معزول. في الكثير من الأحيان، ستستجيب لحالة هذا الشخص العاطفية دون أن تدرك ذلك؛ فتشعر بالاضطراب أو التوتر، وقد تلاحظ أن هذا الشخص منفصل ذهنياً بصورة جلية، كما لو كان كل منكما في عالمه الخاص. هذا هو الوقت المناسب للتعبير عن حضورك التام.

تجنب ممارسة الحضور الواعي عبر الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني أو عبر منصة سلاك، بل من الأفضل ممارسته شخصياً أو عبر مكالمة فيديو؛ فالجهاز العصبي يعتمد على الإشارات الفورية المحسوسة، مثل تعبيرات الوجه ونبرة الصوت ووضعية الجسد والتنفس، للدخول في حالة التجاوب المشترك (أي التي يسهم فيها الجهاز العصبي بإدخال جهاز عصبي آخر في حالة متوازنة من الهدوء). دون هذه البيانات، من المحتمل أن تفشل محاولات التواصل العاطفي.

تذكر، الحضور الواعي ليس شرطاً لخوض المحادثات كلها؛ إذا كان الموظف يطلب النصح أو المساعدة على وضع خطة ما أو ملاحظات حول مهمة عملية، فيجب أن تركز على تقديم الحلول.

الخطوات الخمس للحضور الواعي

الجميل في الأمر هو أن الحضور الواعي مهارة يستطيع أي قائد تعلمها وتطبيقها عند الحاجة، وهي تبدأ بالخطوات الخمس التالية:

1. تحديد الهدف

يبدأ الحضور الواعي بقرار أن تكون مستعداً للإنصات وألا تطلق الأحكام أو تركز على حل المشكلات. قاوم ميلك للانتقاد أو تقديم النصح أو التخطيط أو إنقاذ الموظف من ورطة يمر بها، وكن مستعداً لقضاء الوقت معه دون أن تتخذ أي إجراء فعلي لصالحه.

  • قل لنفسك إنك ستخلق مساحة يشعر فيها الموظف بالأمان.
  • أخبر الموظف بأنك معه وبأنه ليس وحيداً، وبين رغبتك في الاستماع إليه وفهمه. قل له: "ما هي الظروف التي تمر بها؟".
  • حرر نفسك من الشعور بأن عليك تقديم الحلول؛ فوجودك يكفي.

2. الانتقال إلى حالة من الهدوء

حالتك العاطفية معدية؛ فإذا كنت متوتراً أو مستعجلاً، فسيشعر الموظف بذلك. تتطلب ممارسة الحضور الواعي تنظيم المشاعر؛ أي يجب أن تكون هادئاً بما يكفي لاستيعاب تجربته ومحاكاة مشاعره دون إبداء رد فعل.

  • انتبه إلى تنفسك: خذ نفساً عميقاً واخرج الزفير ببطء، أو استخدم تقنية التنفس المربع، التي تتألف من 4 خطوات تستغرق كل منها 4 ثوان، الشهيق، حبس النفس، ثم الزفير وحبس النفس مجدداً.
  • احرص على إزالة المشتتات. أبعد هاتفك وأغلق جهاز الكمبيوتر.
  • الاجتماعات خلال المشي. يمكنك إجراء الاجتماع في أثناء المشي، الذي ينشط نصفي الدماغ، ما يساعدك على التعامل مع التوتر دون أن يؤثر في قدرتك على ملاحظة مشاعر الطرف الآخر، كما سيسهل التواصل والتفاهم بينكما.
  • خذ في الاعتبار تأخير الاجتماع إذا كنت مشتتاً جداً أو منفعلاً. يمكنك أن تقول للموظف: "هذا موضوع مهم وأريد أن أكون حاضراً حقاً. هل يمكننا إجراء الاجتماع في الساعة 3 مساءً؟".

3. إبداء الفضول

حب الاستطلاع هو الترياق المضاد لانتقاد الآخرين. ابدأ المحادثة بانفتاح ولا تضع افتراضات مسبقة؛ فمهمتك هي فهم ما يمر به الموظف لا فرض وجهة نظرك.

  • اسأل نفسك: "ما الذي يمكنني تعلمه من هذه التجربة؟ وما الذي لم أتوقعه فيها؟".
  • قل للموظف: "ما هو أصعب ما مررت به؟" أو "أخبرني عن الموقف الفلاني".
  • امتنع عن التفكير في حل المشكلة وانتبه إلى العواطف التي يخفيها الموظف في كلماته.

4. استمع بجسدك

لا تقتصر ممارسة الحضور الواعي على الاستماع لما يقوله الموظف، بل تتطلب أيضاً استيعاب الصورة الكاملة؛ انتبه لنبرة صوته ولغة جسده والمشاعر التي لا يصرح بها. عندما يشعر الموظف بأنك تنصت له يدخل جهازه العصبي في حالة من الاسترخاء، ما يتيح له معالجة مشاعره والمضي قدماً.

  • أومئ برأسك وحافظ على التواصل البصري اللطيف، واحرص على محاكاة مشاعر الموظف دون أن يشعر.
  • كرر أهم الجمل التي قالها الموظف، يمكنك أن تقول: "يبدو لي أنك تشعر بالإحباط بسبب كذا" أو "أخبرني بالمزيد".
  • تجنب عبارات مثل "أنا أعرف بالضبط ما تشعر به" (لأنك لا تعرف في الواقع)، أو "انظر إلى الجانب الإيجابي" (يقلل ذلك أهمية مشاعر الموظف).
  • خصص وقتاً للصمت.

5. التشجيع على التأمل

عندما تستقر المشاعر، ساعد الموظف على التفكير فيما يمر به والخطوات التالية، فذلك يعزز قدرته على تنظيم مشاعره وحل المشكلة.

  • قل للموظف: "يبدو أن مزاجك تغير".
  • اسأل الموظف: "كيف تشعر الآن؟ هل هناك جوانب أصبحت أوضح؟" أو "ما الذي تعتقد أنك في أمس الحاجة إليه الآن؟".
  • قل عبارة ختامية مثل "شكراً على مشاركة هذا معي" أو "من المهم بالنسبة لي أن أعرف ما تشعر به".
  • لاحظ التحولات اللفظية وغير اللفظية لدى الموظف، بالإضافة إلى أي تحولات في جسدك، واستفد منها لتحسين مهارة الحضور الواعي لديك.

الأثر المتداعي للقيادة

عندما يمارس القادة الحضور الواعي، يشعر الموظفون بأن هناك من ينصت إليهم ويقدرهم؛ ففي عالمنا الذي يزداد فوضوية، شعور الموظف بمكانته هو ما يكسبه القدرة على التحمل ويجنبه الانفصال عن العمل.

إن كنت قائداً، فاعلم أن حضورك بحد ذاته له أهمية كبيرة، ليس بالضرورة أن يكون كلامك مثالياً دائماً، كما أنك لست مضطراً لحل كل مشكلة. كل ما عليك فعله هو الحضور في الحوار مع الموظف بتفهم وهدوء وفضول، والاستعداد لملاحظة مشاعره ومعاناته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي